إسرائيل وحرب الإنترنت


undefined

حجم التهديد
الأضرار الناجمة
الحرب المضادة

فجأة، وبدون مقدمات، وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة حرب مفروضة عليها، لم تُستخدم فيها رصاصة واحدة، ولم تُطلق قذيفة أو صاروخ مضاد، لكن خسائرها فادحة، وأدواتها فتاكة، ونتائجها لم تتمكن أجهزتها الاستخبارية من تقديرها.. إنها حرب الإنترنت أو قراصنة الحاسوب، أو الهجمات الإلكترونية، أو ما يعرف اختصارًا بـ"حرب السايبر".

حجم التهديد
مع تزايد الحديث الإسرائيلي حول تعاظم الحرب الإلكترونية التي تدور رحاها في المنطقة بأقصى قوة، بات واضحًا أنّ جبهتها الداخلية أصبحت عرضة للتضرر عبر شبكات الحواسيب، ومما يزيد الخوف الإسرائيلي أنّ هذه الحرب هي المجال القتالي الوحيد الذي لا تؤثر فيه العمليات الهجومية على قدرات العدو للقيام بهجوم من جانبه، خاصة أن أبرز ميزة في هذه الحرب توجد دائما لدى الطرف المهاجم، وهو ما لا يمثل بشرى سعيدة لإسرائيل التي ستتعرض في السنوات القادمة لهجمات بلا توقف من هذا القبيل.

"
أصبح الإنترنت خلال السنوات السابقة واللاحقة بمثابة مجال قتال جديد يضاف إلى المجالات البحرية والجوية والبرية التي سيخوضها الجيش الإسرائيلي، لتصبح شبكة الإنترنت بمثابة ساحة معركة حقيقية، وليست فقط مجرد ذراع إضافي
"

كما أنّ هذا المجال أصبح خلال السنوات السابقة واللاحقة بمثابة مجال قتال جديد يضاف إلى المجالات البحرية والجوية والبرية التي سيخوضها الجيش الإسرائيلي، لتصبح شبكة الإنترنت بمثابة ساحة معركة حقيقية، وليست فقط مجرد ذراع إضافي، بل هي اتجاه ذو أبعاد يتفوق على جميع أذرع الجيش، وتكمن مهمته في التأكد أن جميع أسلحته وأذرعه مستعدة لهذا العصر، حيث يقوم بصياغة تصورات، وتوجه سياسي، وبناء النظريات، وتأسيس وحدات تعمل على رصد حوادث "السايبر" على شبكة الإنترنت، في إطار عملية الاستعداد، وبناء القوة لهذه الجبهة الجديدة.

ولذلك أكد المراسل العسكري الإسرائيلي البارز إليكس فيشمان أنّ الحرب الإلكترونية باتت اليوم حربًا تستعد لها تل أبيب جيدًا، خشية أن تدخل في أنظمتها الحساسة فيروسات تشل عملها في أحرج الأوقات، خاصة أن أعداءها نجحوا في السيطرة على عدة أنظمة في السنوات الأخيرة، وقفزوا إلى مراتب تقنية ذات صلة بحرب "السايبر"، التي يسميها "حرب الظلال" الجارية بين الجيوش في عمق قلب معلومات العدو، وهي جبهة دينامية يستعملون فيها سلاحا ثقيلا، وتشبه الحديث عن "رقعة شطرنج" ضخمة عالمية تتحارب فيها أفضل العقول.

والأخطر من ذلك، أن حرب الإنترنت التي تواجه إسرائيل، تدور فيها كل يوم معارك دفاع وهجوم، وتقع أضرار واضحة ومخفية، والمخيف أن "الجميع يستعملون هذا السلاح ضد الجميع"، فهناك جيوش حديثة، ومنظمات مسلحة، وقراصنة حواسيب أفراد، والجيش الإسرائيلي تحول إلى لاعب رئيس في هذا الميدان، وسينفق في الخطة الخمسية القريبة مئات ملايين الشواقل على هجوم ودفاع عن نظم المعلومات، وهذه الحرب لا يوجد للصاروخ والطائرة الحربية المتطورة أي تميز فيها، لأنها تعتبر بامتياز "حرب العقل للعقل"!

