أصدقاء الشعب السوري وأصدقاء النظام

أصدقاء الشعب السوري وأصدقاء النظام . الكاتب: عمر كوش

undefined

مؤتمر إسطنبول
أصدقاء النظام السوري
ظاهرة الأصدقاء

شكلت مؤتمرات "أصدقاء الشعب السوري" التي عقدت في عدة عواصم ومدن عربية وأجنبية، مناسبات للتجاذبات السياسية، وللتوقعات والتكهنات والمساومات، ولإطلاق الوعود التي لا تجد طريقها نحو التنفيذ.

وكانت تخفي على الدوام سعي قادة بعض الدول وساستها للحصول على تنازلات من المعارضة السورية، وإضاعة الوقت واللعب عليه، بما يعني ترك الأمور تأخذ سياقها "الطبيعي"، حسب التوزانات على الأرض السورية، وبالتالي ترك النظام السوري يقتل ما يشاء من الشعب السوري في حربه الشاملة التي بدأها، منذ اليوم الأول للثورة السورية، على الثوار وحاضنتهم الاجتماعية، وخلّفت أكثر من مأئة ألف شهيد، فضلاً عن مئات آلاف الجرحى، والمشوهين، والمعوقين، والمعتقلين، والمشردين، وأكثر من ستة ملايين لاجئ ونازح، في الخارج والداخل، كما خلفت دمارا هائلا في الممتلكات والبنى التحتية.

 مؤتمر إسطنبول
لم يفترق كثيراً مؤتمر إسطنبول -الذي عقد في 20 أبريل/نيسان الماضي- لمجموعة "أصدقاء الشعب السوري" عن سابقيه، من حيث المقررات والنتائج. ولعل الجديد الذي حمله، تجسّد في:

فيما تيقّن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من عدم حصول أي تقدم في مجال التسليح النوعي، فإنه لم يجد سوى المطالبة بضربات جوية، وفرض حظر طيران، وحماية الحدود الشمالية والجنوبية

1-تعزيز قبول "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" مبدأ التفاوض على أساس اتفاق جنيف، الذي تفاهمت عليه كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية في يونيو/حزيران الماضي.

2-إعلان الائتلاف رفضه "كل أشكال الإرهاب" و"التطرف"، بما يعني اتخاذ موقف واضح، يبتعد عن "جبهة النصرة" وأخواتها.

3- التزام المعارضة -عبر وثيقة قدمتها- بقيام "سوريا تعددية، تتمتع فيها كل أقلية بحقوقها، وتشارك في خيارات المستقبل".

4-أن يتم تقديم كل المساعدات العسكرية عبر قيادة "هيئة أركان الجيش الحر"، مع التذكير بأن الهدف من ذلك هو عزل المتطرفين، و"تغيير موازين القوة على الأرض، وليس إسقاط النظام عسكرياً"، حسبما أعلن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري في ختام المؤتمر، الذي رأى أن "على المعارضة الإدراك أنها يجب أن تتفاوض مع النظام لإطلاق مرحلة انتقالية"، بعدما التزمت بـ"رفض الإرهاب والتطرف، وألا تستخدم الأسلحة الكيماوية، وعدم حصول أي أعمال انتقامية ضد أي طائفة، وعدم وصول الأسلحة إلى الجهات الخطأ، وعلى أولوية الحل السياسي".

ويبدو أن الأحد عشر وزيراً الذين اجتمعوا في إسطنبول كان الهمّ الأساس لمعظمهم، هو الحصول على "تنازلات" من المعارضة، ونسوا الحرب الشاملة التي يشنها النظام ضد الثورة وحاضنتها الاجتماعية منذ أكثر من سنتين، لذلك لم يتخذوا أي قرار فاعل ضد النظام وحلفائه.

وأقصى ما تمخض عنه المؤتمر هو التلويح بزيادة المساعدات "غير الفتاكة" للمعارضة، إذا رفض النظام فرصة التفاوض، وإعلان جون كيري عن زيادة قيمة المساعدات الأميركية لتصل إلى 250 مليون دولار، بعد أن طمأن المجتمعين على أنها "ستتخطى الوجبات الغذائية العسكرية، والأدوات الطبية، لتتضمن أنواعاً أخرى من التجهيزات غير القاتلة"، بما يعني أنها قد تتضمن سترات واقية من الرصاص ومركبات ومناظير ليلية، لن تؤثر بالتأكيد في تغيير موازين القوى. 

