حرب التحرير السورية.. الخطة المركزية

العنوان: حرب التحرير السورية.. الخطة المركزية

undefined

الميدان ينظم ممثلي الخارج
19 خطوة في طريق النصر
العرب وكفاح الشعب الإيماني

عكس تصريح هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأميركية في الثامن من يوليو/تموز الجاري اعترافا واضحا بالصعود الثوري السوري، رغم كل المذابح الوحشية من درعا للتريمسة التي ينفذها وسينفذها النظام, وذلك في معرض تعليق كلينتون على ملاومة موسكو لما بعد مؤتمر جنيف وتوافقاتهما فيه بقولها: "إنّ قدرة الجناح المسلح للمعارضة أضحت قوية وتملك المبادرة في الميدان", في حين كانت التصريحات الأميركية تؤكد التحذير من تسليح الجيش الحر، في تغطية ضمنية لبرنامج النظام الدموي المتتابع في سوريا, وهو ما يعني أنّ قدرات الاحتواء الدولي السلبي ضد الثورة أضحت في كل مشاريعها هيكلا فاقد القدرة على إيقاف زحف الجيش الحر.

ولقد برز هذا الأمر جلياً في الملاومة بين الدبلوماسية العربية والدولية وبين كوفي عنان الذي اعترف بفشل مهمته رسمياً, والتي كانت تعكس كل خططها وأدائها على الأرض، بما فيها تصريحات الجنرال مود وكوفي عنان وتركيزهما على قضية واحدة تصب ضمنياً -وبتكثيف متعدد- في منع مقاومة الجيش الحر من حماية الثورة، وسحب أو تحييد سلاحه، وانحياز ميداني ضد الضحايا على الأرض من فريق البعثة.

وفي المقابل، كان عنان والجنرال مود يتحدثان عن ضرورة حوار المعارضة مع النظام في أوج المذابح, والذي عرّى موقف المهمة الدولية أنّ موافقة والتزام الجيش السوري الحر على وقف إطلاق النار كان يُخرق في دقائقه الأولى من النظام، ويُكثّف زحف الدبابات والمدرعات والشبيحة على القرى والبلدات السورية، دون أن يُسجّل عنان أو الجنرال مود موقفاً صريحاً بإدانة هذه الهولوكوست.

وبعد رجوع عنان مرةً أُخرى ورغم اعترافه بفشله، فإنّه عاد وربط تحركه الجديد بموسكو، وأعلن رسمياً أن إيران طرف لا بد من أن يشارك في قضية سوريا، وأعقب التصريح بجلوس مع بشار وثناء على اقتراحه الجديد وزيارة لطهران!

ولو فصّلنا في دوافع هذا الموقف فسنجد أن مدار الإدراك التحليلي فيه يتجه إلى حقيقة أولى، وهي أنّ عنان لا يُمكن أن يتوسع في هذا الانفتاح القوي على إيران وموسكو والنظام مرة أخرى دون دعم من محور تل أبيب/واشنطن/الغرب, وهنا يُفهم تحرك عنان الأخير وزيارته المكوكية على أنه برنامج تحفيز أخير بعد لومه الغرب على أنهم لم يُهيئوا له أرضية لتنفيذ التوافقات بمحاصرة الجيش السوري الحر, في حين أن من أحبط هذا المسعى على الأرض هو ممانعة الثورة السورية واستقلالها عن تأثيرات الضغط الغربي.

ولذلك يُفهم هذا المدار الجديد على أنّه محاولة من الغرب لدفع محور موسكو/طهران إلى التجاوب لفصل الاحتواء الأخير للثورة بلغة أكثر تأكيدا، وهو ما يُعطي مؤشّرا بانتصارٍ مهم للثورة السورية فرضته على هذه المحاور دون أن تخضع لأي اشتراط منهم.

