أوباما ونتنياهو ومبارزة لي الأذرع بشأن إيران

أوباما ونتنياهو ومبارزة ليّ الأذرع بشأن إيران - الكاتب: صالح النعامي

undefined 

نقاط الخلاف
توظيف الرأي العام الداخلي
نتنياهو ومتلازمة تشرشل
النزول عن الشجرة

طفا الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الموقف من ضرب المنشآت النووية الإيرانية على السطح، حيث حرصت إدارة الرئيس أوباما على إظهار معارضتها لأية ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

وقد ترجمت الإدارة الأميركية موقفها في إعلان رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي أن الولايات المتحدة ليست ملزمة بالتورط في أي خطوة عسكرية تقدم عليها إسرائيل ضد إيران، علاوة على قيام البنتاغون بسحب ثلثي الجنود الأميركيين الذين يشاركون في مناورة عسكرية مشتركة مع الجيش الإسرائيلي.

لكن مما لا شك فيه أن أوضح مؤشر على عمق الخلاف بين الجانبين تمثل في التلاسن العلني بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والسفير الأميركي في إسرائيل دانيل شابيرو، الذي اشتاط غضبًا عندما اتهم نتنياهو أمامه أوباما بعدم الجدية في مواجهة المشروع النووي الإيراني.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي محاور الخلاف الرئيسة بين واشنطن وتل أبيب بشأن التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وما آليات التحرك التي يتبعها أوباما لمنع نتنياهو من مفاجأته بشأن البرنامج الإيراني، وآليات العمل المضادة التي يتبعها نتنياهو في المقابل، وما انعكاسات هذا الخلاف على مصير البرنامج النووي الإيراني.

نقاط الخلاف
على الرغم من أن كلا من حكومة نتنياهو وإدارة أوباما تعلن أنه لا يمكن التسليم بتحول إيران إلى قوة نووية، فإن هناك خلافا واضحا بين الجانبين في كل ما يتعلق بتحديد الخط الأحمر، الذي يتعين توجيه ضربة عسكرية لإيران إذا تجاوزته. فالخط الأحمر الإسرائيلي يبدأ عندما تتمكن إيران من تطوير القدرة التقنية التي تضمن في النهاية تخصيب اليورانيوم بنسبة وبكمية تكفي لإنتاج قنبلة نووية، وذلك حتى قبل أن تتمكن إيران من الحصول بالفعل على هذه الكمية، في حين أن الخط الأحمر الأميركي يبدأ عندما تنتج إيران يورانيومًا مخصبًا يكفي لإنتاج رأس نووي.

أكثر ما يقلق إدارة أوباما أن يصدر نتنياهو تعليماته لضرب إيران قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، لأن هذا يعني توريط أميركا في حرب إقليمية

من هنا فإن إسرائيل باتت تعلن أن أية عقوبات اقتصادية وسياسية تفرض على إيران حاليًّا لن تنجح في الحيلولة دون تمكن إيران من إنتاج السلاح النووي، لأنها حققت القدرة التقنية الكفيلة بإنتاج ما يكفي من اليورانيوم اللازم لإنتاج السلاح النووي.

من هنا، فإن المتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية يذهبون إلى حد الزعم بأنه بحلول فبراير/شباط 2013 سيكون لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم لتطوير قنبلة نووية. وفي المقابل، فإن الأميركيين يرون أنه حتى لو تمكنت إيران من الحصول على التقنيات الكفيلة بإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج رأس نووي، فإن تكثيف العقوبات الاقتصادية سيكون بوسعها إقناع صناع القرار في طهران بالعدول عن تحقيق هذا الهدف.

لكن أكثر ما يقلق إدارة أوباما أن يصدر نتنياهو تعليماته لضرب إيران قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، لأن هذا يعني توريط الولايات المتحدة الأميركية في حرب إقليمية. فإذا قامت إسرائيل بضرب إيران قبل الانتخابات الأميركية، فإن هناك أساسا لاعتقاد أن إيران وحليفها حزب الله سيردان بمهاجمة إسرائيل، وفي هذه الحالة، فإن أوباما ومن منطلق حرصه على تحسين فرصه في الفوز في الانتخابات سيأمر بحماية إسرائيل عبر توجيه ضربة قوية لإيران.

