اغتيال عرفات.. تأكيد المؤكد لكشف المستور

اغتيال عرفات.. تأكيد المؤكد لكشف المستور . الكاتب :علي بدوان

undefined

الإعلام الاستقصائي ونتائجه
تقرير الطب الشرعي
تأكيد المؤكد
الخلاصات

أَعطت قنبلة الجزيرة (الإعلامية/السياسية) التي أُطلِقَت قبل أكثر من عام مضى مفاعيلها التالية التي هزت الساحة الفلسطينية وأدت لإعادة نبش ملف رحيل الرئيس ياسر عرفات بعد فترة طويلة نسبيا من طيه ووضعه داخل الأدراج المخفية.

وقادت تلك القنبلة الإعلامية لكشف البدايات الحقيقة الصارخة بالدليل الحي والملموس، وهي الحقيقة التي تقول برحيل ياسر عرفات بفعل عمل مُدبر، لكن فصول تلك الحقيقة ما زالت ناقصة وبحاجة للمزيد من المتابعة للوصول إلى تفاصيل ما جرى.

القنبلة (الإعلامية/السياسية) أزاحت الستار عن الكثير (وليسَ كُلِ) الخفايا والماورائيات التي بدت في حينها وكأنها انتهت مع الطي المدروس "غربيا" لملف اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، منذ أن أودعت الجهات الفرنسية الرسمية وقائع القضية في أدراج مخفية، لم يكن لأحد من أي طرف كان أن يصل إليها بما في ذلك الطرف الفلسطيني المعني أو عائلة الشهيد الراحل.

قنبلة الجزيرة أزاحت الستار عن الكثير من الخفايا والماورائيات التي بدت في حينها وكأنها انتهت مع الطي المدروس "غربيا" لملف اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، منذ أن أودعت الجهات الفرنسية الرسمية وقائع القضية في أدراج مخفية

الإعلام الاستقصائي ونتائجه
لقد جاءت تلك القنبلة (الإعلامية/السياسية) من خلال البرنامج الاستقصائي الخاص، والمتعلق بكشف الكثير من الوقائع الصارخة عن اغتيال الشهيد ياسر عرفات، عبر التحقيق الإعلامي العلمي والممنهج، والذي تم إنجازه بمتابعة حثيثة وملموسة، اعتمدت على القرائن والأدلة والوقائع، وعلى العمل المخبري والتحاليل المعملية في أرقى مشافي ومختبرات التحليل البيولوجي والباثولوجي والإشعاعي في العالم على الإطلاق.

وبالفعل، وبعيدا عن أي اتهامات أو انفعالات أو (نزقيات) قد تصدر عن هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المعنية باغتيال الشهيد ياسر عرفات بصدد التحقيق الاستقصائي الذي تم وما تلاه من مفاعيل أوصلت عينة من رفات الشهيد الراحل إلى مخابر التحليل المعملي وبنتائجها المعلنة مؤخرا، فإن قناة الجزيرة القطرية تمكنت من تولي ملف التحقيق وكأنها هي المسؤولة عن تاريخ ياسر عرفات القائد المؤسس للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، في وقت كان فيه على المرجعيات الفلسطينية العليا المعنية أن تبادر لنبش الموضوع منذ لحظاته الأولى.

وكان عليها أن لا تستكين للتقديرات فقط التي تقول وتشي بأن رحيل الشهيد ياسر عرفات تم بعملية اغتيال مدبرة ومدروسة من قبل الطرف "الإسرائيلي" وبقرار من رئيس الوزراء في حينها الجنرال الفاشي أرييل شارون.

فقد كانت الاتهامات الفلسطينية للطرف "الإسرائيلي" مبنية على التقدير والترجيح في مسار رؤية سياسية لما كان يجري وفي مسار معلومات كانت قد أوشت بها عدة أطراف عن مكالمة هاتفية جرت بين الجنرال أرييل شارون وجهة أميركية متنفذة أبدى خلالها الجنرال شارون نيته تصفية عرفات جسديا.

بمعنى أن التقديرات الفلسطينية كانت تنقصها الأدلة والقرائن الملموسة، بالرغم من القناعة التامة بأن "إسرائيل" كانت وراء تصفية الشهيد ياسر عرفات لأنها تدرك مدى تأثيره على الساحة الفلسطينية بأسرها، وعلى الشعب الفلسطيني وعلى فصائل المقاومة الفلسطينية بلا استثناء.

