إسرائيل والكيميائي السوري

تصميم للمعرفة - إسرائيل والكيميائي السوري

undefined

منذ بداية "الربيع العربي" باتت إسرائيل تقف في مواجهة واقع لم تعتد عليه، بعدما خبرت منذ قيامها ولأزيد من ستة عقود، العيش مع أنظمة استبدادية استطاعت إضعاف دولها وتهميش مجتمعاتها، وإخراجها من معادلات الصراع العربي الإسرائيلي.

والواقع أن الثورات الشعبية التي جاءت كردّة فعل على استعصاء التطور التدريجي والطبيعي والسلمي، في الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلدان العربية، كانت بمثابة هزّة أرضية (حسب تعبير لبنيامين نتنياهو)، إذ أسقطت تلك النظم، وغيّرت من المعادلات السابقة، بصعود المجتمعات إلى مسرح التاريخ كفاعل سياسي، وذلك رغم كل مشكلات هذه الثورات وثغراتها، ورغم أنها على المدى القريب بدت كأنها أنهكت، أو استنزفت بلدانها.

ورغم أهمية مصر المركزية في معادلات موازين القوى إزاء إسرائيل، وبالنسبة لتشكل نظام عربي جديد، فإن قادة إسرائيل يتطلعون بقلق بالغ إلى ما يجري في سوريا بالذات، نظرا إلى مكانة هذا البلد في معادلات الصراع العربي الإسرائيلي، وتأثيره الكبير في المشرق العربي، ونظرا إلى تحالفاته مع إيران وحزب الله اللبناني.

قادة اسرائيل يتطلعون بقلق بالغ إلى ما يجري في سوريا، بالنظر إلى مكانة هذا البلد في معادلات الصراع العربي الإسرائيلي، وتأثيره الكبير في المشرق العربي، وبالنظر إلى تحالفاته مع إيران وحزب الله اللبناني

ومعلوم أن إسرائيل ظلت تنأى بنفسها عن الحدث السوري لعامين ونصف، وكان ثمة تعميم من نتنياهو على أركان حكومته بالتقليل من التصريحات المتعلقة بالشأن السوري، ومع ذلك فإن الأمر لم يخل من تصريحات لبعض المسؤولين السياسيين أو الأمنيين، وإن كانت متضاربة، وتعكس انعدام اليقين، والتخبّط في كيفية التعامل مع الواقع الناشئ.

هكذا شهدنا بعض المواقف الإسرائيلية تفيد بأن النظام السوري يشكّل ركيزة أمنية لوجود إسرائيل، مع عدم وجود ولا طلقة من الجولان خلال أربعين عاما، مقابل من يرى أن هذا النظام ينبغي التخلص منه بالنظر إلى ارتباطه بإيران واعتباره ممرا لتسليح حزب الله في لبنان.

أيضا، ثمة وجهة نظر ترى أن من مصلحة إسرائيل التخلص من النظم الاستبدادية والتحول إلى الديمقراطية في المنطقة، لأن الديمقراطية تكبح الحروب، وتأخذ قرار الحرب من يد الحكام وتضعه في يد المجتمعات، في مقابل وجهة نظر أخرى ترى أن ما يجري في سوريا يفيد إسرائيل، وأن عليها أن لا تتدخل البتّة، وأن تدع الأعداء أو "الأشرار" يتقاتلون فيما بينهم، حسب وزير الدفاع الأسبق موشيه أرينز (هآرتس 3/9).

ووجهة النظر هذه ترى في ما يجري بسوريا مناسبة للتأكيد أيضا على عدم قابلية المجتمعات العربية للديمقراطية حسب شمعون شيفر، وعنده "يجب على إسرائيل أن تشير إلى الولايات المتحدة إشارة خفية، بأنها تفضل نظامي حكم مستقرين في مصر والأردن لا ديمقراطيات في ظاهر الأمر موجودة في خيال الغرب، وفي كتب مثالية تقوم على مجموعة من الفروض والسخافات المختلفة والغريبة" (يديعوت2/9).

ومعلوم أن ثمة فرضية سائدة عند معظم المراقبين ترى أن إسرائيل مرتاحة مما يجري، وإن كانت تنظر بقلق إلى تطور الأحوال السورية، وأنها بناء على ذلك كانت أحد الكوابح التي حالت دون قيام ردة فعل دولية ضد النظام السوري رغم ما ارتكبه هذا الأخير من انتهاكات، وضمنها قتله أكثر من مائة ألف من السوريين، وتشريده الملايين منهم، مع تدمير ممتلكاتهم وعمرانهم.

الآن ومع انكشاف استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي، يبدو أن الأمر خرج من أيدي إسرائيل، فالعالم لم يتحمّل ما حصل أخلاقيا، ولم يقبل حظر النظام للحظر المفروض على الأسلحة الكيميائية، لأن هذا قد يشكل سابقة لدول أخرى. على خلفية ذلك، تابعت إسرائيل بدأب وقلق بالغين التطورات المتعلقة باحتمال توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري.

