نقطة تحول.. حرب الصواريخ القادمة

نقطة تحول.. حرب الصواريخ القادمة

 

حروب الحساب المفتوح
البطن الإسرائيلية الرخوة
"إسرائيل" تحت مرمى الصواريخ
العد التنازلي لخراب يقترب

ساعة الصفر الإسرائيلية

"نقطة تحول 4".. هذا ما أطلقوه عليها.. فالماثل أمامنا أنهم على مستوى المؤسسة العسكرية والسياسية والإعلامية، وكذلك على مستوى الرأي العام الإسرائيلي، يربطون ربطا جدليا بين هذه التدريبات والمناورات "المتحولة.. المتسلسلة من 1 إلى 4 حتى الآن.."، وبين حرب الصواريخ القادمة التي باتت تهيمن على الخطط والقناعات والمناخات والسيكولوجيا الإسرائيلية.

فالإسرائيلي عموما من الرئيس إلى رئيس الوزراء، إلى الوزراء، إلى كبار الجنرالات والضباط، إلى الجنود في كل مكان، إلى رجال الدين (الحاخامات)، إلى رجال الإعلام والميدان الأكاديمي، إلى عصابات المستوطنين في أنحاء الضفة، كلهم بالإجماع أصبحوا ينتظرون اندلاع الحرب، وهم يرون حرب الصواريخ القادمة عبر هذه التدريبات العسكرية الأوسع والأشمل في تاريخ تلك الدولة الصهيونية.

فنقطة التحول، في مضمونها العسكري، تشكل نقطة تحول ليس على مستوى التدريبات والاستعدادات الحربية لديهم فقط، وإنما أخذت تتكرس كنقطة تحول إستراتيجي في المواجهات العسكرية الحربية منذ الهزيمة الحارقة التي لحقت بجيشهم "الذي لا يقهر" في يوليو/تموز 2006، وشكلت بالتالي نقطة تحول سيكولوجي في استعداداتهم النفسية لمواجهة حروب أخرى مع حزب الله وعلى الجبهات الأخرى.

بل يبدو أن المشهد الإسرائيلي بات مثقلا بـ"نقاط التحول" المقترنة بسيكولوجيا الرعب والقلق، وهواجس الوجود، من الحرب ومن الخسائر والهزيمة المحتملة، ومن المستقبل الغامض، ومن احتمالات الانهيار الشامل.

حروب الحساب المفتوح

"
جاءت نتائج حرب يوليو/تموز 2006، وبالاعترافات الإسرائيلية الغزيرة، ليتحوّل المشهد الإسرائيلي من حالة النشوة والاعتقاد الراسخ بالانتصار السريع الساحق على حزب الله, إلى حالة اليأس والإحباط والإحساس بالهزيمة الماحقة
"

والواضح الموثق أيضا أنهم يربطون بين هذه التدريبات بحساباتهم الإستراتيجية المتعلقة بخريطة الحروب والمواجهات المتدحرجة على الجبهة اللبنانية منذ نشأة تلك الدولة.. وهذا ليس تنجيما أو ضربا في الرمل، فالملف اللبناني الإسرائيلي من وجهة نظر المؤسسة العسكرية الأمنية السياسية الإسرائيلية لم ولن يغلق أبدا، فالذي حدث لـ"إسرائيل العظمى" ولـ"الجيش الذي لا يقهر" في مايو/أيار 2000 وكذلك في يوليو/تموز 2006 كاد يتسبب بانهيار شامل لذلك المجتمع الصهيوني.

فنحن في هذه الأيام في فضاء الذكرى العاشرة لعيد الانتصار والتحرير في لبنان، فالإجماع السياسي والعسكري والأمني والاستخباراتي والشارعي الإسرائيلي أولاً، ثم الإجماع اللبناني والعربي والدولي ثانيا، يشدد على أن دولة الاحتلال الإسرائيلي منيت عام 2000 بأول هزيمة عسكرية معنوية حقيقية في تاريخها، كما أصيب مشروعها الاحتلالي في لبنان بالفشل الذريع، بينما حقق العرب عبر بوابة المقاومة اللبنانية أول انتصار عسكري ومعنوي ونفسي وأخلاقي ضد "جيش الاحتلال الذي لا يقهر"، بعد أن صال وجال وعاث ذلك الجيش فسادا واقترف سلسلة متصلة لا حصر لها من جرائم القتل والذبح والحرق والتدمير والتخريب والتهجير ضد الوطن اللبناني وأهله على مدى سنوات احتلاله الماضية.

