هل تجتمع مصر وإيران?

هل تجتمع مصر وإيران؟


 
القضية التي يناقشها هذا المقال بالغة الأهمية، وهي أنه منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي كانت العلاقة بين مصر وإيران تتحدد بموقع الطرفين في معسكر العرب أو معسكر إسرائيل، وبعد قيام ثورة 25 يناير أصبح وارداً أن تجتمع مصر وإيران في خندق واحد في الصراع العربي الإسرائيلي، فما هي معادلات الوضع الجديد وتحدياته؟
 

"
كانت إيران في عهد الشاه تؤيد إسرائيل في إطار العلاقات مع الولايات المتحدة, بينما كانت مصر في المعسكر الداعم للحقوق العربية والمعادي للاستعمار والمطالب بتحرير العالم العربي
"

لكي نفهم دقة هذه المسألة يجب أن ندرس تطور العلاقة بين مصر وإيران في ضوء تبادل المواقع والمعسكرات. فمنذ قيام إسرائيل -التي اعترفت بها إيران اعترافاً رسمياً مع تركيا ضمن الدول الإسلامية التي رفضت حتى الآن أن تمنح إسرائيل هذا الاعتراف- وحتى تولي السادات الحكم في أواخر 1970، كانت إيران تؤيد إسرائيل في إطار العلاقات مع الولايات المتحدة وعضوية إيران في شبكة الأحلاف العسكرية الغربية في المنطقة.

 
بينما كانت مصر -التي حاولت مع غيرها إعاقة قيام إسرائيل في فلسطين بحرب 1948- في المعسكر الداعم للحقوق العربية والمعادي للاستعمار والمطالب بتحرير العالم العربي منه ومن ربيبته إسرائيل.
 
وقد امتد العداء المصري إلى إيران لسببين الأول، هو صداقتها لإسرائيل والثاني هو الصدام بين المد القومي العربي والنفوذ الفارسي في الخليج تحت شعار حماية الخليج من الأطماع الفارسية, فكانت مصر في العهد الناصري هي الحامي للمصالح العربية ضد الاستعمار الغربي وضد إيران الحليف لهذا الاستعمار.

المرحلة الثانية كانت خلال حقبة السادات وحتى قيام الثورة الإسلامية في إيران في فبراير/شباط 1979، إذ كانت مصر وإيران في معسكر واحد هو المعسكر الغربي، وكانت علاقات السادات بالشاه علاقات حميمة، ولذلك كان السادات خارج الدائرة العربية ويقترب من الدائرة الإسرائيلية والأميركية.
 
والثابت الآن أن التقارب المصري الإسرائيلي منذ زيارة القدس عام 1977 أخرج مصر بالتدريج من العسكر العربي وأدخلها إلى المعسكر الغربي، دون أن تكون طرفاً فيه قبل اتفاقية السلام عام 1979.
 
ولذلك فإن قيام الثورة الإسلامية في إيران قد أدى إلى الإسراع في إبرام اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بعد قيام الثورة بأسابيع قليلة، فأصبحت إيران بعد الثورة تدعم الفلسطينيين وسوريا وتعادي إسرائيل ومصر، قبل أن تحتل إسرائيل بيروت عام 1982 فتؤيدها مصر وتعارضها إيران، وتساهم في إنشاء حزب الله الذي قاد المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل منذ عام 1982.
 
وكانت مصر قد عزلت في العالم العربي، بينما انضمت إيران إلى جبهة الصمود والتصدي للتطبيع مع إسرائيل ضد مصر، فدخلت على خط الصداقة مع سوريا التي تحالفت مع إيران، وكأن إيران قد خرجت من التحالف الغربي بثورتها ودخلت إلى الساحة العربية بعد أن هجرتها مصر.
 

