لا حرب كيميائية في الشرق الأوسط

العنوان: لا حرب كيميائية في الشرق الأوسط الكاتب: عبد الجليل زيد المرهون

undefined 

أولاً: حظر استخدام الأسلحة الكيميائية
ثانياً: الظروف الراهنة للسلاح الكيميائي
ثالثاً: احتمالات الحرب في المنطقة

هل يجوز الاحتفاظ بالأسلحة الكيميائية باعتبارها أداة ردع؟ وماذا عن استخدامها الفعلي؟ وأين يقف القانون الدولي الإنساني من كل ذلك؟ وهل نحن في الشرق الأوسط مقبلون على حرب كيميائية؟  

أولاً: حظر استخدام الأسلحة الكيميائية
تُعرف "الأسلحة الكيميائية" بأنها الأدوات والذخائر، المصممة خصيصاً لإحداث الوفاة، أو الأضرار البدنية الفادحة، من خلال انبعاث الغازات والمواد السامة.

وهناك مواد كيميائية واسعة الشيوع يُمكن استخدامها كأسلحة كيميائية، إما بصورة مباشرة، أو عن طريق دمجها بمواد أخرى.

بعد حوالي سبعة عقود على المحاولات الأولى, أعلنت اتفاقية باريس لعام 1993، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1997, وأصبح يُشار إليها باتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي يبلغ عدد أعضائها حتى الآن 188 دولة

وعلى صعيد الاستخدام الفعلي للأسلحة الكيميائية، شهد يوم 22 أبريل/نيسان من العام 1915 أول هجوم بهذه الأسلحة. وكان ذلك خلال الحرب العالمية الأولى، حيث ألقى الألمان حوالي 150 طناً من غاز الكلور على جبهة "الفلاندر" في بلجيكا. وكان يتخندق في تلك الجبهة يومها جنود فرنسيون وجزائريون. 

على مستوى الجهود الدولية الرامية لحظر استخدام  الأسلحة الكيميائية (والجرثومية)، بدأت أولى الخطوات في إعلان لاهاي لعام 1899، ثم في القواعد الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907.
 وبعد الحرب العالمية الأولى، جرى اعتماد بروتوكول جنيف، الذي حظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة، أو المواد البيولوجية. وقد وقع هذا البروتوكول في 17 يونيو/حزيران 1925. 

وبعد حوالي سبعة عقود على ذلك، أعلنت اتفاقية باريس لعام 1993، التي دخلت حيز التنفيذ في 29  أبريل/نيسان من العام 1997. وأصبح يُشار إليها باتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. 
 وقد أنشأت الدول الأطراف في الاتفاقية "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية"، من أجل تحقيق أهداف الاتفاقية وتنفيذ أحكامها.

وتنص من المادة الأولى/الفقرة (أ) من الاتفاقية على أن تتعهد كل دولة عضو بأن لا تقوم، تحت أي ظرف من الظروف، باستحداث أو إنتاج الأسلحة الكيميائية، أو حيازتها بطريقة أخرى، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها، أو نقل هذه الأسلحة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى أي طرف كان.

كذلك، تتعهد الدول الأعضاء بأن لا تقدم على استعمال الأسلحة الكيميائية (الفقرة ب)، ولا تقوم بأي استعدادات عسكرية لاستعمالها (الفقرة ج)، وأن لا تساعد أو تشجع أي طرف على القيام بأنشطة محظورة بموجب الاتفاقية (الفقرة د).

وتنص المادة الثانية من الاتفاقية على أن تتعهد كل دولة طرف بأن تدمر الأسلحة الكيميائية التي تملكها أو التي بحوزتها، أو تكون قائمة في أي مكان يخضع لولايتها أو سيطرتها.

وتتيح الاتفاقية إمكانية إجراء ما يُعرف بـ "تفتيش بالتحدي"، أي تفتيش مستعجل لمخزون أية دولة عضو، يتم إقراره بناء على الشك والتخمين. ودون أن يكون لهذه الدولة حق الاعتراض عليه.

وتتمتع كل دولة طرف، في ممارستها للسيادة الوطنية، بالحق في الانسحاب من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، إذا ما رأت أن أحداثا استثنائية تتصل بموضوعها قد عرضت مصالحها العليا للخطر.