ففي ظل وجوده لن يكون انقسام، وفي ظل وجوده يتحقق الحد الأدنى من الوحدة الوطنية الفلسطينية, فهو زعيم كاريزمي له تأثيره الكبير على الساحة الفلسطينية وعموم القوى الموجودة على امتدادها من أقصاها لأقصاها.

وعليه، فإن قناة الجزيرة الفضائية ساعدت في هذا المضمار بتحريك القضية ونبشها، وهي ما زالت تحتاج لمتابعة من أجل كشف المستور منها حتى الآن، وتحديدا في كشف الأدوات "الإسرائيلية" أو غيرها الفاعلة بشخوصها وأفرادها، والطريقة التي من خلالها وصلت المادة الإشعاعية لجسد الرئيس الراحل ياسر عرفات.

تقرير الطب الشرعي
وفي الجوهر والمضمون، إن تلك القنبلة (الإعلامية/السياسية)، أعطت وبنجاح جيد مفاعيلها الفورية على الأرض عبر تحريك القضية وعدم إهمالها أو رميها تحت عنوان مجهول، ومع إعادة تحليل العينة التي تم أخذها واستخلاصها من رفات الشهيد ياسر عرفات بعد فتح مرقده، وصولا للإعلان الذي تم مؤخرا تقريبا عبر المؤتمر الصحفي في المركز الجامعي للطب الشرعي بمدينة لوزان في سويسرا.

 

الجديد بعد قنبلة قناة الجزيرة وبعد تحليل العينة أن تم (تأكيد المؤكد) الذي ما زال يحتاج لـ(توضيح التوضيح) بشأن التفاصيل المتعلقة بالشخوص والأدوات والوسائط التي لعبت الدور الرئيسي في إيصال المادة القاتلة لجسد الرئيس الراحل ياسر عرفات

وتضمن هذا الإعلان تقرير الخبراء عن أسباب وفاة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وتأكيد المؤكد بأن عملية الاغتيال تمت من خلال خطوات معقدة تم فيها استخدام البولونيوم المشع (PO210) بحسب بيان صادر عن المركز، وذلك بحضور الدكتور (باتريس مانغان) مدير المركز الجامعي للطب الشرعي والدكتور (فرنسوا بوشو) مدير مركز للفيزياء الإشعاعية، اللذين أجابا على الأسئلة المتعلقة بتقرير الخبراء الذي تم تسليمه إلى ممثلي أرملة الشهيد أبو عمار السيدة سهى عرفات والسلطة الوطنية الفلسطينية.

وقد دلت الفحوص ونتائج التقرير الأخير على وجود تَسمم إشعاعي من جانب، وعلى وجود عنصر البولونيوم المُشع (PO210) في العينة، وهو عنصر لا تملكه على الإطلاق سوى دولة نووية كالدولة العبرية الصهيونية، فعنصر البولونيوم المشع جزء رئيسي في الصناعة النووية ككل، وعنصر إستراتيجي هام لا بد من وجوده لدى الدول التي تَملك مفاعلات وصناعة نووية.

تأكيد المؤكد
وبحسب نسخة التقرير الموزعة بالمؤتمر الصحافي، فإن نتائج تحاليل العينات التي أُخذت من رفات الشهيد ياسر عرفات للمختبر السويسري، كانت قاطعة وباتت تقول بـ"الفرضية القائلة إن وفاة الرئيس ياسر عرفات كانت نتيجة لتسممه بالبولونيوم المشع (PO210)" وهو عنصر إشعاعي من العناصر الطبيعية التي ينتهي نشاطها الإشعاعي بعد مدد زمنية قد تكون طويلة نسبيا في الجسد الحي نتيجة التفكك التلقائي لهذا العنصر وتحوله باتجاه عنصر الرصاص (207Pb) الثقيل المُستقر، والمعروف في الجدول الدوري الكيميائي للعناصر الموجودة في الطبيعة، وهو عنصر سام على كل حال.

إذن، الجديد في الأمر بعد قنبلة قناة الجزيرة (الإعلامية/السياسية) وبعد تحليل العينة أن تم (تأكيد المؤكد) الذي ما زال يحتاج لـ(توضيح التوضيح) بشأن التفاصيل المتعلقة بالشخوص والأدوات والوسائط التي لعبت الدور الرئيسي في إيصال المادة القاتلة لجسد الرئيس الراحل ياسر عرفات.