انعكست قوة التقدم الميداني للجيش السوري الحر وحلفائه على إعادة صناعة شاملة نظّمت المجلس الوطني السوري ومشروعه كممثل دبلوماسي للثورة السورية

الميدان ينظم ممثلي الخارج
ولقد انعكست قوة التقدم الميداني للجيش السوري الحر وحلفائه على إعادة صناعة شاملة نظّمت المجلس الوطني السوري ومشروعه كممثل دبلوماسي للثورة السورية, فقدرة الثورة في الداخل على استيعاب الحرب الإرهابية التاريخية لإخضاعها عبر سلسلة من المذابح والشراكة الإيرانية الشرسة, وعودة الثورة بقوة لإدارة الميدان وتعزيز خطة الزحف نقلا هذا التقدم للمجلس الوطني -رغم كل الانتقادات له- إلى توجه جديد يُحاكي هذا التطور النوعي, وفي ذات الوقت نجح في تعزيز جسر التواصل المكثّف مع ثوار الداخل الذين سهلت قدرات الجيش الحر حركة دخولهم وخروجهم عبر الحدود التركية.

وبلا شك، فإنّ المجلس -رغم اكتمال صورة تمثيله المقبولة جداً وفقاً لتجارب حركات ثورية سابقة- لا يُمكن أن يحتوي كل المعارضين, إلاّ أنه يتعرض عبر نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية وفرنسا وواشنطن لحركة ضغط شرسة لإقحام بعض العناصر في أعماله أو استخدامهم كأداة للتشكيك والطعن فيه، وخاصة من بعض قيادات هيئة التنسيق المندمجة كلياً مع موسكو.

والحقيقة أن موسكو  فقد قدرتها على استخدام بعض عناصر الهيئة المحترقة بعد طعنها بالثوار والجيش الحر, لكن يُسجل للمجلس الوطني قدرته على احتواء الضغط الأخير والخروج من مؤتمر القاهرة بنتيجة معقولة وإصدار عهد دستوري أولي، حتى ولو وردت خلافات وتحفظ مشروع من تيار جمهور الثورة على الأرض.

ولقد كان لافتاً تصريح د. منذر ماخوس القيادي في المجلس الوطني السوري المنتمي للطائفة العلوية بانتقاده القوي لتكثيف الجدل حول العهد الدستوري، في حين أنّ المطلوب هو إنقاذ الشعب السوري من الذبح, وهذا التصريح من قيادي علوي بارز يؤكد حقيقة المزايدات التي تبناها د. هيثم مناع وجهات عربية ودولية مع موسكو بالتحريض على الثورة وحصارها بحجة رعاية الأقليات، حتى ولو تم ذبح الغالبية, وهنا جسّد السوريون حقيقة ما يراد من صناعة هذا الرعب، وإمكانياتهم الفكرية الذاتية المذهلة في صناعة سوريا الحرة ووحدتها الوطنية.

19 خطوة في طريق النصر
أمام كل ما قدمناه تبدو الصورة واضحة جداً بأن حراك الثورة السورية لا يزال يتقدم بوقع مذهل لزحفه، رغم كل ما واجهه من تآمر دولي وإقليمي وإرهاب لم يسبق لها مثيل في الوطن العربي منذ حروب الاستقلال.

وهنا سنعرض للبعد الميداني المهم جداً والثوري الداخلي لعناصر تهيئة الخطة المركزية للنصر التي تتبلور بالفعل في توجهات الأوضاع في سوريا، وهي كالتالي:

1- احتوت الثورة السورية حرب الأعصاب الإرهابية التي شنها النظام والإيرانيون عليها، عبر سلسلة مذابح ضخمة كان هدفها المركزي إخضاع الثورة وانهيار إرادتها.

2- تعاملت الثورة مع المذابح ببرنامج صلب من الإرادة، فحافظت على تقدمها النوعي على الأرض الذي أفزع النظام, وشكّلت فرقا خاصة تقوم بتعزيز حركة القصاص الذي يخضع للجان قضائية من الثورة، ويتم تنفيذ الحكم العادل في الشبيحة والجناة من جيش النظام الذين يتم التوصل لهم.

3- هذه اللجان القضائية ذات صلة مباشرة بالحراك المدني الثوري وشخصيات المدن السورية الاعتبارية وذات الخبرة والاختصاص، والتي أعلنت: أنّ التشبيح الدموي والأمني لا يُنفّذ من قبل العلويين أو باقي الطوائف فقط، ولكن يُشارك فيه سُنة أيضاً، فلا يوجد حافز للانتقام الطائفي الشامل وإن استخدم النظام التثوير الطائفي لبعض القرى المحيطة بالسنة كشبيحة لتحقيق هذه الحرب الطائفية.