كما جاءت نتائج حرب يوليو/تموز 2006، وبالاعترافات الإسرائيلية الغزيرة، لتقلب كل الحسابات والتقديرات العسكرية رأسا على عقب.. ولتتهاوى المفاهيم والنظريات الحربية بقوة مذهلة.. وليتحول المشهد الإسرائيلي من حالة النشوة والثقة المطلقة بالنفس والاعتقاد الراسخ بالانتصار السريع الساحق على حزب الله.. إلى حالة اليأس والإحباط والإحساس بالهزيمة الماحقة لأول مرة في تاريخ تلك الدولة، ولكن لتبقى حروب "الحساب المفتوح" بين "إسرائيل" ولبنان المقاومة والدولة قائمة ومفتوحة.

البطن الإسرائيلية الرخوة
واستتباعا، بات واضحا تماما منذ ذلك الوقت أن كل هذه التدريبات البرية والجوية والبحرية التي أجرتها وتواصلها دولة الاحتلال، وصولا إلى تدريبات المؤخرة أو العمق الأخيرة "نقطة تحول.."، على تماس مباشر بتلك الهزيمة الحارقة من جهة، وعلى تماس مباشر بالحساب المفتوح من جهة ثانية، ولكنها تؤشر من جهة ثالثة إلى حالة الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي اهتزت بعنف زلزالي في مواجهة يوليو/تموز 2006.

وتجمع في هذا السياق جملة من الاعترافات والشهادات الإسرائيلية المتتابعة على تفاقم حالة القلق والرعب مما يطلقون عليه "انكشاف الجبهة الداخلية للصواريخ"، التي أخذوا هم يطلقون عليها أيضا "البطن الإسرائيلية الرخوة".

فإسرائيل لم تتوقع أبدا ولا حتى في أسوأ كوابيسها أن تنكشف الجبهة الداخلية الإسرائيلية على هذا النحو المرعب، فكتب المحلل يونتان شم أور في صحيفة معاريف معلقا على تأثير الصواريخ التي ضربت العمق الإسرائيلي: "يعرفون الآن ما الذي يفعلونه، يعرفون الآن كيف يهزموننا؟".

"
جملة من الاعترافات والشهادات الإسرائيلية المتتابعة تؤكد على تفاقم حالة القلق والرعب مما يطلقون عليه "انكشاف الجبهة الداخلية للصواريخ"، التي أخذوا يطلقون عليها أيضا "البطن الإسرائيلية الرخوة"
"

وما بين ذلك الرعب الذي اجتاح المجتمع الإسرائيلي بفعل الهزيمة في لبنان وبفعل ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وبين المشهد الراهن، ونحن في منتصف العام 2010، يمكن القول إن هواجس الرعب والقلق من ضرب وتدمير العمق، بمعنى المدن والبنية التحتية الإسرائيلية في أي حرب قريبة، تفاقمت وتكرست، فها هو رئيس وزرائهم نتنياهو يبحث في جلسة خاصة "جاهزية الجبهة الداخلية لحالات الطوارئ بمشاركة قادة الأجهزة الأمنية الذين قدموا خلال الجلسة سيناريوهات محتملة لمواجهات في المنطقة، وبحثوا في خطط لإخلاء مئات آلاف السكان من منطقة المركز إلى المستوطنات في الضفة الغربية ومدينة إيلات في حال تعرض الجبهة الداخلية لقصف صاروخي" (يديعوت حرونوت 7/3/2010).

ولغاية التعبئة المعنوية، أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي إيلان سيغال أن "قيادة الجيش تدرس إمكانية إنشاء قناة تلفزيونية مخصصة للجبهة الداخلية، بهدف إرشاد الإسرائيليين إلى كيفية التصرف خلال حالات الطوارئ وطرق التحصين"، كما أصدرت وزارتا الحرب والتعليم في إسرائيل قرارا بإضافة مادة إلى المنهج الدراسي ابتداء من العام الدراسي 2009-2010 لتلاميذ المدارس من سن الخامسة فما فوق تتعلق بكيفية استعداد الجبهة الداخلية أثناء حالة الطوارئ والحرب، وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن "الطلاب بدؤوا بتلقي هذه المادة في المدارس النظامية، ودرسها معلمون مرّوا بتأهيل خاص، بالإضافة لمدرسات مجندات في الجيش".

إسرائيل تحت مرمى الصواريخ
و"البطن الإسرائيلية الرخوة" إن ضربت بقوة تدميرية كبيرة من شأنها أن تهز أركان المجتمع الإسرائيلي، وهذا الاحتمال حاضر في مخططاتهم، ففي المشهد الإستراتيجي الحربي الإسرائيلي يعترفون بأن إسرائيل بكاملها باتت في هذه الأيام تقع تحت مرمى الصواريخ وكذلك تحت وطأة مناخات ما يطلقون عليها عسكريا "تدريبات ومناورات الجبهة الداخلية لإعدادها لحرب الصواريخ القادمة".

