ماذا يحصل في جنوب سوريا؟

Rebel fighters prepare to launch an anti-tank missile during what they said was an offensive against forces loyal to Syria's President Bashar al-Assad around Handarat area, north of Aleppo in an attempt to regain control of the area October 11, 2014. Picture taken October 11, 2014. REUTERS/Abdalghne Karoof (SYRIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST)
رويترز


تصريحات نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بأن سقوط الأسد سيقضي على أمن إسرائيل، وقيام حزب الله بزرع مفخخة في مزارع شبعا، حدثان يقعان في سياق واحد، لم يخف الطرفان مضامينه، فهو يحمل رسالة إلى من يهمه الأمر بأن سقوط نظام الأسد سيكون له عواقب قاسية.

وتعزيزا لهذا أرسلت إيران 2000 عنصر من الحرس الثوري، وقامت روسيا بتزويد نظام الأسد بأصناف جديدة من الأسلحة يجري استخدامها خارج روسيا للمرة الأولى.

السؤال: ما أسباب هذا التغير المفاجئ، أو ما يمكن تشبيهه بالاستنفار في هذا الوقت بالتحديد؟

يشعر نظام الأسد بخطر جدي قادم من الجنوب، تمثله الكتائب والألوية العاملة في المنطقة الجنوبية، والتي تطبق على دمشق ببطء ولكن بشكل حثيث، وتدمر دفاعات النظام على امتداد قوس يمتد من اللجاة شرقا حتى جنوب لبنان غربا

تشير التطورات إلى شعور نظام الأسد بخطر جدي قادم من الجنوب، تمثله الكتائب والألوية العاملة في المنطقة الجنوبية، والتي تطبق على دمشق ببطء ولكن بشكل حثيث، وتدمر دفاعات النظام على امتداد قوس يمتد من اللجاة شرقا حتى جنوب لبنان غربا، وتهدد ببناء خطوط إمداد لوجستي باتجاه العاصمة، خاصة ريفها الغربي الذي بات بين فكي كماشة قوات الثوار من درعا والقنيطرة.

ولا شك أن إنجاز هذا الأمر سيشكل خطرا قاتلا على سلطة نظام الأسد الذي تمثل العاصمة دمشق آخر رموزها بعد سقوط كامل رموز النظام في السنوات الثلاث الماضية.

تمتد فعالية الثوار في هذه المنطقة على مساحة جغرافية، ثلاث محافظات، درعا، القنيطرة، والجزء الجنوبي من محافظة دمشق، وتتحكم بحدود الأردن والجولان المحتل، وتصل تلك الفعالية إلى حدود لبنان الجنوبي، وتشكل المنطقة شبه مثلث رأسه في أقصى الجنوب الغربي عند ملتقى وادي الرقاد بنهر اليرموك، عند زاوية الحدود مع الأردن والأراضي السورية المحتلة، وقاعدته على أطراف دمشق.

أغلب هذه المنطقة ذات طبيعة سهلية بامتداد سهل حوران، في حين تتعقد التضاريس في الجزء الغربي لجهة محافظة القنيطرة حيث تتضمن مجموعة من التلول والأودية ومجاري الأنهار وسفح جبل الشيخ الذي يربط هذا الجزء مع الجزء الجنوبي من لبنان.

تعد المنطقة ثكنة عسكرية كبيرة تحتوي على عدد كبير من القطع العسكرية، بحكم التراكم التاريخي لتشكيل الفرق العسكرية في المنطقة باعتبارها منطقة مواجهة أمامية مع إسرائيل، على مدار أكثر من نصف قرن من التأسيس والإنشاء، وهو ما شكل تعقيدا كبيرا أمام الثوار، في المراحل الأولى من الثورة، إذ لم يكن من السهل السيطرة على تلك الخريطة الواسعة والكثيفة في الوقت نفسه من الوجود العسكري بالإمكانات البسيطة والبدائية لدى الثوار في حينه، علما بأن هذه المنظومة تحولت إلى واحدة من أكبر أدوات النظام لقمع الثورة في هذه المنطقة.

وقد امتاز عمل الثوار بالصبر الإستراتيجي لتفكيك هذه المنظومة العسكرية المتضخمة التي تترابط بشبكة كبيرة من طرق المواصلات، كما استغرق استنزاف هذه المنظومة وتشتيتها وإخراجها من دائرة الفعالية وتعطيل قدراتها على قمع السوريين وقتا كبيرا، حيث تقدر بأكثر من ثلث القوة العسكرية للنظام السوري، والواقع أن النظام بنى هذه السلسلة المعقدة كجزء من عملية الحفاظ على النظام في العاصمة، وكانت عبارة عن أطواق عديدة "نطاقات"، وقد أولى النظام اهتماما كبيرا بهذا النطاق لقربه من العاصمة.

من الواضح أن الثوار استطاعوا إحداث تغييرات كبيرة في معادلة الصراع خاصة في موضوع الخبرة والتدريب ويصرون على استكمال النهج الذي بدؤوا فيه ويقوم على قضم المناطق واحدة تلو الأخرى

قام عمل الثوار على تفكيك هذه السلسلة حلقة بعد أخرى، وكانت المشكلة الكبرى في كون تلك المنطقة مكشوفة بشكل كبير أمام القوى الجوية السورية بشكل يسهل استهدافها، خاصة أن النظام يمتلك ميزة السيطرة على الأجواء في منطقة مكشوفة تماما، لذا سعى الثوار إلى سد هذا النقص باتباع تكتيكات أكثر مهارة واحترافية لمواجهة كثافة النيران الجوية التي حاول نظام الأسد إغراقهم بها.