ومن تفحّص مواقف إسرائيل بهذا الشأن يمكنه ملاحظة أنها تهتم لثلاثة جوانب إستراتيجية: أمنها الذاتي، وأمنها الإقليمي، ومكانة الولايات المتحدة في العالم وفي الشرق الأوسط، أو ما يتعلق بأمنها المتأتّي من علاقتها الإستراتيجية مع واشنطن.

في البعد المتعلق بأمن إسرائيل يقول نتنياهو إن "ما نراه في سوريا هو أنه لا توجد تحفظات أبدا لدى أنظمة خطيرة لاستخدام هذا السلاح (الكيميائي)، حتى ضد مواطنين أبرياء، ضد أبناء شعبها، وهذا يؤكد لنا مرة أخرى أنه لا يمكننا السماح للأنظمة الأكثر خطورة أن تحصل على أخطر الأسلحة في العالم".

وقد استغل ما يجري للتأكيد على مقولته بأن الصراع في الشرق الأوسط ليس له علاقة بإسرائيل، وأن جذور انعدام الاستقرار ونفي العصرنة والاعتدال والتقدم والحلول السياسية أساس المشكلة، في محاولة لتبرير التهرب من عملية التسوية، والإيحاء بأن حال العرب لا توحي بالثقة، وأنهم غير مؤهلين لإدارة أوضاعهم (الحياة، 25/8).

أما وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون فوجد استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي ورخاوة الردّ عليه، فرصة لتأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها دون الاعتماد على آخرين، بقوله "نحن ندافع عن أنفسنا ولا نتوقع أن تفعل جيوش أجنبية ذلك من أجلنا".

إسرائيل مثلت أحد الكوابح التي حالت دون قيام ردة فعل دولية ضد النظام السوري، رغم ما ارتكبه هذا الأخير من انتهاكات، وضمنها قتله أكثر من مائة ألف سوري وتشريده الملايين

وقد أعد اللواء عاموس يدلين (رئيس سابق للاستخبارات العسكرية) وأفنير غولوب دراسة حددا فيها مصالح إسرائيل الأمنية، على النحو الآتي:

– الإيضاح القاطع بأن ثمن استخدام السلاح غير التقليدي عالٍ، لغرض ردع كل زعيم في الشرق الأوسط يفكر بإمكانية استخدام هذا السلاح ضد إسرائيل.

– من المهم جدا لإسرائيل ألا ينتهي القتال في سوريا بانتصار حلف طهران-دمشق-حزب الله.
– إن هجوما أميركيا غير ناجح من شأنه أن يضعف الردع الأميركي حيال استخدام السلاح غير التقليدي، بل والإضرار أكثر بمكانتها الإقليمية، ويشجع منظمات الثوار الجهادية على وضع يدها على السلاح الكيميائي من أجل تحسين ميزان القوى حيال جيش الأسد، وهذا تهديد لإسرائيل.

– كما أن باقي الزعماء في الشرق الأوسط -بمن فيهم القيادة الإيرانية- سيفهمون أن القوة العظمى في العالم تخاف استخدام قوتها كي تحقق مصالحها.

– أما ضربة غايتها إسقاط الأسد فتنطوي على خطرين مركزيين على إسرائيل: الأول أنه عندما يقدّر الأسد أن الولايات المتحدة تعمل لإسقاطه فمن شأنه أن يقرر إطلاق صواريخ أرض-أرض على إسرائيل، بل يحتمل أن يهاجم بسلاح كيميائي رغم أن احتماليته منخفضة.

تهديد آخر في حالة ضعف أو اختفاء نظام الأسد هو توسيع تهديد الإرهاب من سوريا، وإذا لم تتمكن الولايات المتحدة من العمل بالتعاون مع حلفائها لخلق بديل براغماتي قوي، فمن شأن سوريا أن تغرق في وضع دولة ضعيفة تسيطر عليها منظمات الإرهاب التي ستشكل تهديدا على إسرائيل (نظرة عليا، 1/9).

وبالنسبة لمفهوم إسرائيل لأمنها الإستراتيجي والذي لا يقتصر على حدودها الجغرافية، وإنما يشمل محيطها ومجمل البيئة الإقليمية، بديهي أن يعتبر يدلين وغولوب ضرب سوريا ضربة للبرنامج النووي العسكري الإيراني أيضا (نظرة عليا، 1/9).

وهناك محللون يرون أن عدم عمل الإدارة الأميركية ضد سوريا بمثابة رسالة سلبية إلى العالم وإلى إسرائيل، مفادها "فقدان الثقة بأميركا"، حسب ناحوم برنياع الذي يحذّر من تبعات ذلك بقوله "لن ينظر أحد في العالم بعد ذلك بجدية إلى الخطوط الحمراء التي يخطّها الرئيس الأميركي".