يشعرون بأن المخاطر تتعاظم على هذه الجبهة أكثر من أي وقت مضى، وليس صدفة أن القادة والمعلقين الإسرائيليين يتحدثون حول رقم 40 و60 ألف صاروخ من مختلف الأنواع ومداها والتي يقولون إن "حزب الله" يمتلكها، والتي غدت ردعا يردع "الردع الإسرائيلي المعهود".

ويثير هذا الواقع المستجد سجالا لا يتوقف بين ساسة وعسكريين ومعلقين في إسرائيل حول ما جرى وما يجري، وتتحدث مصادر عسكرية إسرائيلية عن أن "حزب الله يصوب أكثر من 200 صاروخ ذي قدرة تدميرية هائلة لكل مدينة وبلدة إسرائيلية"، مضيفة أن "القلق الإسرائيلي ينبع من معلومات استخباراتية وصلت الدولة العبرية وشاركت فيها أجهزة استخباراتية غربية أفادت بأن حزب الله يصوب إلى كل مدينة إسرائيلية أكثر من مائتي صاروخ ذي قدرات تدميرية هائلة"، وموضحة أن "الحرب القادمة ستكون فتاكة وطاحنة وغير مسبوقة"، وكتب مدير الجمعية الإسرائيلية للدفاع ضد الصواريخ  شنيئور في يديعوت يقول: "في السنوات الأخيرة يركز أعداؤنا جل جهودهم على الاستعداد لحرب الصواريخ، عمليا، منذ اليوم موجه نحونا أكبر أسطول صاروخي في التاريخ".

وهواجس الرعب تتفاقم من يوم لآخر كلما يطل عليهم حسن نصر الله بتهديد جديد: "تل أبيب مقابل بيروت" و"بن غوريون مقابل مطار بيوت"، و"السواحل مقابل السواحل" وهكذا.

العد التنازلي لخراب يقترب
ويمكن القول، ونحن أمام الذكرى الرابعة لهزيمتهم، إن هواجس الرعب والقلق من ضرب وتدمير العمق في أي حرب قريبة تفاقمت وتكرست ووصلت إلى مرحلة قال عنها بعضهم "إن العد التنازلي لخراب إسرائيل بدأ يقترب".

وترسم وسائل الإعلام الإسرائيلية ومراكز البحوث وحتى التقارير الاستخباراتية "للموساد" في هذا الصدد صورة قاتمة ومرعبة عن نتائج الحرب فيما لو وقعت.. وهذا السيناريو الكارثي على إسرائيل هو ثمرة دراسة لسير حرب يوليو/تموز 2006 وضعتها مديرية اقتصاد الطوارئ في مدينة تل أبيب، وهي هيئة حكومية مكلّفة تولّي الأوضاع الطارئة، ووزعت على السفارات الأجنبية والهيئات المحلية في المدينة.

"
هواجس الرعب والقلق من ضرب وتدمير المدن والبنية التحتية الإسرائيلية في أي حرب قريبة تفاقمت وتكرست ووصلت إلى مرحلة قال عنها بعضهم "إن العد التنازلي لخراب إسرائيل بدأ يقترب"
"

وملخص الدراسة أن إسرائيل بانتظار "مئات القتلى.. آلاف الجرحى.. وابل من الصواريخ على "غوش دان"، وهي منطقة تل أبيب.. شلّ حركة مطار اللد الدولي بشكل كلّي.. قصف الطرقات بلا انقطاع.. انهيار نظام نقل المياه.. وقف الكهرباء لفترات طويلة وانهيار إمدادات المياه (موقع Day press 2/5/2010).

وقد عكف المخططون الإستراتيجيون والقادة العسكريون والأمنيون ومراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية، وفقا للدراسة، على تحليل وتفنيد ودراسة مضمون التهديدات التي تتالت عليها، وما تنطوي عليه من رسائل ردعية لامست في محتواها الوجدان الإسرائيلي القائم على الخوف من تحقق نبوءة بن غوريون القائلة: "إن خسارة إسرائيل لأي حرب هي بداية نهايتها"، ويبدو أن هذه الخلاصة المرعبة بالنسبة لهم تحظى بمساندة العديد من كبار الباحثين والمفكرين الذين يتنبؤون باقتراب "خراب وزوال إسرائيل".

