الطوارق بين طموح الاستقلال وسيناريوهات التوظيف

العنوان: الطوارق بين طموح الاستقلال وسيناريوهات التوظيف - الكاتب: محمد الحافظ الغابد

undefined

صراع الحرب والسلام
خريطة التنظيمات في أزواد
سيناريوهات التوظيف

في اليوم الأول من أبريل/نيسان 2012 أعلن الطوارق سيطرتهم على كامل أراضيهم في عمق الصحراء الأفريقية الكبرى، حيث يعيش ما يقرب من ثلاثة ملايين من قبائل العرب والطوارق ذات الأصول الأمازيغية في شمال دولة مالي.

ويقول النشطاء الطوارق الذين خاضوا حربهم في الأشهر الثلاثة الأخيرة إن صبرهم قد نفد بعد مضي عقود من انتظار التنمية، وإن شعوب الإقليم وقومياته لم تجن من السلام إلا الفقر والحرمان، بعدما نهبت الحكومات المالية المتعاقبة جميع التمويلات الدولية، التي استلمتها الحكومة لتنمية الإقليم، فالمؤسسات التربوية والصحية ضعيفة الوجود فضلا عن الطرق وغيرها من مؤسسات البنية التحتية، التي تحتاجها المنطقة لبناء جسر الثقة والأمل، في دولة متعددة الأعراق والقوميات، ومالت كفة التنمية فيها لصالح العاصمة ومدن الجنوب.

وقد شردت الحرب الحالية حوالي 120 ألف نازح منها 60 ألفا تشردوا داخل الأراضي المالية بينما توزع الباقون على دول الجوار خصوصا موريتانيا وبوركينافاسو, ويقول مراقبون إن التأثير السلبي لهذه الحرب على سكان المنطقة سيكون واسعا لأنه يتزامن مع موجة جفاف تضرب منطقة الساحل منذ حوالي 10 أشهر.

صراع الحرب والسلام
عندما استقلت جمهورية مالي على عهد الرئيس القوي مديبوكيتا 1960 ضمت ولايتي كيدال وتنبكتو اللتين تشكلان أكثر من ثلث أراضي البلاد، غير أن انحيازا ثقافيا معاديا للحواضر الإسلامية، المناهضة للاستعمار الفرنسي شكل أرضية سياسية وفكرية، أسست لتهميش هذه المناطق، من قبل الحكومة المالية، التي ينحدر جل أعضائها من الجنوب، المنخرط في الأجندة الاستعمارية منذ عقود، وقد أحس الطوارق بالخطر الذي يتهددهم وبدؤوا ثورتهم في العام 1961 انطلاقا من كيدال ليلاقوا ردا عنيفا من طرف القوات المالية التي تلقت دعما من الجزائر والمغرب، وحاول الرئيس المالي مديبوكيتا فرض شروطه عبر سياسة الحديد والنار، ونجح في إقناع المغرب والجزائر بتسليم القيادات الطوارقية التي ساهمت في الثورة.

نجحت مالي مجددا في إبرام معاهدة تمنراست الثانية (11 أبريل/نيسان 1992) وقد حجمت سقف المكاسب الطوارقية إلى مستوى اللامركزية ومنح الإقليم نصيبا من التنمية إضافة لإنشاء مكتب شؤون الشمال في باماكو لتفعيل بنود الاتفاق والعمل على استيعاب وتشغيل أطر الطوارق، وقد كان هذا كافيا لتندلع خلافات عميقة داخل الجبهة التي وقعت الاتفاق بعد ذلك بقليل مما قاد العديدين لتأسيس تنظيمات وأجنحة عديدة.  

خريطة التنظيمات في أزواد
أدى عدم وفاء الحكومة المالية بالتزاماتها تجاه الشراكة التي أقامتها مع الجبهة الشعبية لتحرير أزواد إلى خروج العديد من القيادات من الجبهة وتأسيس تنظيمات جديدة هذا إضافة لنشاطات المجموعات المرتبطة بالقاعدة.

