فلَم يُضِرْها..

فلَم يُضِرْها..الكاتب :عزت الرشق

undefined

يعاني بعض الإعلاميين والكتّاب والصحفيين العرب أزمة حقيقية قد تصل إلى حد الإفلاس والبعد عن أدبيات وأخلاقيات المهنة في البحث عن أخبار ملفقة وتقارير كاذبة وسيناريوهات من نسج الخيال ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ونهجها المقاوم وقادتها.

وقد نفدت جعبتهم من كل السهام المسمومة والأقلام المأجورة ولم يتركوا وسيلة إلا انتهجوها أو طريقا إلا سلكوه، ذلك أنهم كلما أعدوا عدة خبر أو تقرير أو مقال فبركة ونسجا وتلفيقا وتزويرا وألقوا بها بين الناس في قنواتهم وإعلامهم فاح كذبها وتدليسها وزورها وبهتانها واحترقت أفلامهم المدسوسة ودبلجتهم المغشوشة.

 في المقابل، ارتفعت أسهم الحركة ومقاومتها وفكرها لما تحمله من صدق مع نفسها وشعبها وثبات على المبادئ والقيم، وكأني بالشاعر العربي ميمون بن قيس (الأعشى) قد وصف هذه الفئة من الإعلاميين بقوله:

لم تترك الأقلام المأجورة وسيلة إلا انتهجتها، ولا طريقا إلا سلكته حتى فاح كذبها وتدليسها وزورها وبهتانها. وفي المقابل، ارتفعت أسهم الحركة ومقاومتها وفكرها لما تحمله من صدق مع نفسها وشعبها وثبات على المبادئ والقيم

كناطح صخرة يوما ليُوهِنَها      فلم يضِرها وأَوهى قَرنه الوَعلُ

فالحملات الإعلامية المسمومة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وضد قطاع غزة وحركة حماس -مهما كان منبعها أو حجمها- مصيرها الفشل والزوال دون أي أثر، كسحابة صيف عابرة.

تساوق مع الاحتلال
تمضي الحركة في طريقها المقاوم متمسكة بحبل ربها لن تؤثر فيها مؤامرة عدو أو تضليل حاقد أو تشويه متآمر، تشق طريقها نحو تحرير الأرض والمقدسات وبوصلتها موجهة ضد العدو الصهيوني لا تخطئ هدفها، ولن تنشغل بمعارك جانبية يراد لها أن تقع فيها، وهي واعية أن معركتها الوحيدة منذ انطلاقتها هي ضد العدو الصهيوني الغاشم.

وعلى الشوكة ذاتها تحقق الانتصارات والإنجازات تلو الإنجازات، توسع دائرة نضالها فوق الأرض وتحتها، ومع هذا تتصاعد الحملة الإعلامية ضدها عبر كتاب وصحفيين وإعلاميين وقنوات فضائية ومواقع إلكترونية، وكأن مصالح هؤلاء تتقاطع مع مصالح وأجندات الاحتلال، إذ تتساوق هذه الأبواق الضالة والأقلام المسمومة مع آلة الحرب الصهيونية التي تمعن في شعبنا حصارا وقتلا وتهجيرا، وفي أرضنا ومقدساتنا تهويدا وطمسا وسرقة، وفي شعبنا وقياداته ملاحقة وأسرا وإبعادا.

وعلى الرغم من ذلك كله تبقى بوصلة الحركة ومقاومتها ثابتة لم ولن تتغير، ولم تؤثر فيها تلك الحملات الإعلامية، وإنني في هذا السياق لأربأ بكتّاب ومفكرين ذوي قامات وأقلام لها وزنها أن تلتقي نصالهم مع نصال العدو الصهيوني ووكلائه الذين لا هم لهم إلا تشويه المقاومة الفلسطينية وحركة حماس.. لا أقول ذلك خوفا على ظهر حماس، ولكن حرصا على ألا تنحرف بوصلة البعض فيهاجم المقاومة، متساوقا بذلك مع المشروع النقيض مهما كانت ذريعته.

الصحافة المصرية.. إلى أين؟
لم يعد خافيا على أي متابع لمعظم الوسائل الإعلامية المصرية حجم الأخبار والتقارير التي تهاجم الحركة ومقاومتها وتمعن في نسج الأحداث بشكل يومي، حيث تطل علينا بشكل شبه يومي بافتراء وتضليل جديد، لسنا هنا بصدد الرد عليها، وإنما لبيان أن جلها مضحك مبنى ومعنى، وبعضها يتجاوز حدود المعقول والمنطق، حتى يخيل للقارئ أو السامع أو المشاهد لبعض الكتّاب والمذيعين والإعلاميين أن الشعب الفلسطيني بات عدوا للشعب المصري، ويتوهم أن المقاومة الفلسطينية وحركة حماس تقفان وراء كل مشكلة أو أزمة أو مصيبة تقع على البلاد والعباد!