وربما لأجل هذا التخوف، ومعرفة حجم التهديد الحقيقي، هدد نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، داني أيالون، بإعلان الحرب على من يتعرض لإسرائيل في الفضاء الإلكتروني، وأنه سيعرض نفسه لرد صاروخي، خاصة أن وزارة الدفاع قدرت أن "الحرب الإلكترونية" قد تؤدي لأضرار إستراتيجية بعيدة المدى، وإلى شل الدولة بكاملها عبر استهداف المرافق الحيوية فيها، بل إن قضية القراصنة والهجمات الإلكترونية أحدثت عاصفة في المرافق السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية، ودفعت للمطالبة بتحديد قواعد الأمان الخاصة بالكيانات المرتبطة بالإنترنيت.

الأضرار الناجمة
أعلن مراقب الدولة الإسرائيلي ميخا ليندرشتراوس فتح تحقيق في عملية اختراق "الهاكرز" لمعلومات شخصية بحجم 30 ميغابايت، تحتوي على التفاصيل الخاصة لـ400 ألف إسرائيلي، تضمنت أسماءهم، وأرقام هواتفهم، وعناوين سكناهم، وأرقام بطاقات الائتمان والاعتماد الخاصة بهم، مما اعتبر أكبر تسرب معلوماتي في إسرائيل، ودفع بالهيئة الوطنية للحرب الإلكترونية المعروفة باسم "سايبر" لمباشرة عملها برئاسة جنرال الاحتياط البروفيسور يتسحاك بن يسرائيل، القائد السابق لوحدة 8200 في سلاح الاستخبارات، للعمل على تنسيق العمليات الدفاعية من الهجمات الإلكترونية على الحواسيب، وتطوير أنظمة الحماية، وجمع معلومات إلكترونية عن الدولة.

مع العلم بأنّ الجيش يعمل سنويًّا لتأهيل مئات الجنود والضباط للعمل في مجال الحرب الإلكترونية في إطار الدوائر الاستخبارية والتنصت، لكنهم يعملون في جوانبها العسكرية والأمنية، وليس في مجال الدفاع عن المواطنين، بعد قيام جهات معادية في السنوات الأخيرة عدة مرات بمحاولة اقتحام شبكات الحاسوب الحكومية والأمنية، في ظل مخاوف من حصول "ضربة قاتلة" للبنى التحتية بشكل مماثل لفيروس ستوكسانت حين عطل عدة شهور عمل مئات دوائر الطرد المركزية في برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني.

وهو ما يعني أن الوضع الذي يكون فيه بوسع كل مجموعة قراصنة التسلل إلى مخزونات المعطيات الإسرائيلية، لا يمكن أن يتوقف إلا إذا بنيت منظومة دفاعية مناسبة، وهذا ما قررت الحكومة فعله، غير أن عليها أن تستوعب أنه في عصر التكنولوجيا الذي تشكل فيه كل منظومة دفاعية إمكانية كامنة للتسلح، فإن ما يعرف بـ"المخزون البيومتري" يعتبر ثغرة تدعو القراصنة إلى شن مزيد من الهجمات.

"
الجيش سيوظف خلال الخطة الخمسية القادمة مئات الملايين من الشواكل، لبناء فرق هجومية، وإقامة دفاعات عن برامج المعلومات الخاصة به، كما سيفتتح دورة خاصة تحمل اسم "حماة السايبر"
"

وفي حين زعم رئيس جهاز الشاباك السابق، يوفال ديسكين عدم تشخيص هجوم إلكتروني على ما وصفه بأنه "بنية تحتية حرجة" في إسرائيل، بل نشاطات قد تفسر كإعداد لمثل هذا الهجوم، فإن وزير الدفاع إيهود باراك اعتبر الحرب الإلكترونية مجالاً ذا مغزى في إطار استعداد الجيش للسنوات القادمة، ولذلك قام بتوجيه ميزانيات لا بأس بها، وتجنيد أشخاص في هذه الحرب الافتراضية، لأن مجال حرب المعلومات يمكن أن يغير وجه الحرب القادمة، والأمر سيستغرق سنوات للدخول في أعماقه، مما يعني أن إسرائيل بصدد الدخول إلى ساحة الحرب الإلكترونية الهجومية، بمفاهيم عديدة سهلة ومركزة أكثر من الدفاع عن المعلومات الحيوية.

