سوريا ولبنان وما بينهما

سوريا ولبنان وما بينهما

undefined

أولاً: من نفذ اعتداء الضاحية؟
ثانياً: تفاعلات الحدث السوري في لبنان
ثالثاً: اللاجئون السوريون في لبنان 

في التاسع من يوليو/تموز 2013، هز انفجار قوي محلة بئر العبد في ضاحية بيروت الجنوبية، أسفر عن إصابة 55 مدنياً لبنانياً بجروح مختلفة. وقد نجم الانفجار عن عبوة ناسفة، زنتها 35 كيلوغراماً، وضعت أسفل سيارة، في موقف عام يتبع إحدى التعاونيات الاستهلاكية.

أولاً: من نفذ اعتداء الضاحية؟
وقد انشغل الناس بالحديث عن الجهة المحتملة التي تقف خلف هذا الاعتداء، وهل هي محلية أم خارجية؟ وتساءلوا أيضا هل ما حصل كان استهدافا سياسياً أم طائفياً؟

والواقع أن الانفجار لم يوجه نحو هدف سياسي أو عسكري، بل استهدف جموعاً مدنية، بطريقة لم تكشف عن مهارة أو اقتدار أمني أو تقني.

إن الفرضية الأكثر رجحاناً هي أن جهاز مخابرات خارجيا هو من نفذ الاعتداء على ضاحية بيروت الجنوبية

ولا تختلف المنطقة التي استهدفت عن أية منطقة سكنية أخرى في لبنان. ولم يكن يوجد فيها أي نوع من الحماية الخاصة خلال النهار. ومن يعرف ضاحية بيروت الجنوبية بعد حرب العام 2006 يُدرك تلقائياً هذه الحقيقة.

وانطلاقا من مجمل الظروف التي أحاطت بالعملية يحق التساؤل بشأن ما إذا كانت هناك جهة محلية ما، مبتدئة أو محترفة، قامت بتنفيذ هذا الاعتداء؟
والأرجح بطبيعة الحال هو النفي، فليست هناك من جهة محلية، مهما كان لونها السياسي أو الأيديولوجي، على استعداد لأن تجتاز خطاً أحمر على هذا القدر من الخطورة.

وعليه فإن جهة خارجية ما، دولة أو جماعة مسلحة -كما ترجح ذلك أبجديات التحليل- هي من يقف خلف عملية التفجير في الضاحية الجنوبية لبيروت.

ومع أن فرضية الجماعات المسلحة العابرة للدول أو غير العابرة لها، تبقى قائمة في القراءتين السياسية والأمنية. إلا أن هذه الفرضية تبقى ضعيفة في المجمل، وربما خادعة ومضللة.

إن الفرضية الأكثر رجحاناً هي أن جهاز مخابرات خارجيا هو من نفذ الاعتداء على ضاحية بيروت الجنوبية.

وهل لهذا الاعتداء صلة بمقولة الاحتقان الطائفي الذي تتحدث عنه بعض وسائل الإعلام؟
الإجابة هي: لا صلة له بذلك، على الصعيدين السياسي والإجرائي. أي إنه لم يحدث استناداً إلى هذه الخلفية، ولم يرتكز أدواتياً عليها.
فهل هو إذاً بعيد عنها؟
في الحقيقة، ليس بعيداً عنها، بل جاء في ضوئها، مستنفذاً إيحاءاتها.
ماذا نقصد بذلك؟
هناك مناخ من التحريض الطائفي، وهذا ليس رديفاً للاحتقان الطائفي، إذ لا وجود لهذا الأخير سوى في مخيلة مروجيه.

التحريض الطائفي هو سلوك انتهازي، تمارسه قوى وشخصيات معينة، بهدف ضرب الوحدة الوطنية في هذه الدولة أو تلك، أو بهدف تحقيق مكاسب آنية رخيصة.

هذا التحريض شكل بيئة خصبة، ومناخا ملائما لكي تتحرك قوة خارجية وتنفذ اعتداء ضاحية بيروت الجنوبية. وبهذا المعنى، يبدو منطقيا جدا أن ما حدث جاء نتيجة لموجة التحريض الطائفي.

