الدولة الفلسطينية على الأجندة الأممية

نواف الزرو -عنوان المقال: الدولة الفلسطينية على الأجندة الأممية

– أربعة خيارات
– ما بين الأجندتين
– الحملة الصهيونية
– هل من جدوى؟

في أحدث معطيات المشهد التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي نجد أن الإسرائيليين يرفضون كل خيارات التسوية ومقترحاتها التي من شأنها أن تقود إلى أي انسحاب إسرائيلي من أي جزء من القدس والضفة.

وهم لا يصرون فقط على استمرار المفاوضات كمظلة مريحة يكسبون الوقت في ظلها، بل يصرون على مواصلة مخططات الاقتلاع والتهويد الشامل الذي أخذ يجتاح كل شيء حتى التراث والذاكرة.

والفلسطينيون من جهتهم باتوا في مأزق صعب جدا، فهم وإن كانوا يعلنون صباح مساء تمسكهم بالمفاوضات، فإنهم لا يجدون أي اكتراث من جانب حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

والعرب بدورهم يعلقون كما هو معروف الجرس في رقبة الفلسطينيين ويقررون ما تريده القيادة الفلسطينية، كي يتنصلوا من مسؤولياتهم التاريخية والعربية.

أما الإدارة الأميركية فلم نعد بحاجة إلى البرهنة على صهينة سياساتها بالكامل، كما أن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي بنى الفلسطينيون والعرب عليه الآمال الكبار في أن يحرك المفاوضات باتجاه تسوية فانسحاب فدولة فلسطينية بحدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، فلم يخيب فقط آمال الجميع بعجزه عن الضغط على نتنياهو، بل ذهب أبعد من ذلك بتبنيه لسياسات ولاءات نتنياهو، لدرجة يمكن القول معها إن أوباما كأنه يكتب خطاباته وسياساته بأيد إسرائيلية.

وعن الرباعية فحدث، فهذه الرباعية لم تقدم شيئا مفيدا وحقيقيا لعملية السلام، ويكفي أن توني بلير على رأسها، ومهمته كانت دائما تمرير المواقف واللاءات والاشتراطات الإسرائيلية، وأحدثها محاولته تمرير شرط الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي، ولولا الرفض الروسي لهذا الشرط لكان بيان الرباعية إسرائيليا بالكامل، ناهيكم عن رفض نتنياهو حتى لعبارة تذكر حدود 67 أساسا للتفاوض.


"
السلطة الفلسطينية والجامعة العربية قررتا التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنحها عضوية كاملة، باعتبار ذلك الخيار الأفضل للفلسطينيين في ظل الظروف الراهنة
"

أربعة خيارات
هكذا هي الأمور وهكذا هو المشهد التفاوضي حتى اللحظة، وبعد أن وصلت عملية المفاوضات العقيمة منذ بداياتها قبل عشرين عاما إلى طريق مغلق تماما، ولم يعد لها أي أفق تسوية حقيقي، وبعد أن باتت كل الأطراف تجمع على فشلها فشلا مخيبا لآمال كل المراهنين على التسوية.

فلم تعد العملية التفاوضية معولا عليها في شيء بسبب لاءات نتنياهو الذي تمادى وتغطرس ورفض كل وسائل وأدوات الضغط والإقناع الرامية إلى استئناف المفاوضات على أساس حدود 67 من جهة، وبسبب ضعف الموقف الفلسطيني العربي من جهة ثانية، حتى دخل الفلسطينيون ومعهم العرب في مأزق حرج وصعب وفي حيرة متفاقمة في ما الذي يجب عليهم فعله، وأخذ الجميع يضربون أخماسا بأسداس حول سؤال ما العمل؟

والخيارات المطروحة أمام الجميع أربعة، أولها اللجوء إلى الهيئات الدولية (الأممية) في مسعى للحصول على اعتراف دولي بإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا يترتب عليه ما يترتب من تصعيد إسرائيلي باتجاه المزيد من حملات وموجات القمع والاعتقال والتهويد.

وثانيها حل السلطة الفلسطينية وإعادة الأمور إلى مربعها الاحتلالي الأول، وفي هذه المسألة تبعد المصادر الفلسطينية هذا الاحتمال رغم أن الرئيس أبو مازن كان قد المح إلى استقالته وإلى حل السلطة.

وثالثها تفجير انتفاضة فلسطينية ثالثة تقلب كل الأوضاع والحسابات، وهذا الاحتمال هو الأقرب إلى المشهد الفلسطيني بعد استنفاد خيار التوجه إلى الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول القريب.

ورابعها ترك الأمور إلى ما وصلت إليه من جمود بانتظار معجزة قد تأتي من السماء أو من الإدارة الأميركية في زمن باتت تعز فيه المعجزات.

ويبدو من خلال تصريحات القيادات وبيانات لجنة المتابعة العربية، وأقربها الخميس 14/7/2011، أن الخيار الأول هو الأقرب، إذا لم يطرأ تغير مفاجئ في لحظة حرجة.