مع العلم بأن إسرائيل هي القوة العظمى العالمية في التطويرات المتعلقة بمجال حرب المعلومات، فإنها وفقًا لتقدير شركات تكنولوجيا عليا عديدة وقعت في مشكلتين لدى شروعها في الحرب الإلكترونية، الدفاعية والهجومية، وهما:

1- كل شيء في إسرائيل يدار بواسطة الشبكات المحوسبة، ومن الصعب تحديد سلم الأولويات: شبكة الكهرباء، المنظومة البنكية، البورصة والطيران، هي أربعة أمثلة على منظومات حساسة، والمس بإحداها سيلحق ضررا هائلا، وكلها تعتمد على الاتصال المتواصل مع الخارج، مما يجعل من الصعب أكثر توفير الحماية لها.

2- الميل الإسرائيلي المعروف لتفضيل الهجوم على الدفاع، في ضوء ما يقال إنه "تاريخ فاخر معروف وسري من التسلل لمنظومات العدو وتشويشها"، لكن حظ إسرائيل السيئ فيما يعرف بـ"الدفاع السلبي" يتطلب منها الصبر والانضباط، لأنه مرتبط بالسلوك المنضبط والمرتب للأفراد والمنظمات.

وهو ما دفع بأوساط عسكرية نافذة في هيئة الأركان الإسرائيلية للكشف عن تخوفات شديدة تسود في الآونة الأخيرة من إمكانية مطاردة حماس وحزب الله لعناصر الجيش من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وسقوط أحد أجهزة الحاسوب العسكري في أيديهما، أو أن يستطيعا الدخول إلى تلك الأجهزة، والحصول على المعلومات السرية، ولذلك فإن الجيش يأخذ المسألة على محمل الجد، ويسعى لمحاربتها، من خلال "شعبة تكنولوجيا المعلومات" المسؤولة مباشرة عن توفير سبل الحماية من مثل هذا الاختراق، كما أن شبكة الحواسيب العسكرية مرت بإجراءات تعديلية في السنوات الأخيرة، من شأنها السماح بإخراج وثائق ومستندات عسكرية بطريقة آمنة.

ومع ذلك، فإن الجيش سيوظف خلال الخطة الخمسية القادمة مئات الملايين من الشواكل، لبناء فرق هجومية، وإقامة دفاعات عن برامج المعلومات الخاصة به، كما سيفتتح دورة خاصة تحمل اسم "حماة السايبر" يتم خلالها استعراض نقاط الضعف في المنظومات الإلكترونية التابعة له، وكيفية مواجهتها.

الحرب المضادة
من جهته، تعهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتشكيل هيئة خاصة للحرب المعلوماتية، ودعت رئيسة لجنة العلوم والتكنولوجيا في الكنيست رونيت تيروش إلى تخصيص الاعتمادات المطلوبة لعمل سلطة المعلومات المحوسبة، تخوفًا من اختراق المواقع الإلكترونية، وتسريب معطياتها ضمن حرب محوسبة تهدف إلى شل البنى التحتية الحيوية للدولة، في مجالات الكهرباء والمياه والاتصالات.

كما قرر الجيش الإسرائيلي تجميع فرق النخبة من قراصنة الكمبيوتر، لمواجهة الحرب الإلكترونية وعمليات القرصنة المحوسبة "الهاكرز"، وسط مخاوف من التهديدات المتنامية على الشبكات الإسرائيلية، سواء المدنية أو العسكرية، وقد جند 300 خبير في الكمبيوتر، بعضهم خبراء كبار سيخدمون في الاستخبارات العسكرية داخل الفرع المسؤول عن الحرب الإلكترونية، والمثير أنه ليس لدى الكثيرين منهم شهادات جامعية أو ثانوية، لكنهم عملوا في مديرية القيادة والسيطرة، المسؤولة عن رموز التشفير في شبكات الجيش، وجهازي الشاباك والموساد، وحماية الشركات الوطنية، كالكهرباء والمياه والهاتف، بهدف تعزيز قدرات الجيش في مجال الحرب الجديدة، في سياق خطة متعددة السنوات، بعد أن باتت إسرائيل تشعر بالقلق بعد الهجمات التي تعرضت لها الأسابيع الماضية.

