الشباب المصري والاستفتاء على الدستور الجديد

تصميم مقال الكاتب / بشير عبد الفتاح - الشباب المصري والاستفتاء على الدستور الجديد

undefined

مؤشرات الغياب
أسباب العزوف
مخاطر محتملة

رغم أن التعديلات الدستورية قد مررت وأجيز الدستور الجديد كخطوة أولى ومحورية على درب استكمال خارطة المستقبل، بعد أن أكدت الأرقام الرسمية الصادرة عن اللجنة العليا للانتخابات أن عدد المشاركين في الاستفتاء الدستوري قد بلغ 20 مليونا و613 ألفا و677 بنسبة تصويت 38.6%، فيما بلغ تعداد المصوتين بـ"نعم" 19 مليونا و985 ألفا و389 بنسبة 98.1%، وعدد المصوتين بـ"لا" 381.341 بنسبة 1.9%، فإن عملية الاستفتاء على الدستور الجديد قد طرحت تساؤلات مهمة، يتصل أبرزها بالمشاركة التصويتية للشباب بعد 30 يونيو/حزيران الماضي.

فرغم أنه كان صانعا لثورة يناير 2011 ومفجرا لموجتها الثورية التصحيحية اللاحقة في يونيو/حزيران 2013، فإن جدلا حامي الوطيس قد اندلع إبان الاستفتاء على دستور 2014 بشأن تقويم معدلات مشاركة الشباب في هذا الاستفتاء، والتي ألمحت مؤشرات شتى إلى أنها لم تكن تتناسب مع ذلك الدور الريادي للشباب الثائر.

مؤشرات الغياب
رغم عدم إجراء تحليل عمري أو جيلي معتمد للمشاركين في الاستفتاء، إذ لم تعلن السلطات رسميا نسبا محددة للشرائح العمرية التي اقترعت، فإن مراقبين قد لمسوا تواضعا لافتا في نسبة مشاركة الشباب في التصويت على ذلك الاستفتاء عبرت عنه مؤشرات عديدة، كان من أبرزها:

شهادات مراقبين وممثلي منظمات المجتمع المدني وصحفيين فضلا عن مواقع شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها, ذهبت جميعها إلى أن نسبة المشاركين الأقل من30 عاما وصلت إلى16% فقط, مقابل 30% من سن 45 إلى 60 عاما

– شهادات مراقبين وممثلي منظمات المجتمع المدني وصحافيين فضلا عن مواقع شبكات التواصل الاجتماعي إلى جانب المحادثات مع نماذج متباينة من الشباب، علاوة على الملاحظة المباشرة من قبل المراقبين في لجان الاستفتاء، وما نشر عن تطبيق نظام القارئ الإلكتروني لبطاقة الرقم القومي للناخبين في عدة لجان, والتى ذهبت جميعها إلى أن نسبة المشاركين أقل من30 عاما وصلت إلى 16% فقط, مقابل 30% من سن 45 إلى 60 عاما.

وهو الأمر الذى يعكس تراجعا واضحا في مشاركة الشباب من الفئات العمرية من 18-34 سنة في هذا الاستفتاء مقارنة باستفتاءات واستحقاقات انتخابية سابقة.

فى السياق أكد مصدر قضائي لصحيفة "الشروق" اليومية المصرية أن 16% فقط من الشباب هم من شاركوا في الاستفتاء تبعا لبيانات محافظتي القاهرة والجيزة.

ولفت إلى أن نسبة المقيدين في الجداول الانتخابية من الفئة العمرية 21 إلى30 عاما شكلت 15.5 مليون بنسبة 30% من إجمالي الذين لديهم الحق في التصويت, وتليهم فئة الشباب المتقدم عمريا بين 31 و40 عاما, بإجمالي 11.6 مليون، وبنسبة 22%. وبذلك يصل إجمالي الشباب المقيدين بجداول الناخبين 52% من الجنسين.

– رغم نفي بعض وسائل الإعلام المحلية تراجع مشاركة الشباب في الاستفتاء، فإنها لم تدخر وسعا في إظهار مدى قلق السلطات من هذا التراجع، الذي أفرد له مجلس الوزراء نقاشا موسعا ولقاءات متوالية مع قيادات ورموز شبابية.

