فلسطين في الأمم المتحدة.. الآمال والتحديات

فلسطين في الأمم المتحدة.. الآمال والتحديات . الكاتب : نبيل السهلي

undefined

التوجه إلى الأمم المتحدة
المسعى الفلسطيني والتحديات القادمة
التوجه إلى الأمم المتحدة والسجال الإسرائيلي

بعد أن وصلت المفاوضات مع إسرائيل إلى طريق مسدود، يحاول الفلسطينيون القيام بمسعى آخر باتجاه الأمم المتحدة، حيث يرون بالتحرك نحو الأمم المتحدة أنه يجسد تعامل الأمم المتحدة مع الدولة الفلسطينية كدولة حتى لو لم تكن عضوا كامل العضوية فيها لأهمية المغزى السياسي لوجود الدولة الفلسطينية وتعامل المجتمع الدولي معها سياسيا وقانونيا كدولة وكشخص من أشخاص القانون الدولي بغض النظر عن نوع عضويتها في الأمم المتحدة.

وتبعاً لذلك سيتوجه الفلسطينيون قريباً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل طلب الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود ما قبل العام 1967كمراقب، والاستمرار في المطالبة بالحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من كون الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وقبولها عضوا في الأمم المتحدة يتفق مع قرارات الأمم المتحدة العديدة والقانون الدولي، ويدعم الصيغة التي يوافق عليها العالم والتي تعد السبيل الوحيد للسلام، إلا أن الاعتراف بدولة فلسطينية بالصيغ المختلفة يطرح تساؤلات حول مستقبل قضايا الوضع النهائي، وفي المقدمة منها قضية اللاجئين والقدس والاستيطان، ناهيك عن مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية التي يعتبرها الفلسطينيون ممثلهم الشرعي والوحيد.

في مقابل التوجه الفلسطيني ترفض كل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وبعض دول العالم من حيث المبدأ الخيار الفلسطيني بالذهاب إلى الأمم المتحدة، وهو الخيار الذي لوحت به القيادة الفلسطينية بعد توقف المفاوضات بسبب التعنت الإسرائيلي والنشاط الاستيطاني الكثيف في عمق الضفة الغربية والقدس.

استندت القيادة الفلسطينية لدعم توجهها الجديد في الأمم المتحدة إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني

التوجه إلى الأمم المتحدة
لقد استندت القيادة الفلسطينية لدعم توجهها الجديد إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني، حيث إن الدولة وإعلانها حق سيادي بين جميع الدول، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي.

وتبعاً لذلك فإن كفاح الفلسطينيين ينصب في الآونة الأخيرة على أن تكون فلسطين عضوا متساوياً في مجتمع الأمم، مع المساواة في الحقوق والسيادة بموجب القانون الدولي. لقد أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني، أعلى هيئة ممثلة للمنظمة، استقلال فلسطين، ولقد كان هذا الإعلان في 15/11/1988 حيث أشار لتأييد منظمة التحرير الفلسطينية بشكل مباشر وواضح لصيغة حل الدولتين كصيغة مقبولة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.

واللافت أن القيادة الفلسطينية أكدت منذ أكثر من سنة بأن دولة فلسطين استوفت جميع المتطلبات الأساسية لقيام الدولة المدرجة في اتفاقية مونتيفيديو عام 1933 على حقوق الدول وواجباتها، كما أن مطالبة الأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين كعضو مراقب يعتبر عملاً جماعياً وليس فردياً، إنه لمصلحة السلام العالمي.

وفي مقابل ذلك يرى محللون بأن المقدمات الاقتصادية والمؤسسية غير جاهزة لإقامة الدولة الفلسطينية، لكن الفلسطينيين يؤكدون بأن الجهوزية في المجال الاقتصادي والمؤسسي ليست من متطلبات عضوية الأمم المتحدة. وبناء على ذلك يجب القيام بعمل حثيث من أجل التوجه إلى الجمعية العامة للحصول على مكانة دولة غير عضو بصفة مراقب للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وهذا أمر يتم بقرار من الجمعية العامة ولا حاجة لمجلس الأمن في ذلك.

