اتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية.. نقاط القوة والضعف

اتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية.. نقاط القوة والضعف -الكاتب: فراس أبو هلال

undefined

نقاط القوة
نقاط الضعف
آفاق النجاح

أصدر الراعي المصري بيانا رسميا يحدد بنود اتفاق المصالحة الجديد بين حركتيْ حماس وفتح، بعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدت بين الطرفين برعايته لإحياء ملف المصالحة، للاستفادة على ما يبدو من الأجواء الإيجابية التي شهدتها العلاقات بين الحركتين خلال الشهرين الماضيين.

فما هو المختلف في بنود هذا الاتفاق؟ وما هي نقاط القوة والضعف في هذه البنود؟ وهل يمكن أن يكتب له النجاح خلافا لسلسلة من الاتفاقات السابقة التي فشلت في وضع حل للانقسام الفلسطيني؟

نقاط القوة
يتميز اتفاق القاهرة بتحديد جدول زمني للبدء في المشاورات "الفنية" الموسعة لبحث القضايا العالقة، إذ يحدد الثلاثين من يناير/كانون الثاني الحالي موعدا لبدء المشاورات حول تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، ولاستئناف اللجنة المركزية للانتخابات عملها في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وللبدء في اجتماعات اللجان المعنية بالحريات والمصالحة المجتمعية، فيما تجتمع لجنة تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية -حسب الاتفاق- لاستئناف عملها بالقاهرة في التاسع من فبراير/شباط القادم.

من النقاط الإيجابية في الاتفاق الجديد، النص على وقف كافة التصريحات الإعلامية السلبية من كلا الطرفين خلال سير عملية المصالحة، وهو أمر في غاية الأهمية بالنظر إلى التجارب السابقة

وبالنظر إلى هذا الجدول الزمني، يلاحظ أن المواعيد المحددة قريبة نسبيا، وهو ما يعطيها بعض الجدية والقدرة على التنفيذ، بخلاف الاتفاقات السابقة التي كانت تحدد تاريخا مستهدفا لإنهاء المشاورات دون تحديد موعد بداية هذه المشاورات، الأمر الذي أدى إلى انتهاء الوقت المحدد في أغلب الأحيان حتى دون البدء في الخطوات الأولى للنقاش.

ويضاف إلى ذلك أن ترك وقت بداية المشاورات دون تحديد يعطي الفرصة للطرفين للمناورة في حال وقوع تغييرات في المناخ السياسي قد تكون لصالح هذا الطرف أو ذاك، كما يحصل عادة عند توقع حدوث انفراجة في المفاوضات بين السلطة و"إسرائيل" التي يعطيها الرئيس عباس أولوية كبرى على المصالحة الوطنية.

ويكتسب اتفاق القاهرة 2013 جدية كبرى بسبب نصه على تشكيل لجنة برئاسة مصرية وعضوية ممثلين عن حركتيْ فتح وحماس، وتهدف هذه اللجنة إلى ضمان تنفيذ الاتفاق، وتذليل العقبات، والتأكد من تنفيذ كافة البنود كرزمة واحدة، بحيث لا يمكن لطرف أن يدفع باتجاه تنفيذ البنود التي تصب في صالحه، ويعطل تنفيذ بنود أخرى يرى أنها ليست من مصلحته السياسية والفصائلية.

ويلعب الراعي المصري دورا مهما في هذه اللجنة باعتباره الضامن لتنفيذ الاتفاق، وهو ما يمثل نقطة قوة إضافية للاتفاق، خصوصا مع الأداء السياسي للنظام الجديد في مصر، الذي لعب خلال الفترة الماضية دورا مغايرا للدور الذي كان يلعبه الراعي المصري في عهد مبارك، ومع تأكيد النظام الجديد بقيادة الرئيس مرسي وقوفه على مسافة واحدة بين الطرفين، في حين كان نظام مبارك منحازا للرئيس عباس وسلطته وحركته، وعرابا لمتطلبات وسياسات الولايات المتحدة في المنطقة، الأمر الذي عاق الوصول إلى مصالحة حقيقية في كثير من الأحيان.

ومن النقاط الإيجابية أيضا في الاتفاق الجديد، النص على وقف كافة التصريحات الإعلامية السلبية من كلا الطرفين خلال سير عملية المصالحة، وهو أمر في غاية الأهمية بالنظر إلى التجارب السابقة، التي كان الطرفان أو أحدهما يلجأ فيها إلى التصريحات الإعلامية المسيئة إلى الطرف الآخر، والمقللة من إمكانية تحقيق المصالحة، وهو ما يؤدي إلى استدراج تصريحات واتهامات متبادلة من الطرف الآخر، مما يعكر الأجواء ويضعف فرص المصالحة، ويقلل الثقة الشعبية فيها.

وتزداد أهمية هذا البند في الاتفاق من كونه يحدد آلية للتعامل مع مثل هذه التصريحات، من خلال العودة إلى الراعي المصري واللجنة الثلاثية الدائمة، لمناقشة "الانتهاكات الإعلامية" بشكل سريع وهادئ، حتى لا تتحول إلى حالة عامة تخلق أجواء سلبية في طريق تنفيذ الاتفاق.