إن مناخ التحريض لم يوفر فقط أرضية خصبة للاعتداء على ضاحية بيروت، بل وفر كذلك ما يكفي من الغبار لحجب الرؤية العامة عن الفاعل الحقيقي. وهذه هي القاعدة الرئيسية التي تعمل في ضوئها أجهزة المخابرات حول العالم

إن مناخ التحريض لم يوفر فقط أرضية خصبة للاعتداء، بل وفر كذلك ما يكفي من الغبار لحجب الرؤية العامة عن الفاعل الحقيقي. وهذه هي القاعدة الرئيسية التي تعمل في ضوئها أجهزة المخابرات حول العالم.

ثانياً: تفاعلات الحدث السوري في لبنان
لقد أجمع اللبنانيون على إدانة الاعتداء، لأنهم أدركوا سريعاً أن ما حدث يُراد به أخذ لبنان إلى مكان لا يربح فيه أحد.

وعلى نحو ما، ربطت العديد من وسائل الإعلام بين هذا الاعتداء والأوضاع الجارية في سوريا. وكان هذا ربطاً انطباعياً بالدرجة الأولى.

وخلال ساعات، صدرت بيانات باسم جماعات سورية تنسب لنفسها هذا الاعتداء، إلا أن هذه البيانات لا يُمكن التثبت من مصداقيتها. وربما تكون جزءاً من الغبار المراد إثارته لحجب الرؤية عن الفاعل الحقيقي.

وأياً يكن الأمر، فإن اللبنانيين لا يختلفون على حقيقة أنهم يعيشون في ظلال وطن مستهدف، تحيط به المخاطر، وتلتقي فيه أزمات الشرق وصراعاته.

هذا الواقع اللبناني الممتد في عمق الزمن، عبر عن نفسه بصور مختلفة، تجلت أشدها قسوة في الحرب الأهلية المديدة.

اليوم لا يوجد خطر جلي من حرب أهلية جديدة، لأن التجربة مرة، ودروسها لا زالت ماثلة للجميع. كما أن موازين القوى لا تُرجح فرضية من هذا القبيل، أو على الأقل، هكذا يُمكننا القول في سياق تحليلي.

التحدي الأساسي الذي يواجه لبنان في وقتنا الراهن يتجلى في إرهاصات المحيط، وتحديداً الوضع السوري بتعقيداته الواسعة. ولبنان لا يختلف في ذلك كثيراً عن حالة الأردن، سوى أن خصوصياته التاريخية والاجتماعية تضاعف حجم التحديات الماثلة أمامه، وتجعل من التطوّرات السورية شأناً محلياً، في حسابات الواقع وتفاعلاته. ومن هنا، لا مبالغة في القول بأن مستقبل لبنان من مستقبل سوريا.

وبالطبع، ليس لزاماً على اللبنانيين أن يجمعوا على رؤية واحدة للوضع السوري وحيثياته المختلفة، فالناس منقسمون أيضاً في الأردن والعراق ومصر، بل وفي العالم عامة. المهم أن لا يتحوّل الحدث السوري إلى نزاع داخلي لبناني، بعد تحوّله عملياً إلى شأن محلي.

اليوم لا يوجد خطر جلي من حرب أهلية جديدة، لأن التجربة مرة، ودروسها ما زالت ماثلة للجميع. كما أن موازين القوى لا تُرجح فرضية من هذا القبيل

في سياق النقاشات الدائرة، تركز الحديث، في الآونة الأخيرة، على مشاركة حزب الله في معارك القصير وبلدة السيدة زينب. كما أشارت بعض التقارير المبكرة إلى عبور عناصر لبنانية خاصة عبر ريف تلكلخ، للمشاركة في القتال إلى جانب فصائل سورية مسلحة.

هذه الوقائع، لا ترتدي طابعاً مناطقياً أو طائفياً، بل هي خيارات سياسية تحركت في اتجاهين متقابلين: أحدها داعم للحكومة السورية والآخر للمعارضة.

وبغض النظر عن طبيعة التحليل الفكري والسياسي الذي يُمكن أن يقدمه المحللون لهذه الوقائع، فإن الأمر الجوهري الذي يجب التشديد عليه هنا، هو ضرورة الابتعاد عن أي خطاب تحريضي يؤلب شعباً على آخر.

وفي السياق ذاته، لا يجوز لأي تنظيم أو جماعة إصدار بيانات تهديد ضد أي من المناطق أو الطوائف اللبنانية، فشعبنا السوري لا يقبل أن يسيء له أحد بهذا السلوك، وهو من احتضن مليون لاجئ لبناني عام 2006، من كافة الطوائف والمناطق.

