استهداف فضائيات المقاومة تجريم للرواية العربية

استهداف فضائيات المقاومة تجريم للرواية العربية الكاتب: سيف دعنا



قرار إسرائيلي بامتياز
أزمة الرواية الصهيونية
تاريخ اليهود في فلسطين
تاريخ الصراع العربي الصهيوني
إسرائيل وحقوق الإنسان

استهداف الإعلام العربي هو بالأساس استهداف للرواية العربية ولمنظومة القيم العربية ألمضادة للهيمنة الاستعمارية الغربية التي تحاول فرض روايتها وقيمها عبر إعلام مضاد, بعضه عربي اللغة وألتمويل للأسف, من جهة, ومحاولة إسكات الصوت العربي, المقاوم منه على وجه الخصوص, ولو بالقوة من جهة أخرى.

بعض الإعلام العربي نجح بترويجه للرواية والقيم العربية, وبمهنية عالية حسب شهادة العديد من المختصين, بالمساهمة في التشكيك بالقيم والرؤية ألاستعمارية والصهيونية للعالم, للذات, وللآخر, وبالتالي ساهم, بالإضافة لقوى أخرى, في إنتاج ونشر أزمة الرواية الصهيونية ونبذ القيم التي تتضمن الخضوع للهيمنة الغربية ولهذا فهي مستهدفة.

ففيما تواجه الرواية الصهيونية أزمة جدية وعميقة بفعل النفي شبه المطلق لأسسها عن تاريخ اليهود في فلسطين من قبل علماء الآثار وعن تاريخ الصراع العربي الصهيوني من قبل المؤرخين, وكذلك افتضاح زيف الدعاية الصهيونية حول أداء "إسرائيل" في موضوع حقوق الإنسان من قبل منظمات حقوق الإنسان, تتسارع وبمنهجية محاولات إسكات الرواية العربية حول ذات المواضيع.

استهداف الرواية العربية, والعمل على إسكات الصوت العربي والأصوات المؤيدة له, خرج من إطار الصراع الفكري والأكاديمي المعتاد مع الرواية الصهيونية, التي تواجه نقضا ورفضا غير مسبوق, ودخل في إطار استخدام القوة والترهيب ضد الفكرة والرواية لإسكاتها عبر استهداف القنوات الفضائية, التدخل في مناهج التعليم العربية, وإرهاب الأكاديميين, والسياسيين, والصحافيين.

يمكن نقاش استهداف الفضائيات العربية كونه خرقا للقانون الدولي, أو كونه اعتداء على حق التعبير ومحاولة تقنينه في دول أخرى من المفروض أنها ذات سيادة, أو كونه محاولة لتدعيم الدعاية لقيم الهيمنة الغربية بإسكات الأصوات المضادة.

النقاش التالي سيبحث باختصار في أحد الأسباب الدافعة لهذه الهجمة ومحاولة إسكات الصوت العربي وهو, برأيي, الأزمة العميقة التي تعانيها الرواية الصهيونية.

قرار إسرائيلي بامتياز

"
قانون مجلس النواب الأميركي استهدف بشكل أساسي القنوات الفضائية التي تتهم "بالتحريض" على الأميركيين والأقمار الصناعية الحاملة لهذه القنوات, وتصنيفهما وبشكل خاص كمنظمات إرهابية عالمية
"

في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2009 صوت مجلس النواب الأميركي على مشروع القانون (مجلس النواب 2278) الذي يطالب الرئيس الأميركي بتقديم تقرير سنوي (أولها بعد ستة أشهر من إقرار المشروع وتحوله لقانون) للكونغرس حول "التحريض" ضد الأميركيين في الفضائيات العربية ويتضمن فرض إجراءات عقابية على من يتهم بالتحريض من هذه القنوات.

القانون يستهدف بشكل أساسي القنوات الفضائية التي تتهم "بالتحريض" على الأميركيين والأقمار الصناعية الحاملة لهذه القنوات, وتصنيفهما, وبشكل خاص, كمنظمات إرهابية عالمية. وبرغم أن نص المشروع (الذي وافق عليه 395 نائبا, عارضه ثلاثة, بالإضافة إلى 36 حضروا ولم يصوتوا) يذكر بالاسم محطات المنار, والأقصى, والرافدين, والزوراء, إلا أن الصيغة تستهدف كل القنوات التلفزيونية العربية الأخرى والدول (والشركات) المشرفة على الأقمار الصناعية الحاملة لها.

