مبادرة معاذ الخطيب وعور المعارضات

الإسم: فواز تللو - العنوان: مبادرة معاذ الخطيب وعور المعارضات - الاقتباس: المبادرة كشفت عور المعارضة ممثلة بالائتلاف بشكل جلي وواضح، حين أظهرت افتقادها إلى رؤية واضحة تنبثق عنها إستراتيجيات وسياسات وبرامج محددة للصراع مع النظام وأهدافه ومآلاته

undefined 

أقول في البداية إنني لن أناقش مبادرة الشيخ معاذ الخطيب، ولن أبدي ملاحظاتي عليها سواء من حيث المضمون أو الصياغة، أو طريقة إعلانها، أو مدى نجاحها كمناورة سياسية، بل سأتناول جانبا آخر يتعلق بالمبادرة أعتقد أنه أكثر أهمية.

النظام الأسدي وأنصاره وحلفاؤه الدوليون اعتبروا المبادرة خطوة كبيرة إلى الوراء، في ما فسروه بحسب ما يتمنون من أنه تنازل عن أهم شرط لبدء أي مفاوضات يتمثل في تنحي رئيس النظام وعدم الحوار معه، وهو مطلب دعمه معظم "أصدقاء سوريا" حتى الآن على الأقل، ويمثل المكسب السياسي الوحيد الذي حصلت وتمسكت به المعارضة حتى اللحظة، ناهيك عن رضى أنصار النظام وحلفائه عن خلو المبادرة من نقاط أخرى سبق أن طرحتها خطة كوفي أنان ذات البنود الستة.

بعض "أصدقاء سوريا" كانت استجابتهم لهذه المفاجأة سعيدة لكونها تمثل خطوة لتقديم تفسير مقبول في نظرهم لاتفاق جنيف الذي وصف الإبراهيمي غموضه بأنه "مبدع"، ويسعى مع حلفاء النظام و"أصدقاء سوريا" للوصول إلى تفسير مشترك بينهم لن يكون حتما في مصلحة الثورة وأهدافها.

معارضون أيدوا المبادرة لأنها تتفق مع رؤيتهم السياسية، واستغلها بعض منهم لانتقاد تيارات معارضة أخرى يناصبونها الخصومة أو التنافس السياسي، وبشكل أدق انتقاد كل من الائتلاف والمجلس الوطني

بعض آخر من "أصدقاء سوريا" -خاصة الأتراك وبعض العرب الذين كانوا قريبين من أهداف الثورة- ربما وجدوا في المبادرة فرصة لتبرير ما بدأ قبل أشهر من إعادةٍ للنظر في مدى الدعم الممكن تقديمه للثورة السورية وأهدافها، من خلال استمرار وقف الدعم العسكري والمادي والإنساني الشحيح أصلا، وذلك في استجابة للضغوط الكبيرة للأميركيين وحلفائهم الأوروبيين بهذا الخصوص، وهو ما يجري منذ نحو شهر سبق تشكيل الائتلاف الوطني السوري المعارض الجديد.

بعض المعارضين والثوار أيدوا المبادرة لأنهم رأوا فيها ما يتفق مع رؤيتهم السياسية للصراع مع النظام، وبعض آخر من الثوار يكنون احتراما للشيخ معاذ وبالتالي "لا بد أن يكون على حق دائما"، فبحثوا عن إيجابيات المبادرة لإبرازها لتطغى على سلبيات حاول آخرون إبرازها.

بعض المعارضين والثوار انتقدوا المبادرة لكنهم قالوا إن ذلك لا يستدعي التخوين والهجوم الشخصي الشرس الذي تعرض له الشيخ معاذ، والذي وصل أحيانا إلى درجة مريعة من الإسفاف، بل رأوا أن المطلوب هو النصح والتقويم والتصحيح والانتباه إلى عدم استغلال الأمر من قبل البعض لتصفية حسابات شخصية، أو استغلالها من قبل النظام أو من أمثال كثير من أولئك الذين اجتمعوا في جنيف قبل إطلاق المبادرة بيومين وهم من يقترب من النظام في طروحاته ومقاربته للحل.

معارضون أيدوا المبادرة لأنها تتفق مع رؤيتهم السياسية، واستغلها بعض منهم لانتقاد تيارات معارضة أخرى يناصبونها الخصومة أو التنافس السياسي، وبشكل أدق انتقاد كل من الائتلاف والمجلس الوطني.

أما الأكثر لفتا للانتباه فهم أولئك المعارضون من داخل الائتلاف الذي يرأسه معاذ الخطيب، سواء كانوا أفرادا أو تكتلات، وسواء أتوا من داخل المجلس الوطني أو خارجه، فبعض من هؤلاء في الائتلاف الوطني وجدوها مناسبة جيدة لاستكمال الصراع الذي يجري منذ تشكيل الائتلاف الذي تتنازعه صراعات بين أشخاص وتجمعات يعمل كل منها على حدة منشغلا بصراع السيطرة الداخلي بين بعضهم البعض، فجاءت تصريحات الخطيب لتعطيهم الفرصة للتصويب عليه في ذات إطار الصراع.