وعلى الدولة الراغبة في الانسحاب أن تخطر بذلك الانسحاب جميع الدول الأطراف، والمجلس التنفيذي للمنظمة، ومجلس الأمن الدولي، قبل سريان فك الارتباط بتسعين يوماً. ويجب أن يتضمن ذلك الإخطار بياناً بالأحداث الاستثنائية التي تعتبرها الدولة الطرف قد هددت مصالحها العليا.
 وقد بلغ عدد الدول الأعضاء في اتفاقية  حظر الأسلحة الكيميائية 188 دولة. وذلك حتى مطلع العام 2012.  وتمثل هذه الدول ما نسبته 98% من سكان العالم.

وقد جرى بحلول 30 مارس/آذار 2012 التخلص من 52048 طناً مما يُعرف قانونياً "بالعوامل الكيميائية" (أي الذخائر والحاويات)، أو ما يعادل 73.11% من المخزونات المعلن عنها في شتى أنحاء العالم، والبالغة 71196 طناً.

ثانياً: الظروف الراهنة للسلاح الكيميائي   
على صعيد التطوّرات الجارية في المنطقة، وبعد إعلان سوريا، في 23 يوليو/تموز 2012، أنها قد تستخدم سلاحها الكيميائي في حال تعرضها لأي هجوم خارجي، سارعت إسرائيل لتحذير السلطات السورية من مغبة استخدام هذا السلاح. واعتبرت أن ذلك سيكون نهاية النهايات.

تشير تقديرات أخيرة للمخابرات المركزية الأميركية (CIA) إلى أن مخزون الأسلحة الكيميائية لدى سوريا ربما يكون الأكبر من نوعه على صعيد الوطن العربي

وكانت تقارير للمعارضة السورية قد أشارت إلى أن دمشق حركت بعض مخزونها الكيميائي قريباً من الحدود الدولية.

وتشير تقديرات أخيرة للمخابرات المركزية الأميركية (CIA) إلى أن مخزون الأسلحة الكيميائية لدى سوريا ربما يكون الأكبر من نوعه على صعيد الوطن العربي. وذلك في ظل استمرار الشكوك حول الحجم الفعلي لمخزون مصر من هذه الأسلحة. 

ويشتمل مخزون الأسلحة الكيميائية السورية على غاز الأعصاب وغاز الخردل وغاز السيانيد. وذلك حسب مصادر غربية.

وتُعد سوريا واحدة من بين ثماني دول وقعت على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية ولم تصدق عليها. ومن هذه الدول أيضاً مصر وإسرائيل.

ويعني عدم التصديق على الاتفاقية، أو عدم التوقيع عليها في الأصل، أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لا تمتلك سلطة إجراء عمليات تفتيش لمخزون السلاح الكيميائي في البلد المعني، أو التأكد من وضع المنشآت، أو تحريك الذخائر، أو وضعها في استعداد قتالي.

في ظل هذه الظروف، ثارت هواجس من اندلاع نزاع مسلّح في المنطقة، قد يتطوّر إلى حرب سافرة، ربما ترتدي طابعاً إقليمياً. وفي إطار هذه الهواجس، سادت مخاوف من أن تكون الحرب القادمة، في حال حدوثها، حرباً غير تقليدية. وتحديداً، قد تستخدم فيها الأسلحة الكيميائية.

والسؤال اليوم هو: هل ستقع الحرب الكيميائية فعلاً؟
 بداية، يُمكن أن نشير إلى أن الحديث عن تحريك سلاح سوريا الكيميائي من مخازنه المعروفة يحتمل أمرين أو وجهين: الأول، أن يكون هذا التحريك قد حدث في إطار الحيطة الرسمية من وقوع هذا السلاح في أيدي مقاتلي المعارضة، أو أيدي جهة خارجية تستغل الأوضاع السائدة في البلاد. وهنا، يكون تحريك السلاح الكيميائي في إطار ما هو متعارف عليه عادة في الظروف الأمنية الاستثنائية. ويترتب على مثل هذا التطوّر تبعات إجرائية وقانونية ترتبط بالدولة المعنية، لا يتسع المقام هنا للخوض فيها.

