تطورات المنطقة والمحكمة الخاصة بلبنان

تطورات المنطقة والمحكمة الخاصة بلبنان . الكاتب :أنطوان صفير

undefined

اعتادت منطقة الشرق الأدنى بصورة خاصة أن تعيش على وقع المسائل النزاعية وصراع المصالح الكبرى نظرا لما تختزنه من ثروات طبيعية كمّا وبحكم تركيبتها السياسية والدينية المتداخلة.

أما الحراك الذي نعيشه منذ مدة غير طويلة، فقد تزايد إلى حد ملامسته مجمل القضايا الإقليمية والمحلية بأبعادها الدولية، وما تحمله من إستراتيجيات أو خرائط طرق مرسومة أو ترسم لهذه المنطقة من العالم.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر نطالع في النقطة الأولى, الأزمة السورية المفتوحة التي تشكل "حرب أمم" في بعض جوانبها مضافا إليها ما للسوريين من حقوق في بناء بلدهم وفق ما يرونه مناسبا.

أما النقطة الثانية فتتعلق بالملف النووي الإيراني بما يمثل من ملف محوري جيوإستراتيجي ستنبثق من حلّه، مرحلة جديدة في المنطقة تكون لها أطر مختلفة عن المرحلتين السابقة والحالية لدور إيران في المنطقة وتفاعلها مع محيطها وسياستها العامة تجاه الدول العربية والغربية إضافة إلى كيفية تواصل الفرقاء الذين تتواصل معهم في أكثر من دولة وأبرزهم حزب الله بما له من دور مركزي في لبنان ومحوري على الصعيد الجيوسياسي.

لن يستطيع جنيف٢ -الذي يعد مرحلة أو خطوة إضافية على طريق مؤتمرات أخرى- إخراج الحل الشامل والكامل للأزمة السورية بكافة جوانبها

أما النقطة الثالثة فتتمثل بجنيف٢ الذي يعد مرحلة أو خطوة إضافية على طريق مؤتمرات أخرى, لن يستخرج الحل الشامل والكامل للأزمة السورية بكافة جوانبها.

إذ إن عناصر التفاهمات الدولية لم تكتمل بين الأميركيين والروس من جهة وبين إيران ومجموعة الست، طالما أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن بصورة خاصة، لم يكّرس في القانون الدولي ما تم التوافق عليه سياسيا وعلى أعلى المستويات.

وفترة الستة أشهر المحددة ليست فترة سماح بقدر ما تشكل مرحلة اختبار للتواصل والتوافق بخطوطه العامة.

أما السبب الآخر لعدم قدرة جنيف٢ على استنباط حلول عملية وسياسية يكمن في أن موازين القوى على الأرض في سوريا تتشابك بشكل غير مسبوق إلى حد أضحى النظام من جديد فريقا مركزيا في مواجهة "معارضات" متناثرة الجوانب، جرتها الظروف المختلفة إلى حروب جانبية لا تقل ضراوة عن الصراع.

أما الوضع اللبناني الواقع في دائرة الانتظار، فهو هشّ ولا شك تهزه من وقت لآخر أحداث أمنية لم تزل محدودة في الزمان والمكان تمثل النتيجة المباشرة للأزمات السورية المستعرة بين أكثر من طرف مع حضور لافت لقوى ومنظمات قرارها لا مركزي متشتت وأهدافها غير محدودة بشكل علني وواضح.

ولكن القرار الدولي والإقليمي بتحييد لبنان عن دائرة صراع الأمم في سوريا وتداعيات ما يجري في أكثر من دولة في المحيط لم يزل يشكل عازلا يحول دون اندلاع نزاعات في لبنان لا طائل منها.

في هذا السياق، تبلورت الأجواء الملطفة إقليميا عبر مشاورات جديدة لافتة بسرعتها نحو تشكيل حكومة لا تزعج أطرافا مؤثرة إلى حد منازعتها.

مما يعني والحالة هذه أن المسار الحكومي الذي سينجز يشكل ولا شك تحولا إيجابيا يمهد لانتخابات رئاسية يتخوف من عدم حصولها أكثر من مرجع روحي وزمني، لما للفراغ من تداعيات خطرة على الكيان اللبناني بطبيعته الميثاقية.

إذن الأزمات اللبنانية لم تزل موضوعة جانبا على أمل الولوج إلى تسويات إقليمية شاملة تنعكس على واقع الحال.

أما الأزمات السورية القاتلة فتنتظر إطارا شاملا لم تنجز حيثياته بعد, مما يبشر باستمرار دورات العنف مع ما لها من نتائج سلبية على كل الصعد.

البارز في هذه المحاكمات أنها غيابية بحكم عدم مثول أي من المتهمين الخمسة أمامها مما أعطى للمحكمة سلطة الشروع بالمحاكمة وفق الأصول الغيابية

من جهة ثانية، تنطلق أولى الجلسات العلنية لغرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان والتي أنشئت بموجب القرار الدولي ١٧٥٧ الصادر عن مجلس الأمن الدولي.