وعقب الاستفتاء مباشرة، عمدت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة بشتى صورها إلى التخفيف من حدة الهجوم على شباب القوى الثورية، بعد أن اجتمع مسؤولون في الاستخبارات مع رؤساء وملاك قنوات خاصة عدة وأكدوا لهم أن الدولة لا ترحب بحملات التشويه التي تشنها بعض وسائل الإعلام على شباب ثورة يناير تحديدا.

وقبل أيام من إحياء الذكرى الثالثة لثورة يناير 2011، سعت السلطات جاهدة لاحتواء مطالب وغضب بعض شباب تلك الثورة، من خلال عقد لقاءات رسمية بين مسؤولين بالحكومة ورموز شباب ثورة يناير.

وهو الأمر الذى فسره مراقبون وعدد من شباب الثورة بأنه رد فعل رسمي لمحاولات البعض تشويه الثورة وصناعها من الشباب، الذين أحجم الكثير منهم عن المشاركة في الاستفتاء على الدستور، كما يعكس حرص الدولة على الحيلولة دون استقطاب شباب الثورة من جانب جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنت نيتها تشكيل تكتل ثوري معارض للتظاهر إبان الاحتفالات.

ففي يوم 18 يناير/كانون الثاني الجاري، دعت الحكومة قوى شبابية إلى اجتماع بمقر وزارة التضامن الاجتماعي، حضره وزراء التضامن أحمد البرعي، والإسكان إبراهيم محلب، والصناعة منير فخري عبد النور، ونحو 25 شابا بينهم المنسق العام لـ"حركة 6 أبريل" عمرو علي وعضو المكتب السياسي لـ"تيار الشراكة" محمود عفيفي.

وأوضح علي، الذي قاطعت حركته الاستفتاء على الدستور، أن عدد المشاركين في الاجتماع كان كبيرا، وأنه استشعر قلق الوزيرين البرعي وعبد النور من عزوف الشباب عن المشاركة في الاستفتاء.

وأثناء الاجتماع ، أبدى ممثلو الشباب استياءهم من حديث رئيس اللجنة العليا للانتخابات القاضي نبيل صليب عن أنه "لولا امتحانات الجامعات لارتفعت نسبة المشاركة في الاستفتاء" ولا سيما أن استفتاء 2012 جرى وسط الامتحانات، كما اندلعت تظاهرات 30 يونيو في خضم الامتحانات وشهدت مشاركة شبابية كثيفة.

وفى يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري، عقد حازم الببلاوي، لقاء بمجلس الوزراء مع قيادات تيار المستقبل، بحضور كل من أحمد البرعي وزير التضامن، وخالد عبد العزيز وزير الشباب، ناقش خلاله مخاوف الشباب من اختطاف ثورة يناير وعودة نظامي مبارك ومرسي، ومحاولات البعض تشويه ثورة ٢٥ يناير والتقليل منها أو تصويرها على أنها مؤامرة جاءت ٣٠ يونيو للتخلص منها.

وفى يوم 21 يناير/كانون الثاني الجاري عقد الرئيس عدلي منصور اجتماعا موسعا مع عدد من شباب القوى الثورية للتباحث حول مطالبهم.

كذلك، أقدم وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على التأكيد أن نظام مبارك لا يمكن أن يعود، كما هرع مستشارو الرئيس منصور في مؤتمرات صحفية عدة للتأكيد على استحالة عودة نظام مبارك، بل وكيل الاتهامات لحكمه ونظامه وسياساته، فى محاولة لاسترضاء شباب الثورة وتبديد أي هواجس لديهم بشأن عودة هذا النظام مجددا.