وأخيرا كانت هذه التصريحات فرصة لكثيرين داخل الائتلاف والمجلس الوطني وخارجهما للتعويض عن "شعبيتهم" المنهارة، وتقصيرهم المريع في تقديم أي إنجاز فعلي يخدم الثورة على مدى عامين تقريبا، فكان النيل من مبادرة الخطيب -ومنه شخصيا أحيانا- فرصة لدى هذا البعض عسى أن يعاد تصويرهم "كمناضلين ممانعين"، بما يذكرنا بإلإنجازات الضخمة للنظام السوري "الممانع المقاوم" في مواضع أخرى.

كانت مبادرة الشيخ معاذ الخطيب فرصة لمراجعة هذا العور لدى الائتلاف، لا باعتماد المبادرة، بل باعتبارها جرس تنبيه بضرورة وضع الإستراتيجيات والسياسات استنادا إلى الأهداف والاحتياجات الحقيقية للثورة والثوار

كثير من الثوار وبعض من المعارضين فضلوا التزام الصمت عن المبادرة بإيجابياتها وسلبياتها وسط كل هذه الفوضى والانتهازية السياسية، وأنا من هؤلاء، حيث مارست هذه السياسة وسط هذه الأجواء منذ تقديمي استقالتي من المجلس الوطني أواخر مايو/أيار 2012.

صمتي كان لسبب أساسي يتمثل في عدم المساهمة أكثر في واحدة من أكبر سلبيات ردود الأفعال على المبادرة، وهو الأمر المتعلق بعدم وحدة الرؤية لهذه المعارضات تجاه الصراع مع النظام، وتلك مصيبة لكنها تبقى أقل أثرا من مصيبة أكبر، ما دامت هذه المعارضات بكل تكتلاتها تتراوح سلطتها السياسية والمعنوية الحقيقية على الثوار بين المعدومة والضعيفة.

فالمصيبة الأكبر تكمن في كشف عور المعارضة الرئيسية متمثلة في الائتلاف الوطني الذي يفترض أن يكون الأقرب إلى الثورة وأهدافها بحكم الدعم الشعبي له. إذن فالمبادرة كشفت عور المعارضة ممثلة بالائتلاف بشكل جلي وواضح، حين أظهرت افتقارها إلى رؤية واضحة تنبثق عنها إستراتيجيات وسياسات وبرامج محددة للصراع مع النظام وأهدافه ومآلاته. فمن انتقدوا معاذ الخطيب لم يقدموا طوال عام من عمر المجلس الوطني كأول ممثل للثورة (سواء كانو داخل المجلس أو خارجه)، أي رؤية أو إستراتيجية واضحة، واستمر الأمر في الائتلاف الذي كان الصراع حوله وقبله وفيه على المحاصصات والنفوذ وغابت معه المهام الأساسية لهذا التجمع.

لقد كان الائتلاف فرصة نادرة ثانية بعد وصول المجلس الوطني إلى طريق مسدود، فرصة أعطاها الثوار لهذه المعارضة لا بسبب "تاريخ أعضائها السياسي" فكثير منهم لا يملكونه، ولا بسبب "العبقرية السياسية" لأفرادها التي ظهر افتقاد معظمهم لها، ولا بسبب "الملكات القيادية والإدارية الفذة" لهؤلاء فمعظمهم يفتقدها بشكل مريع.. وأخيرا ليس لأن الثوار يبحثون عن "معلمين" جدد، فقد سئموا كلمة "معلم" وثاروا عليها..

إنما كان هذا التأييد لهذه المعارضة منذ البداية، فقط بسبب وعي الثوار والشعب السوري الثائر لأهمية عملية توزيع الأدوار والمهام كضرورة لتخفيف ثمن النصر وتقريبه.

لكن ما جرى حتى الآن هو إهدار هذه الفرصة بشكل كبير، وهنا ربما كانت مبادرة الشيخ معاذ الخطيب فرصة لمراجعة هذا العور لدى الائتلاف، لا باعتماد المبادرة بل باعتبارها جرس تنبيه وربما إنذار بضرورة وضع هذه الرؤية والإستراتيجيات والسياسات والبرامج الواضحة والمحددة استنادا إلى الأهداف والاحتياجات الحقيقية للثورة والثوار، وبالاعتماد الحقيقي -وليس الاستخدام والاستغلال الشخصي والحزبي- لأهم مورد ومرتكز للثورة وهو الشعب السوري الثائر والثوار بكل ميادينهم العسكرية والمدنية..

هذا الاعتماد يقتضي مساعدة الداخل على تنظيم نفسه مدنيا وعسكريا لإنتاج قياداته ومجالسه المحلية والعسكرية الحقيقية، وبالتالي يمكن أن ينتج عنها سلطة انتقالية حقيقية مدنية وعسكرية وسياسية يمكن الاعتماد عليها بشكل حقيقي لإدارة هذه المرحلة الانتقالية، وتستطيع لاحقا إنتاج مجلس حكم انتقالي مؤقت منبثق عن هذه القوى في الداخل يعين حكومة انتقالية قوية خاضعة له، بشكل مشابه لما جرى في ليبيا، ليكون دور الائتلاف أو بعض أعضائه في المرحلة الانتقالية دور الشريك الصغير في مجلس حكم وحكومة انتقالية يحظى فيها ثوار الداخل بالأغلبية الكبيرة التي تعطيهم فرصتهم وحقهم في قيادة هذه المرحلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.