اللوبي اليهودي والسباق إلى البيت الأبيض

العنوان: اللوبي اليهودي وسباق الرئاسة الأميركي - الكاتب: نبيل السهلي

undefined

المرشحان ومؤشرات استرضاء اللوبي
إسرائيل وأميركا والعروة الوثقى
الفيتو الأميركي الجاهز دائما

مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية المزمع إجراؤها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي 2012، تبرز أسئلة متشعبة حول أهمية اللوبي اليهودي في تلك الانتخابات من جهة، وقدرته على استمالة المواقف الأميركية إلى جانب توجهات المؤسسة الإسرائيلية من جهة أخرى.

ويبدو أن زيارة مت رومني المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية قبل فترة وجيزة لإسرائيل كانت بمثابة إعلان بدء حملته الانتخابية لكسب ود يهود أميركا الذين يصل عددهم إلى 5.5 ملايين يهودي، حيث إنه لإسرائيل حظوة كبيرة لدى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية.

وتبعًا لذلك حاول رومني أن يزيد من رصيده في أوساط يهود أميركا بإعلانه من إسرائيل أنه يجب تدعيم الخيار العسكري لوضع حد للتخوف الإسرائيلي من الملف النووي الإيراني، بل أكثر من ذلك فقد صرح أحد معاونيه المقربين بأن رومنى سيحترم أي قرار إسرائيلي محتمل لضرب إيران حتى ولو كان من دون أخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة.

وفي المقابل يسعى أوباما إلى إرضاء المؤسسة الإسرائيلية من خلال الحديث الدائم عن العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك حين أصدر عدة قوانين من شأنها دعم إسرائيل على كافة الصعد.

المرشحان ومؤشرات استرضاء اللوبي
بدأ كلا المرشحين، باراك أوباما من الحزب الديمقراطي، ومت رومني من الحزب الجمهوري، حملاتهما الانتخابية لاقتراع من المتوقع أن يكون ساخنًا، حيث سيسعى المرشحان إلى تجيير كل الأوراق المتاحة من أجل الوصول إلى البيض الأبيض.

بدأ المرشحان،  أوباما ورومني حملاتهما الانتخابية لاقتراع من المتوقع أن يكون ساخنًا، حيث يسعيان إلى تجيير كل الأوراق المتاحة من أجل الوصول إلى البيض الأبيض

ومن المؤشرات ذات الدلالة محاولات المرشحين استرضاء وكسب ود اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية، سواء لكسب أصوات ولايات حاسمة كفلوريدا وبنسلفانيا أو عن طريق الدعم المادي للمرشح الرئاسي وذلك على الرغم من نسبة اليهود التي لا تتعدى اثنين في المائة من مجموع سكان أميركا خلال العام الحالي 2012.

بيد أن تأثير اليهود يتعدى نسبتهم بشكل لافت، ومرد ذلك تنظيمهم القوي ودرجة مشاركتهم العالية في التصويت في الانتخابات الأميركية بشكل عام، والأهم من ذلك تبوُّؤ الكثير من اليهود مواقع اقتصادية مفصلية، فضلاً عن الاستئثار الواضح لليهود بوسائل الإعلام الهامة والفاعلة في الولايات المتحدة الأميركية.

وتبعًا للأهمية النسبية لقدرات ونفوذ اللوبي اليهودي المنظم في الولايات المتحدة الأميركية، بدأ المرشحان إطلاق تصريحات تشير إلى دعم إسرائيل، فقام الرئيس أوباما باستصدار قانون لدعم أمن إسرائيل عن طريق منح إضافية لتمويل مشروع منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ، وقد استقبل العديد من الشخصيات الإسرائيلية مؤخرًا.

وفي مقابل ذلك احتوت التصريحات المتلاحقة لرومني -وخاصة أثناء زيارته لإسرائيل قبل فترة وجيزة- اعترافه العلني والواضح بمدينة القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، فضلاً عن اعتباره أمن إسرائيل مصلحة قومية أميركية هامة. وفي مقابل ذلك وصف المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها في الأراضي الفلسطينية بأنها ليست نتاج قيود احتلال.

إسرائيل وأميركا والعروة الوثقى
يمكن الجزم بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 قد اتبعت نهج الحركة الصهيونية في الاعتماد على حليف خارجي، وذلك بغية المزاوجة بين إمكاناتها الذاتية وبين الدعم الخارجي لها لتكريس نمط معين من القوة، وتوظيفه في اتجاهين: الأول يتمثل في اتجاه بناء المشروع الصهيوني وتوفير مقومات البقاء له.

أما الاتجاه الثاني فيكمن في استحضار القوة للتصدي للتحديات الخارجية لإسرائيل، ونقصد هنا هاجس الخوف الإسرائيلي من محيطها العربي الذي يرى فيها دولة أنشئت في ظروف استثنائية على حساب الشعب العربي الفلسطيني وأرضه.