أسباب العزوف
عزا مراقبون تواضع مشاركة الشباب في الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية إلى أسباب عديدة، أهمها شعور الشباب بالإحباط نتيجة للإحساس باختطاف الثورات وعودة فلول نظام مبارك، وهو ما يرونه جليا في ملامح شتى، أبرزها:

يرجع مراقبون تواضع مشاركة الشباب في الاستفتاء الأخير إلى أسباب عديدة، أهمها: شعور الشباب بالإحباط نتيجة للإحساس باختطاف الثورات وعودة فلول نظام مبارك، واستمرار الهجوم على ثورة يناير ورموزها

– تفاقم دور المكون الفلولي المحسوب على نظام مبارك في عملية الحشد والتعبئة للتصويت بـ"نعم" على التعديلات الدستورية وتأييد ترشح السيسي لرئاسة الجمهورية، بينما يقبع بعض قادة ثورة يناير في السجون أو يعاني بعض آخر حظرا من السفر للخارج، فيما تحاصر الاتهامات بعضا ثالثا بالعمالة لقوى أجنبية.

– بروز ما يمكن تسميته ظاهرة "الإعلام الأمني" قبل أسابيع قلائل من عملية الاستفتاء على الدستور، وهو ما وضح في دفع بعض الدوائر والأجهزة الأمنية بإعلاميين ومقدمي برامج تلفزيونية وإذاعية عبر وسائل الإعلام الخاصة وتزويدهم بملفات وتسجيلات لاتصالات تخص ناشطين سياسيين وشخصيات عامة، من بينهم شباب شارك في ثورتي يناير ويونيو، وبثها علانية بالمخالفة للقانون وعدم تقديم المسؤولين عن ذلك أو المتورطين فيه للعدالة، بغية تشويه شباب الثورة بالتزامن مع تبييض وجوه نظام مبارك.

الأمر الذي أفضى إلى تنامي مشاعر السخط الجماهيري على رموز ثورة يناير، فيما بدا جليا في اعتداء نسوة على الناشطة إسراء عبد الفتاح في حي السادس من أكتوبر أمام إحدى لجان الاقتراع على الدستور، وطردهن إياها بعد أن اتهمنها بـ"العمالة" والخيانة.

ومما عزز شعور هؤلاء الشباب بالإحباط أن مثل هذا الهجوم على ثورة يناير لم يكن حدثا عابرا، ولكنه كان في جانب منه بمثابة خطاب سلطة تكمن وراءه أجهزة متنفذة ولوبي رجال أعمال مبارك الساعي إلى توجيه الرأي العام عبر ترويج اتهامات يسوقها أشخاص معروفون بقربهم من نظام مبارك وأجهزة أمنه الباطشة، وقد أحسن الببلاوي صنعا حينما أكد عدم العودة للوراء والتحقيق في تسريبات نشطاء ثورة يناير.

وقد شكلت الدعاية المفرطة والمبالغ فيها وغير المبررة من قبل الدولة وإعلامها الرسمي والخاص لتمرير التعديلات الدستورية حدا كان قريب الشبه بطرق وأساليب الحشد والتعبئة الجماهيرية التي دأب نظام مبارك والإخوان المسلمون من بعده على اتباعها، حتى إن كبار المسؤولين كانوا لا يتورعون عن حض المواطنين على التصويت بـ"نعم" علانية عبر وسائل الإعلام وفى المحافل والمناسبات الرسمية، فضلا عن هيمنة مناخ طائفي وتحريضي على عملية الاستفتاء، خصوصا حيال من يمارسون حقهم الدستوري في التصويت بـ"لا" على التعديلات الدستورية.

فقد رصد تقرير شبكة "مراقبون بلا حدود" لمؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان عن الاستفتاء, تراجعا في مشاركة الشباب لأسباب منها اعتراضهم على توقيف موزعي منشورات رافضة للدستور، فضلا عن ضغوط وسائل الإعلام للتصويت بالموافقة بدلا من ترك حرية الاختيار للشباب, ومحاولة تشويه بعض شباب ثورة يناير.

هذا إضافة إلى تملك الشعور بالإحباط من كثيرين وتآكل ثقتهم في جدوى المشاركة باستحقاقات خمسة سابقة لم تتمخض عن تحول ديمقراطي حقيقي أو تسفر عن تنمية اقتصادية جادة، كما لم تتمخض عن استقرار أمني ملموس.

