مصر واللحظة الفارقة

مصر واللحظة الفارقة

undefined

مع حلول يوم ٣٠ يونيو/حزيران القادم يكون الرئيس محمد مرسي قد أكمل عامه الأول في سدة الرئاسة، وبدلا من أن يكون اليوم المذكور عرسا ديمقراطيا ومناسبة للاحتفال بتنصيب أول رئيس منتخب لمصر، يخشى كثيرون أن يتحول ذلك اليوم إلى بداية انهيار النظام السياسي المصري، فهو اليوم الذي دعت المعارضة فيه إلى احتجاجات واسعة ضد الرئيس مرسي وضد جماعة الإخوان المسلمين.

المحظور الأول هو أن المعارضة التي تطالب باستقالة الرئيس مرسي متحالفة في سبيل ذلك مع فلول النظام السابق وأجهزته الأمنية المنحلة، مما يعطي غطاء سياسيا للنظام السابق ويمهد لوقف مسار التحول في البلاد

ومع أن الاحتجاج والتظاهر حق أساسي في العملية الديمقراطية، فإن هذه الاحتجاجات بالذات قد تؤدي إلى الانقلاب على العملية الديمقراطية وإلى الزج بمصر في دوامة من العنف والفوضى.

هناك الكثير من الانتقادات التي يمكن أن توجه لأداء الرئاسة المصرية ولجماعة الإخوان المسلمين، لا سيما في عدم قدرتها على إدارة حوار جاد وشراكة حقيقية مع القوى السياسية المعارضة، وانفرادها بقرارات مهمة كان من الضروري الوصول إلى اتفاق وطني بشأنها، إلا أن المعارضة في تصديها للرئيس وللقوى الإسلامية تحاول تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية، وتنتهك بتصريحاتها وممارساتها محظورين سياسيين.

المحظور الأول هو أن المعارضة التي تطالب باستقالة الرئيس مرسي متحالفة في سبيل ذلك مع فلول النظام السابق وأجهزته الأمنية المنحلة، مما يعطي غطاء سياسيا للنظام السابق ويمهد لوقف مسار التحول في البلاد، ففي مقابلة مع جريدة الحياة اللندنية نشرت الأسبوع الماضي قال رئيس حزب الدستور المعارض محمد البرادعي "إن كلمة فلول صارت من الماضي، وإنه لا بد من احتضان من لم يرتكبوا جرائم من المحسوبين على النظام السابق".

وهذا ما أكده حمدين صباحي اليساري الناصري والمرشح السابق لانتخابات الرئاسة في مقابلة مع قناة مصرية، واصفا الذين يعارضون التحالف مع فلول النظام السابق بأنهم "مراهقون سياسيون وأصحاب عقول ضيقة".

هذا التحالف الخطر بين المعارضة السياسية وبين رموز النظام السابق في مواجهة رئيس منتخب يلقي بشكوك عميقة حول مدى التزام المعارضة بقواعد اللعبة الديمقراطية، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار أن هذه التصريحات تأتي متزامنة مع أحكام بتبرئة عدد كبير من رموز النظام السابق.

ففي يوم ١٩ يونيو/حزيران صدر حكم بتبرئة الرئيس المصري السابق محمد مبارك من تهمة الكسب غير المشروع، وكان قد صدر حكم قبلها بتبرئته من تهمة قتل متظاهرين أثناء الثورة، وقبل أيام قليلة صدرت أحكام بتبرئة وإخلاء سبيل عدد من قيادات جهاز أمن الدولة المنحل، على رأسهم رئيس الجهاز ومساعد وزير الداخلية، كما صدر قرار بإخلاء سبيل الأخوين جمال وعلاء مبارك في عدد من القضايا.

إذا كان لمرسي من إنجاز ديمقراطي حقيقي فهو استبعاد الجيش من الحياة السياسية وإقصاء عدد من قيادات المجلس العسكري السابق

ويتواصل إخلاء سبيل عدد من وزراء مبارك ومعاونيه، فيما يبدو حملة لتبييض تاريخ رموز النظام السابق، وكأن ثلاثين عاما من التسلط والفساد كانت خيالا من دون حقيقة، وهو ما دفع الكاتب الصحفي فهمي هويدي للقول بأن "مهرجان البراءة للجميع لم يعد مزحة وإنما تشخيصا صحيحا يصف موقف القضاء من رأس النظام السابق وأعوانه وفلوله".

المحظور الثاني الدعوات الصريحة للجيش بالتدخل للإطاحة بالرئيس المنتخب، في أجواء تؤشر إلى أن تظاهرات ٣٠ يونيو/حزيران سيتخللها عنف مقصود في سبيل انفلات أمني يستدعي نزول الجيش.