وفي هذا السياق يذكر أن إسرائيل اتجهت إلى التحالف مع فرنسا في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين لتكون مصدرا أساسيا لتسليح الجيش الإسرائيلي، كما استطاعت إسرائيل بناء علاقة وطيدة مع ألمانيا الغربية سابقًا فاستفادت من الدعم الألماني المتميز في المجالات العسكرية والاقتصادية حتى منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، وقد سبق تلك العلاقات اعتماد الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل على الدعم البريطاني في المجالات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية.

السبب في تميز العلاقات بين إسرائيل وأميركا يعود إلى الدور الذي تقوم به إسرائيل في إطار المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، فضلاً عن نشاط اللوبي اليهودي في أميركا

والثابت أنه بعد إنشائها عام 1948 استطاعت إسرائيل استحضار الحليف الأميركي الحاضر بقوة في إطار خريطة العلاقات الدولية التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية، وتميزت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ العام المذكور بأنها علاقة خاصة بالمقارنة مع علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع الدول الأخرى في العالم، وظهرت المساعدات الأميركية المباشرة وغير المباشرة لإسرائيل على أنها السمة الأساسية في إطار العلاقات الأميركية الإسرائيلية.

ويكمن السبب في رسم تلك العلاقات في الدور الذي تقوم به إسرائيل في إطار المصالح الأميركية السياسية والإستراتيجية في الشرق الأوسط من جهة، فضلاً عن نشاط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية ودوره في المحافظة على التأييد الأميركي لإسرائيل في كافة المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية من جهة أخرى.

ويشير المتابعون إلى أن حرب حزيران عام 1967 كانت بمثابة الحد الفاصل الذي كانت فيه إسرائيل تلعب دورًا هامًّا في إطار المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، والمرحلة التي أصبحت فيها إسرائيل تلعب الدور الرئيس في إطار المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، الأمر الذي ترك بصماته على علاقات الولايات المتحدة المتميزة وغير العادية مع إسرائيل.

الفيتو الأميركي الجاهز دائما
لقد مولت إسرائيل حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأميركية السنوية اللوجستية والطارئة. وتؤكد دراسات مختلفة أن المساعدات الأميركية برزت بكونها أحد أهم مؤشرات العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فتجاوبت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والدبلوماسية.

وقد تجلى ذلك في الدعم الأميركي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام حق النقض الفيتو ضد أية محاولة لاستصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل واعتداءاتها المتكررة على الدول العربية، ومن أهم ملامح الدعم الأميركي لإسرائيل سياسة الضغط المستمر على المنظمة الدولية التي أجبرت على إلغاء القرار الدولي الذي يوازي بين العنصرية وإسرائيل قبل عدة سنوات.

بيد أن المساعدات الأميركية لإسرائيل كانت على الدوام حجر الزاوية في إطار الدعم الأميركي المستمر لإسرائيل، فحلَت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية مثل التضخم في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، كما حدت من تفاقم أزمات اقتصادية أخرى، ناهيك عن أثرها الهام في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأميركية المتطورة، من طائرات ودبابات وغيرها.

تجلى الدعم الأميركي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية في استخدام حق النقض الفيتو ضد أية محاولة لاستصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل واعتداءاتها المتكررة على الدول العربية

وبالعودة إلى المساعدات المالية لإسرائيل، تشير دراسات متخصصة إلى أن قيمة المساعدات الأميركية لإسرائيل التراكمية خلال الفترة (1948-2012) قد وصلت إلى 116 مليار دولار، نحو 60% منها على شكل مساعدات عسكرية، و40% مساعدات الاقتصادية. ومن المقدر أن تصل قيمة المساعدات الأميركية الحكومية التراكمية المباشرة لإسرائيل إلى نحو 125 مليار دولار بحلول عام 2015.

وتبقى الإشارة إلى أنه على الرغم من أن 78% من أصوات اليهود الأميركيين كانت لمصلحة أوباما في الانتخابات السابقة، فضلاً عن استطلاعات الرأي الأميركية التي أشارت -قبل زيارة رومني لإسرائيل مؤخرًا- إلى أن نسبة 68% من الناخبين اليهود المسجلين يؤيدون باراك أوباما، في مقابل 25% للمرشح الجمهوري رومني، فإن أوباما -الذي لم يزر إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية، والذي شهدت العلاقات الأميركية الإسرائيلية في عهده خلافات كثيرة على خلفية الموقف الإسرائيلي من عملية التسوية مع الطرف الفلسطيني ورفض إسرائيل لمبدأ تجميد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية- بحاجة إلى أشكال عديدة من الإشارات يؤكد من خلالها دعم أمن إسرائيل وتوجهات المؤسسة الإسرائيلية المختلفة، للاستحواذ على نسبة كبيرة من أصوات اليهود في الولايات المتحدة الأميركية. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.