السبب في ذلك يعود للصيغة الفضفاضة لتعريف مفهوم "التحريض" وبالتالي فإن القانون يضع الرئاسة الأميركية, ومن خلف القانون من قوى صهيونية الولاء, في موقع الرقيب (لتلعب دور الأخ الكبير بلغة جورج أورويل) على كل الإعلام العربي.

الدور الإسرائيلي في استصدار القرار كان أكثر من مركزي, بدءا بالفكرة, والصياغة, والضغط الذي يمارس كالعادة على النواب من قبل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) إحدى أقوى جماعات الضغط في الولايات المتحدة, إلى توفير المادة الإعلامية والشهادة أمام المجلس من قبل ما يسمى "معهد الشرق الأوسط لأبحاث الإعلام" (ميمري).

فمؤسس ومدير هذا المعهد (يغال كارمن) لا يعرف بخلفية بحثية أو أكاديمية لا في موضوع الشرق الأوسط ولا في موضوع الإعلام, بل يعرف بكونه ضابطا "سابقا" في الاستخبارات الإسرائيلية (1968-1988) وكونه شغل منصب القائم بأعمال رئيس القسم العربي فيما يسمى "الإدارة المدنية" (اقرأ العسكرية) في الضفة الغربية (1977-1982) (انطر سيرته المختصرة على صفحة ويكيبيديا, وهي صديقة لدرجة يبدو أنه هو من صاغها).

والتشكيك بمركز الأبحاث هذا من ناحية تعمده إساءة الترجمة والمونتاج لأهداف سياسية وتحريضية ضد العرب ليس جديدا ولا غريبا (انظر بريان وايتكر: اختيارية ميمري. الغارديان 12 أغسطس/آب 2002, بخصوص الدور الذي لعبته ميمري في مشروع القانون -انظر تقرير ميمري في سلسلة التحري والتحقيق رقم 539- أيضا حول دور أيباك انظر: فرانكلين لامب: هل يخطط الكونغرس لتدمير كل محطة تلفزيونية في الشرق ألأوسط تنتقد إسرائيل؟).

مشروع القانون إسرائيلي بامتياز لأن خلفه قوى مدافعة عن إسرائيل (أيباك وميمري) ويستهدف أساسا فضائيات المقاومة, وتحديدا قناة ألمنار. البداية في 2004 كانت فيما سمي "دراسة" عن قناة المنار "لآفي جوريتش" الباحث, سابقا, في معهد واشنطن لسياسة ألشرق الأوسط, والعامل حاليا فيما يسمى "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية", تحولت لاحقا لكتاب بعنوان "منارة (فنار) الكراهية".

وعقب قرار وزارة الخارجية الأميركية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2004 بضم قناة المنار إلى قائمة "الإرهاب"، وبالتالي حظر بث المنار في الولايات المتحدة, استتبع جوريتش الكتاب بمقالة "تلفزيون الإرهاب" تدعو لأن يكون الحظر مجرد البداية وليس النهاية.

والقانون الجديد يؤكد إصرار هذه القوى على إسكات الصوت العربي. ولكن, ولأن طبيعة الصياغة وتفسير وشرح المفاهيم فضفاض وتعسفي, ولأن القانون يتضمن رقابة وعقابا, ليس للقنوات فقط بل والأقمار ألصناعية الحاملة لها كذلك, فإن كل القنوات العربية عرضة للتهديد إن لم تلتزم بقواعد أيباك وميمري في الإعلام. فالقانون يتحدث عن تحريض ويساويه بالإرهاب (وهو عمليا أي نقد للممارسات الإسرائيلية).

أزمة الرواية الصهيونية
شكل الصراع حول الرواية (والذاكرة) أحد حقول الصراع العربي الصهيوني منذ البداية, وبالتالي فإن هذا الصراع موجود وبقوة في خلفية أي سياسة, نشاط, وممارسة إسرائيلية أو مدعومة إسرائيليا, ولهذا كانت ولا تزال الرواية والذاكرة العربية في حالة استهداف دائم.

