تحديات الحكومة الفلسطينية القادمة

تحديات الحكومة الفلسطينية القادمة . الكاتب: نبيل السهلي

 undefined

ماذا عن التحديات؟
الحكومة القادمة والابتزاز الأميركي
الحكومة والتأكيد على الثوابت

يتواتر الحديث بعد استقالة الدكتور سلام قياض حول تشكيل حكومة فلسطينية بمسميات مختلفة، وذلك رغم عدم إتمام صفقة المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس. وهنا يبرز سؤال جوهري عن التحديات التي ستواجه الحكومة الفلسطينية القادمة.

ويكمن التحدي الأهم في ضرورة العمل من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية، وضم القوى الفلسطينية الصامتة -شخصيات فلسطينية اقتصادية وسياسية، وفعاليات وهيئات المجتمع المدني- إلى الصيغ الجديدة التي سيتم التوافق عليها، حتى تكتمل دوائر القوة، سواء في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية، أوفي أطر منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤسساتها ودوائرها المختلفة، خصوصاً وأن نظام المحاصصة بين فصائل محددة أثبت فشله خلال الفترة السابقة.

واللافت أن فرص تعزيز المصالحة وتوسيع مشاركة القوى الصامتة في اتخاذ القرار الوطني الفلسطيني الصائب، سيكون أمراً سهل المنال، في ظل استمرار الثورات العربية، وانكشاف صورة إسرائيل العنصرية أكثر من أي وقت مضى.

تحولت مقولة الدولة اليهودية بصورة غير مسبوقة ولا معهودة إلى القاسم المشترك بين مختلف التيارات، والكتل، والأحزاب، والاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية في إسرائيل

ماذا عن التحديات؟
أما بالنسبة لتحديات الحكومة الفلسطينية القادمة, فهناك رزمة من التحديات تنتظرها، وفي مقدمتها محاولة المؤسسة الإسرائيلية -بكافة أذرعها السياسية والعسكرية- لترسيخ مصطلح يهودية الدولة، الذي بات يمثل في الآونة الأخيرة جوهر ومضمون الغايات الأسمى، والأهداف الكبرى لإسرائيل، حيث تحولت مقولة الدولة اليهودية بصورة غير مسبوقة ولا معهودة إلى القاسم المشترك بين مختلف التيارات، والكتل، والأحزاب، والاتجاهات السياسية، والاجتماعية، والثقافية، في إسرائيل على حد سواء.

وبطبيعة الحال هناك أهداف متشعبة، تسعى إسرائيل لتحقيقها من وراء جعل يهودية الدولة حقيقة على الأرض، في مقدمتها إنهاء حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم (ستة ملايين لاجئ فلسطيني في العام 2013)، وتصفية وإزاحة الأساس القانوني لهذا الحق والحلم والأمل من أجندة الأمم المتحدة بدايةً، لشطب وتصفية الحق الفلسطيني الأهم في إطار الحقوق الفلسطينية المختلفة.

ونقصد هنا العمل على شطب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948، والداعي إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين في أقرب فرصة ممكنة، والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم جراء اللجوء القسري في العام المذكور، هذا فضلاً عن محاولة تهميش الأقلية العربية في داخل الخط الأخضر في كافة مجالات الحياة.

ومن التحديات الأخرى التي تواجه الفلسطينيين النشاط الاستيطاني، الذي ازدادت وتيرته في ظل حكومة نتنياهو الحالية، حيث تشير المعطيات إلى ارتفاع عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية إلى نحو (550) ألف مستوطن إسرائيلي بحلول عام 2013، منهم 350 ألفا يتمركزون في (151) مستوطنة، في مناطق جغرافية إستراتيجية في الضفة الغربية، ونحو (200) ألف مستوطن في مدينة القدس الشرقية، إضافة إلى طوقين من المستوطنات حولها، يصل عددها إلى (21) مستوطنة، ولم تخف المؤسسة الإسرائيلية المخططات الإستراتيجية حول القدس، والتي تهدف إلى مصادرة القسم الأكبر من مساحتها، وعقاراتها، ومحالها التجارية، وجعل العرب أقلية في مدينتهم، بحيث لا تتجاوز نسبتهم 12% من سكانها، بحلول عام 2020.

الحكومة القادمة والابتزاز الأميركي
لم يتوقف الضغط الأميركي البتة على الفلسطينيين بغية إخضاعهم. لكن بعد أن تمًت عملية ربط قسري للاقتصاد الفلسطيني بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي، ومن ثم اعتماده على المساعدات الدولية بعد اتفاقيات أوسلو، باتت السلطة الفلسطينية عرضة لابتزاز أميركي واضح. وتبعا لذلك ستواجه الحكومة الفلسطينية القادمة تحديات اقتصادية مختلفة، خاصة في ظل عدم استقلالية الاقتصاد الفلسطيني، وسيطرة إسرائيل على دينامية واتجاهات التجارة الخارجية وقوة العمل الفلسطينية.