إن رحيل الرئيس ياسر عرفات لم يكن رحيلا طبيعيا بيولوجيا، بل كان بفعل عملية تصفية مدروسة، تمت بتقنيات عالية جدا، عنوانها استخدام سلاح من وزن ثقيل لم يسبق أن أُستخدم في عمليات تصفيات سياسية في أي بقعة على وجه المعمورة.

ويبدو أن مُستخدمَهُ فقد نجاعة كل السبل التقليدية للسلاح المُستخدم في الحروب والتصفيات ضد خصومه فلجأ لهذا السلاح الفتاك ليخفي كامل معالم جريمته.

وقد سبق أن قامت "إسرائيل" بتنفيذ عشرات الاغتيالات السرية باستخدام السموم (الاغتيال البيولوجي) وهي عمليات متنوعة لا مجال لسردها الآن أو التذكير بكل واحدة منها، لكن الجديد في الأمر، أن الدولة العبرية الصهيونية، انتقلت في تنفيذ عملية الاغتيال نقلة نوعية خطيرة من "البيولوجي إلى النووي" في استخدامها لتقنيات الاغتيالات والتصفيات السرية، وتكاد تكون عملية الاغتيال إياها الأولى التي تجري في العالم باستخدام المادة النووية والإشعاع النووي في استهداف شخصية سياسية بعينها وبمفردها.

الخلاصات
وخلاصة القول، إن التحقيق الإعلامي الدقيق والموثق والممنهج بشأن اغتيال الشهيد ياسر عرفات، شكّل سبقا مرموقا في عالم (الميديا) وصحافة التحقيق النوعي والاستقصائي بعيدا عن منهج "التأويل والتقويل" والتقدير السياسي، فالاتهام الطبيعي وجه إلى "إسرائيل" كونها التي كانت تحاصر مقره منذ مدة طويلة، وهي التي أشرفت على مرور المواد الغذائية والمياه وكل الاحتياجات الحياتية للمقر، لذا فهي المعنية أولا وأخيرا بتسميمه.

 

يجب العمل على فضح السلوك الفاشي "الإسرائيلي" الذي يلخص العقلية السياسية "الإسرائيلية" التي طالما آمنت وما زالت تؤمن بعمليات الاغتيال السياسي متجاوزة في ذلك كل المحرمات في عالم بات يرفض منطق التصفيات الجسدية

ومع هذا كان من المهم جدا أن يتم بناء التحقيق الاستقصائي النوعي على دعائم علمية قوية، في معالجة مُتقنة، بدأت بمرحلة البحث والجمع والتوثيق، وتنسيق المعلومات، وفحص الوثائق اللازمة، وملامسة المعطيات والوقائع، و"استنطاق" من بدت له معرفة من الأشخاص بالموضوع المثار وأحداثه المتتالية خلال مرض الرئيس عرفات، ومتابعتهم في أكثر من بلد يقيمون فيه وصولا للقرار الفلسطيني بفتح مرقد الرئيس عرفات وجلب العينة منه.

وفي هذا الفتح (الإعلامي/العلمي) الاستقصائي تكون قناة الجزيرة قد نالت قسطا جيدا من النجاح في مسار سعي كل المخلصين في الساحة الفلسطينية من أجل كشف المستور والمخفي فيه.

وهو ما يملي الآن على صناع القرار الفلسطيني متابعة العمل والبحث من أجل الوصول إلى كامل الحقيقة أولا، وإثارة تلك القضية على كل المستويات ثانيا، ومتابعة هذا الموضوع على الساحة الدولية، من أجل المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية.

وستبقى إسرائيل -رغم الإنكار- المعنية أولا وأخيرا بتصفية الشهيد ياسر عرفات.

ولأجل ذلك يجب العمل على فضح السلوك الفاشي "الإسرائيلي" الذي يلخص العقلية السياسية "الإسرائيلية" التي طالما آمنت وما زالت تؤمن بعمليات الاغتيال السياسي متجاوزة في ذلك كل المحرمات أو المحظورات في عالم بات يرفض منطق التصفيات الجسدية والاغتيالات ويسعى لحل قضايا الشعوب بالعمل السياسي الدؤوب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.