تعاملت الثورة مع المذابح ببرنامج صلب من الإرادة، فحافظت على تقدمها النوعي على الأرض الذي أفزع النظام, وشكّلت فرقا خاصة تقوم بتعزيز حركة القصاص الذي يخضع للجان قضائية من الثورة

4- هذه المعالجة العدلية الحاسمة المتماشية مع تقدم الثورة السورية على الأرض تتزامن بقوة مع التواصل مع أطراف عسكرية وقيادات مدنية وعشائرية من كل الطوائف، وتتم مساعدة من يطلب المعونة في إيصاله إلى الحدود التركية دون أن يطلب منهم الانضمام للجيش السوري الحر، وهم موجودون حالياً في مخيمات على الحدود حيث ترعاهم تركيا عبر شروط المعاهدات الدولية، وسيبقون في المخيمات حتى استقرار الأمور.

5- هذه الخطة استمطرت بها الثورة أعدادا ضخمة لا تهدأ من الجنود والضباط المنشقين من كل الطوائف وليس السنة فحسب، مع سمو روح المواطنة والرعاية الإنسانية والحق العدلي الذي تتعامل به الثورة مع كل الطوائف.

6- شكّل الجيش السوري الحر كتائب خاصة لتأمين نقل المدنيين إلى الحدود التركية خاصة حين تصل عملياته إلى مناطقهم، وتم تخفيف سقوط المدنيين فيها بمقابل حركة الفداء من عناصر الجيش السوري الحر في برنامج التأمين.

7- لا يزال النظام يُباغت القرى الآمنة أو يُعزز القصف الجنوني للمناطق المحررة للنيل من أكبر عدد ممكن من المدنيين، لكنه لم يعد يستطيع أن يوقف زحف الجيش السوري الحر ونزيف الاستهداف في كتائب النظام, واعتراف عنان بما قال له الأسد وطلبه مفاوضات مباشرة مع الجيش الحر مؤخراً إشارة إلى ذلك الضعف المراوغ.

8- انشقاق العميد مناف طلاس (ابن وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس) يُعطي دلالة قوية على فقدان الثقة في صمود النظام، ويُفاقم وضعية البناء العسكري ورسائل هذا الانشقاق الصادمة لقيادات الجيش.

9- سيستمر الجيش السوري الحر والثورة بكل أضلاعها في المطالبة بالمنطقة الآمنة، وبتحييد سلاح الجو التابع للنظام عنها، وبتحميل المجتمع الدولي المسؤولية، لكن هذا لا يعني عدم وجود عمل يجري على الأرض يعتمد الاستقلال الذاتي من شهور، ويحقق انتصارا كبيرا ولكن بتكاليف كبيرة من الفداء.

10- استطاع الجيش السوري الحر التقدم كثيراً نحو مشروعه النهائي لما قبل معركة التحرير المركزية، ولقد كان إعلان تسمية جمعة السادس من يوليو/تموز الجاري بـ"جمعة التحرير الشعبي" بلاغاً مهما لانسجام خطط الثورة والاحتضان المدني لها.

11- المشروع المركزي يقتضي تهيئة الحزام الشمالي لسوريا من اللاذقية وحتى القامشلي على الحدود التركية عبر الإمكانيات الذاتية، وهو ما يجري بدقة في برنامج عمليات الجيش السوري الحر ويحقق تقدماً كبيراً، ولقد اعترفت جهات دولية عديدة بأنّ الجيش السوري الحر يهمين حضوره القوي على 60% وتزيد في الليل على الأراضي السورية.

12- هذا التأمين للمنطقة الآمنة سيخضع لعدة عوامل, منها وضع تركيا أمام الأمر الواقع وفق القرارات الدولية، وهو ما تتفهمه تركيا جيداً وتتجاوب معه، وجاء تصعيد النظام بإسقاط طائرة الاستطلاع التركية وقتل طياريها في هذا الصدد.

13– إنّ النظام يُدرك -مثل المخابرات الإسرائيلية والمحور الدولي وموسكو- أنه يتصدع تحت خطة الثورة السورية، ولم يعد قادراً على أي دفع أو توقيف لها، وقصف الإخبارية السورية من مفرزة للحرس الجمهوري المرابط لحمايتها قبل انشقاقهم يُبيّن حجم الاختلال الأمني لجهاز النظام الخاص.