وهذا السيناريو بالضبط، هو الذي يغري نتنياهو تحديدًا بتوجيه ضربة لإيران في هذا الموعد على وجه الخصوص. المفارقة أن أوباما يعي أن ضربة إسرائيلية لإيران ستقلص من فرصه في الفوز بولاية ثانية، سواءً تصدى لإيران وحزب الله إذا ضربا إسرائيل أم لا، لأن ضرب إيران سيؤدي فورًا إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل جنوني، مما يفاقم أزمات الاقتصاد الأميركي عشية الانتخابات، وهذا بدوره يسهم في تراجع فرص أوباما في الفوز.

توظيف الرأي العام الداخلي
يعي أوباما أن نتنياهو يمكن أن يجره إلى المربع الذي يحذر الوصول إليه، وبالتالي فإنه يحرص على الضغط عليه بكل السبل لدفعه للإقلاع عن فكرة ضرب إيران قبيل الانتخابات الرئاسية.

وقد حرص أوباما على الالتفاف على نتنياهو من خلال محاولة استمالة الرأي العام الإسرائيلي وتجنيده ضد ضربة عسكرية لإيران، وذلك من خلال الزيارات الدورية التي يقوم بها كبار المسؤولين الأميركيين لتل أبيب، والتي يحرصون خلالها على التأكيد على التزام واشنطن بمنع إيران من تطوير سلاح نووي.

وفي الوقت ذاته حرص القادة العسكريون الأميركيون على التشكيك علانية في قدرة إسرائيل على القضاء على البرنامج النووي الإيراني بمفردها، كما فعل الجنرال ديمبسي. وقد فطن أوباما إلى أهمية استغلال معارضة المستويات العسكرية وقيادات حزبية وسياسية إسرائيلية لتوجهات نتنياهو بضرب إيران وتوظيف هذه المعارضة في محاولة إحراج نتنياهو أمام الرأي العام الإسرائيلي، وتقليص هامش المناورة أمامه.

وقد شرع مسؤولو الإدارة وقادة الجيش والاستخبارات الأميركية في فتح قنوات اتصال مع القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية وإقناعها بالتحرك ضد توجهات نتنياهو. وقد حقق الأميركيون نجاحات كبيرة في هذا المجال، تمثلت في إقناع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بتوجيه انتقادات حادة لنتنياهو بسبب ميله لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران بدون التنسيق المسبق مع الولايات المتحدة.

الانتقادات الداخلية لنتنياهو وصلت ذروتها في دعوة القاضي فينوغراد، له إلى عدم توجيه ضربة إلى إيران، لأن مثل هذه الخطوة قد تقود إلى "مأساة" في إسرائيل

وقد بادر بيريز، الذي تقضي أعراف الحكم في إسرائيل بعدم تدخله في القضايا الخلافية، إلى إجراء مقابلات مع قنوات التلفزة والصحف الرائدة في إسرائيل للتأكيد على أنه لا يجدر بإسرائيل الدخول في عمل عسكري كبير ضد إيران دون التنسيق المسبق مع أوثق حلفائها الولايات المتحدة.

وقد فتحت تصريحات بيريز الباب لسيل من الانتقادات لتوجهات نتنياهو، حيث عبر معظم كتاب الأعمدة وكبار المعلقين في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن رفضهم لتوجهات نتنياهو وحذروا من مآلاتها "الكارثية".

ومما لا شك فيه أن الانتقادات الداخلية لنتنياهو وصلت ذروتها في دعوة القاضي فينوغراد -الذي رأس اللجنة الرسمية التي حققت في أسباب فشل إسرائيل خلال حرب لبنان الثانية- الصريحة لنتنياهو إلى عدم توجيه ضربة إلى إيران، لأن مثل هذه الخطوة قد تقود إلى "مأساة" تحل بإسرائيل.

وفي الوقت ذاته التفت أوباما إلى الرأي العام الأميركي الذي يبدي حساسية خاصة تجاه إسرائيل، وذلك لقطع الطريق على المرشح الجمهوري مت رومني لاستغلال الملف الإيراني في مهاجمة السياسة الخارجية لأوباما، من خلال تسريبات ممنهجة تؤكد أن إدارته قد أعدت بالفعل خططًا لمهاجمة إيران.

وفي الوقت ذاته حرصت الإدارة الأميركية على تقديم القيادة الإسرائيلية بوصفها قيادة غير مسؤولة وناكرة للجميل، من خلال تسريب نبأ إلى الصحافة الأميركية مفاده أن المخابرات الإسرائيلية تتجسس على مكاتب وشقق يستخدمها عملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية في إسرائيل.