وفيما تيقّن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من عدم حصول أي تقدم في مجال التسليح النوعي، فإنه لم يجد سوى المطالبة والتشديد على ضرورة "صياغة والتزام تحالف للدول المقتدرة من مجموعة أصدقاء الشعب السوري، لتنفيذ إجراءات محددة وفورية، لتعطيل قدرة الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية والصواريخ البالستية، من خلال ضربات جراحية للمواقع التي ثبت إطلاق صواريخ منها، عن طريق طائرات من دون طيار". وكرر مطالبته بالعمل "على فرض حظر طيران، وحماية الحدود الشمالية والجنوبية، لضمان عودة اللاجئين السوريين سالمين".

أصدقاء النظام السوري 
بالرغم من أن أصدقاء النظام السوري لم يتمكنوا من تأمين حشد، أو إجماع دولي لدعم النظام، إلا أنهم برهنوا على الدوام على أنهم أكثر من أصدقاء له. إنهم حلفاء قدموا للنظام السوري مختلف أنواع الدعم والمساندة، بالرجال والمال والسلاح، بل وراحوا يخوضون معركة الدفاع عن النظام، ويدفعون مليارات الدولارات على حساب لقمة عيش شعوبهم، حيث لم يخف ساسة إيران انحيازهم الكامل للنظام السوري منذ اندلاع شرارة الحراك الاحتجاجي الشعبي، وتبنوا خطاباً داعماً للنظام في نهجه وسياساته الداخلية والخارجية، ونظروا إلى الثورة بوصفها نتاج "مؤامرة خارجية"، "صهيونية وأطلسية"، ثم زادوا عليها صفة "العثمانية"، وحصروا هدفها في النيل من مواقف النظام المعادية للمشاريع الأميركية والصهيونية.

وراحوا يتحدثون عن كربلاء جديدة، بالتناغم مع ما يردده أزلام النظام السوري، الذين تفتقت أذهانهم عن "كربلاء العصر"، بلغة مخاتلة ومخادعة، توظف كربلاء القديمة، لصالح من يتاجر بدم "الحسين"، وبتجيير أكثر الناس بعداً عن روح كربلاء، وروح الدين.

ارتكز تعامل ساسة روسيا الاتحادية مع الوضع في سوريا على اعتباره صراعاً دولياً على سوريا، يجب أن يكون لهم دور فاعل فيه، لحسابات مناكفة الغرب وابتزازه، والحفاظ على مصالحهم

أما ساسة روسيا الاتحادية فراحوا يتعاملون مع المسألة السورية، وكأنها القضية الأهم والأكثر حساسية بالنسبة إليهم في منطقة الشرق الأوسط، ويؤثرون سلباً على مسار تطور الأحداث، حيث أعلنوا منذ اليوم الأول لاندلاع الانتفاضة السورية في الخامس عشر من مارس/آذار 2011، وقوفهم القوي إلى جانب النظام السوري بكل إمكاناتهم الدبلوماسية والسياسية واللوجستية، وتبني وجهة نظره وطريقة تعامله مع الأوضاع الدامية والمتفاقمة.

ولم يعطوا الجانب الإنساني والأخلاقي أي اهتمام يُذكر، بالرغم من سقوط عشرات آلاف الضحايا المدنيين. وحشد الساسة الروس كل طاقاتهم الدبلوماسية والسياسية في الصراع على سوريا، فاستخدموا الفيتو مع الصينيين في مجلس الأمن الدولي ثلاث مرات متتالية، بغية منع صدور أي قرار دولي يدعم التغيير في سوريا، واستمروا في تقديم صفقات السلاح للنظام، وتوفير الدعم اللوجستي والخبرات والخبراء الأمنيين والعسكريين.

وارتكز تعامل ساسة روسيا الاتحادية مع الوضع في سوريا إلى اعتباره صراعاً دولياً على سوريا، يجب أن يكون لهم دور فاعل فيه، لحسابات مناكفة الغرب وابتزازه، والحفاظ على المصالح والامتيازات الروسية، خاصة العسكرية والإستراتيجية، مع علمهم تماماً أن الصراع أساسه داخلي، وفي صلبه مطالب غالبية شعب، يريد الحرية والكرامة، وتشييد دولة مدنية تعددية ديمقراطية.

ولم يتحدث قادة النظام الروسي بشيء عن دعمهم المتعدد المستويات، للنظام السوري، الذي يشن حرباً شاملة على الثورة وناسها، ومارس فيها أبشع الممارسات والانتهاكات، وأطلق العنان لكل ممكنات التطرف، ولمختلف النعرات.