 الاحتمال الآخر لتحريك السلاح الكيميائي السوري أن يكون -في حال حدوثه بالفعل- نوعاً من الاستعداد القتالي. وهنا، نصبح أمام مشكلة تتصل بالقانون الدولي، إذ أن الاستعداد للحرب الكيميائية يُمثل بحد ذاته سلوكاً محظوراً، وفقاً لبروتوكول جنيف لعام 1925، واتفاقية  حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1997.

ثالثاً: احتمالات الحرب في المنطقة
وفي الإطار الأوسع للحدث، ثمة حديث يومي عن حرب محتملة تعيد رسم خارطة الشرق الأوسط. وثمة مشاعر من القلق يغذيها السياق المنفلت للتطوّرات.  

وعلى الرغم من ذلك، يُمكننا القول في هذه اللحظة إن الصورة الكلية لمعطيات البيئة الإقليمية لا تشير إلى أن الشرق الأوسط على أبواب حرب جديدة. 

وحتى بافتراض وقوع هذه الحرب، نتيجة حدث كبير، فإن الأسلحة الكيميائية لن تستخدم فيها، على أغلب تقدير. ويُمكننا تعليل ذلك بسببين: الأول، أن الأطراف المختلفة في المنطقة هي أعضاء في بروتوكول جنيف لعام 1925، الذي يحظر استخدام السلاح الكيميائي. وعدم التزام أي من هذه الأطراف بمقتضيات البروتوكول يعني فتح جبهة عالمية ضده. أو هكذا على الأقل يُمكن أن نفترض الآن.

  السبب الثاني، هو أن الحرب الكيميائية بين سوريا وإسرائيل، على وجه التحديد، لا يُمكن تصوّرها. وذلك نتيجة لأثرها الكارثي المباشر على الجانبين، فنحن بصدد تداخل جغرافي تغيب عنه أية حواجز طبيعية مؤثرة، أو ذات مغزى. ومن ناحيتي، أرى كارثية مثل هذا المشهد، استناداً إلى معرفتي الشخصية المتواضعة بجغرافية البلدات السورية.

وعلى الرغم من كل ذلك، لا بد أن نشير إلى مسألة طالما حرصت المصادر الغربية والإسرائيلية على  التأكيد عليها، ومفادها أن سوريا ترى في مخزونها الكيميائي، عامل ردع أخير أمام إسرائيل، التي تتفوق عليها في السلاح الجوي، فضلاً عن كونها دولة نووية غير معلنة.

 احتمالات الحرب في المنطقة لا تبدو كبيرة لكنها تبقى قائمة, وعلى كافة القوى البحث عن مقاربة متماسكة لاستقرار الشرق الأوسط، على النحو الذي يجنبه حرباً مدمرة جديدة

وبحسب هذه المصادر، فإن حرباً إسرائيلية غير تقليدية ضد سوريا من شأنها أن تدفع دمشق إلى استخدام سلاحها الكيميائي.

ووفقاً لدراسات غربية، يُمكن أن تطلق سوريا ذخائرها الكيميائية عبر صواريخ (SS-21) و(Scud B) و(Scud C) و (Scud D). بيد أن دراسات أميركية وإسرائيلية مختلفة تستبعد أن تكون سوريا قد حملت الصاروخ (SS-21) برؤوس كيميائية.

واستناداً لدراسة أميركية، نشرت في خريف العام 2002، فإن سوريا تمتلك ألف صاروخ من فئة (Scud C). وقد أصبحت منذ أعوام مصنعة لهذا الصاروخ، كما للصاروخ (Scud B). ودخلت، في السياق ذاته، في برنامج لتصنيع صواريخ أبعد مدى من هذين الصاروخين.

وتشير المصادر الأميركية إلى أن ذلك قد حدث بمساعدة صينية وإيرانية وكورية شمالية. وربما روسية أيضاً. 

وأياً يكن الأمر، فإن احتمالات الحرب في المنطقة لا تبدو كبيرة لكنها تبقى قائمة. وعلى كافة القوى البحث عن مقاربة متماسكة لاستقرار الشرق الأوسط، على النحو الذي يجنبه حرباً مدمرة جديدة، يدفع ثمنها عامة الناس قبل غيرهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.