فالسلطة الفلسطينية والجامعة العربية قررتا التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنحها عضوية كاملة، حسبما أعلن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، باعتبار ذلك الخيار الأفضل للفلسطينيين في ظل الظروف الراهنة، من أجل كسب موقف أممي لصالح الدولة.


ما بين الأجندتين
وفي الذهاب إلى الأمم المتحدة تتضارب الأجندتان الفلسطينية والإسرائيلية تماما، فمسألة الدولة الفلسطينية كانت دائما وأبدا خيار الإجماع الوطني الفلسطيني، وكانت دائما الخيار الجارف أمام كل الفلسطينيين في الداخل والخارج الفلسطيني على حد سواء، ويجمعون على أنها معركة مفتوحة حتى رحيل الاحتلال وبناء الاستقلال.

والواضح المستخلص من كل حكاية المفاوضات العبثية على مدى نحو عشرين عاما مهدرة من عمر القضية، أن سؤال الدولة الفلسطينية كان دائما السؤال الأكثر تفجرا على الأجندة السياسية الفلسطينية، وكذلك في العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية.

والجدل بين الجانبين حوله جدل ملغم بالتهديدات المبطنة أو الصريحة في ظل حرب إعلامية نفسية معنوية تحريضية ضد أي محاولة فلسطينية باتجاه إعلان الدولة من جانب واحد، أو اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو إلى مجلس الأمن، كما تابعنا وشاهدنا في السنوات والشهور القليلة الماضية.

ومن الواضح أن الهدف الفلسطيني الكبير والعريض من وراء قصة "عملية المفاوضات والسلام" فهو في المحصلة تحقيق "حق تقرير المصير" و"إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق القرارات الدولية المتراكمة منذ قرار 181، على كامل مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية.

أما الهدف الإسرائيلي الكبير والعريض ومتعدد الغايات والأبعاد من وراء كل قصة "عملية المفاوضات والسلام" فكان تكريس "دولة إسرائيل دولة للشعب اليهودي" أولا، والحصول على الشرعية الفلسطينية والعربية والدولية لهذه الدولة ثانيا.

والهدف الثالث هو ضم نسبة كبيرة تتراوح حسب المشاريع السياسية الإسرائيلية بين 40% و60% من مساحة الأراضي المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية، ثم "تخليد القدس الموحدة عاصمة إسرائيل إلى الأبد" رابعا.

ويتمثل الهدف الخامس في تدمير مقومات الاستقلال الفلسطيني الحقيقي وبناء الدولة المستقلة"، والسادس في ضمان التفوق والهيمنة الإستراتيجية الإسرائيلية على المنطقة كلها.


"
إسرائيل لا تقلل من الدلالات الأخلاقية والقانونية والمعنوية المترتبة على اعتراف دولي بإقامة الدولة الفلسطينية، لذلك تجند كل طاقاتها ولوبياتها وأدواتها وضغوطها في العمل من أجل إحباط هذا التوجه الفلسطيني
"

الحملة الصهيونية
وفي هذا البعد الصهيوني المتعلق بتدمير مقومات واحتمالات الدولة الفلسطينية، كان نتنياهو صريحا حين قال في كتابه مكان تحت الشمس "إن تقسيم البلاد إلى دولتين مصيبة عظيمة وتهديد إستراتيجي من الدرجة الأولى على وجود دولة إسرائيل، والدولة الفلسطينية نفسها تهديد ديمغرافي فظيع للصهيونية، بعد أن يتدفق إليها ملايين اللاجئين الذين سيطالبون بجمع شمل العائلات وحق العودة، وهذه الدولة ستكون اليوم رأس حربة لهجوم عربي شامل على إسرائيل، وحتى جيش صغير نسبيا، مزود بتكنولوجيا حديثة، يمكنه أن يهدد مدن إسرائيل بشكل مباشر".

وقد كشر نتنياهو عن أنيابه مؤخرا حين أعلن أن "الدولة الفلسطينية فكرة غبية"، وينضم إليه الجنرال احتياط الأبرز من جنرالاتهم في هذه المرحلة موشيه يعلون وزير الشؤون الإستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية ليستبعد "قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة الغربية أو في قطاع غزة"، مرجحا أن ينشأ هناك "كيان معاد لإسرائيل".

وحذر من أن "الهدف الفلسطيني ليس دولة في حدود 1967، بل دولة فلسطينية على خرائب دولة إسرائيل".

وتقف هذه الأهداف المبيتة، في خلفية الحملة الصهيونية ضد مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، فأقرت خارجيتها الليبرمانية حملة إعلامية واسعة النطاق لإحباط المشروع، وفي مركز تلك الحملة الإعلامية التشهيرية، تعد تلك الدولة التوجه الفلسطيني العربي إلى الأمم المتحدة حملة هجومية استفزازية عدائية لها، تهدف إلى محاصرة إسرائيل ونزع الشرعية الأممية عنها.

وتصف الخارجية الإسرائيلية سبتمبر/أيلول القادم بالأسود على إسرائيل، لذلك تضع تلك الدولة كل العراقيل التي من شأنها تعطيل هذا المشروع.

