على أعتاب الحرب الأهلية

على أعتاب الحرب الأهلية - الكاتب: محمد علوش

undefined

خلفيات أحداث طرابلس
قراءة فريق 14 آذار
قراءة فريق 8 آذار
بعبع القاعدة

هل دخل لبنان حالة الحرب الأهلية فعلياً، بعد اندلاع المواجهات الأمنية بين منطقة جبل محسن ذات الأغلبية العلوية وبين باب التبانة ذات الأغلبية السنية في مدينة طرابلس؟ ليس من السهل الإجابة، وإن كانت إرهاصات الحرب الأهلية قد بدأت بالظهور، إذا ما قارنا المناخ الإقليمي بالوضع الداخلي اليوم بما كان عليه في العام 1975 حين اندلعت الحرب الأهلية.

قطع للطرقات، وعمليات خطف لمواطنين، واعتصامات مستمرة، واتهامات للحكومة بالخضوع لأجندات خارجية، وتفشي الفئوية والطائفية في مؤسسات الدولة، والتشكيك في عمل الأجهزة الأمنية وعدم التعاون معها، وانتشار السلاح في كل حيّ وشارع، وحديث عن شبكات مسلحة تجوب البلاد طولاً وعرضا، وحدود غير منضبطة، واحتقان مذهبي وطائفي غير مسبوق، وأوضاع اقتصادية متردية، ومديونية تبلغ الخمسين مليار دولار في بلد ليس لديه موارد بالمرّة، وأخيراً وليس آخراً الجرح النازف في طرابلس. هذا مع افتقاد لبنان للقيادة السياسية القادرة على ضبط الوضع، وتوحيد الجميع في خندق واحد، عنوانه بناء الدولة الجامعة ودعمها.

إزاء هذا الوضع، نجد أنفسنا أمام خطر تمدد الموجهات لخارج طرابلس، وخروجها عن سيطرة من أشعلها. فكيف ولماذا اشتعلت جبهة طرابلس إذا كانت قد تجهز على اليبس الذي تعيشه التربة اللبنانية؟

لم يكن اعتقال المولوي السبب الأساسي للأحداث، وإنما حقيقة الأزمة تعود لحالة الاحتقان والغيظ الشديد الذي تعيشه الساحة السنية

خلفيات أحداث طرابلس
وسط الأجواء المسمومة السائدة في الشارع اللبناني، وتحديداً في طرابلس التي تعيش على وقع الأحداث الجارية في سوريا، يوقف الأمن العام شاباً أردنيا، كان في طريقه إلى المطار قادماً من سوريا. تقول الرواية الأمنية: إن الشاب المعتقل اعترف بانتمائه لتنظيم القاعدة حيث يعمل في المجال اللوجستي، وقد قادت التحقيقات معه إلى شاب لبناني من طرابلس يدعى شادي المولوي ينشط في مجال إغاثة اللاجئين السوريين في الشمال. وكان المولوي جرى اعتقاله لمدة سنتين على خلفية أحداث نهر البارد في العام 2007، قبل أن يخلى سبيله لعدم ثبوت اتهامات بحقه.

وبعد اعتقال المولوي على يد جهاز الأمن العام الذي استدرجه بطريقة أثارت استياء أهل المدينة وفعاليتها السياسية والدينية، قام عناصر من تنظيمات سلفية بالاعتصام في ساحة المدينة، وقطعوا الطرقات المؤدية إليها مطالبين بإطلاق المولوي، غير أن الأمور اتخذت منحى تصعيديا، مما أدى إلى تفجر الأحداث التي شهدتها المدينة.

في الحقيقة، لم يكن اعتقال المولوي السبب الأساسي للأحداث، رغم أن حادثة اعتقاله كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وإنما حقيقة الأزمة تعود لحالة الاحتقان، والغيظ الشديد الذي تعيشه الساحة السنية، وتحديداً الإسلامية منها، التي لم تفهم لماذا تتحفظ الأجهزة الأمنية على حوالي ثلاثمائة شاب سلفي منذ العام 2007 عقب أحداث نهر البارد وحتى اليوم، دون أن تطلق سراحهم أو تجري لهم محاكمة، في الوقت الذي يفرج فيه القضاء اللبناني عن العميد المتقاعد فايز كرم المحكوم بتهمة العمالة لإسرائيل بعد أقل من سنتين من سجنه.

ويومها خرج الإسلاميون يغطون شوارع مدينة طرابلس وصيدا وبيروت بلافتات تتساءل ما إذا كانت العمالة لإسرائيل أقل جرما من إطلاق اللحية وتقصير الثوب؟! ثم جاء اعتقال المولوي ليشعل فتيل القنبلة التي انفجرت في وجه الجميع، حيث وجد فيها السلفيون إصرار الأجهزة الأمنية على ملاحقة كل من يدعم المعارضة السورية أياً كان شكل الدعم.