الحركة الشعبية لتحرير أزواد هي التنظيم الرئيسي الأول الذي مثل –تاريخيا- إطارا جامعا لنضال الطوارق السياسي والعسكري ضد تجاوزات الحكومة المركزية في باماكو

أ‌- التنظيمات الطوارقية وتشمل:
– الحركة الشعبية لتحرير أزواد: وهي التنظيم الرئيسي الأول الذي مثل –تاريخيا- إطارا جامعا لنضال الطوارق السياسي والعسكري ضد تجاوزات الحكومة المركزية في باماكو، وكان هذا التنظيم يخضع لقيادة الزعيم المؤثر إياد أغ غالي، وهو شخصية وطنية تحظى باحترام واسع ومصداقية كبيرة في صفوف الطوارق، وكذا بالنسبة لحكومات المنطقة, وهو ينحدر من منطقة كيدال, وقع العديد من الاتفاقيات مع الأنظمة المالية, له علاقات واسعة مع الجزائر, شارك في قيادة وتوجيه الانتفاضات السابقة وكذا النشاط السياسي والدبلوماسي بالإقليم.

 
ويقود إياد الآن حركة أنصار الدين التي تتهم بأنها بدأت تتبنى طرح القاعدة ويبقى من المؤكد أن الحركة ذات توجهات إسلامية تميل للتأثر بالحركات السلفية. 

– الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد: وهي إطار سياسي يعكس الهوية العربية الإسلامية للإقليم خصوصا وقد تأسست الجبهة 1989 بقيادة أحمد ولد سيدي محمد ولد عبد الوهاب وهو دبلوماسي من مدينة أروان في الشمال المالي مما يلي الشرق الموريتاني. يقيم أحمد في العاصمة نواكشوط، وقد عمل في الرئاسة الموريتانية بديوان الرئيس المختار ولد داداه، وهو ذو توجه إسلامي تأثر بفكر الإخوان المسلمين أيام دراسته بالأزهر في الستينيات.

شاركت الجبهة في انتفاضات التسعينيات كما شاركت في توقيع معاهدات السلام مع الحكومة المالية شهدت بعض الانشقاقات كان أشهرها الانشقاق الذي قاده الذهبي ممثل مالي في هايتي، ولكن الجبهة عادت موحدة وقوية ويقيم بعض نشطائها في مخيمات البوليساريو نتيجة الارتباط القوي بين القبائل العربية في أزواد وقبائل الصحراء الغربية، ولا يزال لها تأثير واسع في مناطق نفوذها، وهي الآن تنضوي ضمن الحركة الوطنية لتحرير أزواد.

– الجيش الثوري لتحرير أزواد: وهو فصيل مسلح حمل السلاح في وجه الحكومة المركزية يقوده هذا التنظيم عبد الرحمن قلة، وهو دبلوماسي يعمل بسفارة باماكو بالرياض وله علاقات وطيدة بالجالية الطوارقية في العالم العربي، خصوصا في العربية السعودية والإمارات.

– الجبهة الشعبية لتحرير أزواد: يقودها السيد غيسي أغ محمد ولم توقع اتفاقية مع الحكومة المالية، ولذلك يحظى قائدها باحترام كبير في أوساط السكان، عرف بمهاجمته للجبهة العربية الإسلامية التي يتهمها بأنها تمثل مجموعة قليلة من السكان ذوي الأصول العربية، وهم في الأصل مهاجرون طارئون على الإقليم ولم يكونوا يوما من السكان الأصليين.

ويجمع بين هذه التنظيمات كونها جميعا تطالب باستقلال الإقليم أو الحكم الذاتي في إطار دستور فيدرالي يسمح لأبناء الإقليم بإدارة أنفسهم عبر إدارة مستقلة إداريا وسياسيا عن باماكو.

وتوجد العديد من الجماعات الأخرى، من أبرزها مجموعة إبراهيم باهنغا، وهي التي قادت عملية تمرد واسع في العام 2006، ولكنها عادت للحوار مع الحكومة تحت الضغط الليبي والجزائري.

– الحركة الوطنية لتحرير أزواد: تأسست الحركة الوطنية لتحرير أزواد (M.N.l.A) مطلع العام (01/01/2010)، وهي ملتقى لكل التنظيمات السابقة كما شهدت في الفترة الأخيرة انسحاب العديد من الأطر والوجهاء الذين كانوا يؤيدون الحكومة في باماكو وانضموا إلى الحركة التي تسعى للاستقلال السياسي للإقليم عن الحكومة المالية. وتؤكد أنها باتت تسيطر على كامل أراضي الإقليم. ومن أبرز قادتها محمد أغ ناجي، وهو قيادي شاب من العائدين من ليبيا، وحمه أغ سيد أحمد وهو خليفة إبراهيم باهنغا على مجموعته ومحمد الأمين ولد أحمد، وهو من الجبهة العربية الإسلامية.

