الثورات العربية وحكم العسكر

تصميم للمعرفة - الثورات العربية وحكم العسكر

undefined

أعباء الجيوش العربية
ماذا عن دول الربيع العربي؟
إعادة صياغة المؤسسة العسكرية

يلحظ المتابع لتطورات المشهد العربي سطوة العسكر على كافة مقاليد الحياة في الدول العربية، حيث تبوأ العسكر السلطة إثر استقلال غالبية الدول العربية خلال العقود الستة الماضية.

وبعيدا عن تطورات المؤسسة العسكرية في الدول العربية، من حيث العدد والعدة والتسليح والإستراتيجية العسكرية المتبعة، يبرز سؤال جوهري حول مستقبل تلك المؤسسة بعد التجربة التي مرت بها ثورات الربيع العربي على مدى السنوات الثلاث الماضية.

فالمؤسسة العسكرية لم تنحز إلى الشعوب في بداية الثورات، الأمر الذي يؤكد ضرورة إعادة بنائها على أسس وطنية صحيحة وممنهجة، حتى تصبح الجيوش العربية ذخرا للشعوب وحمايتها، وليس عبئا عليها في ميادين السياسة والاقتصاد والأمن.

ويشير إعلاميون إلى أن إطلالة سريعة على تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية تفيد بأن الهزائم لم تدفع الجنرالات في الجيوش العربية لاستخلاص العبر ونقد الذات، فلم تشكل مثلا لجنة واحدة للتحقيق في هزيمة يونيو/حزيران 1967.

الجيوش العربية لم تنحز إلى الشعوب في بداية الثورات، الأمر الذي يؤكد ضرورة إعادة بنائها على أسس وطنية صحيحة، حتى تصبح ذخرا للشعوب وحمايتها، وليس عبئا عليها في ميادين السياسة والاقتصاد والأمن

وفي الاتجاه نفسه، لم يترجم الجنرالات الانتصارات العسكرية الجزئية في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، مثل تدمير خط بارليف في سيناء، وخط آلون في هضبة الجولان السورية إلى مكاسب سياسية، بل على العكس من ذلك، انقلبت انتصارات الجنود الشجعان وتضحياتهم الجسيمة إلى هزائم سياسية ونجاحات إسرائيلية، تمثلت بعقد اتفاقات كامب ديفد عام 1979. 

أعباء الجيوش العربية
من الطبيعي جدا أن يتساءل كل مواطن عربي عن جدوى أداء الجيوش العربية وموازناتها ونفقاتها، حيث إن لها آثارا سلبية مباشرة على تطور الصحة والتعليم، والتنمية البشرية.

وفي وقت تعاني فيه المجتمعات العربية من معدلات بطالة تصل إلى 30 في المائة، وأرقام فلكية للأمية، وصلت إلى 70 مليون أمي، تطالعنا تقديرات خبراء عسكريين بأن الدول العربية تبوأت المركز الأول عالميا على صعيد الإنفاق العسكري والأمني.

ويقدر هذا الإنفاق في العامين الماضيين بأكثر من 300 مليار دولار أميركي للعام الواحد، مقارنة مع ما يقارب نحو 820 مليار دولار هو الحجم الكلي للناتج، والإنفاق الجاري لمجموع الدول العربية سنويا، أي ما نسبته 26% .

وتشير المعطيات إلى أن إجمالي الإنفاق العسكري والأمني التراكمي للبلدان العربية قدِّر بنحو 680 مليار دولار خلال فترة ما بين 2002 و2010، أي بمعدل 75 مليار دولار سنويا.

ويعزو خبراء ارتفاع الإنفاق العسكري والأمني للبلدان العربية إلى توسع غالبية حكومات البلدان العربية في زيادة عدد أفراد الجيوش والأجهزة الأمنية، وشراء أسلحة ومعدات عسكرية وأمنية، ورفع رواتب العسكريين وأفراد قوات الأمن بمختلف مسمياتها.

إضافة إلى ذلك جاء في تقرير صادر عن "صندوق النقد العربي" و"المؤسسة العربية للاستثمار" أن الإنفاق الدفاعي العربي شكَّل أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول العربية خلال السنوات العشر الماضية، وهي من أعلى النسب في العالم.

ووفقا لتقديرات ستكون 2013 العليا بلا منازع مقارنة مع الحجم الكلي للناتج والإنفاق الجاري للبلدان العربية سنويا، بارتفاعها إلى ما نسبته 26% كما أشرنا سابقا، علما بأن مستوى الإنفاق العسكري العالمي يشكّل وسطيا ما نسبته 2.7%من الدخل القومي للدول العربية مجتمعة.

ويقدر باحثون بأن ما تنفقه الدول العربية وبلدان أخرى في العالم الثالث على المجال العسكري، يفوق حجم ما تنفقه هذه الدول على التنمية الاقتصادية والمجتمعية والبنية التحتية وخلق فرص عمل والتعليم والصحة والبحث العلمي وغيرها.

ويترجم ذلك بعدم إخضاع الإنفاق على التسلح والأمن لمعايير تراعي ضرورات أن لا يؤثر على متطلبات تنمية مستدامة ومتوازنة، ومعالجة المعضلات الاقتصادية والفقر والعوز في الخدمات العامة والرعاية الاجتماعية.