وتبقى نقطة القوة الأخيرة في اتفاق القاهرة للمصالحة، والتي تتمثل في النص على استئناف عمل لجنة الحريات العامة والمصالحة المجتمعية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، في الثلاثين من يناير/كانون الثاني كحد أقصى، ولا شك أن نجاح عمل هذه اللجنة والتزامها بالجدول الزمني المتفق عليه، يلعب دورا مهما في إزاحة العوائق المجتمعية والمعنوية من طريق المصالحة.

فقد أدت فترة الانقسام إلى شروخ اجتماعية وسياسية وفصائلية في المجتمع الفلسطيني، وينتظر لهذه اللجنة أن تبدأ في معالجة هذه الشروخ بشكل جذري، لضمان وجود قبول شعبي وفصائلي كبير للدفع باتجاه المصالحة وإنهاء الانقسام، وطمأنة الذين يخشون على مصالحهم من تنفيذ المصالحة بأن الوحدة الوطنية كفيلة بحماية حقوق الجميع.

نقاط الضعف
كرر اتفاق القاهرة نفس الأخطاء التي ارتكبت في معظم الاتفاقات السابقة للمصالحة، والتي أدت في النهاية إلى فشل كافة الاتفاقات في الوصول إلى مصالحة حقيقية وإنهاء الانقسام، وذلك من خلال تركيزها على تشكيل الحكومة والانتخابات، وتجنبها للبحث العميق في القضايا الإستراتيجية الأهم بالنسبة لحركة تحرر وطني، وخصوصا فيما يتعلق بالبرنامج السياسي والأمن.

وحتى فيما يتعلق بالانتخابات، فقد أعطى الاتفاق أولوية لبحث الجوانب الفنية والإجرائية، ولم يحدد أو يطلب من لجان المتابعة بحث الجوانب الإستراتيجية المرتبطة بها، وأهم هذه الجوانب الإستراتيجية تحديد شروط الانتخابات، بما فيها ضرورة شمول القدس في العملية الانتخابية، وضرورة الاتفاق على سيناريو اليوم التالي للانتخابات؛ فما هو السيناريو في حال فوز فتح بالأغلبية أو في حال فوز حماس بها؟

القوى الفلسطينية أمام خيارين لا ثالث لهما: إما دخول الانتخابات بوعي كامل بسيناريوهات اليوم التالي وتحمل نتائجها، أو الكف عن الحديث عن الانتخابات تحت الاحتلال باعتبارها حلا لمشكلة الانقسام

وبالطبع فإن السيناريو الأكثر إلحاحا في البحث هو المتعلق باليوم التالي لفوز حماس بالأغلبية، بحيث لا يقع الشعب الفلسطيني والمشروع الوطني برمته في أزمة مثيلة لما حصل بعد فوز حماس الكبير في انتخابات يناير/كانون الثاني عام 2006.

ويمكن القول إن اتفاق الأطراف جميعها على قبول نتيجة الانتخابات بغض النظر عن الفائز هو الأساس في نجاح هذه الانتخابات، ولا يتعلق القبول بالنتائج بتصريحات إعلامية تعترف بالهزيمة على طريقة الانتخابات في الديمقراطيات العريقة، فهذا لا يصلح مع حركة تحرر وطني ما زالت تحت الاحتلال، بل المقصود هو إقرار الأطراف مسبقا بتحمل كافة النتائج المترتبة على العملية الانتخابية، بما في ذلك مواجهة المجتمع الدولي بشكل موحد بعد إعلان النتائج، وعدم قبول السلطة مثلا بحصار دولي لحكومة تشكلها حماس إذا فازت في الانتخابات، وعدم مشاركتها في هذا الحصار بشكل غير مباشر كما تم بعد الانتخابات السابقة، عندما رضخ الرئيس عباس للحصار السياسي الدولي، ووافق على أن يحاور الأطراف الدولية التي تحاصر حكومته التي شكلتها حماس.

قد يرى البعض هذا الشرط صعبا أو خياليا، ولكن الفشل في تحقيقه يعني فشل الانتخابات في حل مشكلة الانقسام الفلسطيني، والمساهمة في تأبيد هذا الانقسام إلى سنوات طويلة، ولهذا فإن القوى الفلسطينية أمام خيارين لا ثالث لهما: إما دخول الانتخابات بوعي كامل بسيناريوهات اليوم التالي وتحمل نتائجها، أو الكف عن الحديث عن الانتخابات تحت الاحتلال باعتبارها حلا لمشكلة الانقسام.

أما نقطة الضعف الثانية في بنود الاتفاق، فهي الإمساك عن ذكر التوافق على وضع الأجهزة الأمنية وكتائب المقاومة، وهي العقدة التي ساهمت في تفجير كافة اتفاقات المصالحة السابقة، بل هي العقدة الرئيسية التي أدت إلى تشكيل حماس للقوة التنفيذية ردا على تمرد القوى الأمنية "الفتحاوية"، وعدم انصياعها لتعليمات وزير داخلية الحكومة التي شكلتها حماس، أو حتى وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت بناءً على اتفاق مكة، وهو ما أدى في النهاية إلى جر حماس إلى الحسم العسكري، وصولا إلى الانقسام المستمر منذ يونيو/حزيران 2007 وحتى الآن.