يعد تنظيم القاعدة الآن أهم حركة قتالية محترفة في الشمال المالي حيث استوطن هذا التنظيم تلك الصحراء الشاسعة منذ أواسط التسعينيات

ب- التنظيمات الأخرى
من أبرز التنظيمات المغايرة للتنظيمات الطوارقية بل المناهضة لها مليشيا "ملاك الأرض" والجماعة السلفية للدعوة والقتال التي أسست وجودا قويا في الإقليم في السنوات العشر الماضية.

– جبهة "ملاك الأرض" وهي جبهة قومية غالبية المنتسبين إليها من قومية الصونغاي التي تشكل عنصرا سكانيا قويا في تنبكتو العاصمة الثقافية والحضارية لمالي. وقد عملت هذه الحركة على مناهضة سيطرة الطوارق على مناطق الإقليم، وقد تلقت المنظمة دعما من الحكومة ونهضت بنشاط واسع في إطار مقاومة الحكومة لهيمنة الطوارق على الإقليم في حرب التسعينيات.

– تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي: يعد تنظيم القاعدة الآن أهم حركة قتالية محترفة في الشمال المالي، حيث استوطن هذا التنظيم تلك الصحراء الشاسعة منذ أواسط التسعينيات، وهو الآن يتكون من ثلاث فصائل بعضها متحالف مع الحركات الأزوادية، أما الفصيل الأهم الذي يحمل عنوان القاعدة فله علاقات واسعة مع جنرالات الجيش المالي. 

سيناريوهات التوظيف
إن أهم متغير طرأ على الإقليم لموضوع الطوارق هو سقوط النظام الليبي الذي ظل يهيمن على الطوارق وقياداتهم المؤثرة وكانت تلك الهيمنة دائما من الناحية السياسية لصالح الحكومات المالية والنيجيرية كما كانت ثمة ضرورة بارزة لممارسة ضغط سياسي على الطوارق من أجل الاستجابة لشروط تلك الحكومات، وتتأتى مخاطر هذا الحدث من حجم السلاح الذي حصل عليه الطوارق من ليبيا وعن طريقهم تسرب لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الناشط في الإقليم.

وتحدثت العديد من المصادر المطلعة على كواليس الحراك التنظيمي في المنطقة بعد دخول النازحين الطوارق من ليبيا في اجتماعات ومحادثات عقدها وكلاء القاعدة في الإقليم مع قادة جبهات الطوارق من أجل تنسيق الجهود، مما ولد خوفا واسعا لدى الدول النافذة في الإقليم من قيام تحالف بين الطرفين يؤدي في النهاية إلى نشوء قوة عسكرية تهدد بقوتها جيوش دول الساحل الهشة نفسها.
أهم متغير طرأ على الإقليم بالنسبة لموضوع الطوارق هو سقوط النظام الليبي الذي ظل يهيمن على الطوارق وقياداتهم المؤثرة وكانت تلك الهيمنة دائما من الناحية السياسية لصالح الحكومات المالية والنيجيرية

وما فتئت العديد من الصحف المالية تتحدث عن انضمام مجموعات من المقاتلين الطوارق لتنظيم القاعدة وتحذر من نشوء تحالف بين ما تصفه بـ"ذئاب الصحراء" مما سيجعل من معالجة الوضع مستقبلا عملا مستحيلا، لأن انضمام مقاتلي الطوارق بامتدادهم الشعبي للقاعدة بشحنتها الدينية سيحول الطرفين إلى جبهة من أقوى الجبهات العسكرية في المنطقة بشكل عام، وعندها لن يكون أمام الحكومات إلا الرضوخ لمطالب "تحالف الشر"، على حد تعبير إحدى الصحف المالية.

ويرجح البعض أن تتيح الظروف الناتجة عن الانقلاب في مالي حصول الطوارق على حكم ذاتي كامل لأول مرة في تاريخ الإقليم إذا لم تدفعهم نجاحاتهم الحالية وتوجيهات دول الإقليم والقوى الكبرى التشبث بمطلب الاستقلال الذي سيكون مبررا للعديد من القوى الدولية إذا ما برهن الطوارق على قدراتهم بشأن تصفية تنظيم القاعدة من على أراضيهم.

ومما يرجح أن الطوارق انخرطوا في انتفاضتهم الحالية استجابة للظروف الإقليمية وقبل نضج الظروف المحلية داخل الإقليم أن كلا من موريتانيا والجزائر عبرت عن دعمها مباشرة لانتفاضة الطوارق الحالية وعلى هامش اجتماع دول الميدان في نواكشوط مؤخرا وتعزز تصريحات الرئيس الموريتاني لصحيفة لوموند الفرنسية مواقف دول الإقليم وهواجسها تجاه مخاطر "التحالف المحتمل بين القاعدة والطوارق" وانعكاسه السلبي على استقرار الأنظمة بعد حصول المتغير المتعلق بالسلاح.