والسبب الرئيس في مواقفهم هو كونهم لا يفترقون كثيراً عن رصفائهم في النظام السوري، حيث ما زالت انتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان في الشيشان وسواها ماثلة في الأذهان. كما أن دفاع النظام الإيراني عن النظام السوري، ورهانه عليه، يعكس أيضاً طبيعة تركيبة النظام الإيراني، ويفسر الحيثيات التي تجعل هذا النظام يخوض معركة مكلفة، دفاعاً عن رصيفه السوري، حيث كشفت إرهاصات معركة الدفاع عن النظام الأسدي التي يخوضها منذ بداية الثورة عن مضمرات، ما كانت لتظهر لولا إحساس بعض ساسة النظام الإيراني وآياته، بأن النظام الأسدي بات في حكم الماضي، ويعيش مرحلته الأخيرة، الأمر الذي أخرجهم عن طورهم الهادئ أو الناعم، وكشف ملامح مشروعهم القومي التوسعي.

ظاهرة الأصدقاء
وفيما يتلقى النظام السوري كافة أشكال الدعم من طرف حلفائه، فإن أصدقاء الشعب السوري لم يقدموا ما يرتقي إلى اسمهم، والهدف من تشكيل مجموعتهم. والأدهى من ذلك هو أن الدول الغربية في المجموعة حولت الثورة السورية، والأزمة السورية الناجمة عن حرب النظام الشاملة إلى مسألة مساعدات إنسانية، فيما لا يزال ساسة هذه الدول يتعاملون مع الأزمة السورية بوصفها لا تشكل أولوية في سياستهم الخارجية.

لذلك يرددون في كل مؤتمر يعقدونه نفس الكلام الذي قالوه في السابق، ويتحدثون عن ضرورة الحل السياسي، وتفضيلهم له، دون أي مسعى من أجل تحقيقه، بل إن المخاتل في مواقفهم هو أنهم لم يكفوا عن التذرع بتعقيدات الوضع السوري، مثل عدم وجود البديل المناسب، واختلافات المعارضة وتشرذمها، وتعقيدات الوضع السوري، والخوف على حقوق الأقليات ومصيرها، وامتلاك النظام الأسلحة الكيمياوية، وبروز تنظيمات متطرفة، وسوى ذلك. وهي تعقيدات لا يعدمها المجتمع السوري، لكنها تحولت إلى اشتراطات، واتخذت ذريعة لترك الشعب السوري رهينة، يقتل منه النظام ما يشاء.

وقد شكلت مؤتمرات "أصدقاء الشعب السوري" ما يشبه ظاهرة رسمية موسمية، تعقد كل شهرين تقريباً، تحت شعور الساسة بالحاجة إلى تظاهرة دولية، يشغلون بها الأوساط المناصرة للشعب السوري، دون تحقيق نتيجة ترتقي إلى حجم تضحيات الثوار السوريين وحاضنتهم الاجتماعية.

وكل مؤتمر يلاقي مصير سابقه، مثلما كان حال المؤتمر الأول الذي عقد في تونس في 24 فبراير/شباط 2012 وحضره نحو ستين وفداً، تحت قيادة ونجومية وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاي كلينتون، وانتهى بالفشل.

شكلت مؤتمرات "أصدقاء الشعب السوري" ما يشبه ظاهرة رسمية موسمية، تعقد كل شهرين تقريباً، من أجل شغل الأوساط المناصرة للشعب السوري، دون تحقيق نتيجة

وكذلك كان حال المؤتمر الثاني الذي عقد في إسطنبول في الثاني من أبريل/نيسان 2012، ثم المؤتمر الثالث الذي عقد في باريس في6 يوليو/تموز 2012، والذي عقد كي يسهم في تصنيع نجومية جديدة للرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند، على حساب سلفه نيكولا ساركوزي.

وبعد تشكيل الائتلاف، انعقد المؤتمر الرابع  لأصدقاء الشعب السوري بمراكش في 11 ديسمبر/كانون الأول 2012، وحضرته أكثر من مائة دولة، دون أية قرارات هامة تذكر. ثم جاء مؤتمر روما الذي انعقد في 28 فبراير/شباط، ليضيف مجرد رقم جديد لتظاهرة أصدقاء الشعب السوري، وأخيراً جاء مؤتمر إسطنبول، والذي حمل الرقم السادس في سلسلة مؤتمرات أصدقاء الشعب السوري، والثاني الذي عقد في هذه المدنية. ومازالت الظاهرة مفتوحة على أرقام جديدة للمؤتمرات.

والمؤسف هو أن تحوِّل الدول الغربية -بزعامة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما- هذه المؤتمرات إلى ظاهرة موسمية، مرة يزداد أعضاؤها، ومرة أخرى يتناقصون، فيما يقتل الشعب السوري دون أي نصير أو مساند، ولا يقدم له أي شيء يرتقي إلى مستوى تضحياته وتطلعاته، ليبقى لسان حاله يقول :"يا الله ما لنا غيرك يا الله".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.