وحتى ينجح هذا الاتفاق في الوصول إلى مصالحة حقيقية، لابد أن يجيب ليس فقط على الأسئلة المتعلقة بإصلاح الأجهزة الأمنية بالضفة الغربية أسوة بغزة كما تطالب بذلك حماس، بل الأهم هو الاتفاق على العقيدة العسكرية والأمنية لهذه الأجهزة؛ فهل هي عقيدة الأجهزة الوطنية التي تخدم مشروع التحرر الفلسطيني؟ أم إنها عقيدة الفلسطيني الجديد الذي وضع أساساتها الجنرال دايتون وتابع بناءها خلفه الجنرال مايكل مولر؟

وتزداد خطورة هذه العقدة في الاتفاق الجديد، نظرا لتزامن التوقيع عليه مع الضجة الكبيرة التي سببتها تسريبات إعلامية عن قول الرئيس عباس إن المصالحة لن تتم إلا بحل الكتائب العسكرية وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام، وهو ما رفضته حركة حماس فورا، الأمر الذي قد يكون عاملا في إفشال هذا الاتفاق بالوصول إلى مبتغاه.

وتبقى نقطة الضعف الأهم في اتفاق القاهرة، بل نقطة الضعف في كل اتفاقات المصالحة منذ القاهرة 2005 وحتى القاهرة 2013، باستثناء اتفاق الوفاق الوطني في يونيو/حزيران 2006، وهي غياب الاتفاق والتركيز على البرنامج السياسي للمشروع الوطني الفلسطيني، أو منظمة التحرير الفلسطينية التي ستكرس ممثلة لهذا المشروع بعد إصلاحها وتفعيلها.

صحيح أن الاتفاق يحدد جدولا زمنيا للبدء في عمل لجنة إصلاح وتفعيل المنظمة، ولكن بنوده تركز على الإصلاح من زاوية تجديد الهياكل والمؤسسات، وانتخابات المجلس الوطني واستيعاب حركتيْ حماس والجهاد الإسلامي في مؤسسات وتشكيلات المنظمة، ولكنه لا يشير إلى التوافق على البرنامج السياسي للمنظمة.

إن رؤية حركة فتح في هذا الشأن حتى الآن ترتكز على أن من يريد أن يدخل المنظمة فإن عليه أن يدخلها كما هي ببرنامجها السياسي المعتمد منذ سنوات، وأن ليس من حقه تغيير هذا البرنامج، وهو ما يعني عمليا الاستمرار في حشر المنظمة -التي من المفترض أن تمثل حلم كافة الفلسطينيين في الداخل والشتات- في شرنقة اتفاق أوسلو واشتراطاته وتنازلاته.

بينما ترى حماس والجهاد -وهما محقتان في ذلك- أن البرنامج السياسي للمنظمة ليس قرآنا منزلا، بل هو نتيجة طبيعية لظروف سياسية موضوعية وذاتية متغيرة من وقت لآخر، وبالتالي فإن هذا البرنامج يجب أن يعدّل بناءً على الظروف والهياكل الجديدة التي سوف تفرزها انتخابات المجلس الوطني واللجنة التنفيذية.

وإذا فشل الاتفاق الجديد في وضع آلية للتوافق على برنامج منظمة التحرير الفلسطيني، واستمر كل طرف على رأيه، فإن هذا سيقود بلا شك عاجلا أم آجلا إلى فشله في تحقيق أهدافه.

إذا أراد الفلسطينيون حلا جذريا للانقسام والتوصل إلى اتفاق مصالحة وطني شامل، فإن عليهم ابتداءً أن يبحثوا في بنود الاتفاق بمنهج حركات التحرر الوطني لا بمنهج الدول المستقلة

آفاق النجاح
إن القراءة السياسية لنقاط القوة والضعف في اتفاق القاهرة للمصالحة تنعش بعض الآمال في نجاح حركتيْ حماس وفتح في الوصول إلى حل مؤقت لإشكالية الانقسام الفلسطيني، ولكن هذا الحل لن يكون قادرا على الصمود لوقت طويل، لأنه لم يستطع الخروج من الأخطاء التي وقعت فيها الاتفاقات السابقة، وخصوصا في ما يتعلق بمسألتيْ الأمن والبرنامج السياسي.

وإذا أراد الفلسطينيون حلا جذريا للانقسام والتوصل إلى اتفاق مصالحة وطني شامل، فإن عليهم ابتداءً أن يبحثوا في بنود هذا الاتفاق بعقلية ومنهج حركات التحرر الوطني لا بمنهج الدول المستقلة، وهذا لن يتم إلا من خلال حوار وطني شامل، بدلا من الحوارات الثنائية التي تحكمها حسابات المحاصّة الفصائلية، وأن يكون البرنامج السياسي والنضالي -الذي يهدف للتحرر وإعادة الحقوق الوطنية بكل أشكالها- هو البوصلة التي تحكم توجهات وأجندة هذا الحوار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.