والواضح من الأدبيات السياسية الإسرائيلية أن إسرائيل لا تقلل من الدلالات الأخلاقية والقانونية والمعنوية المترتبة على اعتراف دولي بإقامة الدولة الفلسطينية، لذلك تجند كل طاقاتها ولوبياتها وأدواتها وضغوطها في العمل من أجل إحباط هذا التوجه الفلسطيني.

فهي تعد هذا التوجه استفزازا بل حربا إعلامية أخلاقية تشكك في شرعية وجود إسرائيل.

وفي ذلك قالت صحيفة يديعوت أحرونوت في 9/5/2011 إن "إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد وحصولها على اعتراف الأمم المتحدة سيخلق أزمات قانونية عديدة أمام إسرائيل، إلى جانب صعوبات على المستوى الأمني والمدني والدبلوماسي".

وتنتظر إسرائيل بالتالي ما أطلق عليه الكاتب يوئيل ماركوس في هآرتس 1/4/2011 "أيلول الأسود" في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقد أنذر يوسي بيلين الإسرائيليين في صحيفة إسرائيل اليوم 17/4/2011 تحت عنوان "استعدوا لحلول رياح أيلول" قائلا "تسونامي؟ مجرد ريح صرصر؟ وربما هبوب خفيف لن نشعر به على الإطلاق، فماذا ينتظرنا إذن؟ آمل ألا تحصل أمور أسوأ في هذه الأثناء".

واللافت أن إسرائيل لا تخوض هذه المعركة/الحرب ضد مشروع الدولة الفلسطينية وحدها، بل تنضم إليها الإدارة الأميركية التي ترى أيضا أن هذا التوجه الفلسطيني عمل استفزازي ضد إسرائيل، ولن يسفر عن شيء حقيقي للفلسطينيين، في حين نرى أن الاتحاد الأوروبي منقسم في موقفه من هذه المسألة.


"
لا ضير ولا ضرر في التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة في مشروع الدولة الفلسطينية ما دامت الخيارات الأخرى غائبة عن المشهد
"

هل من جدوى؟
هناك إذن في المشهد الأممي معركة حقيقية وليست ملهاة، بل هي معركة تحمل أبعادا أخلاقية وقانونية وشرعية وسياسية ودبلوماسية، توظف فيها إسرائيل طاقاتها ولوبياتها وحلفاءها بغية كسبها وإحباط المشروع الفلسطيني فيها.

يعتقد البعض أن هذه المواجهة على مسرح الأمم المتحدة لا قيمة لها، ويتساءلون ما الفائدة، وهل من جدوى وراء هذا التوجه الفلسطيني العربي إلى الأمم المتحدة؟

ويضيفون أن إسرائيل تفعل ما تشاء، فهي تعتقل وتقمع وتصادر وتهود وتحول دون الاستقلال الفلسطيني.

بينما يقول البعض الآخر، نعم هي المعطيات كذلك ولكن، ما دامت الخيارات الحقيقية غائبة فإن هذا الخيار الأممي يبقى الأفضل مرحليا لصالح تكريس القرارات والشرعية الدولية المؤيدة للحقوق الفلسطينية.

واستحضار قرارات ومواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بالدولة والحقوق الفلسطينية المشروعة، رغم خضوعها للفيتو الأميركي، يزعج إسرائيل على كل المستويات.

وهنا يقدر الجميع أن الحصول على اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية سيواجه بالفيتو الأميركي، ورغم ذلك فهذه معركة تنطوي على أهمية كبيرة لا ينبغي التقليل من شأنها وتداعياتها الأخلاقية والقانونية والشرعية، فهي سلاح شرعي أممي يوظف إلى جانب كل الأسلحة الأخرى التي تشرعها الشرعة الدولية وفي مقدمتها حق مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة.

وإذا حصل مشروع الدولة الفلسطينية على اعتراف أممي، فإن ذلك يفتح بالتأكيد آفاقا رحبة من العمل السياسي والدبلوماسي والقانوني والثقافي لصالح القضية الفلسطينية، ويفتح آفاقا أهم على صعيد تفعيل كل الإمكانيات الفلسطينية هناك على الأرض الفلسطينية المحتلة ضد الاحتلال.

وإذا لم يأت المشروع الفلسطيني بالاعتراف الأممي، فإن ذلك أيضا سيفتح أفقا حقيقيا جديدا لمشروع النضال والمقاومة الفلسطيني، وسيفتح الباب أمام انتفاضات فلسطينية أقوى وأشد من سابقاتها في مواجهة الاحتلال الصهيوني.

فلا ضير ولا ضرر إذن في التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة في مشروع الدولة الفلسطينية ما دامت الخيارات الأخرى غائبة عن المشهد.

فمعركة الدولة الفلسطينية حقيقية وكبيرة والدولة تنتزع انتزاعا ولا تقدم على طبق من فضة.

غير أن هذه المعركة تستدعي بقوة أن يعمل الفلسطينيون أولا قبل الآخرين، على لملمة أنفسهم وترتيب بيتهم الداخلي وأوراق قوتهم وأن يقفوا جميعا وراء برنامج سياسي كفاحي فلسطيني موحد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.