وتشير العديد من خطوات ومواقف دول المنطقة إلى أن دول الإقليم تحاول بهذا الحراك استيعاب الطوارق ووضع اليد مجددا في أيديهم خوفا من أن تنجح القاعدة في استقطابهم وإبرام تحالف مع العناصر القيادية الشابة الجديدة على الصراعات الأمنية والعسكرية في الإقليم.
   
ويرجح العديد من المتابعين للوضع أن الجزائر التي باتت تمثل الوكيل الإقليمي الموثوق أميركيا في إطار مكافحة الإرهاب ربما تكون تسعى من خلال موقفها الحالي إلى تحقيق واحد من السيناريوهات التالية: 

– تلغيم الإقليم: كنا قد أشرنا إلى أن السلاح الليبي المتطور الذي دخل الإقليم وحصلت القاعدة على جزء منه إضافة لعودة المئات من المقاتلين وعشرات القيادات العسكرية النابهة القادمة من ليبيا بعد سقوط النظام كلها عوامل قد أقضت مضاجع العديد من الأطراف وزادت من المخاوف المترتبة على هذا الوضع بالنسبة للقوى التي تخوض الحرب على ما يسمى بالإرهاب" في المنطقة.

ولا يستبعد أن تكون فرنسا والجزائر وموريتانيا قد توصلت إلى أن ترك الطوارق والقاعدة ينسجون تحالفاتهم في ظروف هادئة يعد خطرا محدقا على مصالح دول المنطقة من أجل وضع الطوارق في ظروف تحد من مخاطر اختراق القاعدة لهم.

يبقى وضع إقليم أزواد مفتوحا على العديد من السيناريوهات المرتبطة بقدرة الطوارق على لعب دور سياسي وأمني يساهم في بلورة حلول للعديد من المشكلات

– صحوات لمواجهة القاعدة: إن العمل على تحقيق هدف استقرار الإقليم وازدهاره يعد فكرة قابلة للتسويق دوليا في ظل احتلال تنظيمات القاعدة والسلفية الجهادية له في السنوات الأخيرة الذي استحكم بعد فشل الحكومات المالية المتعاقبة في السيطرة عليه مما جعله مرتعا خصبا للتهريب و"الإرهاب", وتبدو الحرب الحالية متعلقة بهدفين أساسيين بالنسبة للدول التي تخوض العمل العسكري والأمني الهادف لاستئصال القاعدة في المنطقة. أولهما منح الطوارق حكما ذاتيا في إطار حكومة فدرالية وثانيهما تعهد الطوارق في المقابل بتصفية الإقليم من نشاط قاعدة المغرب الإسلامي على شاكلة "تجربة الصحوات"، وتشير العديد من التقارير إلى أن المخابرات الموريتانية حاولت في مرات متعددة استنساخ "تجربة الصحوات"، إلا أن نشطاء القاعدة نجحوا في الأخير في تصفية وكلائها الساعين في هذا السبيل.

– تفريغ وتحكم: ويشير المراقبون إلى أن الحرب الحالية ستكون لها نتائج إيجابية حتما، لأن أسهل هدف ستحققه هو أنها حتما ستؤدي إلى القضاء على كم كبير من الأسلحة مما سيساعد على تخفيف حجم السلاح في الإقليم وتفريغه منه بشكل واسع، وقد تنجح القوى الدولية في تحديد أماكن إخفاء الأسلحة المتطورة القادمة من ليبيا مما يسهل عملية قصفها تحت طائلة المواجهات العسكرية بين الدولة المالية والمقاتلين الطوارق.

كما أن التنظيمات في الإقليم ستكون أكثر رضوخا لدول الإقليم وخصوصا الجزائر، وهذا بحد ذاته يتيح للجزائر قدرا واسعا من التحكم وفرض الشروط. ويبقى وضع إقليم أزواد مفتوحا على العديد من السيناريوهات المرتبطة بقدرة الطوارق على لعب دور سياسي وأمني يساهم في بلورة حلول للعديد من المشكلات التي يبقى من أهمها للشركاء الإقليميين والدوليين دور الحركات الأزوادية في تقويض وجود تنظيم القاعدة في الإقليم والمنطقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.