فإلى أين تتجه الصحافة المصرية القائمة على هذه الأكاذيب؟ وإلى أين يسير الإعلام المصري الذي يروج لهذه الفتن بين الشعبين الشقيقين؟

ولعل من هذه الافتراءات وليس آخرها كان الزج باسم حماس في قضية اغتيال ضابط الأمن الوطني المقدم محمد مبروك، وأصحاب هذا الزج من الإعلاميين يدللون على رأيهم بالإشارة إلى أن مبروك هو الذي أعد المحضر الخاص بقضية التخابر مع حماس والمتهم فيها الرئيس المصري محمد مرسي نفسه!

موقف ثابت
أكدت الحركة في أكثر من مناسبة وأعلنت بوضوح موقفها الثابت، وأن لا علاقة لها بالأحداث التي جرت وتجري في مصر الشقيقة، وأنها لم ولن تتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية والإسلامية.

وكل ما ينشر من تدخل حماس في مصر من أخبار هو محض افتراء وكذب، ويأتي في إطار الدعاية الحزبية الضيقة، ولا يخدم إلا أعداء مصر وشعبها، وبينت الحركة مرارا أنها ليست جزءا من الصراع الداخلي في أي دولة عربية، وهي تتمنى الخير لمصر ولشعبها الكريم الذي وقف دوما مع فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني.

كل ما ينشر عن تدخل حماس في مصر هو محض افتراء وكذب، ويأتي في إطار الدعاية الحزبية الضيقة، ولا يخدم إلا أعداء مصر وشعبها، وبينت الحركة مرارا أنها ليست جزءا من الصراع الداخلي في أي دولة عربية، وهي تتمنى الخير لمصر ولشعبها الكريم

وعلى الرغم من هذا الموقف الثابت والواضح إلا أن هذه الأبواق الإعلامية لم تفتأ تذكي نار الفتنة من خلال مئات الأخبار والتقارير التي تتهم حماس بالتدخل في الشأن المصري ومحاولة زعزعة أمن مصر دون أن تقدم أي دليل أو حتى شبهة دليل.

في المقابل، لم نجد أي اتهام رسمي واحد يوجه لحركة حماس في كل القضايا التي أثيرت ضدها سابقا، لا من القضاء ولا من أي جهة رسمية أو أمنية أو سيادية، وكل ما تسمعونه في وسائل الإعلام ما هو إلا محض افتراءات تولى كبرها بعض الإعلاميين، بدءا من أكذوبة تفجير كنيسة القديسين واقتحام السجون إبان ثورة يناير مرورا بحوادث رفح وسيناء وفتنة الخصوص، وليس انتهاء بالخبر الذي أوردته أعلاه.

إمعان في الكذب والتضليل
إن ما تروج له بعض وسائل الإعلام المصرية قد وصل حد التندر والفكاهة لما آلت إليه مستويات بعض الأبواق إلى الكذب والتدليس وتلفيق التهم بعيدا عن الحقيقة والواقع، بل عن العقل والمنطق.
وأستسمح القارئ الكريم بذكر نماذج من هذا المستوى الإعلامي الهابط الذي وصل إلى مستوى الرعونة المهنية والاستخفاف بعقل الجمهور المصري والعربي، ففي 28 أكتوبر/تشرين الأول نشرت جريدة الوطن خبرا غاية في الخطورة -أقول الخطورة على سبيل التندر- كشفت فيه مكان أيمن الظواهري، وأكدت انتقال عناصر القاعدة من اليمن وسوريا إلى مصر عبر أنفاق حماس!

في ما يلي نص الخبر حرفيا "أوضحت المصادر أنه تم رصد تحركات التنظيم الدولي بالتعاون مع تركيا وقطر، حيث اجتمع أعضاء التنظيم في اليمن مع أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة والذي ظهر خلال الفترة الأخيرة في اليمن، لمخاطبة العناصر المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة في اليمن وسوريا للاستعداد للسفر إلى مصر خلال المرحلة المقبلة التي تسبق الاستفتاء على الدستور، وتسهيل تسللهم إلى مصر عبر الأنفاق بمساعدة حركة حماس". انتهى كلام الصحيفة.. فهل هناك جملة واحدة مفيدة؟

وفي يوم السبت 2 نوفمبر/تشرين الثاني نقلت بوابة أخبار اليوم عن عضو مجلس الشعب والإعلامي مصطفى بكري قوله "إن الرئيس المعزول محمد مرسي كان سيشارك في إقامة دولة لغزة بسيناء، وأن هناك تسجيلات لمرسي تؤكد أنه كان ينوي إقامة قنصلية مصرية في غزة وإقامة قنصلية لغزة في مصر".