وهذه المحاكمات تشكل المرحلة الثانية من الإطار القضائي لملاحقة ومعاقبة من قام بجريمة ١٤ فبراير/شباط ٢٠٠٥ والتي أودت بحياة الرئيس رفيق الحريري وعدد من المواطنين، من قام بها فاعلا أو محرضا أو ممولا أو متدخلا أو شريكا أو مخططا، وولاية المحكمة تشمل هذه الجريمة المركزية.

هذه المرحلة تستكمل حكما وما قامت به لجنة التحقيق الدولية التي شكلت بموجب القرار ١٥٩٥ والذي تتوجت نتائجها بما أصدره المدعي العام لدى المحكمة من قرار اتهامي ربما لم يبرز كافة جوانبه للعلن، بعدما استحصل على مصادقة قاضي الإجراءات التمهيدية.

والبارز في هذه المحاكمات أنها غيابية بحكم عدم مثول أي من المتهمين الخمسة أمامها مما أعطى للمحكمة سلطة الشروع بمحاكمة وفق الأصول الغيابية حسبما ينص القسم السادس من قواعد الإجراءات والاتهامات لكافة جوانبه للعلن.

سمة الغيابية تعني في الواقع القانوني عدم القدرة على توقيف المتهمين أو حتى تبليغهم.
أما من ناحية الواقع القضائي، فإن الأصول الغيابية تعني أن المتهم لم يمثل ولم يكلف أي محام لتمثيله والدفاع عنه، مما جعل المحكمة تعين محاميا أصيلا ومحاميا ومعاونا لكل منهم ليقوموا بدراسة الأوراق والدفاع عنهم حسب الأصول المحددة في نظام المحكمة الخاصة بلبنان وفي قواعد الإجراءات والإثبات الذي تسير وفق أحكامها.

حتى أنهم بقوا متوارين رغم مرور المهل المحددة بعد صدور التبليغ العلني عن المحكمة، وهذا يعني فيما يعني عدم قدرة أي دولة على تسليمهم إما تقاعسا أو لعدم القدرة الفعلية.

أما من ناحية الواقع القضائي فإن الأصول الغيابية تعني أن المتهم لم يمثل ولم يكلف أي محام لتمثيله والدفاع عنه، مما يؤدي إلى إعادة الأمور إلى بدايات الإجراءات، أي إلغاء جميع الإجراءات التي تمت والشروع بالإجراءات من جديد على أنه يمكن للمحكمة بعد موافقة الدفاع اعتماد قسم من الإجراءات الغيابية في الإجراءات الجديدة مع تحديد مداها.
 

انطلاق المحكمة هو تطور سياسي بارز وله مظهر من مظاهر المعادلات الإقليمية، ولكن نتطلع إليها بمفهومها القانوني ومسارها القضائي كي لا تكون السياسة عثرة لها

إذ إنه يعود للمتهم أن يطلع ويعين من يمثله كمحام ويتقدم بطلبات وما سواها من حقوق الدفاع المكفولة في كافة الشرائع القانونية الدولية وفي نظام المحكمة والأصول المتبعة أمامها، إذا وافق المتهم على سير الإجراءات من حيث وصلت.

أما الاحتمال الأبرز فهو حسب المادة ١٠٩ من قواعد الإجراءات والإثبات مثول المتهم أمام المحكمة بعد انتهاء إجراءات المحاكمة وصدور الحكم.

وهنا يعود له أن يقبل الحكم والعقوبة خطيا، كما يمكنه طلب إعادة محاكمته، كما يمكنه القبول الخطي بالحكم وطلب عقد جلسة جديدة لإعادة النظر بالعقوبة.

وفي كل الأحوال يمكنه استئناف قرار تجريمه ومعاقبته.

خاتمة القول، إن مسار المحكمة ليس قصير المدى لأن طبيعة المحاكمات الدولية تأخذ وقتا وجهدا خصوصا مع محكمة سيمثل أمامها شخصيا أو بواسطة الفيديو-التلفاز أو خطيا، مئات الشهود، وستنظر بآلاف الصفحات مع ما تحتويه من قرائن وأدلة وإثباتات، إضافة إلى ما سيأخذه الدفاع والمتضررون من موقف وما سيناقشونه من حيثيات.

تقنيا المحكمة ستأخذ وقتا كافيا قبل إصدار أحكامها المعللة.

انطلاق المحكمة في أحد أوجهه هو تطور سياسي بارز وله مظهر من مظاهر المعادلات الإقليمية، ولكن نتطلع إليها بمفهومها القانوني ومسارها القضائي كي لا تكون السياسة سبب عثرة لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.