"
شكل الصراع حول الرواية أحد حقول الصراع العربي الصهيوني منذ البداية, ولهذا كانت ولا تزال الرواية والذاكرة العربية في حالة استهداف دائم, وهو ما يفسر سر الهجوم على بعض القنوات الفضائية العربية
"

هذا هو السياق الذي يفسر, ولو جزئيا, الهجوم على بعض القنوات الفضائية العربية, التشهير, باسم النقد, بمناهج التعليم في بعض الدول العربية (كما تفعل ما يسمى لجنة مراقبة نتائج السلام في نقدها للمناهج العربية فقط, فيما لا تأبه بالمناهج الصهيونية التي تنضح بالعنصرية والتلفيق), وإرهاب الأكاديميين والصحفيين الذين يشككون بالرواية الصهيونية للتاريخ والأحداث والعمل على طردهم من عملهم كما حدث للعديد من الأكاديميين في الولايات المتحدة. الجديد في الاستهداف الجديد هو استخدام القوة, متمثلة بالقانون وتدخل أجهزة الدول الغربية, لإسكات الآخر عبر تجريم روايته للتاريخ والأحداث.

في الخلفية والسياق أيضا أزمة عميقة تعانيها الرواية الصهيونية تتمثل في فشلها في مجالات الصراع المعتادة أو المتوقعة (مثلا أعمال المؤرخ الفلسطيني نور مصالحه مقابل أعمال المؤرخ ألصهيوني بيني موريس) ولجوئها إلى القوة لأن أي تدخل لجهاز الدولة هو بالضرورة ممارسة للقوة.

أزمة الرواية الصهيونية (خلفية, وسياق, وأحد أسباب استهداف القنوات الفضائية العربية بهدف إسكات الرواية العربية) هي نتاج للصراع في جملة من المحاور. كل التطورات الأكاديمية والبحثية في جملة من الحقول أدت إلى نفي وكشف زيف الرواية الصهيونية.

سألخص, وباختصار شديد لضيق المجال هنا, ثلاثة من هذه المحاور أراها الأكثر أهمية في إنتاج أزمة الرواية الصهيونية وبالتالي التشكيك القوي بشرعية الكيان الصهيوني. لهذا, يبدو أن الحل لمواجهة هذه الأزمة هو استخدام القوة ضد الصوت العربي وإسكاته.

تاريخ اليهود في فلسطين
تعرضت الرواية الصهيونية لتاريخ فلسطين القديم وتاريخ اليهود في فلسطين, والتي هدفت لتشريع وجود الكيان الصهيوني, إلى النقض والرفض من قبل علماء الآثار وعلم الإنسان والتاريخ. النقض والرفض لا يطال الرواية وتفاصيلها فقط, بل والمنهج البحثي المتبع من قبل الأركيولوجيين الإسرائيليين وبعض الغربيين لدراسة الآثار والمكتشفات الجديدة.

فمنذ أيام الاستعمار البريطاني لفلسطين, شكل نشاط الحركة الصهيونية والعمل على تأسيس الدولة, كما دور الدولة بعد عام 1948 والبحث الغربي عن الجذور التوراتية للحضارة الغربية, السياق الذي تمت في إطاره أبحاث علم الآثار وكتابة تاريخ فلسطين المستند على الخطاب التوراتي (اعتماد الأساطير العبرية والتوراتية كمرجع تاريخي أعلى لتفسير الآثار, وبالتالي استخدام أي اكتشاف أثري جديد ولي عنقه لتدعيم الرواية الصهيونية, بدل تعديل الرواية بناء على هذه الاكتشافات).

سياق بناء الدولة ودور النزعة القومية لدى الباحثين الإسرائيليين, كما يشير عالم الآثار ثوماس ثومبسون في "الأركيولوجيا التوراتية وسياسة بناء الدولة" أثرا جديا في كتابة التاريخ وأديا إلى تشويه علم الآثار والتقليل من مصداقيته.