كذلك، عزا الشباب عزوفهم عن المشاركة إلى استبعادهم من التمثيل في المناصب التنفيذية وتهميشهم في المجال العام وعدم الاستجابة لمطالبهم المتمثلة في تشكيل مجلس وطني لهم بمنأى عن هيمنة الدولة.

لذا، أكد الناطق باسم حركة "تمرد" حسن شاهين في الاجتماع مع ممثلي الحكومة ضرورة الشراكة الحقيقية بين الدولة وشبابها حتى يكون هناك بديل عن نظامي مبارك ومرسي.

كما طالب الشباب بتفعيل مشروع العدالة الانتقالية في شكل حقيقي، ووضع ميثاق شرف إعلامي وفقا لما ورد في خارطة الطريق.

وفي نقاشه مع بعض الوزراء في اجتماع 18 يناير/كانون الثاني الجاري، أكد عصام الشريف، المنسق العام للجبهة الحرة للتغيير السلمي، أن المشاركين اتفقوا على مجموعة من المطالب قبل المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، في مقدمتها الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ومنهم علاء عبد الفتاح وأحمد دومة وأحمد ماهر، وتشكيل لجنة من مجلس الوزراء لفحص كشوف المعتقلين.

مخاطر محتملة
على خلاف الطرح السابق، ثمة من يرى في الأرقام الرسمية النهائية التي صدرت عن اللجنة العليا للانتخابات بشأن الاستفتاء على التعديلات الدستورية ما يؤكد أن مشاركة الشباب في الاستفتاء كانت عالية.

وفقا لأرقام رسمية، بلغ عدد الذين صوتوا ما بين الثامنة عشرة  والعشرين 1.8 مليون مواطن، وعدد من صوتوا بين 21 سنة و30 سنة 7.4 ملايين أي أننا أمام 9.2 ملايين شاب ذهبوا إلى الاستفتاء بنسبة تتجاوز 45٪ من إجمالي المصوتين

فوفقا لتلك الأرقام، بلغ عدد الذين صوتوا ما بين سن الثامنة عشرة والعشرين 1.8 مليون مواطن، وعدد من صوتوا بين 21 سنة و30 سنة 7.4 ملايين، أي أننا أمام 9.2 ملايين شاب ذهبوا إلى الاستفتاء بنسبة تتجاوز 45٪ من إجمالي المصوتين، وهى نسبة ليست قليلة، ولا تسمح بالقول القاطع إن الشباب قاطعوا، ولكن الصحيح أن بعض الوجوه الشبابية التي لمعت إعلاميا بعد ثورة 25 يناير لم يكن لها ظهور لافت هذه المرة، وهنا يختلف الأمر، فهؤلاء ليسوا هم كل شباب مصر.

وسواء اعتمدنا ذلك الطرح الأخير أو أخذنا بسابقه، تبقى حقيقة لا تقبل التشكيك، مفادها أن الدستور الجديد قد أقر بالفعل وأن غياب قطاع من الشباب عن عملية الاستفتاء عليه لم يؤثر بالسلب في هذا الصدد.

غير أن السؤال عن دور الشباب في بناء مصر الجديدة يبقى ماثلا للعيان، ولا سيما أن مصر تصنف بأنها مجتمع شاب، حيث يشكل الشباب ما بين 18 و40 عاما أكثر من ثلثي سكانه، كما يسهم بما نسبته 52% من إجمالي المقيدين بجداول الانتخابات، وهو الذى صنع ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، ولا تزال البلاد على موعد مع استحقاقين مصيريين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية على التوالي.

ولا أحسب أن الحديث عن استقرار أو توافق سياسي أو أمن مجتمعي أو ديمقراطية حقيقية قد يستقيم بينما لا تتسع دائرة المشاركة السياسية لتطال فصائل وطنية مؤثرة لا يمكن التقليل من شأنها أو إغفال دورها في الحراك الثوري الباعث لكل تلك التطلعات والغايات كالشباب أو بعض فصائل الإسلام السياسي المعتدل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.