الهجرة غير الشرعية.. الحلم والكابوس

تصميم للمعرفة - الهجرة غير الشرعية.. الحلم والكابوس

undefined

ألقت حادثة "عبّارة الموت" في البحر الإندونيسي، بظلالها السوداء على المزاج اللبناني القلق والمضطرب أصلا لما يجري في سوريا، وإذا باللبنانيين يفجعون بعد فواجعهم الكثيرة بثلاثين من أبنائهم من عكار وطرابلس، الذين قادتهم أحلامهم إلى هجرة غير شرعية عبر المحيطات.

فبدلا من أن يصلوا إلى الجنة أو النعيم والرخاء، إذا بهم يلقون حتفهم غرقا في بحر "سيانجور" بين إندونيسيا وجزيرة كريسماس الأسترالية، وهم ضحية سماسرة البشر وتجار الموت، الذين كانوا وراء الكابوس الذي هزّ اللبنانيين من الأعماق.

أثارت حادثة "عبّارة الموت" مسألة الهجرة غير الشرعية وأسبابها ودوافعها على المستويين الإقليمي والدولي، إضافة إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظّمها وتنظم أوضاع المهاجرين وأنواعهم.

وفي الوقت نفسه طرحت موضوع دور شبكات التهريب عبر الحدود التي تنتشر في العديد من البلدان، وهي تستغل حاجة الناس والشباب بشكل خاص إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، عبر دفعهم وتشجيعهم على الهجرة غير الشرعية المحفوفة بالمخاطر، والتي يضطر فيها المهاجر أن يدفع مبالغ كبيرة مقابل تأمين عبوره إلى البلد الذي يريد الوصول إليه.

أثارت حادثة "عبّارة الموت" مسألة الهجرة غير الشرعية وأسبابها ودوافعها على المستويين الإقليمي والدولي، إضافة إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظّمها وتنظم أوضاع المهاجرين وأنواعهم

قبل حادثة " العبّارة" انتشل نحو 130 جثة لمهاجرين أفارقة غير شرعيين قبالة ساحل لامبيروزا الإيطالية القريبة من صقلية، في واحدة من المآسي التي شهدتها الإنسانية في العام 2013.

وقد تدفق نحو 300 مهاجر أفريقي غير شرعي على سبته ومليلة المغربيتين اللتين تقعان تحت السيادة الإسبانية حاليا، حين اقتحموا الحدود ولم تفلح جهود عناصر الشرطة الحدودية من منعهم.

وفي الوقت نفسه حملت الأخبار عن مطاردة الشرطة اليونانية لمهاجرين غير شرعيين فروا من مركز "أميغواليز"، لا سيّما بعد أحداث شغب حصلت في شمال العاصمة اليونانية أثينا، وقبل ذلك غرق قارب قرب شواطئ صقليا أدى إلى وفاة 6 مهاجرين سوريين ومصريين، وكان قد نزل إلى الشواطئ الإيطالية 102 من المهاجرين غير الشرعيين بعد أن رفضتهم السلطات المالطية.

وكان 24 مهاجرا غير شرعي قد غرقوا قرب السواحل التركية، وفي مقدونيا اعتقلت السلطات عصابة لتهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا الغربية، وقد اختبأ جزائري في محرك باخرة من أجل الوصول إلى إسبانيا، وكان صاحب مزرعة في اليونان قد أطلق النار على 30 عاملا أجنبيا طالبوا برواتبهم.

كما تم بناء أسلاك شائكة بين تركيا واليونان، وعقدت اتفاقية لتقاسم إيواء اللاجئين غير الشرعيين بين مدريد والرباط، وهبّ خفر سواحل كرواتيا لنجدة مهاجرين غير شرعيين وأنقذ 65 منهم في المياه الدولية، وغرق 197 شخصا في مياه السودان من المهاجرين الأفارقة، واتّهمت صحيفة الغارديان الحلف الأطلسي بترك مهاجرين يقضون في البحر المتوسط، وأوقفت فرنسا العمل مؤقتا باتفاقية تشيغن لمنع دخول مهاجرين تونسيين من إيطاليا.