وإذا كان لمرسي من إنجاز ديمقراطي حقيقي فهو استبعاد الجيش من الحياة السياسية وإقصاء عدد من قيادات المجلس العسكري السابق، وإقناع قيادة الجيش الجديدة بعدم التدخل في مسار التحول.

ومن المثير حقا أن تطالب قوى معارضة بتدخل الجيش في وقت يرفض فيه الجيش التورط في اللعبة السياسية، وهذا بالفعل ما أكده وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي في خطاب له أمام القوى السياسية بتاريخ ١١ يونيو/حزيران، حين طالب الجميع بالكف عن طلب تدخل الجيش والاحتكام لصناديق الاقتراع كوسيلة وحيدة للتغيير.

وعلى الرغم من ذلك فإن أطرافا معارضة تأمل في أن تقنع الجيش بالتدخل، لا سيما إذا اندلعت أعمال عنف في احتجاجات ٣٠ يونيو/حزيران، وهو ما يثير شكوكا حقيقية حول مدى "سلمية" هذه الاحتجاجات، وما إذا كانت بعض الأطراف الأمنية المحسوبة على النظام السابق ستبادر إلى إثارة أعمال عنف واعتداء على مؤسسات رسمية لدفع الجيش إلى النزول للشارع وتسلم زمام الأمور.

انحدار مصر، الدولة الأكثر سكانا والأهم تأثيرا في العالم العربي، إلى حالة من الفوضى سيفاقم الخطر في المنطقة، وسيدفعها نحو المجهول، ولا بديل عن حوار وطني مصري جاد، يلتزم فيه الجميع بالعملية الديمقراطية

المشهد الحالي يثير القلق، لأنه وصل حالة قصوى من الاستقطاب مصحوبة بانسداد سياسي، فعلى صعيد القوى المؤيدة لمرسي، فهي عازمة على أن تقف في وجه محاولات إقصائه من السلطة، واستباقا لتظاهرات ٣٠ يونيو/حزيران المتوقعة، دعت القوى الإسلامية إلى سلسلة من الحشود الشعبية نظم أولها بالفعل يوم الجمعة الماضية وسط القاهرة، وكان الحشد واسعا، أراد الإسلاميون من خلاله أن يؤكدوا بأنهم لا يزالون الأكثر تأثيرا في الشارع، وأنه إذا احتكمت المعارضة إلى المظاهرات فإن الميزان سيميل إلى كفة الإسلاميين.

ولعل هذا ما تدركه المعارضة، وهو ما يدفعها للتحالف مع الحزب الوطني المنحل، إذ إن معظم قادة المعارضة ممن ينتسبون إلى التيارات التي تصف نفسها بالليبرالية واليسارية يدركون أنهم نخبة سياسية لا تحظى بامتداد شعبي عميق، وقد أكدت صناديق الاقتراع على الدوام صحة ذلك، وبالتالي فإن تحالف المعارضة مع النظام السابق سيمنحها قوة ونفوذا، لأن النظام السابق لا يزال مؤثرا في عدد من القطاعات الرئيسية في البلاد لا سيما الأجهزة الأمنية والقضاء، بالإضافة إلى رجال الأعمال المحسوبين على نظام مبارك وما لهم من تأثير إعلامي واسع من خلال ملكيتهم لكثير من المؤسسات الإعلامية.

والأخطر في كل ذلك من يسمون بالبلطجية، وهم مجموعات من العصابات المرتزقة التي تم توظيفها مسبقا في أعمال عنف شهدتها احتجاجات مشابهة، وتتحدث أنباء عن أن البلطجية هؤلاء سوف يتم توظيفهم في احتجاجات الأسبوع القادم، مما يزيد المخاوف من نية مبيتة لاندلاع أعمال عنف.

تعبر منطقة الشرق الأوسط أخطر حالة تحول منذ الحرب العالمية الأولى، فتداعيات الثورة السورية وامتداداتها في لبنان والعراق، وارتفاع وتيرة الشحن الطائفي إلى مستويات غير مسبوقة، تضع الشرق الأوسط على شفا انفجار كبير سيؤثر على مستقبل النظام الدولي برمته، وفي حالة كهذه فإن انحدار مصر، الدولة الأكثر سكانا والأهم تأثيرا في العالم العربي، إلى حالة من الفوضى سيفاقم الخطر في المنطقة، وسيدفعها نحو المجهول، ولا بديل عن حوار وطني مصري جاد، يلتزم فيه الجميع بالعملية الديمقراطية حتى إن جاءت بما يخالف هواه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.