في سياق متصل، أنشأت الحكومة الإسرائيلية وحدة خاصة مسؤولة عن تحسين الدفاعات التقنية، وتنسيق وتطوير البرمجيات، وتعزيز العلاقات بين الدفاعات المحلية في الجيش والشركات التكنولوجية، بعد الكشف عن إعداد خطة معادية لاستثمار ملايين الدولارات لتطوير التكنولوجيا الإلكترونية، وتوظيف خبراء كمبيوتر بهدف تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية في مجال الحرب الإلكترونية، مما يعني أن إسرائيل وجدت نفسها أمام جبهة جديدة، في مجال "السايبر" والهجمات عبر الشبكة العنكبوتية ضمن حركة الصراع التي تخوضها لمواجهة أعدائها في المنطقة، وبدا، في الحد الأدنى، أنها لا تملك تفوقًا يتناسب مع حجم التطور التكنولوجي الذي تتمتع به في المجالات الأخرى.

"
بصفة إسرائيل دولة تقوم على أساس التكنولوجيا في كل أنماط حياتها العامة والخاصة، فإنها عرضة لأضرار كبيرة للغاية

"

ولذلك، انكب الجيش الإسرائيلي في الآونة الأخيرة على العمل لتطوير قدراته الدفاعية والهجومية "السايبرية"، وسط المخاوف من تنامي تهديد الشبكات المدنية والعسكرية في الدولة، مع الإقرار بأنها ليست في المكان الذي يجب أن تكون فيه فيما يتعلق بعالم الإنترنت، مما يتطلب العمل لتحسين قدراتها في مواجهة ما انكشف لدى أعدائها من قدرات في هذا المجال.

وقد قرر جهاز "الشاباك" الأمني إدخال البنوك وشركات الهواتف النقالة إلى قائمة الكيانات الواقعة تحت اختصاصه، بعد نجاح مجموعة من القراصنة العرب في اختراق بيانات بطاقات ائتمان آلاف الإسرائيليين، وإخضاعها لإجراءات الحماية من هجمات الفضاء الإلكتروني، باعتبارها جزءًا من أمان المعلومات السرية، وتضم القائمة 27 كيانًا يشكل البنية الوطنية الحساسة كشركتي الكهرباء والمياه وغيرهما.

أخيراً.. فإن تزايد هذه الهجمات الإلكترونية، واتساع رقعة مهاجمة إسرائيل عبر شبكة الإنترنت، يجعلها تقترب من كونها تشكل تهديدًا وجوديًّا لها، لأنها تتسبب في شلل منظومات المياه، والكهرباء والطاقة، وانهيار المنظومات البنكية والمنظومات المحوسبة الوطنية والخاصة من خلال هجوم منظم، مما يعني أنها بمثابة تهديد خطير على نمط الحياة، وخطر هائل على قدرة إسرائيل على الوجود، الأمر الذي يجعل الدفاع عن حدود إسرائيل بمنظومات الدبابات والمدفعية بعيدا عن الاحتمال، لأن مسافة أكبر من تلك الهجمات لا تمر بالحدود، ويمكنها مهاجمتها بكل مكان في العالم.

وبصفة إسرائيل دولة تقوم على أساس التكنولوجيا في كل أنماط حياتها العامة والخاصة، فإنها عرضة لأضرار كبيرة للغاية، وهي رسالة موجهة لأعداء إسرائيل في جميع أنحاء العالم، لأن ما تحياه هذه الدولة من عصر توجد فيه تهديدات ناشئة بمثابة تغييرات دراماتيكية للتهديدات الأمنية، يتطلب منها تغييرًا في فكرها وإستراتيجية أمنها القومي.. فهل تراها فاعلة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.