وتحتم الضرورة أيضاً استمرار الجهود للانضمام إلى اتفاقيات جنيف الرابعة، المعتمدة منذ عام 1949 والبروتوكولات الملحقة بها، علما بأن طلبا لانضمام دولة فلسطين لهذه الاتفاقيات قد أودع لدى حكومة الاتحاد السويسري منذ شهر يونيو/حزيران عام 1989 باعتبار أن الحكومة السويسرية هي حكومة الدولة الوديع لهذه الاتفاقيات.

ويجب أن لا يتوقف المسعى الفلسطيني عند هذا الحد ، بل يجب استئناف العمل للانضمام إلى منظمة الصحة العالمية علما بأن طلبا من دولة فلسطين قد أودع لدى منظمة الصحة العالمية منذ عام 1989 لهذا الغرض وأرجئ البت فيه حتى الآن.

إن المسعى الفلسطيني لنيل دولة غير عضو في الأمم المتحدة –وفق رجال القانون الدولي- من شأنه أن يؤسس لمتابعة إنجاز عضوية دولة فلسطين في المحافل الدولية المختلفة، والانضمام إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الأخرى، وقد يعزز ذلك من شأن الدولة الفلسطينية المنشودة ومطالبات الفلسطينيين بتجريم إسرائيل عن سياساتها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني.

القيادة الفلسطينية باتت على قناعة بأن التوجه إلى الأمم المتحدة من شأنه تعزيز مكانة القضية الفلسطينية في المشهد الدولي، ويدفع الفلسطينيين في ذات الوقت إلى الحرية والاستقلال

المسعى الفلسطيني والتحديات القادمة
يذهب الفلسطينيون إلى أبعد من الاعتراف بدولة غير عضو، حيث يرون في قبول الأمم المتحدة والاعتراف بفلسطين بأنه لن يدفع إلى ترحيل القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن هذه الخطوة من شأنها أن تساهم في إنهاء الاحتلال وتحقيق الحقوق الفلسطينية، بالإضافة إلى أنها ستعيد تنظيم العملية السياسية -إن انطلقت من جديد- ووضعها في سياقات القانون الدولي وبالتالي وجود مرجعيات للتفاوض.

ويلحظ المتابع للشأن الفلسطيني بأن القيادة الفلسطينية باتت على قناعة بأن التوجه إلى الأمم المتحدة من شأنه تعزيز مكانة القضية الفلسطينية في المشهد الدولي، ويدفع الفلسطينيين في ذات الوقت إلى الحرية والاستقلال عوضاً عن الحديث المتكرر عن مفاوضات عبثية.

ثمة تحديات تواجه طلب الفلسطينيين بالاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو، وفي المقدمة من تلك التحديات الموقف الإسرائيلي الرافض لأي شكل من أشكال الدولة للفلسطينيين. وفي هذا السياق يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لفرض عقوبات على الفلسطينيين في حالة قرروا تنفيذ خطتهم للطلب بشكل أحادي الجانب لرفع مستوى مكانتهم في الأمم المتحدة إلى مكانة دولة غير عضو.

ويعتبر نتنياهو التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة بمثابة حرب يشنها الجانب الفلسطيني على إسرائيل، وفي تعبير آخر قال نتنياهو إن التحرك الفلسطيني نحو الأمم المتحدة بشأن عضوية دولة فلسطين يعني نزع الشرعية عن إسرائيل، أما وزير الحرب في إسرائيل إيهود باراك فإنه يرى أن التحرك الفلسطيني تسونامي سياسي ودبلوماسي على إسرائيل.