وسيتم استيعاب الرسالة أولا في طهران وبيونغ يانغ، وستُسرع التقدم الإيراني نحو السلاح الذري، وستتضرّر مكانة أميركا في العالم.

والواقع أن أميركا أصبحت بعد العراق وأفغانستان أقل ميلا إلى التدخّل، وهي تحجم عن استعمال قوة عسكرية وتمتنع عن فعل ذلك سريعا.

إن أولئك الذين كانوا يخشون في الماضي أن يتحدوا الولايات المتحدة ستصبح خشيتهم أقل من الآن، سواء أكان ذلك خيرا أم شراً، واحتمال شن عملية عسكرية واسعة ضد منشآت إيران الذرية قد انخفض انخفاضا شديدا.

وهذا ما يجب على أوباما أن يفعله الآن في ظاهر الأمر كي يزيل الأضرار.. أن يهاجم ايران وأن ينسى سوريا (يديعوت، 4/9/2013).

اللافت هنا أن ثمة وجهة نظر عبر عنها يوئيل جوجنسكي ترى في تلكؤ الإدارة الأميركية بضرب سوريا ليس إضعافا لمكانة الولايات المتحدة فقط، وإنما لمكانة "إسرائيل أيضا التي تُعد الولايات المتحدة دعامة رئيسية لها" (تقدير إستراتيجي، المجلد 15، العدد: 4، 2013).

وكما قدمنا، ثمة قلق شديد في إسرائيل من احتمال ضعف مركز الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، لكونها الدولة التي تضمن أمنها، وتفوقها النوعي في الشرق الأوسط، من النواحي الاقتصادية والتقنية والعسكرية، فضلا عن أنها تغطّي مواقفها السياسية.

قلق شديد بإسرائيل من احتمال ضعف مركز الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، لكونها الدولة التي تضمن أمنها، وتفوقها النوعي في المنطقة تقنيا وعسكريا، فضلا عن أنها تغطّي مواقفها السياسية
هذا ما عبر عنه البروفيسور إبراهام بن تسفي في مقال له بشر فيه "بالموت السياسي للعصر الأميركي". وحسب بن تسفي فإن غوليفر الأميركي أصبح عملاقا بلا أسنان وبلا رغبة في الإمساك بصولجان الزعيم (إسرائيل اليوم، 4/9).
 
أما جوجانسكي فحذر من أن سياسة الولايات المتحدة في "الربيع العربي" جعلت زعماء البلدان العربية أكثر شكا مما كانوا في الماضي في الدعم السياسي الأميركي الذي سيُمنح لهم، إذا نشأ تهديد داخلي لحكمهم.

وهذا ما سيصعّب عليهم ملاءمة أنفسهم في المستقبل مع سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وسيضطرّهم للتفكير قبل أن يكونوا مستعدين للمخاطرة من أجلها، في مواجهة إيران.

لا شك في أن أعداء الولايات المتحدة وأصدقاءها في الشرق الأوسط سيفسّرون تغيير مركزها الإستراتيجي نحو الشرق بأنه تراجع آخر عن مراكز تأثيرها في الشرق الأوسط، وبصورة محددة بأنه ضعف خيارها العسكري في مواجهة إيران، وتعبير عن عدم تأييدها للنظم الموالية للغرب التي بقيت على حالها (المصدر السابق).

وهذا ما يؤكده يدلين وغولوب أيضا بالقول إن الذين يرون أنه "من المهم لإسرائيل أن تعود الولايات المتحدة لتضع نفسها في موقف تأثير إستراتيجي في الشرق الأوسط وتحسن مصداقيتها وردعها في المنطقة، وفي ضوء التصريحات العلنية لكبار المسؤولين الذين دعوا إلى تقليص التدخل الأميركي في المنطقة، بل وإحداث تغيير في التركز الإستراتيجي وتحويله نحو شرق آسيا (مصدر سبق ذكره).

أخيراً، في ما يخص سوريا فإن أفيعاد كلاينبرغ يرى أن الإدارة الأميركية لن تهاجم سوريا "لأن الأسد يذبح أبناء شعبه، فهو يذبحهم منذ زمن بعيد، ولا لأنه أخلاقيًّا تجاوز خطا أحمر، فقد تم تجاوز هذا الخط منذ زمن، ليس المؤكد أن الحديث يدور عن تهديد لسلام العالم. إذا عملت الولايات المتحدة فإنها ستفعل ذلك لأسباب سياسية.. الولايات المتحدة تريد أن تُظهر أنه لا يجوز الاستخفاف بتهديداتها، وليس من المؤكد أنها معنية بإسقاط نظام الأسد" (يديعوت، 3/9).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.