أكراد العراق والحرب على داعش

A convoy of Kurdish peshmerga fighters drive through Arbil after leaving a base in northern Iraq, on their way to the Syrian town of Kobani ,October 28, 2014. Iraqi peshmerga fighters left Iraq for the besieged Syrian town of Kobani on Tuesday to help fellow Kurds in their battle against Islamic State militants, a senior Kurdish official said. REUTERS/Azad Lashkari (IRAQ - Tags: CIVIL UNREST POLITICS MILITARY CONFLICT)
رويترز


تحولت العلاقة بين تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والأكراد بشكل عام، وأكراد العراق بشكل خاص، إلى علاقة حرب وعداء سواء كان ذلك داخل حدود كردستان العراق أم في سوريا وتركيا، وغيرها من دول وجودهم.

ومنذ التحول "غير المفهوم" لمجريات الحرب في العراق -التي سميت لأول مرة منذ عام 2003 "الثورة العراقية"- ثم بروز اسم "داعش" كقوة رئيسية وحيدة مهيمنة على كل مقدرات المشهد العسكري على الأرض، من الطرق المتجهة صوب العاصمة العراقية بغداد إلى منطقة كردستان العراق وتحديدا نحو عاصمة الإقليم أربيل، باتت العلاقة بين الأكراد وتنظيم الدولة عنوانها "الحرب".

وهي الحرب التي استدعت حضورا وحشدا دوليا كبيرا تصاحبه تعبئة إعلامية جعلت من الأكراد "ضحية"، فيما اكتفى الإعلام بشكل عام بنقل ما يصيب بقية المناطق التي يفعل بها تنظيم الدولة ما يفعل، بإظهار الموضوع بصيغة خبرية لا أكثر.

منذ التحول "غير المفهوم" لمجريات الحرب في العراق، من الطرق المتجهة صوب العاصمة العراقية بغداد إلى منطقة كردستان العراق وتحديدا نحو عاصمة الإقليم أربيل، باتت العلاقة بين الأكراد وتنظيم الدولة عنوانها الحرب

لقد كانت قضية التحول العسكري لتنظيم الدولة نحو كردستان العراق مسألة أثارت الكثير من علامات الاستفهام، واستدعت حضورا للولايات المتحدة تمثل بمجموعة من الخبراء العسكريين وحملات جوية عنيفة بطيار ومن دون طيار ضد مقاتلي الدولة، إضافة إلى وجود مكثف لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، كما تطوعت فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وألمانيا وغيرها بتقديم الأسلحة والتدريب لقوات "البشمركة" الكردية.

إن دخول الأكراد في العراق كجزء رئيسي في معادلة الحرب على تنظيم الدولة وخطفها أضواء التمكن من مواجهتها مع صبغة "المظلومية" التي أجادوا استخدامها خلال كل فترات العلاقة مع أنظمة الحكم في بغداد أغضبا ضمنا الحكومة المركزية، سواء في آخر أيام حكومة نوري المالكي أو خلال فترة تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء، ذاك أن الحكومة ترى في هذا الأمر الكثير من المناورة المحسوبة والمقدرة بدقة من قبل إدارة إقليم كردستان.

وهي المناورة التي ربما تتم بتنسيق عالي المستوى مع واشنطن وباريس ولندن، بغرض فرض حقائق على الأرض، أولاها وليس آخرها تغيير في جغرافية ونفوذ حدود الإقليم بما يمنع بغداد من فرض سيطرتها على الكثير من المناطق التي كانت قبل ما جرى تابعة لمركزية الحكومة العراقية، ناهيك عن تمكين الإقليم من مد حدوده الغربية وقضم الأجزاء الكردية من سوريا، وهو ما تراه أنقرة كذلك وتحسب له ألف حساب بما يمليه عليها وعلى المنطقة من ظروف جديدة قد تقود إلى نزاعات لا يمكن تخمين أبعادها بشكل نهائي ودقيق.

إن الحرب الكردية على "داعش" وفرت أجواء قانونية وطبيعية لولوج أكراد المنطقة -المقيم منهم والمهاجر- إلى ساحات القتال بحجة حماية عين العرب على سبيل المثال.

وبحسب ما ذكرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فإن أكراد سوريا باتوا ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بقيادة الولايات المتحدة، كما أكدت الصحيفة دعوة حزب العمال الكردستاني الشبان الأكراد في جنوب شرق تركيا للانضمام إلى القتال ضد "داعش" في شمال سوريا، وهو ما يعني صحة المخاوف التركية من أن تكون عين العرب هي المدخل الخطير لقلب معادلات واقع الأكراد في المنطقة، وتظن أنقرة -بكثير من الصحة- أن أكراد العراق هم عرابو هذا المخطط، وأن "داعش" ما هي إلا جزء من حلقة في مخطط خطير لتغيير الواقع الحالي في هذا الجزء من الشرق الأوسط.

إن ما نذهب إليه ليس مجرد رأي في هذه القضية، بل هو بموجب ما تفرضه رؤى مراكز البحوث الإستراتيجية والصحف العالمية مثل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وصحف مثل "نيويورك تايمز" و "فايننشال تايمز" و"الإندبندنت" وغيرها بدأ منذ قضية جبل سنجار وسد الموصل ثم عين العرب -بالتلميح أو بالحديث صراحة- عن أن الأكراد هم أكبر مجموعة عرقية مغلوبة على أمرها في العالم تنتشر في أربع دول رئيسية وجارة هي العراق وتركيا وإيران وسوريا، ورغم ذلك لا دولة لهم.