14– كل ما يتقدم -وبالحساب الميداني الدقيق- يُشير إلى أن حركة تزعزع ما تبقى من الهيكل العسكري للنظام تتضاعف بأكثر من ثلاثة أضعاف وتزيد على السنة الأولى للثورة، وهو ما بات يُرجّح قدرات الجيش السوري الحر المملوء بمصداقية وعقيدة حربه.

15– رغم حجم التبرعات والإمكانيات المحدودة فإن الجيش السوري الحر تمكن من تمرير بعض المعدات العسكرية المجهزة لمواجهة المدرعات وأجهزة الاتصالات التي أثّرت كثيراً في توجهات المعارك القادمة.

16– الجيش السوري الحُر بات يُهيمن مؤخراً على مداخل عديدة من الحدود مع تركيا، ويؤمّن نقل من سوريا وإليها الصحفيين والإغاثيين والزعماء السياسيين، كما فعل مع د. برهان غليون وممثلين مباشرين عنه وعن الحراك المدني, كمؤشر كبير لقدراته المتصاعدة.

التقدم النوعي العسكري في استهداف المدرعات والدبابات وخضوع بعض المفارز لمفاوضات مع الجيش الحر ومن ثم تسليم معداتها والانشقاق, شكّل تقدماً نوعياً إضافياً لجبهة القتال

17- التقدم النوعي العسكري في استهداف المدرعات والدبابات وخضوع بعض المفارز لمفاوضات مع الجيش الحر ومن ثم تسليم معداتها والانشقاق, شكّل تقدماً نوعياً إضافياً لجبهة القتال, ونُضيف أن أولئك العساكر قدموا قائمة بمنفذي المجازر من قيادات الجيش والشبيحة، وهي الرسائل التي تدب الرعب في صفوف هيكل النظام.

18– رغم كل المآسي والمذابح والنحر الجنوني فإنّ عزيمة الشعب السوري وإيمانه وروحه المعنوية القوية كانت مستودع الذخيرة الذي يتصدر هذه الأسباب, كما أكدها رمزها الكبير القائد الثوري الحمصي خالد أبو صلاح في كلمته الأخيرة في مؤتمر العلماء بإسطنبول ومؤتمر القاهرة.

19- ستبقى عملية مباغتة النظام وحسم الإسقاط من قلب دمشق قائماً وتشكل مفاجئة نوعية، وإن حافظ الثوار على سرية خططها, وقصف النظام لأحياء دمشق -كما جرى في حي التضامن وغيره في 15 تموز- اعتراف ضمني كبير وسقوط مدوي لحصانة دمشق.

العرب وكفاح الشعب الإيماني
إذن نحن الآن أمام مقدمات نوعية جديدة لم تُهيأ للثورة السورية من قبل, ولو تحوّل الفعل العربي لأي دعم مركزي في قضية التسليح واستطاعت بعض الجهود استثمار وصول الرئيس المصري مرسي المنتخب شعبيا لتغطية الثورة دبلوماسيا، ودفع الموقف التركي -بالتنسيق مع بعض دول الخليج- للتسليح والمنطقة الآمنة أكثر, فسيوفّر هذا الكثير من الدماء العزيزة لأهالي سوريا، وأيضاً يُعزز حالة الحسم في إطاره الوطني المستقل، وقوة فرض إرادته ووحدته وتنفيذ مشروعه السياسي للدولة المدنية.

ولكن أياً كان مستوى هذا التجاوب من عدمه فإنّ خطة الجيش السوري الحر وتقدم أضلاع الثورة كلها يسير في برنامج صعودٍ قوي ومركزي يقترب كثيراً من ساعة الصفر, ورغم أننا نَحذَر من وضع تواريخ محددة فإن الأسابيع الأولى من 2013 لا تزال هي التخمين المُرَجَح, وهو يتصاعد بقراءة الأرض والميدان, ويدعمه تقدم حركة الزحف العسكري وقوة الصعود الثوري في دمشق وحلب، فضلاً عن عواصم الثورة ومدنها المحررة.

ويبقى الشعب العربي أمام مسؤوليته في مواجهة ركام الشهداء الذي قدمه الشعب السوري ليضغط على صعيده الرسمي وقدراته المادية لتأمين أكبر قدر من الدعم لحرب التحرير المركزية, وليس هناك شك في أنّ هذا النجاح المضرج بدماء الشهداء وجثامين الأطفال وعرق الثور وأرواحهم كان صنيعة فدائية موصولة بحبل الله المتين الذي رعاها بسماوية شهدائها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.