نقض ورفض المنهج التوراتي والرواية الصهيونية للتاريخ أصبحت سائدة لدى أغلب المتخصصين والمهتمين في هذا الحقل, وبضمنهم العديد من الأركيولوجيين الإسرائيليين (مثلا: زئيف هرتسوغ: تفكيك جدران أريحا), الذين يرون أن الطريقة والمنهج الذي تمت به كتابة تاريخ فلسطين القديم وتاريخ اليهود في فلسطين هدف بالأساس لخدمة الفكرة الصهيونية حول تأسيس الدولة, أو خدمة الحاضر الصهيوني لا معرفة وكتابة التاريخ, وكذلك اختراع ذاكرة قومية لهذا المشروع (بالإضافة لثومبسون أعلاه, انظر, مثلا, يائل زيروبافل: استرداد الجذور: الذاكرة الجمعية واختراع الرواية القومية الإسرائيلية, نادية أبو الحاج: حقائق على الأرض, كيث وايتلام: اختراع إسرائيل القديمة وإسكات تاريخ فلسطين).

المركزية اليهودية التي سيطرت على رواية تاريخ فلسطين القديم وتاريخ اليهود في فلسطين, وهيمنة تاريخ اليهود في فلسطين على كل تاريخ فلسطين (أو اختزال كل تاريخ فلسطين الطويل بتاريخ اليهود في فلسطين) بدأت تتهاوى وتسقط بتسارع منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي لدرجة أن العديد من ألأركيولوجيين الإسرائيليين أنفسهم يشككون بها ويعتبرونها مجرد أساطير اخترعت وأعيد تشكيلها لتبرير فكرة المشروع الصهيوني وممارساته العدائية ضد ألعرب, ويؤكدون بالتالي استنتاج علماء الآثار الآخرين حول ضرورة كتابة تاريخ فلسطين بمعزل عن المنهج التوراتي (للتفصيل, انظر مثلا, أركيولوجيا شعب الله المختار, جريدة ألأخبار 15 مارس/آذار 2010).

تاريخ الصراع العربي الصهيوني

"
الرواية الصهيونية عن الصراع العربي الصهيوني عبارة عن مجموعة من الأساطير والأكاذيب من طراز "طهارة السلاح" الذي لوث في الحقيقة بالمجازر والتطهير العرقي أو الزعم بأن اللاجئين الفلسطينيين تركوا الوطن من تلقاء أنفسهم ولم يهجروا بالقوة
"

الرواية الصهيونية عن الصراع العربي الصهيوني (وأحداث 1948 وتهجير اللاجئين بشكل خاص) هي مجموعة من الأساطير. هذه هي النتيجة التي توصل إليها المؤرخون الإسرائيليون الجدد استنادا إلى أرشيفات الدولة ذاتها (مثلا: سمحا فلابن: ولادة إسرائيل: الأسطورة والحقيقة, زئيف شتيرنهل: ألأساطير المؤسسة لإسرائيل, نورمان فنكللستين: الصورة والحقيقة).

الرواية الصهيونية لهذه المرحلة من التاريخ هي عبارة عن مجموعة من الأساطير والأكاذيب من طراز "طهارة السلاح" الذي لوث في الحقيقة بالمجازر والتطهير العرقي والعنف غير المبرر, أو الزعم بأن اللاجئين الفلسطينيين تركوا الوطن من تلقاء أنفسهم ولم يهجروا بالقوة (انظر, مثلا, إيلان بابيه: التطهير ألعرقي, بني موريس: ولادة مشكلة اللاجئين ألفلسطينيين), أو "السعي الإسرائيلي الدائم للسلام" الذي تكذبه أرشيفات الدولة ذاتها التي تشير إلى استعداد عربي رسمي للاعتراف بإسرائيل وعروض سلام عربية مبكرة منذ العام 1949 (انظر, مثلا, آفي شلايم: الجدار الحديدي), أو أسطورة داوود وجالوت (تغلب داوود الضعيف المجازي, أو إسرائيل, على جالوت القوي المجازي, أو العرب) التي يعرف المؤرخون زيفها بالأرقام والمعدات (انظر, مثلا, بني موريس: التأريخ الجديد: إسرائيل في مواجهة ماضيها, مجلة تيكون 1988).

طبعا, لم يكن العرب بحاجة لرواية المؤرخين الجدد, فهم شهود أحياء على العنف ألصهيوني وواقعهم أليوم هو أكبر دليل على كذب الرواية الصهيونية التقليدية وزيفها, لكن سقوط الرواية الإسرائيلية ورفضها من قبل أغلب المؤرخين هو تشكيك جدي بشرعية هذا الكيان القائمة على الكذب والتلفيق. يمكن الزعم, إذاً أن أزمة الرواية الصهيونية هي أزمة شرعية وهي جدية وليست مجرد حوار أكاديمي, وهي أيضا انتصار للرواية العربية وتشريع للأهداف العربية.

