كردستان العراق وخيار الدولة

تصميم - كردستان العراق وخيار الدولة - خورشيد دلي - رغم المكاسب الإيجابية التي تحققت أخيرا لصالح القضية الكردية، فإن ثمة إشكالات وعقبات كثيرة ما زالت تعترض إقامة الدولة الكردية المستقلة

undefined 

حلم الدولة
خطوات على الطريق
الخيارات والظروف

ربما السؤال الذي لا يفارق تفكير الزعيم الكردي مسعود البارزاني هو كيفية إقامة دولة كردية في المنطقة، فالبارزاني يطمح لدخول التاريخ كأول زعيم كردي نجح في إقامة دولة كردية في العصر الحديث.

ويأتي طموح البارزاني بعد أن حُرم الأكراد من هذا الحق جراء الاتفاقيات الدولية التي قسمت المنطقة عقب الحرب العالمية الأولى ونجاح مؤسس الدولة التركية مصطفى كمال أتاتورك في عقد اتفاقية لوزان مع الغرب التي بموجبها تم التخلي عن الحقوق القومية الكردية التي أقرتها اتفاقية سيفر عام 1920.

والبارزاني هنا لا ينطلق من مبدأ حق تقرير المصير كحق للشعوب أقرته المواثيق والشرائع الدولية فحسب، وإنما من جملة الظروف والتطورات التي شهدتها العلاقة بين أربيل وبغداد بعد غزو العراق عام 2003 وصولا إلى التطورات الجارية في المنطقة والتي تشي بإمكانية إعادة تأسيسها من جديد، فضلا عن ما حققه إقليم كردستان العراق من تجربة مميزة في البناء والتنمية والتطور في مختلف الصعد، دون أن يعني كل ذلك تجاهل دور العامل الإقليمي الذي كان تاريخيا ضد التطلعات الكردية في الاستقلال.

لا يستند الحلم الكردي فقط على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وإنما على جملة الظروف والتطورات التي شهدتها العلاقة بين أربيل وبغداد بعد غزو العراق، وصولا إلى التطورات الجارية في المنطقة وما حققه إقليم كردستان العراق من تجربة مميزة في البناء والتنمية

حلم الدولة
من الصعب أن تجد خطابا أو لقاء لمسعود البارزاني خلال السنوات الأخيرة لم يؤكد فيه الرجل أن الاستقلال آت لا محالة، وأن إقامة الدولة الكردية حق طبيعي للأكراد أسوة بالعرب والأتراك والإيرانيين، حيث يبلغ عدد سكان الأكراد في المنطقة قرابة أربعين ملايين نسمة، يتوزعون بين تركيا وإيران والعراق وسوريا مع وجود أقليات منهم في أرمينيا وأذربيجان.

ولعل طموح الأكراد إلى إقامة دولة قومية هو حلم تاريخي متجدد كثيرا ما تعرض للانكسار على وقع مصالح الدول الإقليمية التي تجد نفسها متضررة من إقامة مثل هذه الدولة.

وبسبب كل ذلك نجد الحذر الكبير في الخطاب الكردي من مسألة رفع شعار إقامة الدولة الكردية، والعمل على طرح شعارات مقبولة من نوع الفدرالية والحكم الذاتي والاعتراف بالقومية الكردية والحقوق الثقافية وغيرها من أشكال الاعتراف بالهوية القومية أملا في قبولها من قبل الدول التي يعيش فيها الأكراد.

ولعل تصريحات البارزاني الأخيرة بأن الدولة الكردية المستقلة يجب أن تقوم نتيجة الحوار والتفاهم مع الدول التي يعيش فيها الأكراد وليس من خلال العنف، تعبير عن الوعي التاريخي بدور العامل الإقليمي الذي كثيرا ما دفع الأكراد ثمنه غاليا، كما حصل أثناء فشل ثورة عام 1974 عندما تخلى شاه إيران عن دعمهم في مواجهة الجيش العراقي الذي زحف لدك مدنهم ومعاقلهم.

ومعروفة هي تلك الرسالة القصيرة التي رد بها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر على المناشدات الكثيرة للبارزاني الأب لإنقاذ الأكراد من الموت عندما قال له: "على الأكراد أن يميزوا بين النشاط الاستخباراتي والعمل التبشيري".