وكانت السلطات الأميركية قد رفعت الصفة غير الشرعية عن مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين حيث يعيش فيها نحو 11.80 مليون مهاجر غير شرعي.

ولعل تلك الرزمة من الأخبار المأساوية هي حصيلة لأسابيع قليلة من الرصد، فما بالك لو تضمنت عقدا من السنوات.

في تقرير صدر عن الأمم المتحدة تناول أسباب الهجرة الجماعية غير المنظمة أفاد بازدياد أعداد الشباب في بلدان "العالم الثالث" وتضاؤل وتدهور فرص العمل وأوضاعه، لا سيما بانتشار البطالة واستشراء الفقر، ناهيكم عن اتساع الهوة بين بلدان الشمال الغني وبلدان الجنوب الفقير.

يضاف إلى ذلك ازدياد وتعمق الوعي بحدّة الفوارق، الأمر الذي يجعل "الهجرة" أحد الخيارات "الاضطرارية" للخلاص من الوضع غير الإنساني الذي تعيشه فئات واسعة من السكان محرومة في الغالب من فرص العيش الكريم، وبموارد لا تزيد عن دولارين في اليوم أو أقل من ذلك، يضاف إلى ذلك أيضا شح فرص التعليم وانتشار الأمية والجهل وتدني الخدمات الصحية وتفشي الأمراض وغير ذلك.
يفيد تقرير أممي بازدياد أعداد الشباب في بلدان "العالم الثالث" وتضاؤل وتدهور فرص العمل وأوضاعه، لا سيّما بانتشار البطالة واستشراء الفقر، ناهيكم عن اتساع الهوّة بين بلدان الشمال الغني وبلدان الجنوب الفقير

وبفعل العولمة والتقدم الحاصل في مجال الاتصالات والمواصلات الدولية، أصبح السفر متاحا رغم تقلص منافذ الهجرة، مما يجعل من الهجرة غير الشرعية إحدى الظواهر الخطيرة التي يعاني منها المجتمع الدولي.

تعني الهجرة في علم الاجتماع تبدل الحالة الاجتماعية، سواء بتبدل الموطن أو الوضع الاجتماعي أو المهنة أو غير ذلك، أما حسب علم السكان "الديموغرافيا" فالهجرة تعني الانتقال من موقع إلى آخر بحثا عن وضع أفضل اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا أو دينيا أو غير ذلك، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي.

ومن الناحية القانونية فالهجرة السرية أو غير الشرعية أو غير القانونية التي هي ظاهرة عالمية، تعني الانتقال من بلد إلى آخر عبر وسائل غير نظامية أو غير قانونية أو غير شرعية للوصول إلى المكان الذي يريد المهاجرون غير الشرعيين أن يصلوا إليه وتحت ضغط أوضاع قاسية.

وإذا كانت الهجرات سابقا قد قضت على حضارات قديمة، فإنها سعت للسيطرة على سكان البلاد الأصليين، كما حصل للهنود الحمر حين جلب الأفارقة عبر وسائل مختلفة، بما فيها القوة والعنف والإكراه، إضافة إلى المهاجرين الأوروبيين الذين وصلوا إلى أميركا الشمالية.

وتتسم الهجرات الحالية بدوافع متنوّعة وأسباب مختلفة للانتقال إلى البلدان المتقدمة أو الغنية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو دول الخليج وبعض دول المشرق العربي وحتى بعض دول أميركا اللاتينية مثل الأرجنتين وفنزويلا والمكسيك، وكلها تمثل بلدانا جاذبة للهجرة من دول مجاورة فقيرة.

هناك عدّة أنواع من المهاجرين غير الشرعيين، فمنهم من اجتاز الحدود ودخل البلاد التي قصدها بطريقة غير قانونية دون إعلان عن وجوده وتحديد وضعه القانوني.