اليوم يصل الثوار إلى مرحلة بالغة الخطورة بعد استنزافهم لقوات النظام، وحسب المعطيات لم يتبق في المنطقة من القوة العسكرية سوى بقايا الفرقة التاسعة والخامسة والفرقة الأولى على أطراف دمشق، وبقايا قطع عسكرية في منطقة قطنا.

وفي حين يسيطر الثوار على مناطق خان الشيح، يعاني النظام من نقص في عديد رجاله، ويعتمد في الصمود على عمل قوس ناري يحمي آخر مواقعه في هذه المنطقة، وهذه الحماية مستمرة طالما هناك كثافة نارية وقوة جوية تحميها، دون احتساب أي متغيرات من شأنها إحداث فوارق مهمة في الميدان، خاصة على صعيد نوعية السلاح، ذلك أن محاولات الثوار المتواترة شكلت حالة من الإرهاق الكبيرة لدى مليشيات الأسد انعكست بدرجة واضحة في تناقص عدد الرجال، وهو ما بينته عمليات الحصار التي قام بها الثوار لبعض القطع العسكرية ومن ثم إسقاطها دون مقدرة النظام على مدّها بالمقاتلين والعتاد.

ومن الواضح أن الثوار استطاعوا إحداث تغييرات كبيرة في معادلة الصراع، خاصة في موضوع الخبرة والتدريب، ويصرون على استكمال النهج الذي بدؤوا فيه ويقوم على قضم المناطق واحدة تلو الأخرى.

في حال استكمال الخطة يبدو أن دمشق ستكون تحت حصار خانق وإمكانية فتح منافذ عديدة للوصول إلى قلبها، وهذا الأمر سيكون الضربة القاضية على النظام، وما يزيد الوضع تعقيدا تزامن هذا المتغير مع حصول تغييرات في مستوى التأييد السياسي للمحافظة الجنوبية الأخرى السويداء ذات الأغلبية الدرزية التي بدأت تتململ من خسائر أبنائها في معارك النظام، وهي تنتظر حصول تغييرات في موازين القوى لتعلن موقفا أكثر وضوحا من نظام الأسد، وبذلك يكون القوس من الجنوب قد جرى إطباقه بشكل تام على العاصمة دمشق.

حاول النظام القيام بالعديد من التكتيكات من أجل تعطيل ديناميكية الثورة عليه من الجنوب، منها محاولة خلق فتنة بين أهل درعا والسويداء، علّ ذك يساهم في إشغال الثوار وإبطاء تقدمهم، كما حاول تشويه سمعة الثوار في المنطقة من خلال الادعاء بوجود تعاون بينهم وبين إسرائيل، وأن هذه الأخيرة تقدم لهم خدمات لوجستية واستخبارية تساعدهم في النجاح بمعاركهم، وذلك بهدف تحريض البيئة الحاضنة لهم وإسقاط شرعيتهم لدى سكان دمشق.

مشكلة النظام وحلفائه فقدانهم لأوراق القوة في مواجهة هذا الزحف، وبالتالي يجربون آخر أوراقهم وأكثرها خطورة، كالتصعيد على جبهة جنوب لبنان أو إعادة تقديم أوراق اعتماد إلى إسرائيل لإقناعها بأنهم وحدهم من يضمن حماية حدودها

كما سعى إلى إعادة خلط الأوراق في المنطقة من خلال زرع بعض المتفجرات في جبهة الجولان لإشعارها بالخطر الذي قد ينتظرها في حال سيطرة تلك الكتائب على الشريط الحدودي بدل قوات نظام الأسد التي ضمنت الاستقرار في المنطقة على مدار عقود طويلة، غير أن كل تلك التكتيكات قد جرى استيعابها وتفكيك ذرائعها ولم يبق أمام نظام الأسد سوى البحث عن أسباب عملية للصمود أمام هذا الزحف العنيد.

اليوم يشعر النظام أن خطر الجبهة الجنوبية هو الأكثر إلحاحا، على اعتبار أن الجبهات الأخرى يوجد بينها وبين دمشق فاصل جغرافي كبير، وجبهة القلمون جرى تحويلها إلى كتائب استنزافية وليست هجومية، في حين يحاصر النظام جبهة الغوطة.

أما جبهة الجنوب فقد أكملت مراحل تشكلها، وهي بخلاف الجبهات الأخرى لا تعاني من حالة الانقسام وتعدد الولاءات، حيث تدير أمر عملياتها غرفة واحدة مشتركة، كما أن كل عناصرها وكوادرها هم من أبناء المناطق ولا يوجد أي غريب بينهم، يضاف إلى ذلك أن ثمة خطرا آخر يتمثل بإمكانية إعادة ربط الجبهات المتناثرة حول دمشق في حال ملامسة الكتائب القادمة من الجنوب لحواف الجغرافيا الدمشقية، مما قد يشكل معصما حول دمشق "يزنّرها" بكتائب المعارضة ويحاصر قوات الأسد والمليشيات الحليفة لها ويغلق طرق الإمداد عنها.

تشير الكثير من التقديرات إلى أن معركة الجنوب قد تشكل نقطة فارقة في مسار الحدث السوري ربما يقلب المعادلة بكاملها، واقتراب ثوار الجنوب من دمشق بات يضغط على أعصاب نظام الأسد وحلفائه.

ولعلّ المشكلة التي يواجهها النظام وحلفاؤه فقدانهم لأوراق القوة في مواجهة هذا الزحف، وبالتالي هم يجربون آخر أوراقهم وأكثرها خطورة، كالتصعيد على جبهة جنوب لبنان أو إعادة تقديم أوراق اعتماد إلى إسرائيل لإقناعها بأنهم وحدهم من يضمن حماية حدودها على ما ذهب عبد اللهيان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.