لكن الثابت أنه رغم كل المأساة التاريخية والرفض الإقليمي للدولة الكردية والعامل الغربي الذي لا يعرف سوى المصالح، فإن الحلم الكردي بقي متقدا يبحث عن الظروف الممكنة للخروج إلى حيز الواقع، مستندا إلى خبرة تجربة تكرست على الأرض خلال العقود الماضية.

وربما بات الأكراد يرون أنه في ظل ظروف "ثورات الربيع العربي" ومجمل التطورات الجارية في المنطقة، ثمة فرصة تاريخية لجعل الحلم ممكنا وفقا لمعادلة السياسة والمصالح، ولعل هذا ما يقف وراء تأكيد البارزاني المستمر على هذا الحق، ومن خلفه تعاظم الوعي السياسي الكردي بخيار الاستقلال.

خطوات على الطريق
كثيرا ما يوصف إقليم كردستان العراق بأنه أكثر من إقليم وأقل من دولة، وهو وصف دقيق، نظرا لأن الإقليم -الذي جاء كإنجاز سياسي للأكراد- نجح في تكريس هذا الحق دستوريا من خلال دستور العراق عام 2005 الذي أقر بأن العراق دولة فدرالية اتحادية، وهو ما فتح الباب أمام تطور الإقليم سياسيا وإداريا واقتصاديا وعسكريا إلى درجة أنه تجاوز المركز وأصبح نموذجا متقدما عليه في الأمن والنمو والتطور والتعايش الاجتماعي.

فالإقليم الذي له حكومة وبرلمان وجيش (قوات البشمركة)، شبه مستقل، نجح في اتباع سياسة براغماتية سمحت له بالانفتاح على الخارج بعيدا عن بغداد، إلى درجة أن علاقاته مع بعض الدول الإقليمية ولا سيما تركيا تطورت أكثر من علاقات بغداد بهذه الدول.

تتجه الأنظار حاليا إلى المؤتمر القومي الكردي المقرر عقده في أربيل، وهو مؤتمر يؤمل منه كرديا وضع إستراتيجية كردية شاملة في كيفية طرح القضية الكردية في المنطقة، وكيفية التعاطي مع دول المنطقة بخصوص المطالب القومية الكردية

الأمر الثاني هو أن الإقليم مارس سياسة فيها الكثير من الندية تجاه حكومة نوري المالكي عبر التمسك بحقوق الإقليم إزاء القضايا الخلافية كمصير كركوك والمناطق الحدودية المتنازع عليها والنفط واستثماره وتصديره وغير ذلك من القضايا الخلافية التي لم تنجح الجهود السياسية في إيجاد حل لها حتى الآن، والتي بسببها وصلت العلاقات بين بغداد وأربيل إلى حد الصدام في لحظات كثيرة.

واللافت هنا هو أنه كلما تأزمت العلاقة بين الجانبين تعالت الأصوات الكردية الداعية إلى البحث عن المصير الكردي خارج العراق حتى لو وضع البعض هذا الخيار في خانة الانفصال.

فمستوى العلاقة بين الجانبين وتوفر الموارد الاقتصادية من نفط وغاز ومياه، ووجود علاقات قوية مع الخارج وتجربة محلية ناجحة نسبيا، فضلا عن تعاظم الروح القومية الكردية في ظل التطورات العاصفة التي تشهدها المنطقة، جميع هذه المعطيات تشكل عوامل مشجعة للسير في التأسيس للدولة الكردية وإعلانها في الظرف المناسب في ظل انشغال الدول الإقليمية بقضاياها الخاصة.

وتتجه الأنظار في هذا السياق إلى المؤتمر القومي الكردي المقرر عقده في أربيل، وهو مؤتمر يؤمل منه كرديا وضع إستراتيجية كردية شاملة في كيفية طرح القضية الكردية في المنطقة وكيفية الانطلاق منه في التعاطي مع دول المنطقة بخصوص المطالب القومية الكردية.

في الواقع، مع التأكيد على عدم وجود رؤية كردية واضحة بخصوص مسألة إعلان الدولة، فإنه يمكن الحديث عن مسارين:

الأول: أن يتجه إقليم كردستان العراق في لحظة ما إلى إعلان الدولة على أمل أن تصبح هذه الدولة قاعدة لدعم المطالب الكردية في باقي دول المنطقة التي يوجد فيها الأكراد ولا سيما تركيا التي تشهد فيها الحركة الكردية تطورا ملحوظا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، مع أن هذا الخيار سيكون محفوفا بالمخاطر نظرا لأنه قد يدفع بالدول الإقليمية إلى تجاوز خلافاتها والاتفاق على وأد الدولة الكردية الوليدة التي ستهدد خرائطها الجغرافية والسياسية وهو ما لن تسمح به.