"
في مرحلة مبارك تأرجحت العلاقات بين إيران ومصر, وكانت تتوتر عادة كلما توترت العلاقات بين إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة
"

أما في مرحلة مبارك من 1981 وحتى 2011، فتأرجحت العلاقات بين إيران ومصر وقد لوحظ أنها كانت تتوتر عادة كلما توترت العلاقات بين إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة, وقد اختار مبارك أن يقف ضد إيران وأن يقف ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وأن ينتقد دعم إيران لهذه المقاومة، وأن يبرر عدوان إسرائيل على لبنان وغزة، وأن يتماهى إلى حد بعيد مع الموقف الإسرائيلي، وكان ذلك من أسباب القلق الإيراني.


في كل هذه التطورات كانت إيران أكثر الأطراف شعوراً بالأمل في أن تؤدي الثورة المصرية إلى تغيير أوضاع القوة في المنطقة وخريطة التحالفات فيها، وقد ارتفعت الأصوات المطالبة بتطبيع العلاقات مع إيران، بل وإنشاء محور مصر/إيران/تركيا، وفي هذه الحالة ليس ضرورياً أن يكون المحور ضد إسرائيل ولكنه لصالح العالم العربي بالضرورة.
 
ولهذا السبب، سوف تقاوم إسرائيل والولايات المتحدة كل تقارب مصري إيراني، ولكن القضية في مصر ليست التقارب مع إيران، ولكن مدى قدرة مصر على أن تتخذ قراراً مستقلاً عن الحسابات الأميركية والإسرائيلية.
 
ومعنى ذلك أن التقارب المصري الإيراني التركي سوف يؤدي بالضرورة إلى تطبيع العلاقات العربية الإيرانية، وإلى إزالة الاحتقان بين إيران والخليج العربي، ولكنه سيؤدي من ناحية أخرى إلى تقليص الأوراق الأميركية والإسرائيلية مثلما سيؤدي إلى تعظيم الأوراق الفلسطينية، وهو بالضرورة يحد من الأطماع الإسرائيلية، فما هي التحديات التي تقف دون التقارب المصري الإيراني هذه المرة؟، خاصة أن التقارب المصري الإيراني سوف يؤدي إلى وجود مصر وإيران في معسكر واحد في الكثير من القضايا، وهو وإن لم يكن موجهاً ضد إسرائيل فإن إسرائيل تعتبر هذا التقارب أكبر التحديات لمشروعها.
 
وفي هذه الحالة، فإن التقارب المصري الإيراني سوف يلامس قضية فلسطين، خاصة ملف المقاومة الذي تدعمه إيران، ولذلك يكون دعم مصر للمقاومة مختلفاً عن نقد مصر لسلوك إسرائيل، حيث يدخل هذا الدعم في سياق مختلف. ثم إن وجود مصر وإيران في معسكر واحد يتطلب استطراق المواقف في المنطقة العربية.

"
التقارب المصري الإيراني سوف يلامس قضية فلسطين، خاصة ملف المقاومة الذي تدعمه إيران, ولذلك سيكون دعم مصر للمقاومة مختلفاً عن نقد مصر لسلوك إسرائيل، حيث يدخل هذا الدعم في سياق مختلف
"
 
وأخيراً، إذا افترضنا وفق بعض ما قدمناه أن إيران عوضت سوريا عن انسحاب مصر من الساحة العربية، فإن علاقة إيران بسوريا لم تدخل إيران إلى الساحة العربية على خلاف العلاقة بين إيران ومصر، وفي هذه النقطة لا يجوز أن نغفل عن أن دول الخليج قد تتأثر بسياسات غربية فلا تنسجم مواقفها مع الموقف المصري، وهو ما بدا في مصر بعد الإعلان عن تطبيع العلاقات مع إيران والضغوط الخليجية والغربية التي تحاول إعادة الوضع إلى مرحلة ما قبل الإعلان.
 

بعبارة أكثر صراحة إذا كان القرن العشرون قد شهد وجود مصر وإيران في المعسكر الغربي وضد القضية الفلسطينية، فهل يشهد القرن الحادي والعشرون وجود مصر وإيران في معسكر مستقل يقود المنطقة مع تركيا إلى عصر السلام العادل والاستقرار والازدهار الاقتصادي؟، هذا هو التحدي الكبير الذي تسعى إليه الشعوب في مصر وإيران وفلسطين!. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.