التحالف السوري الإيراني في الميزان الإستراتيجي

التحالف السوري الإيراني في الميزان الإستراتيجي - الكاتب: طلعت مسلم



الجديد عن التحالف السوري الإيراني
أثر التحالف على احتمال مهاجمة إيران وسوريا ولبنان
علاقة التحالف بإعادة احتلال إسرائيل لغزة
نتائج التحالف على قيام إسرائيل بأعمال محدودة
علاقة التحالف باحتمال شن هجوم على إسرائيل

قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة هامة إلى دمشق في نهاية فبراير/شباط 2010 حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، كما التقى الرئيس الإيراني رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح، وكان اللقاء هاما حيث أعلن الرئيسان الإيراني والسوري عن "التوحد أمام التحديات والتهديدات وأي حركة يمكن أن ترفع التوقعات في الدراما الدولية فيما يتعلق بأي من الدولتين"، كما اتفق الرئيسان على إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين.

الجديد عن التحالف السوري الإيراني
وكما أعلن الرئيس الإيراني أن على العالم أن يعلم أن إيران ستقف خلف الشعب السوري إلى النهاية، وأن الروابط الإقليمية قوية للغاية. بدوره أعلن الرئيس السوري عن دعمه القوي لإيران واستنكر حديث وزيرة الخارجية الأميركية بالابتعاد عن إيران في نفس الوقت الذي تتحدث فيه عن استقرار الشرق الأوسط، وقد عرض الرئيس السوري أن تتوسط سوريا بين إيران والغرب حول برنامج إيران النووي المثير للجدل، كما أعلن أن سوريا تعارض العقوبات على إيران.

تشير أحداث اللقاء إلى أن حلفا إستراتيجيا يتكون ويتأكد، ويشكل جبهة جديدة في مواجهة التحالف الأميركي-الإسرائيلي ومن يسانده من العرب والقوى الأخرى، وإلى أن إيران تتوقع صراعا مسلحا في المنطقة في الربيع أو الصيف المقبلين، كما هدد الأمين العام لحزب الله بأنه سيضرب تل أبيب ومطارات إسرائيل ومحطات كهربائها إذا قامت إسرائيل بضرب مطار لبنان أو أي من محطاته الكهربائية وأهدافه الحيوية.

"
تشير أحداث اللقاء بين الأسد ونجاد إلى أن حلفا إستراتيجيا يتكون ويتأكد، ويشكل جبهة جديدة في مواجهة التحالف الأميركي–الإسرائيلي ومن يسانده، وإلى أن إيران تتوقع صراعا مسلحا في المنطقة في الربيع أو الصيف المقبلين
"

تبدو تصريحات القادة الإيرانيين والسوريين ذات أهمية كبيرة حيث يتوقعون نشوب الصراع المسلح خلال شهور، كما يهددون بالرد على الأهداف الحيوية الإسرائيلية، واشتملت بعض التصريحات بالحديث عن شرق أوسط بدون صهيونية ولا إمبريالية وبتدمير إسرائيل وزوالها، لكنهم لم يربطوها بأنهم سيفعلون ذلك.

تثير هذه التصريحات تساؤلات عن أثر ذلك على الميزان الإستراتيجي في المنطقة وفقا للاحتمالات المختلفة سواء من احتمال مهاجمة إسرائيل لأي من سوريا أو إيران، أو مهاجمتها للبنان أو إعادة احتلال غزة، لكن أعمال إسرائيل قد لا تكون هجوما إسرائيليا على أي من هذه الدول، ولكن قد تكون أعمالا قتالية محدودة ضد أهداف بعينها ما قد يكون سببا في اختلاف رد الفعل من التحالف الجديد.

أخيرا يمكن بحث ما إذا كان التحالف السوري الإيراني دافعا إلى أن يشن التحالف هجوما على إسرائيل. وعند هذا البحث يجب أن نضع في الاعتبار أن هناك عوامل دولية وإقليمية وتكنولوجية تؤثر على أي قرار باستخدام القوة، وسنركز هنا على العوامل الخاصة مباشرة بتأثير التحالف مع تثبيت بقية العوامل الأخرى.

يركز البعض على آثار التحالف على السلوك الدبلوماسي والمفاوضات المتوقعة بين الأطراف، لكن احتمالات الصراع المسلح في حال حدوثه لها الأثر الأكبر على أي تفاعلات بين الأطراف.

أثر التحالف على احتمال مهاجمة إيران وسوريا ولبنان
لا شك أن القدرات الإسرائيلية على الهجوم على إيران كبيرة إلا أنها غير كافية في نفس الوقت، وتحتاج إلى دعم من الولايات المتحدة، كما قد تحتاج إلى مساعدة صريحة أو مستترة من بعض الدول العربية، وأن تستعد لما قد يصيبها من خسائر نتيجة للرد المتوقع من دول التحالف الجديد وكذا المنظمات اللبنانية والفلسطينية المتعاونة ما قد يدفعها إلى التخلي عن القيام بالهجوم، خاصة أن الولايات المتحدة لن تكون مستعدة لتقديم الدعم لها سواء لانشغالها بالصراع في أفغانستان والعراق، وكذا لظروف الأزمة العالمية.