إسرائيل وحقوق الإنسان
يمكن للعرب وغيرهم, وعن حق, أن يوجهوا نقدا لاذعا لأداء منظمات حقوق الإنسان وللطريقة التي تتم بها صياغة بعض تقاريرها ومساواتها أحيانا بين الضحية والجلاد.

فهذه المؤسسات لا تستطيع تجاوز ضغوط بعض مصادر التمويل القريبة من إسرائيل, وتواجه كغيرها من موسسات غربية إرهاب الديكتاتورية الأخلاقية الصهيونية المتمثلة باتهام كل من ينتقد إسرائيل بالعنصرية ومعاداة السامية (انظر, مثلا, معين رباني: هيومن رايتس ووتش تذهب للحرب).

برغم كل ذلك, فإن العشرات (إن لم يكن المئات) من تقارير ونشريات مؤسسات حقوق الإنسان تدين وتوثق بما لا يدعو للشك انتهاك إسرائيل الصارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني, وقوانين وشرائع حقوق الإنسان وقوانين الحرب. آلاف ألصفحات ألصادرة عن هذه المؤسسات, وبرغم النقد الممكن والمحق للعرب لأي تقرير منها, توثق وبمنهجية لبعض جرائم إسرائيل (جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية).

الادعاء الإسرائيلي الذي تسوقه آلة الدعاية الممولة جيدا بالتفوق الأخلاقي لجيشها ولطهارة سلاحه سقطت أيضا سقوطا مدويا (انظر, مثلا, نورمان فنكلستين: ما بعد الوقاحة). ربما يفسر هذا جزءا من ردة الفعل الإسرائيلي تجاه تقرير غولدستون بشأن الحرب على غزة (رغم بعض القصور في هذا التقرير ومساواته في قسم منه بين الضحية والجلاد), فأهميته كانت بمعناه ومساهمته في نقض دعاية التفوق الأخلاقي لجيش يخالف القانون الدولي بوجوده حتى لو لم يفعل شيئا, لا بمحتواه, الذي يحق للعرب أن يجادلوا فيه.

مع كل دراسة أكاديمية جديدة عن الشرق الأوسط, مع كل بحث في التاريخ, وعلم الآثار, وعلم الإنسان, ومع كل تقرير جديد لمؤسسات حقوق الإنسان ينكشف الوجه الحقيقي والقبيح للكيان الصهيوني وتسقط ادعاءاته بالشرعية وينكشف زيف دعايته. السلاح الجديد الذي يستخدمه هذا الكيان لوقف سقوطه الأخلاقي وسقوط شرعيته المزعومة هو إسكات الصوت العربي المضاد ولو بالقوة, ولهذا تستهدف القنوات الفضائية العربية.

"
خضوع العرب لهذا القرار, والذي بجوهره مطالبة العرب بتبني الرواية والرؤية الصهيونية, ليس فقط قبولا بالتزوير, بل, أكثر من ذلك, هو نفي للذات

مشروع القانون (2278) أقر في مجلس النواب وبدون النقاش التقليدي الذي يسبق التصويت على مشاريع ألقوانين (وهذا ممكن حسب قاعدة تجميد النقاش إذا كان مشروع القرار يحظى بأصوات ثلثي الأعضاء), وهو الآن في مجلس الشيوخ, وبعد إقراره سيوقع عليه الرئيس ليصبح قانونا.

رفض وزراء الإعلام العرب لمشروع القرار (واقتراح بعضهم الغريب وغير المفهوم لقانون عربي بديل يكمم الأفواه العربية بأيد عربية) لا يكفي لوقف هذا المشروع.

فكما تريد إسرائيل والقوى التي تقف خلفها من المناهج التعليمية العربية تبني الرواية الصهيونية, فإن هذا القرار يريد أيضا فضائيات عربية برواية صهيونية. خضوع العرب لهذا القرار, والذي بجوهره مطالبة العرب بتبني الرواية والرؤية الصهيونية, ليس فقط قبولا بالتزوير, بل أكثر من ذلك, هو نفي للذات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.