أما النوع الثاني فإنه قد يكون دخل البلاد المستقبِلة بطريقة شرعية، لكنه تجاوز مدة إقامته ومكث فيها خارج الأنظمة المعمول بها والنافذة، وبالتالي أصبح غير قانوني أو غير شرعي.

أما الفريق الثالث فهم من يعمل بصورة غير قانونية في مدّة إقامته المسموح بها، وهناك مجموعة رابعة، وهي التي تعمل في أعمال غير منصوص عليها في عقود العمل المبرمة معها، فمثلا قد يكون المهاجر جاء للتعاقد على القيام بأعمال الخدمة المنزلية أو للدراسة، ثم تحوّل إلى العمل سائقا أو في أعمال الفندقة أو في المطاعم أو في أحد المكاتب أو غير ذلك.

وحسب منظمة العمل الدولية، فإن الهجرة غير الشرعية تمثل نحو 10%-15% من الهجرة العالمية، وتقدّر الأمم المتحدة أعداد اللاجئين غير الشرعيين بنحو 155 مليون شخص، وهم في تزايد، كما ترتفع أعداد العمال المهاجرين وتتردى أوضاعهم بفعل ظروفهم غير القانونية وإمكانية استغلالهم بسبب ذلك.

وقد وضع العديد من الاتفاقيات الدولية من جملة أهدافها حماية العمال المهاجرين، مثلما هي الاتفاقية الدولية للعام 1949 (الداخلة حيّز التنفيذ عام 1952) التي عالجت موضوع الهجرة، والاتفاقية الدولية بشأن العمال المهاجرين للعام 1975 (الداخلة حيّز التنفيذ عام 1978) التي تناولت موضوع الهجرة غير المشروعة، والاتفاقية الدولية للعام 1958 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة (الداخلة حيّز التنفيذ في العام 1960).

حسب منظمة العمل الدولية، فإن الهجرة غير الشرعية تمثل نحو 10-15% من الهجرة العالمية، وتقدّر الأمم المتحدة أعداد اللاجئين غير الشرعيين بنحو 155 مليون شخص، وهم في تزايد، مع ترد في أوضاعهم الحياتية

وقد ركّزت هذه الاتفاقية على المساواة وتكافؤ الفرص ومنع التمييز في المعاملة سواء في الاستخدام أو المهنة، وللأسف فإن الغالبية الساحقة من الدول العربية لم توقع على هذه الاتفاقيات الدولية أو لم تصدق عليها في حالة التوقيع، باستثناء اتفاقية العام 1958 التي صدقت عليها دول مجلس التعاون الخليجي عدا سلطنة عُمان.

يضاف إلى هذه الاتفاقيات الدولية، اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وكذلك الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم مثلما هي اتفاقية الأمم المتحدة للعام 1990 (التي دخلت حيّز التنفيذ في العام 2003)، ولعل أهمية هذه الاتفاقية تأتي من كونها استندت على مرجعية دولية خاصة بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

إن الهجرة غير الشرعية بغض النظر عن أسبابها ودوافعها المختلفة تعكس عدم المساواة واختلال العدالة في النظام الدولي وتركيباته، وذلك بسبب تفاوت مستوى الحياة بين دول الشمال الغني ودول الجنوب الفقير.

وتقع المسؤولية بدرجة أساسية على الدول المتقدمة، التي تمنع الهجرة الشرعية وتفرض قيودا وقوانين صارمة تحت زعم حماية مصالحها واقتصادها وأمنها، كما تتحمل الدولة الطاردة مسؤولية كبرى بسبب أنظمتها السياسية والاجتماعية وانعدام تكافؤ الفرص وعدم توفير العمل والحد الأدنى من الحياة الحرّة الكريمة.

وبسبب هذه الظروف تضطر فئات من السكان، ولا سيّما من الشباب المُعدم بمن فيهم خريجو الجامعات غير الحاصلين على العمل إلى الهجرة وركوب الخطر، والتجاوز على القوانين لتحقيق الحلم الموعود حتى وإن تحول إلى كابوس!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.