قراءة فريق 14 آذار
لم يكتف هذا الفريق بوصف الحكومة اللبنانية بحكومة حزب الله، واتهام أجهزتها الأمنية بالعمل بوحي سوري فحسب، بل تحسس أصابع النظام السوري في أحداث طرابلس، إذ لم تخرج الأحداث عن السيناريوهات القديمة التي اعتمدتها سوريا للسيطرة على مدينة طرابلس في الثمانينيات، حين كان يسيطر عليها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

ووفقاً لرؤية هؤلاء ومعهم التيارات الإسلامية المختلفة، فإن أهداف جبهة طرابلس تتلخص في جملة أمور أهمها:

• تهيئة الأجواء للإطباق على المدينة والشمال وصولاً إلى الحدود السورية من خلال خلخلة الوضع الأمني في المدينة، الأمر الذي يستدعي تدخلاً من قبل الأجهزة الأمنية الموالية للنظام السوري، وربما فيما بعد تدخلاً من قبل الجيش السوري نفسه، تحت شعار ضبط الأمن وحماية الأقليات. ويستدلون على ذلك بدعوة المسؤول السياسي في الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد الجيش العربي السوري للتدخل لحل الوضع.

الهدف من أحداث طرابلس هو ضرب شعبية تيار المستقبل داخل بيئته السنية، بما يؤدّي إلى إحراجه أمام شارعه، إذ هو عاجز عن مجاراة السلفيين في سقفهم الرافض لمنطق الدولة
"

• قطع الطريق على من يحاول استهداف النظام السوري انطلاقاً من طرابلس والشمال، وعدم قيام منطقة آمنة على الحدود الشمالية تحمي "الجيش السوري الحر" وسط محيط سني حاضن له، ومن ثم الحيلولة دون تدفق النازحين السوريين إلى المناطق اللبنانية التي لن تكون آمنة لهم.

• دفع الجيش اللبناني إلى مواجهة مع أهل المدنية، وتصوير الصراع بين جبل محسن وباب التبانة على أنه صراع بين الأمن اللبناني وجماعات سلفية متشددة، تنطلق من طرابلس والشمال تجاه المناطق السورية للقتال إلى جانب المعارضة ودعمها بالمال والسلاح.

• ضرب شعبية تيار المستقبل داخل بيئته السنية، بما يؤدّي إلى إحراجه أمام شارعه، إذ هو عاجز عن مجاراة السلفيين في سقفهم الرافض لمنطق الدولة، ما لم يسلم حزب الله سلاحه للجيش، في الوقت الذي لا يرغب بخسارة تأييد السلفيين له، ويحرص على إظهار نفسه بالممثل الحصري للطائفة السنية.

• محاولة إجهاض الاستحقاق الانتخابي العام القادم من خلال تعميم النموذج القائم حاليا في طرابلس، مما يبرر تأجيل الانتخابات لأمد غير معلوم، أو إرغام المعارضة على خوض الانتخابات بقانون النسبية الذي قد يضمن فوز قوى 8 آذار بالأكثرية.

قراءة فريق 8 آذار
يتبرأ فريق 8 آذار من تهمة التورط في ملف طرابلس، في الوقت الذي يتهم حليفه السوري تيار المستقبل وحلفاءه بالتآمر على سوريا، انطلاقا من طرابلس والشمال. ووفقاً لرؤية قوى 8 آذار فإن أحداث طرابلس افتعلتها الجماعات السلفية من أجل تقويض الدولة، بالتعاون والتنسيق مع جهات إقليمية ودولية تخوض حرباً ضد سوريا لإسقاطها وصولاً لضرب محور المقاومة والممانعة في إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين. وتتلخص التحليلات التي تسوقها 8 آذار لتفسير الأحداث الجارية في طرابلس في الآتي:

• محاولة لإسقاط حكومة ميقاتي في الشارع بعد عجز قوى 14 آذار عن إسقاطها في البرلمان حين طرح النائب عن الكتائب سامي جميل الثقة فيها قبل أسابيع عدة.

• الدفع باتجاه خلق نهر بارد جديد، في إشارة إلى الأحداث التي وقعت في مخيم نهر البارد في شمال لبنان عام ٢٠٠٧، وذلك من أجل إرباك الدولة وأجهزتها الأمنية مما يخلق بيئة حاضنة لتوفير السلاح ونقله إلى العمق السوري في مواجهة النظام.