ويجب التأكيد باستمرار على أن شيم ومناقب شعبنا لا تسمح له بقبول مثل هذه الأفعال أو المواقف. وعلى من أصدر هذه البيانات أن يسحبها على الفور، ويعتذر للسوريين واللبنانيين معاً.

ثالثاً: اللاجئون السوريون في لبنان
على صعيد آخر، تتمثل إحدى القضايا الرئيسية اليوم في نزوح جموع كبيرة من أبناء شعبنا باتجاه الأراضي اللبنانية. وقد حدث هذا منذ وقت مبكر نسبياً.

نحن ندرك أن قضية اللاجئين باتت تُمثل تحدياً أمنياً واجتماعياً للبنان، لكن قدرنا هو أن يحمل بعضناً الآخر. هكذا عشنا بالأمس، وهكذا نحن اليوم.

هناك حالياً أكثر من مليون لاجئ، فروا من مناطق سورية مختلفة، باتجاه المدن والبلدات اللبنانية. وكثير من هؤلاء غير مسجل لدى منظمات الأمم المتحدة، أو أي من الهيئات الإغاثية والإنسانية الأخرى، وهم يقيمون مع الأسر والعوائل اللبنانية، ويعيشون كجزء من أفرادها، في تتويج آخر لرابطة الأخوة التي تجمعنا.

في مقابل هذه الصورة النبيلة والمشرفة، هناك مسعى من البعض لتسييس قضية أهلنا اللاجئين، خلافاً لاتفاقيات جنيف والقانون الإنساني الدولي. وقبل ذلك، خلافاً لكل ما يجمع سوريا ولبنان. وبالطبع، هذا منزلق لا ينبغي لأحد الوقوع فيه.

لبنان لا يختلف عن حالة الأردن، سوى أن خصوصياته التاريخية والاجتماعية تضاعف حجم التحديات الماثلة أمامه، وتجعل من التطوّرات السورية شأناً محلياً

والمطلوب، من جهة أخرى، تكاتف الجهود للارتقاء بالعمل الإغاثي لعموم أهلنا اللاجئين، وخاصة أولئك المعتمدين حصراً على دعم الهيئات الإنسانية، فالواقع يشير إلى ظروف صعبة وقاسية. ولبنان الذي وعد بالكثير لهؤلاء اللاجئين لم يتلق سوى 15% مما وعد به.

إن المجال الإنساني هو القاسم المشترك الذي يجب أن تلتقي فيه جهود كل القوى والفعاليات الوطنية، فمسؤولية إغاثة أهلنا اللاجئين لا تقع حصراً على عاتق الهيئات اللبنانية والدولية، بل يجب أن تساهم فيها كافة الجمعيات والشخصيات القادرة، داخل الوطن وخارجه، كل وفق طاقاته وإمكاناته.

بالتوازي مع هذا المسار، وتدعيماً له، يجب الانتباه على الصعيد الأمني إلى أن هناك ما يُمكن اعتباره "انفلاشاً" (انفجارا) للأحداث ذات الصلة بالوجود السوري في لبنان. وهو الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلباً على الفئات الأكثر ضعفاً في هذا الوجود، تلك الفئات التي لا صلة لها في الأصل بأية حادثة مثارة. كما من شأن هذا "الانفلاش" للأحداث أن يقدم ذريعة للأصوات التي تسعى للنيل من الواقع السوري الأهلي في لبنان، بما في ذلك جموع اللاجئين.

وعلينا التأكيد خلال ذلك كله، على حقيقة أننا بصدد وضع لبناني هش، لا يحتمل مزيداً من الضغوط. وعلى الصعيد السياسي المحض، لا يبدو المجتمع الأهلي السوري في لبنان معنياً بالدخول في تصورات افتراضية لا نهاية لها لواقع ومستقبل العلاقات الثنائية، فهذه الانشغالات في غير محلها.

وفي مجمل الأحوال والظروف، هناك وحدة مصير بين سوريا ولبنان. وهذه مسألة يدركها الجميع. وإذا كنا قد بدأنا بالقول بأن مستقبل لبنان من مستقبل سوريا، فلا بد أن ننتهي بالإقرار أيضاً بأن للبنان الكيان انعكاساته على سوريا.

وخلاصة، نحن معنيون بالتأكيد على رابطة الأخوة، والعلاقة الخاصة مع المجتمع الأهلي اللبناني، بكافة طوائفه ومناطقه، فنحن شعب واحد لا يقبل القسمة على المذهب أو الطائفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.