نتنياهو ومتلازمة تشرشل
منذ أن أصبح رئيسًا للحكومة الإسرائيلية للمرة الثانية في شتاء 2009، حرص نتنياهو على تزيين مكتبه بصورة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل، الذي لا ينفك عن التعبير عن إعجابه به في كل مناسبة، على اعتبار أنه الزعيم الذي قاد الحرب العالمية الثانية ضد النازيين حتى النهاية.

ويقول نتنياهو في مجالسه الخاصة إنه يقتفي أثر تشرشل وسيسعى لتحقيق إنجاز مشابه يتمثل في القضاء على المشروع النووي الإيراني، الذي يعتقد أنه يشكل خطرًا وجوديًّا على إسرائيل.

إن نتنياهو مقتنع تمامًا بالتقييمات التي تقدمها له دوائر التقدير الإستراتيجي في الكيان الصهيوني، والتي تجمع على أن إيران إذا طورت أسلحة نووية، فلن تقوم باستخدامها في أية مواجهة ضد إسرائيل، وأن الحرص الإيراني على تطوير سلاح نووي يهدف بشكل أساسي إلى تعزيز مكانة طهران الإقليمية والدولية.

ومع ذلك، فإن نتنياهو مقتنع تمامًا بأن التسليم بحصول إيران على سلاح نووي يعني فتح المجال أمام سباق تسلح نووي في المنطقة يضفي شرعية على توجه مصر والسعودية وتركيا للحصول على مثل هذا السلاح، وهذا يعني خسارة إسرائيل تفوقها الإستراتيجي على الدول العربية، مما يعني انهيار قوة ردعها.
ليس هذا فحسب، فنتنياهو يجزم بأن حصول أية دولة عربية أو إسلامية من دول المنطقة على سلاح نووي يعني تقليص قدرة إسرائيل على ضرب المقاومة الفلسطينية، على اعتبار أن إسرائيل ستخشى حينها أن تتطور أية مواجهة مع الفلسطينيين إلى مواجهة إقليمية شاملة، ستكون قدرة إسرائيل على حسمها محدودة تمامًا.
نتنياهو يجزم بأن حصول أية دولة عربية أو إسلامية من دول المنطقة على سلاح نووي يعني تقليص قدرة إسرائيل على ضرب المقاومة الفلسطينية

وهناك رأي سائد لدى الكثير من النخب الإسرائيلية يقول إنه إذا حصل أي طرف عربي أو إسلامي على سلاح نووي، فإن هذا سيعزز الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الخارج بشكل كبير. فقد قال نائب وزير الحرب الصهيوني الأسبق إفرايم سنيه: "لا يحتاج العرب إلى استخدام السلاح النووي حتى تنهار دولتنا، فيكفي أن يعلم مواطنونا أن دولة عربية أو إسلامية من دول المنطقة قد حصلت على سلاح نووي حتى يقوم ثلثهم على الأقل بمغادرة إسرائيل".

لذا، فإن نتنياهو يقول إن الولايات المتحدة بإمكانها التسليم في النهاية بأن تتحول إيران إلى دولة نووية، في حين أن إسرائيل لا يمكنها التسليم بذلك. من هنا، فإنه وفق حسابات نتنياهو، يجدر توجيه ضربة إلى إيران قبل الانتخابات الأميركية.

النزول عن الشجرة
إن هناك تحديين كبيرين يواجهان أوباما ونتنياهو في محاولة كل منهما إلزام الآخر بموقفه من النووي الإيراني. فأوباما يعي أن نتنياهو بإمكانه توريطه في حرب لا مبرر لها مع إيران، وفي الوقت ذاته يعي نتنياهو أنه يفتقد الشرعية الدولية والداخلية اللازمة لضرب إيران، علاوة على أنه فشل حتى الآن في إعداد الجبهة الداخلية الإسرائيلية لامتصاص أي ضربة إيرانية مضادة.

من هنا فإن جهودا تبذل حاليًّا للتوصل إلى حل وسط، يهدف إلى إنزال نتنياهو عن الشجرة. وتتضمن المقترحات بهذا الشأن أن يعلن أوباما عن الخطوط الحمراء التي يجب ضرب إيران إذا تجاوزتها، وأن يتبع هذا الإعلان بسلسلة من العمليات السرية التي تشارك فيها أميركا وإسرائيل والتي توضح للإيرانيين جدية التهديدات الأميركية.

إن قبول هذا الحل يتوقف على تجاوز أوباما ونتنياهو أزمة الثقة المتبادلة بينهما، ويبدو أن هذا لا يلوح في الأفق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.