إمكانية تدويل قضية الأسرى الفلسطينيين

إمكانية تدويل قضية الأسرى الفلسطينيين

 undefined

الأسرى الفلسطينيون والقانون الدولي
حقائق مثيرة حول قضية الأسرى
قضية الأسرى وأهمية التسريع في المصالحة

تتبوأ قضية الأسرى الفلسطينيين مكانة مهمة في إطار القضية الفلسطينية بشكل عام، نظراً لأنها طالت عدداً كبيراً من الشعب الفلسطيني. وبشكل أساسي في الضفة الغربية وقطاع غزة. وستبقى تلك القضية متلازمة مع وجود الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أراضي الفلسطينيين.

اعتقل الجيش الإسرائيلي نحو 750 ألف فلسطيني خلال الفترة من عام 1967 وحتى عام 2012، يشكلون نحو 17% من إجمالي المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع البالغ 4.5 ملايين نسمة.

وتبعاً لأهمية قضية الأسرى فإن الضرورة تحتم التسريع بالقيام بعمل دبلوماسي وسياسي مبرمج بغية تدويلها والاستفادة ما أمكن من القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة، خاصة بعد أن أصبحت فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم.

إن عملية اعتقال وأسر الفلسطينيين كانت بمثابة حرب إسرائيلية على الفلسطينيين، للحد من حركة الشباب الفلسطيني، وبالتالي المقاومة المشروعة لتلك الشريحة من الشعب الفلسطيني ضد احتلال مديد، طالت سياساته الأرض والسكان والثروة الطبيعية.

نقل الوضع القانوني لمنظمة التحرير إلى دولة فلسطين، يكسب الأسرى الفلسطينيين الصفة الشرعية القانونية باعتبارهم أسرى حرب ومقاتلين شرعيين لدولة يتوجب إطلاق سراحهم فورا

الأسرى الفلسطينيون والقانون الدولي
لحصول فلسطين على دولة غير عضو في الأمم المتحدة انعكاسات كبيرة على قضية الأسرى الفلسطينيين  في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بحيث يصبحون أسرى دولة فلسطين التي أخذت مكانتها كشخص من أشخاص القانون الدولي.

إن نقل الوضع القانوني لمنظمة التحرير من حركة تحرر وطني إلى دولة فلسطين، يؤدي إلى اعتبار الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار دولة فلسطين تحت الاحتلال، مما يكسب الأسرى الفلسطينيين الصفة الشرعية القانونية باعتبارهم أسرى حرب ومقاتلين شرعيين، وأسرى دولة مستقلة محتجزين كرهائن يتوجب إطلاق سراحهم فورا.

ويشير رجال قانون إلى وجود آثار قانونية تتمتع بها دولة فلسطين من حقوق والتزامات دولية شأنها شأن باقي الدول الأخرى في المجتمع الدولي، مما تستطيع به المطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني من خلال الانضمام إلى أجهزة الأمم المتحدة، بحيث تتاح الفرصة أمامها للانضمام للمعاهدات الجماعية، أو متعددة الأطراف، كاتفاقية جنيف الرابعة، والانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، الذي تستطيع من خلاله مقاضاة عدد كبير من القادة في إسرائيل كمجرمي حرب، وملاحقة دولة إسرائيل ومسؤوليها بسبب ارتكابهم أعمالا ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني وبحق الأسرى، ومن ثم نزع الغطاء القانوني عن دولة الاحتلال في تعاملها مع الأسرى، وتضع إسرائيل في مواجهة المجتمع الدولي.

ويؤكد حقوقيون أن انضمام فلسطين إلى اتفاقيات جنيف الأربع المعتمدة منذ عام 1949 والبرتوكولات الملحقة بها، سيفتح المجال أمام تدويل قضية الأسرى والضغط على المجتمع الدولي لعقد مؤتمر للدول الأطراف باتفاقيات جنيف لبحث قضية الأسرى وحقوقهم، وبيان طبيعة الالتزامات القانونية الناشئة على دولة إسرائيل بشأن أسرى دولة محتلة، ودور الدول الأطراف في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الأسرى الفلسطينيين، كما أن الانضمام إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، يفتح المجال أمام طلب إصدار فتاوي قانونية، وفتح معارك قانونية دولية مع دولة الاحتلال حول موضوع الأسرى والمعتقلين، إضافة إلى إتاحة المجال لرفع دعاوى قانونية أمام المحاكم الداخلية للدول التي قبلت بفتح ولايتها القضائية أمام هذه القضايا.

وثمة سياسات إسرائيلية إزاء قضية الأسرى تعزز التوجه المذكور، في المقدمة منها اعتقال الفلسطينيين ونقلهم إلى السجون الإسرائيلية التي تقع داخل الأراضي المحتلة عام 1948، حيث يعتبر بحد ذاته إجراء غير قانوني ومخالفا لأبسط قواعد القانون الدولي. وفي هذا السياق  تنص اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالسكان المحميين على وجوب قضاء السكان والذين تتم إدانتهم لفترة محكوميتهم في الأراضي المحتلة تحت عنوان بند رقم 4.

حقائق مثيرة حول قضية الأسرى
كثفت المؤسسة الإسرائيلية من عمليات الاعتقال والأسر خلال الانتفاضة الأولى (1987-1994)، حيث تم اعتقال سبعة وعشرين ألف فلسطيني غالبيتهم من القوة النشيطة اقتصادياً المتمثلة بفئة الشباب. إضافة إلى ذلك اعتقلت السلطات الإسرائيلية خمسة وثلاثين ألف فلسطيني خلال الانتفاضة الثانية التي انطلقت من باحات الأقصى المبارك في نهاية شهر سبتمبر/أيلول من عام 2000.