تقرير لصندوق النقد العربي والمؤسسة العربية للاستثمار أكد  أن الإنفاق الدفاعي العربي شكَّل أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول العربية خلال السنوات العشر الماضية، وهي من أعلى النسب في العالم

ويتبادر للذهن في ظل تبوأ البلدان العربية المركز الأول عالميا في الإنفاق العسكري والأمني، مقارنة مع الحجم الكلي للناتج والإنفاق المحلي للبلدان العربية، أن ثمن طائرة "F22" البالغ 100 مليون دولار يكفي لتشجير 240 كيلومترا مربعا، وهذا المبلغ كفيل بإنقاذ موريتانيا من مشكلة التصحر التي باتت تهدّد العاصمة نواكشوط، بعد أن ابتلعت الكثير من البلدات والقرى الموريتانية.

ويمكن للبحث العلمي أن يحقق قفزة نوعية لو حُوِّل لصالحه جزء من الإنفاق العسكري والأمني، فالإنفاق على البحث العلمي في البلدان العربية لا يتجاوز 02% من الموازنات العامة، وبالأرقام يعادل ذلك 14.7 دولارا أميركيا للفرد، في مقابل 1205 دولارات للفرد في الولايات المتحدة، وحوالي 531 دولارا للفرد في الاتحاد الأوروبي.

وهو ما يؤكد أن الفجوة العلمية بين البلدان العربية والبلدان المتقدمة ليس مردها ضعف الإمكانيات المادية، بل عدم الاهتمام بالبحث العلمي ومخرجات التعليم، حيث تعتبر عملية الارتقاء بالبحث العلمي العربي من المقدمات الأساسية للتنمية المستدامة ورفع سوية المواطن العربي.

ماذا عن دول الربيع العربي؟
ذكر تقرير دولي أن الأجهزة العسكرية في دول الربيع العربي لا تزال تعاني من فساد مالي كبير على الرغم من مرور أكثر من عامين على تغيير بعض الأنظمة السياسية في بعض الدول العربية، واستمرار الثورات في دول عربية أخرى. وأشار التقرير إلى أن القطاعات العسكرية في كل من مصر وليبيا وسوريا واليمن، من أسوأ القطاعات على مستوى العالم في الشفافية ومكافحة الفساد.

وحسب التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، فإن الأجهزة العسكرية في دول الربيع العربي تنفق الأموال بشكل سري، وتمنح العقود لمقربين ومحسوبين على بعض المسؤولين فيها، وتعرقل جهود التحول إلى الديمقراطية.

وقال التقرير إن 99% من موازنة الجيش المصري لا تزال سرية حتى الآن، ولا أحد يعلم أين يتم إنفاق الأموال التي يحصل عليها العسكر في مصر، فضلا عن أن العديد من الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينها اليمن وليبيا وكذلك سوريا، لا تعلن حتى الآن حتى عدد العاملين في جهازها العسكري، أو أعداد من يتلقون رواتب من الجيش.

ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن أوليفر كوفر، أحد المشاركين في كتابة التقرير، قوله: "نحن نظرنا إلى كيفية تعامل الأجهزة العسكرية مع الفساد وكيفية مكافحته، ووجدنا أنه لا يوجد أي سيطرة من قبل الدول على عمليات الشراء التي تقوم بها القوات العسكرية في الدول المشار إليها".

تقرير: 99% من موازنة الجيش المصري ما زالت سرية، ولا أحد يعلم أين يتم إنفاق الأموال التي يحصل عليها العسكر بمصر، فضلا عن أن العديد من الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط لا تعلن حتى عدد العاملين في جهازها العسكري

وذكر كوفر "أن السبب في انتشار الفساد بالقطاعات العسكرية يعود إلى انعدام التدقيق من قبل الجهات التشريعية في موازنات الجيوش والمؤسسات العسكرية". وأشار التقرير إلى أن الجهاز العسكري في سوريا لا يخضع لأية مساءلة أو محاسبة حول طبيعة الإنفاق.

أما في اليمن فيعاني الجهاز العسكري من المحسوبية التي تهيمن عليه بشكل كامل.

ويعتبر هذا التقرير الأول من نوعه منذ بداية انطلاق شرارة ثورات الربيع العربي من تونس قبل ثلاث سنوات، وتكمن أهمية التقرير في تسليطه الضوء على أحد الجوانب الحساسة والمسكوت عنها في دول الربيع العربي التي يفترض أن تكون قد استفادت من التغيير من أجل التحول نحو مستقبل أفضل للشعوب العربية التواقة للحرية والخلاص من إسار وتسلط حكم الدكتاتوريات والعسكرتاريا.

إعادة صياغة المؤسسة العسكرية
إن زيادة الإنفاق العسكري في الدول العربية، وتراجع أوجه الإنفاق الأخرى على التنمية ومعالجة مشكلات الفقر والبطالة والأمية وتدهور البيئة، تعتبر دلالة خطيرة في ظل عدم انحياز الجيوش العربية منذ اليوم الأول لثورات الشعوب المطالبة بالحرية من النظم الاستبدادية التي نالت من الاقتصاد والتعليم والثقافة.

وهذا الأمر يؤكد ضرورة إعادة تشكيل الجيوش وصياغة المؤسسة العسكرية بشكل ممنهج، بما يلبي تطلعات الشعوب العربية وتطورها، ناهيك عن حفظ الأمن والسلم الأهلي، وحماية الأوطان من أي عدو خارجي يتربص بالدول العربية ومقدراتها الوفيرة، وهذا أضعف الإيمان.

عندئذ يمكن القول بأن ثورات الربيع العربي حققت الأهداف التي انطلقت من أجل تحقيقها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.