وبموجب هذه الهالة الإعلامية التي منحت لقضية عين العرب وبتنسيق أميركي مباشر مع قيادة مسعود بارزاني في إقليم كردستان العراق سيفضي الحراك الحالي أولا إلى حصول أكراد سوريا على حكم ذاتي يمهد الطريق خلال فترة وجيزة لدمجهم مع كردستان العراق المتطلع دائما لإقامة ما يسمى "كردستان الكبرى".

الغرب -بقيادة الولايات المتحدة- أغدق على أكراد العراق الأسلحة المتطورة، وذهب بمجاميع من البشمركة إلى عواصم غربية عدة من أجل تدريبهم تدريبا راقيا على عدة أمور ليست فقط تلك المتعلقة بالأسلحة الحديثة، فلماذا لم يتحفظ الغرب ويحذر كما كان عبر تاريخ المنطقة الحديث من موضوع تسليح كردستان العراق بل حتى من موضوع نقل بعض هذه الأسلحة إلى دول الجوار؟ كما حدث في تزويد الأكراد السوريين بكميات من الأسلحة والذخائر وبموافقة واشنطن.

قد يكون من العجيب بالنسبة للمتابعين لشؤون أكراد المنطقة أن يكونوا مدللين لهذا الحد في فتح باب التسليح دون حسابات دقيقة وضمانات بعدم تسريب هذه الأسلحة إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي يشكل مصدر قلق عسكري وقومي للحكومة التركية الحليفة للغرب والعضو في حلف الناتو، وهو في حالة حرب مع أنقرة منذ أكثر من أربعين عاما، كما تثير عملية تسليح ودعم أكراد العراق تساؤلات أخرى تتعلق بالحكومة المركزية في بغداد، وهي حكومة حليفة للولايات المتحدة، وترفض بشكل قاطع تزويد الإقليم الكردي بالأسلحة إلا عبر بوابتها، فكان من تجاوز واشنطن والغرب حكومة المركز تغير كبير في موازين القوة العسكرية لصالح الإقليم، وهو ما تفسره واشنطن بسياسة "التمكين" الكردي في الحرب ضد "داعش"!

إن حرب أكراد العراق مع "داعش"، بل سلوك "داعش" المبرمج مع أكراد العراق أفضى إلى عدة مكاسب لإقليم كردستان، منها: تسريع رحيل المالكي، والحصول على أسلحة متطورة عززت القدرات العسكرية للإقليم

أكراد العراق الذين قيل عنهم في الإعلام الكثير باعتبارهم قوة ضعيفة ولا تملك أسلحة أو معدات تمكنها من مواجهة "داعش" هم يملكون في حقيقة الأمر 11 كتيبة حرس إقليمي من المشاة شديدة التسليح، واثنين من الألوية المدرعة تضم ما يقرب من أربعين ألف جندي، إضافة إلى ثلاثين ألف جندي إضافي من الشرطة الخاصة (الزريفاني) والتي هي أقرب للجيش منها إلى الشرطة.

وإذا ما أَضفنا الكوادر الحزبية للحزبين الرئيسيين -الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الكردستاني وعددهم مجتمعين 110 آلاف عنصر والذين تمت تعبئتهم منذ التوتر الذي حصل مع رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي كقوات بشمركة- إلى كتيبتين من القوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب عالية التدريب والاستعداد إضافة إلى منصة إطلاق صواريخ نستنتج أن لدى الأكراد قوة كبيرة تفوق في كثير من الأوجه قوة الجيش العراقي الرسمي الحالي.

إن حرب أكراد العراق مع "داعش"، بل سلوك "داعش" المبرمج مع أكراد العراق أفضى إلى عدة مكاسب لإقليم كردستان، منها: تسريع رحيل نوري المالكي، والحصول على أسلحة متطورة عززت القدرات العسكرية للإقليم التي ساهمت وستساهم أكثر شيئا فشيئا في بروز الإقليم كقوة تهدد بغداد وليس القوى المتطرفة حصرا.

ولأن أكراد العراق قدموا أنفسهم كقوة ضاربة تقدمت لقتال "داعش" على الأرض في وقت غابت فيه القوى العسكرية المنظمة أو الخاصة، سواء التابعة للحكومة المركزية أم تلك التي يفترض أن تساهم بها قوى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، فقد حصلت إدارة الإقليم على تعاطف ودعم دولي لم يكن له مثيل عبر التاريخ.

أضف إلى ذلك بسط الإقليم نفوذه تماما على المناطق المتنازع عليها مع بغداد، فقواته موجودة في كركوك وتسيطر على آبار النفط العملاقة، وهي في سد الموصل وربيعة العربيتين، وتسيطر على مناطق كثيرة حاليا في محافظة ديالى.

هذه التطورات والمكاسب لأكراد العراق ما كانت لتتم على الأقل بهذه السرعة لولا هذا الظهور العسكري المباغت لـ"داعش"، ومن ثم خلق أجواء يبدو إلى حد كبير أنها مرتبة وفق أجندة ما لا يمكن وصفها في أي حال من الأحوال بأنها لصالح العراق الواحد مستقبلا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.