ورغم الاتفاقات المعقودة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل بقي في السجون الإسرائيلية حتى عام 2012 (6700) أسير فلسطيني، حسب غالبية المصادر والدراسات المتخصصة. ويتوزع الأسرى الفلسطينيون على اثنين وعشرين سجناً إسرائيلياً ومعتقلاً ومعسكراً ومركز توقيف.

يواجه الأسرى الفلسطينيون والعرب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية صنوفا متعددة وممنهجة من التعذيب الجسدي والنفسي، في محاولة لقتل الروح المعنوية وجعل الأسير غير قادر على العمل في حال خروجه

كما تشير المصادر إلى أنه من بين الأسرى أربعين أسيراً عربياً وستين معتقلاً من العرب الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر؛ كانوا قد اعتقلوا بعد شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2000 إثر مشاركتهم بمظاهرات تأييد لانتفاضة الأقصى، كما سقط منهم ثلاثة عشر شهيداً.

وبالنسبة لظروف الأسر والاحتجاز؛ فإن عملية احتجاز الأسرى الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية تتم في سجون ومراكز اعتقال عسكرية إسرائيلية تقع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، فهناك خمسة مراكز تحقيق، وستة مراكز احتجاز-توقيف، وثلاثة مراكز اعتقال عسكرية، وعشرون سجناً مركزياً تابعاً لمصلحة السجون الإسرائيلية.

ويواجه الأسرى الفلسطينيون والعرب في تلك السجون والمعتقلات صنوفا إسرائيلية متعددة وممنهجة من التعذيب الجسدي والنفسي، في محاولة لقتل الروح المعنوية لدى الأسرى من جهة وجعل الأسير غير قادر على العمل في حال خروجه من السجن من جهة أخرى.

وسقط العشرات من الأسرى تحت التعذيب منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في الخامس من حزيران/يونيو من عام 1967. ومن الأهمية بمكان التأكيد بأن المرأة الفلسطينية عانت كثيراً من عمليات الاعتقال والملاحقة.

وفي هذا السياق تكتسب تجربة الحركة النسوية الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي صفة مميزة وإن تداخلت إلى حد كبير في تجربتها مع تجربة الحركة الفلسطينية بشكل عام. فهي أكثر ألماً ومعاناة، وتحمل في خصوصيتها مدى النضج الوطني في المجتمع الفلسطيني، حيث تشارك المرأة بدورها النضالي إلى جانب الرجل في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم قلة المصادر التي وثقت أعداد وأسماء النساء الأسيرات، فإن المعلومات الأولية تشير إلى أنه دخل المعتقل منذ بداية الاحتلال حتى الآن ما يقارب عشرة آلاف امرأة فلسطينية. وشمل الاعتقال الفتيات الصغار وكبيرات السن. وكثيراً ما كان من بين المعتقلات أمهات قضين فترات طويلة في السجون، مثل: ماجدة السلايمة وزهرة قرعوش وربيحة دياب وسميحة حمدان وغيرهن.

وتعرضت الأسيرات للكثير من حملات التنكيل والتعذيب أثناء الاعتقال. وتفيد شهادات عديدة للأسيرات أنهن تعرضن للضرب والضغط النفسي والتهديد بالاغتصاب. وشكلت أعوام 68-69 سنوات قاسية جداً في تاريخ الحركة النسائية الأسيرة، وبخاصة في بداية التجربة الاعتقالية وبدء النضال والكفاح للدفاع عن ذواتهن داخل السجون ضد مخططات تدمير وتحطيم النفسية والإرادة الوطنية لدى الأسيرات.

وسجل تاريخ الحركة النسوية الأسيرة مواقف أسطورية عجز الرجال عنها، كما حصل عام 1996 عندما رفضت الأسيرات الإفراج المجزوء عنهن على إثر اتفاق طابا، وطالبن بالإفراج الجماعي ودون ذلك فضلن البقاء في السجن، واستطعن أن يفرضن موقفهن في النهاية ليتم الإفراج عن جميع الأسيرات في بداية 1997. وقد خاضت الأسيرات معركة الحرية بعد اتفاق أوسلو تحت شعار (لا سلام دون إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات)، وشاركن في الخطوات النضالية إلى جانب بقية الأسرى في كافة السجون في سبيل تحقيق أهدافهن بالحرية والإفراج.

تحتم الضرورة استثمار الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تحققت بعد العدوان على غزة، لجهة التسريع في تحقيق المصالحة لمواجهة كافة التحديات، ومنها قضية الأسرى

قضية الأسرى وأهمية التسريع في المصالحة
إن  كفاح الحركة الفلسطينية الأسيرة في صورها المختلفة يدفعنا إلى التأكيد أكثر من أي وقت مضى على  ضرورة إعطاء قضية الأسرى في سجون الاحتلال بعداً قانونياً وإنسانياً؛ وبالتالي مطالبة المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة إعلان إسرائيل دولة خارجة عن القانون الدولي؛ وذلك لعدم التزامها بميثاق وقرارات الأمم المتحدة وبأحكام القانون الدولي الإنساني في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين.

وقد يتعزز هذا التوجه بعد قبول عضوية فلسطين كمراقب في المنظمة الدولية في 29 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم فضلاً عن انكشاف صورة إسرائيل العنصرية أكثر من أي وقت مضى من عمر الاحتلال. كما تحتم الضرورة استثمار المناخ السياسي العام المتمثل بالوحدة الوطنية الفلسطينية التي ترسخت أثناء وبعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لجهة التسريع في تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية لمواجهة كافة التحديات التي تواجه الفلسطينيين، وفي المقدمة منها قضية الأسرى الفلسطينيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.