ساعة الصفر الإسرائيلية
فهل أزفت إذن ساعة الصفر بالنسبة لهم لحرب الصواريخ المرعبة؟!

الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله استبعد أكثر من مرة وقوع حرب أخرى مع "إسرائيل"!

والمتحدثون الإسرائيليون، وعلى رأسهم رئيس حكومتهم نتنياهو ووزير حربهم باراك، ينفون على مدار الساعة نية العدوان على لبنان.. وعدد متزايد من المحللين والباحثين الإسرائيليين إما أنهم ينفون أيضا نوايا العدوان أو يتمنون عدم وقوع الحرب، يضاف إليهم عدد من المحللين والدبلوماسيين الغربيين الذين يستبعدون اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله هذا العام، على الأقل.

غير أن مجريات الأحداث، التي أشير إليها أعلاه وغيرها الكثير، تنطق بغير ذلك تماما، فالجيش الإسرائيلي كما يزعمون هم في أعلى درجات الجاهزية القتالية منذ 10سنوات، حسب مصدر عسكري إسرائيلي مسؤول في منظومة العمليات لجيش الاحتلال الإسرائيلي (يديعوت أحرونوت).

بل إن وزير الحرب الإسرائيلي الجنرال باراك استحضر، في المؤتمر السنوي للجنة اليهودية الأميركية في واشنطن في أبريل/نيسان الماضي، مصطلحات صهيونية حربية قائلا: "إن إسرائيل تستشرف غيوما كثيفة تتلبد في الأفق: حماس جنوبا وحزب الله شمالا وإيران بطبيعة الحال"، والغيوم المتلبدة لدى الجنرال باراك تعني الحرب أولا وأخيرا!

أما التوقيت بالنسبة لهم فهو رهن باستكمال أكبر كم من المعلومات الاستخباراتية حول خريطة منظومة الصواريخ لدى حزب الله عددا ومخابئ وتوزيعا، بل إن مصادر غربية واسعة الاطلاع سربت لصحيفة "الرأي العام" الكويتية "أنه لم يعد مبالغا الحديث عن خشية إسرائيل على وجودها بسبب نوعية الأسلحة التي صارت بيد حزب الله, ولهذا فإنه بات مستحيلا السكوت إزاء قدرات الحزب وتعاظم قوته الصاروخية الرادعة والتوازنية"، متنبئة بـ"أن إسرائيل تبدأ الحرب في اللحظة التي يتاح لها اكتشاف مخبأ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مهما كانت الساعة أو الظروف أو أي شيء آخر… فعندها تقوم إسرائيل بالانقضاض على مجموعة من الأهداف دفعة واحدة، وعندها تكون ساعة الصفر في المواجهة المفتوحة، التي تعتقد إسرائيل أنها من خلال اكتشاف مكان وجود نصر الله تصبح قادرة على حسم نصف المعركة".

"
إسرائيل تبدأ الحرب في اللحظة التي يتاح لها اكتشاف مخبأ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، عندها تكون ساعة الصفر في المواجهة المفتوحة، التي تعتقد إسرائيل أنها من خلال اكتشاف المكان تصبح قادرة على حسم نصف المعركة
"

إلى كل ذلك، فالذي يتابع الإستراتيجيات والسياسات والتصريحات والوقائع والخطط والقرارات ومختلف الإجراءات الإسرائيلية اليومية.. والذي يتابع هذه المناورات العسكرية الواسعة النطاق والمجالات والجبهات -وعلى نحو خاص الجبهة الداخلية الإسرائيلية ومنها "نقطة تحول.."- يستخلص بالتأكيد أننا على أبواب حرب قادمة، والمسألة مسألة معلومات استخباراتية ووقت وتوقيت.. هكذا هم وهكذا هي إستراتيجياتهم..!

ولكن المأزق الإسرائيلي في هذا الإطار يبقى كامنا في "لعنة المقاومة اللبنانية" التي تقف لهم بالمرصاد، وفي "لبنان الدولة المستحيلة" كما وصفها المحلل العسكري الإستراتيجي المعروف إيتان هابر قائلا: ".. إن لبنان دولة مستحيلة.. دولة لا تسري عليها كل القوانين المعروفة في العالم، ومن تجربة حرب 1982 يمكن القول إنها دولة لا يعتبر الجنون فيها مرضا.. إن كل من جرب لبنان مرة ما، على امتداد الأجيال الماضية، وتأثر من سقوط الأرز فوق رأسه، ولم يلحظ قدميه الغارزتين في أعماق الوحل فليقرأ مذكرات كونستنتين يزيلي حول لبنان في القرن التاسع عشر".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.