فهل يمكن أن ينطلي مثل هذا الكلام على أصغر طفل؟ ألا يعلم القائل وهو "برلماني" والناقل، وهي وسيلة إعلام شبه رسمية، أن السفارة المصرية في فلسطين موجودة أصلا في غزة، وأغلقت أبوابها بشكل استثنائي بعد الانقسام؟

وبعد هذ الكم من الشحن والحقد والتشويه الممنهج الموجه -الذي أفقد بعض إعلاميي مصر مهنيتهم ومنطقهم وضرب بصرهم وبصائرهم في مقتل- لا عجب أن يطل علينا أحمد موسى، مذيع في قناة التحرير، يوم 11 سبتمبر/أيلول الماضي، ويطالب علنا بـ "إغلاق معبر رفح، فلا علاج حتى للمرضى الفلسطينيين، واعتقال الفلسطينيين في مصر، حتى الطفل ابن يومين"، حسب ما قال بالحرف، كما دعا لسحب الجنسية المصرية من الفلسطينيين الذين تجنسوا عن طريق أمهاتهم (هذا طبعا إجراء قانوني حصل في عهد المشير والمجلس العسكري)، حتى وصل به الأمر إلى مطالبة الجيش المصري بقصف غزة!

تهم معلبة "وقت الزنقة"
وكعادة هؤلاء الإعلاميين البارعين في الكذب والتزوير وبعد أن تتلاشى اتهاماتهم وافتراءاتهم وتتمزق خيوط العنكبوت الواهية التي نسجوها، يتسابق بعض الموتورين والحاقدين منهم إلى البحث عن تهمة معلبة يتشدقون بها "وقت الزنقة "، وهي القول إن حماس تخلت عن المقاومة وصارت حاميا أمينا لأمن الكيان الصهيوني، واختارت أن تكون جزءا لجماعة الإخوان المسلمين!

إنها طلاسم معقدة أعيت عقولهم عن فهمها وإدراكها، ولا بأس بها في نظرهم وجعبة سهامهم قد باتت خاوية خواء عقولهم وضمائرهم وذاكرتهم وتفكيرهم، فقد غاب عن ذاكرتهم فخرنا واعتزازنا بأننا نهلنا من معين وفكر جماعة الإخوان المسلمين، وقد صمّت آذانهم وعميت بصائرهم عن إنجازات المقاومة وانتصاراتها على العدو الصهيوني، فمن الذي مرغ أنف جيش الاحتلال بالتراب قبل عام من الآن.. ألم تكن حماس؟ من الذي خطف "شاليط" وخاض ببسالة حرب 2008/2009 وحرب 2012 وانتصر فيها جميعا.. ألم تكن حماس؟ ومن الذي خاض معركة إنجاز صفقة وفاء الأحرار وانتصر فيها وحرر أكثر من ألف أسير فلسطيني.. ألم تكن حماس؟ ومن الذي اشتبك، وواجه، وطعن، وحفر الأنفاق في عمق الكيان الصهيوني؟

 تلك الاتهامات لن تؤثر في عمق العلاقات الأخوية بين الشعبين الفلسطيني والمصري، وسيبقى الشعب المصري على الدوام مع شعبنا وقضيتنا وقدسنا ومقدساتنا، ولن ننسى الدماء المصرية الطاهرة التي امتزجت بدماء الفلسطينيين في المعارك ضد العدو الصهيوني

مصر عمقنا الإستراتيجي
لا شك في أن هذه الحملات الإعلامية المغرضة في بعض الوسائل الإعلامية المصرية لا تعبر عن الشعب المصري الشقيق، ولا عن موقف مصر التي مثلت دوما السند الكبير لشعبنا وقضيتنا، ولا عن حقيقة الأواصر العميقة التي تربط الشعب المصري بالقضية الفلسطينية وحبه للمقاومة الفلسطينية التي تدافع عن شرف الأمتين العربية والإسلامية.

ولن تؤثر تلك الاتهامات في عمق العلاقات الأخوية بين الشعبين الفلسطيني والمصري، وسيبقى الشعب المصري العظيم على الدوام مع شعبنا وقضيتنا وقدسنا ومقدساتنا، ولن ينسى شعبنا أبدا الدماء المصرية الطاهرة التي امتزجت بدماء الفلسطينيين في المعارك ضد العدو الصهيوني.. فهل يدركون؟

إننا نشفق على بعض الإعلاميين المصريين الذين يتقنون الاصطياد في الماء العكر ويتفننون في حبك الاتهامات الباطلة ضد شعبنا ومقاومته، ويبنون مجدا إعلاميا زائفا على حساب المبادئ وشرف المهنة، فلمصلحة من هذه الحملات الإعلامية المحمومة والمشبوهة؟

بالتأكيد أنها ليست مصلحة مصرية ولا مصلحة فلسطينية ولا مصلحة عربية.. ماذا يريد هؤلاء، وإلى ماذا يهدفون؟ هل المطلوب هو بث الفتنة بين الشعبين المصري والفلسطيني؟ هل المطلوب صناعة العداوة بين الشعب المصري والمقاومة؟ هل المطلوب البحث عن عدو لشد الانتباه عن الأوضاع الداخلية؟

متى سيدرك هؤلاء أنهم بأكاذيبهم هذه يقاتلون الطواحين، وأنهم لن ينالوا من المقاومة ولن يهزوا شعرة من رؤوس المقاومين من جهة، وأنهم بكل حرف يقولونه زورا إنما يخدمون الكيان الصهيوني من جهة أخرى!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.