• فشل القوى السلفية والتيارات "التكفيرية" في التستر على مشروعها الداعم عسكريا للمعارضة السورية عبر الاعتصامات وقطع الطرقات، في محاولة للتغطية على حقيقة ما تقوم به على الأرض من تسليح وتدريب للمعارضة السورية.

• إجهاض مشروع تيار المستقبل ومن خلفه السلفيين في تحويل طرابلس إلى بنغازي سوريا، نسبة إلى بنغازي في ليبيا التي انطلقت منها الثورة بعد أن أحكمت المعارضة سيطرتها عليها.

• إجهاض مشروع تحويل طرابلس إلى إمارة سلفية بعيدة عن أعين الدولة، حيث تستغل المجموعات السلفية الناشطة على هذا الهدف حالة الاحتقان والغليان داخل الشارع السني من الدولة ومؤسساتها من ناحية، واختراق تيار المستقبل بأعضاء وشخصيات مؤيدين لتوجهها الانفصالي تحت عناوين عدة، من ناحية أخرى.

بعبع القاعدة
لا شك أن أكثر الحجج التي تحشد لها قوى 8 آذار في تسويق رؤيتها للصراع في لبنان هي التركيز على الجماعات المسلحة وإظهار خطرها. وهي حين تطرح الموضوع، تعلم أن لا أحد في لبنان يجرؤ على الدفاع عن هذه الجماعات إن وجدت، كما أن الغرب المكتوي بنار الأصولية السلفية لديه فوبيا من القاعدة وبعبعها.

وتلعب وسائل الإعلام القريبة من هذا الفريق دورها في التركيز على هذا الجانب ومحاولة ربط كل ما يدور من أحداث به. وبحسب هذه الوسائل، التي تنقل عن مصادر أمنية، فإن لبنان يشهد تدفقاً هائلاً للجهاديين القادمين للنازل في سوريا مروراً بالمحطة اللبنانية وبأيديهم روزنامة أهداف داخلية، حيث تم "توقيف مجموعة أصولية اعترف أفرادها بالإعداد لاغتيال وزير الصحة علي حسن خليل والوزير السابق وئام وهاب والمدير العام الأسبق للأمن العام اللواء جميل السيد".

وكذلك "تعميم الجيش اللبناني على الأجهزة الأمنية الأخرى معلومات عن تحضير مجموعة تابعة لـ"فتح الإسلام" للقيام بعمل إرهابي في وسط بيروت". ومن ثم تأكيد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن "لائحة استهداف عدد من القيادات والشخصيات السياسية من قبل جهات متطرفة، هي جدية وخطيرة وتستدعي المتابعة واليقظة".

على الرغم مما تورده وسائل الإعلام من روايات وإفادات "لمصادر دبلوماسية غربية" و"جهات أمنية رفيعة" حول حقيقة الوجود السلفي الجهادي، فإن قيادات 14 آذار لا ترى في ذلك سوى فبركات ومسرحيات هزلية

وعلى الرغم مما تورده وسائل الإعلام المذكورة من روايات وإفادات "لمصادر دبلوماسية غربية" و"جهات أمنية رفيعة" حول حقيقة الوجود السلفي الجهادي، وأثره في صناعة الأحداث في لبنان وسوريا، فإن قيادات 14 آذار لا ترى في ذلك سوى فبركات ومسرحيات هزلية.

وفي هذا الموطن، يتساءل حليف الأمس وليد جنبلاط قائلا: "لماذا الإصرار الدائم على تضخيم خطر السلفية؟ وما مدى حضورها في لبنان؟ ولماذا ربطها بصورة دائمة بالإرهاب؟". في حين يتساءل آخر: إذا كان الموقوف شادي المولوي عضوا في تنظيم القاعدة، كما تدعي الأجهزة الأمنية، ولديه مرافقون، ويعمل على تهريب المال والسلاح إلى سوريا، فهل يعقل أن يحتاج إلى 500 دولار ليعالج ابنته ويتصرّف بسذاجة، حتى يتمّ استدراجه بواسطة الأمن العام إلى مكتب وزير المال محمد الصفدي في طرابلس من دون أيّ مرافقة بعد الاتصال به من رقم مجهول؟!

بعيداً عن الاتهامات لهذا الفريق أو ذاك، فإن أحداث طرابلس الأخيرة كانت جولة من جولات الصراع التي لم تنته ولن تنتهي، لأن الصراع لم يكن بين أهلها ولا بقرار منهم، وإنما بين أطراف داخلية تقف خلفها جهات خارجية، ارتأت أن تكون البداية من طرابلس التي تمثل حالة رخوة في الجسد اللبناني المأزوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.