وفي موازة ذلك يلوح في المشهد الإسرائيلي خلاف بين وزارة الخارجية ومكتب رئيس الوزراء، وبين جهاز الأمن الذي أعرب عن معارضته فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، وقد جرت في الأسابيع الأخيرة دراسة حثيثة شاركت فيها وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لمراجعة الاتفاقات الاقتصادية الموقعة في الماضي بين إسرائيل والفلسطينيين، ويفترض بتوصيات الدراسة أن تشكل وسيلة عقاب إذا ما توجه الفلسطينيون بالفعل إلى الأمم المتحدة كما هو معلن.

وتحدث وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في أكثر من مناسبة قائلاً بأنه سيعمل على انهيار السلطة الفلسطينية "إذا ما طلبت الاعتراف بدولة فلسطينية غير عضو في الأمم المتحدة بشكل أحادي الجانب" . وبينّ العقوبات موضع البحث: والتي تتمثل في تجميد تحويل أموال الضرائب، وتخفيض كمية تراخيص العمل وتخفيض النشاط التجاري في المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

التوجه إلى الأمم المتحدة والسجال الإسرائيلي
ثمة تباينات إسرائيلية في الموقف من التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة ، لكن هناك اتفاقا كاملا بين الأطياف السياسية الإسرائيلية المختلفة على رفض إقامة أي شكل لدولة فلسطينية، فبعض القوى ويتصدرها نتنياهو وليبرمان تتفق على سياسة العقوبات المباشرة على الفلسطينيين لإخضاعهم سياسياً.

لكن محافل إسرائيلية أخرى تعارض الفكرة وتدعي بأنه من الأفضل الحفاظ على تعاون وثيق مع السلطة الفلسطينية من فرض العقوبات عليها. ويرى محللون إسرائيليون بأن الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كـ "دولة غير عضو" هو إنجاز معنوي للفلسطينيين وليس إنجازا ملموسا حقيقياً على الأرض.

تشاطر أوساط يمينية عديدة في إسرائيل وجهة نظر ليبرمان والتي تتلخص بتصفية فرصة استئناف المفاوضات وصولاً إلى فرط السلطة الفلسطينية في حال التوجه إلى الأمم المتحدة

وتشاطر أوساط يمينية عديدة في إسرائيل وجهة نظر الوزير ليبرمان والتي تتلخص بتصفية فرصة استئناف المفاوضات وصولاً إلى فرط السلطة الفلسطينية في حال توجه الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة. وبطبيعة الحال لم يتوقف الأمر عند تلك التصريحات الإسرائيلية، بل أرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية وفودا عديدة إلى دول الاتحاد الأوروبي من أجل طلب معارضة خطوة الفلسطينيين في الأمم المتحدة وحثهم على التراجع عنها.

واللافت أنه على الرغم من الرفض الإسرائيلي للخيار الفلسطيني باتجاه الأمم المتحدة، يبدو أن الفلسطينيين عازمون على القيام بخطوة الاعتراف بمكانتهم كدولة مراقب، ومن ثم نيل العضوية أيضا في محكمة العدل الدولية في لاهاي. وقد يؤسس التوجه الفلسطيني الجديد لمحاسبة إسرائيل على جرائمها المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني خلال العقود الماضية .

وعلى الرغم من الرفض الإسرائيلي والأميركي لخيار الفلسطينيين بالذهاب إلى الأمم المتحدة، لكن تصويت 182 دولة في الجمعية العامة من أصل 193 دولة لصالح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني قبل فترة وجيزة يعتبر بحد ذاته رداً على الرفض الأميركي والإسرائيلي لعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة وتأكيدا صارخاً بأن عدم تمتع دولة فلسطين بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة في هذه المرحلة كان لسبب سياسي لدى دولة واحدة في هذا العالم هي الولايات المتحدة الأميركية، ولكنها دولة تملك حق النقض في مجلس الأمن كما أنها تملك القوة التي تستعملها في هذه المرحلة على حساب قوة القانون الدولي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.