وما يزيد الضغوط الخارجية -وفي مقدمتها الأميركية- حاجة السلطة الفلسطينية لمساعدات مالية شهرية تقدر بنحو مائة وخمسين مليون دولار، جلها يتم صرفه كرواتب لعاملين في الوظائف المختلفة.

السلطة الفلسطينية عرضة لابتزاز أميركي واضح، وتبعا لذلك ستواجه الحكومة الفلسطينية القادمة تحديات اقتصادية مختلفة, خاصة في ظل عدم استقلالية الاقتصاد الفلسطيني

وهناك تحديات لا تقل أهمية عن سابقاتها، تتمثل في معدلات البطالة التي وصلت إلى أكثر من 20% في الضفة الغربية، ونحو 60 % في قطاع غزة بفعل الحصار المستمر، فضلاً عن معدلات الفقر المرتفعة، التي وصلت إلى 65% من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وهذا يتطلب من الحكومة الفلسطينية القادمة العمل على القيام باستثمارات جديدة للحد من معدلات البطالة والفقر. ومن المهم الإشارة إلى أن الحكومة الفلسطينية لن ترى النور في القريب العاجل، نظراً لأن الرئيس محمود عباس غير مستعجل لجهة تشكيلها، فهو لا يمانع في أن تستمر حكومة تسيير الأعمال برئاسة الدكتور سلام فياض -التي قبل استقالتها مؤخراً- لعدة أسابيع إضافية، وهي تلك الفترة التي يحتاجها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لبلورة صيغة أميركية، وطرحها لاستئناف المفاوضات الفلسطينية مع إسرائيل.

حيث أكدت وسائل إعلام مختلفة بأنه يحتاج لخمسة أو ستة أسابيع ليقدم الصيغة الأميركية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكذلك لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستئناف المفاوضات.

ويبدو أن الحديث بشأن الحكومة الفلسطينية سيستمر لعدة أسابيع، سواء كانت حكومة تكنوقراط أو حكومة توافق وطني فلسطيني، كنقطة انطلاق لترسيخ مصالحة، وذلك انتظارا لما ستقدمه واشنطن لاستئناف المفاوضات.

وهذا يتطلب موقفا فلسطينيا واضحا إزاء الاستيطان الإسرائيلي، وإزاء عملية السلام برمتها، إذ يجب أن تكون هناك مرجعيات دولية، تتمثل بالقرارات الدولية التي أكدت على أن الضفة الغربية بما فيها القدس أراض محتلة، فضلاً عن القرارات التي اعتبرت كافة الإجراءات الإسرائيلية الجغرافية والديمعرافية التهويدية باطلة في الأساس.

الحكومة والتأكيد على الثوابت
ثمة إجماع بين المحللين السياسيين على أن حكومة مستقلين من الكفاءات الوطنية الفلسطينية هي المخرج الأساسي لجميع الفصائل الفلسطينية، من أجل تشكيل حكومة وطنية تستطيع رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وتعمل في ذات الوقت من أجل مطالبة المجتمع الدولي بوقف النشاط الاستيطاني الكثيف في الأراضي الفلسطينية، وبشكل خاص في مدينة القدس، وتسعى جاهدة للانطلاق بشكل سريع لإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية أثناء الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة، والتي تسببت في تدمير آلاف الأبنية السكنية وسقوط آلاف الشهداء والجرحى.

مواجهة التحديات تتطلب إرادة فلسطينية سياسية صادقة، تتخطى الحساسيات والحسابات الفصائلية الضيقة، للوصول إلى الأهداف المرجوة

ويجب أن تكون عملية ترسيخ الوحدة الوطنية في كافة الميادين أولوية الحكومة الفلسطينية القادمة، بغض النظر عن تركيبتها، وذلك بغية تجميع القوى لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية. ولذلك تحتم الضرورة الاتفاق على برنامج سياسي مشترك وجامع لكافة القوى الفلسطينية، يأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على الثوابت الفلسطينية، وعدم الاعتراف بشروط اللجنة الرباعية، التي تتلخص في الاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها، ووقف المقاومة تحت مسمى نبذ العنف ضد إسرائيل، وهي شروط إسرائيلية ممنهجة، حيث امتنعت إسرائيل على الدوام من الاعتراف بأي حكومة فلسطينية لا تعترف بها، وهذا ما يرفضه الشعب الفلسطيني وقواه الحية.

ويبقى القول بأن مواجهة التحديات المشار إليها تتطلب إرادة فلسطينية سياسية صادقة، تتخطى الحساسيات والحسابات الفصائلية الضيقة، للوصول إلى الأهداف المرجوة، لكن عقد المصالحة الفلسطينية الحقيقية يبقى الرهان الأكبر لمواجهة التحديات، التي تعصف بالمشروع الوطني الفلسطيني، حيث باتت مطلباً جوهرياً للشعب الفلسطيني وقواه الحية في الداخل الفلسطيني وفي الشتات، بغية حماية المشروع الوطني الفلسطيني وتحقيق الأهداف الأسمى، وفي مقدمتها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.