والثاني: هو إقامة شكل من أشكال الحكم الذاتي أو المحلي في الدول التي يقيم بها الأكراد كخيار يمكن القبول به من قبل هذه الدول، ولكن هذا الخيار أيضا يواجه عقبات كثيرة، لعل أهمها عدم توفر نظم ديمقراطية متطورة تقوم على التعددية والتطور المدني والمؤسساتي ومفهوم المواطنة.

ولعل تحقيق مثل هذا التطور مرهون بإصلاح حقيقي وجذري يشمل المفاهيم والبنى التي قامت عليها الدولة الوطنية في منطقة الشرق الأوسط، وربما ينتظر الأكراد جلاء المشهد في سوريا وإيران وتركيا لتحديد خياراتهم، فعلى الأقل هذا ما يفهم من تصريحات البارزاني الأخيرة عندما أكد ضرورة تحقيق المطالب الكردية بشكل طبيعي وبالحوار مع الدول التي تتقاسم كردستان.

الخيارات والظروف
من الواضح أن الأكراد في تطلعهم إلى دولتهم القومية المنشودة، يبحثون عن الخيار الممكن والأفضل، ليبقى السؤال الأساسي متى سيكون إعلان هذه الدولة؟ ثمة من يرى أن هناك جملة واسعة من الخيارات والسبل لتحقيق هذا الهدف، ولعل أهم هذه الخيارات أو السبل:

 

من الخيارات المطروحة لإقامة الدولة الكردية، التوجه للأمم المتحدة، أو الاستفتاء بالاتفاق مع المركز، أو الإعلان عن إقامة الدولة الكردية من طرف واحد، أو استفتاء في الإقليم على الاستقلال في إطار ممارسة حق تقرير المصير يكون مدخلا لإعلان الدولة المستقلة

الأول: خيار التوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف الأممي بالدولة الكردية على غرار تجربة السلطة الفلسطينية. الثاني: خيار الاستفتاء بالاتفاق مع المركز على غرار تجربة دولة جنوب السودان. الثالث: خيار الإعلان عن إقامة الدولة الكردية من طرف واحد عبر إصدار البيان الأول الخاص بالاستقلال. الرابع: خيار إجراء استفتاء في الإقليم على الاستقلال في إطار ممارسة حق تقرير المصير يكون مدخلا لإعلان الدولة المستقلة.

ودون شك، تبدو هذه الخيارات جميعها مطروحة أمام الأكراد، وكل خيار من هذه الخيارات يتضمن سلبيات وإيجابيات لا بد من أخذها بعين الاعتبار على ضوء الحسابات القائمة والنتائج المتوقعة.

فخيار الذهاب إلى الأمم المتحدة قد لا يكون مجديا نظرا لعدد الدول العربية والإسلامية التي قد تقف ضده، دون أن يعني هذا عدم وجود تعاطف إنساني من هذه الدول مع القضية الكردية.

وخيار جنوب السودان قد لا يحظى بموافقة أميركية كما جرى مع جوبا نظرا لعلاقات واشنطن القوية بعدد من دول المنطقة ولاسيما تركيا التي تخشى قيام دولة كردية في المنطقة ولو خارج أراضيها.

كما أن خيار الإعلان عن الاستقلال من طرف واحد قد يفجر الصراع مع بغداد ويأتي بالعداوة الإقليمية والعزلة، ويحول المحيط الذي ستعلن فيه الدولة الوليدة إلى محيط متوتر وعدائي.

من الواضح، أن ثمة إشكاليات وعقبات كثيرة تعترض طريق الدولة الكردية المستقلة رغم كل المقدمات والعوامل والظروف الإيجابية التي تحققت.

وهي إشكاليات وعقبات تطرح تحديات أمام الأكراد في تطلعهم التاريخي والمستقبلي إلى الدولة، تحديات لعلها تتلخص في كيفية إقامة الدولة الكردية دون الصدام مع دول المنطقة وأنظمتها التي بنت سياستها على عدم إقامة مثل هذه الدولة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.