رغم أن القيادة الإسرائيلية قد تشك أو تشكك في جدية التحالف فإنها لا تستطيع أن تتجاهله، وربما يؤدي ذلك إلى أن تخطط لضرب الدولتين في وقت واحد باعتبار أنها لا تنتظر ما إذا كانت سوريا ستتدخل أو تقف مكتوفة الأيدي، خاصة أنها قامت بالتدريب على مواجهة هجوم صاروخي من عدة اتجاهات لا شك أن اتجاه سوريا هو أحدها. لكن ذلك يعني في أيضا ضرورة التريث قبل اتخاذ القرار وقد تعدل عنه. وقد يعني هذا أن تطلب إسرائيل من الولايات المتحدة أن تفوم بدعم الدفاع المضاد الصواريخ عنها عن طريق سفن الأسطول المجهزة بتلك النظم، وهو ما يجعل القرار مرهونا تماما بالموافقة الأميركية كما أنه يكشف مبكرا عن الاستعداد لشن الهجوم.

أما بالنسبة لسوريا فالمفروض أن مثل هذا الهجوم هو الاحتمال الأكبر بالنسبة لإسرائيل باعتبار التفوق الواضح لإسرائيل على سوريا تقليديا وتكنولوجيا وأن إسرائيل لا تحتاج بالضرورة إلى موافقة الولايات المتحدة لتقوم بالهجوم خاصة أن هناك خطوط تماس مشتركة بين إسرائيل وسوريا واحتلال إسرائيل لهضبة الجولان ما يوفر لها فرصة الحصول على كمية كبيرة من المعلومات عن سوريا.

لكن يبقى أن هذا التفوق ليس كافيا لتحقيق النصر على سوريا، أولا لعجز الحصول على معلومات عن النوايا الإستراتيجية لسوريا، وكذا لأن التجربة تشير إلى فشل إسرائيل في الحصول على معلومات عن إمداد سوريا لحزب الله بالأسلحة.

إذا كان التوازن الإستراتيجي لصالح إسرائيل ضد سوريا وحدها، فإن تحالف سوريا مع إيران وتعهد إيران بالوقوف خلف سوريا حتى النهاية لا بد أن يجعل المخطط الإستراتيجي الإسرائيلي يحاول أن يخمن أو يتصور ما يمكن أن يضيفه التحالف السوري الإيراني إلى القدرات السورية، ومدى رد الفعل الإيراني المتوقع في حال مهاجمة إسرائيل لسوريا، وبالتالي تصور سير الحوادث الناجم عن هذا الهجوم.

"
ليس من المتصور أن التحالف السوري الإيراني يمنع إسرائيل تماما من مهاجمة سوريا، لكنه يجعل القرار الإسرائيلي أكثر حذرا وربما يخفف من طبيعة الهجوم أو يؤجله إلى توقيت أفضل
"

ليس من المتصور أن التحالف السوري الإيراني يمنع إسرائيل تماما من مهاجمة سوريا، لكنه يجعل القرار الإسرائيلي أكثر حذرا وربما يخفف من طبيعة الهجوم أو يؤجله إلى توقيت أفضل، على اعتبار أن إسرائيل تقدر أن ضرباتها يمكن أن تكون قاضية على أعدائها، في حين أن ردود أفعالهم لن تكون قاضية على إسرائيل.

وبالنسبة للبنان فالواقع أن الأوضاع بين إسرائيل ولبنان قد تأثرت كثيرا بعد حرب يوليو/تموز 2006 حيث تكثف وجود قوات حفظ السلام اليونيفيل على الحدود اللبنانية أمام قوات العدو الإسرائيلي وأصبحت المواجهة مقصورة على الخروقات الجوية الإسرائيلية للأجواء اللبنانية سواء بالطائرات أو الطائرات بدون طيار، وانطلاق بعض الصواريخ من الأراضي اللبنانية في اتجاه القوات الإسرائيلية دون معرفة مصادرها والمسؤولين عنها، ثم المواجهة المستترة بين استخبارات الجانبين والقوات الخاصة، وأجهزة مقاومة التجسس، وأخيرا مواجهة الدعاية والإعلام وحرب التصريحات بين الجانبين، بينما اتجه كل جانب إلى إعداد نفسه لمواجهة عسكرية ساخنة مع الطرف الآخر من خلال وضع الخطط وتطوير التسليح والتدريب ودراسة المواجهات السابقة والملاحظات المستنبطة منها.

على هذا الأساس فإن احتمالات هجوم إسرائيلي على لبنان ضعيفة حيث تصطدم أول ما تصطدم بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، خاصة أن إسرائيل أصبحت معرضة لانتقاد من يعدون أصدقاء لها على ضوء ما ارتكبته وترتكبه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني في غزة خاصة بعد تقرير غولدستون وزيارات أعضاء من البرلمانات الأوروبية للقطاع، وكذا ما تكشف عن استغلال إسرائيل لجوازات سفر أوروبية أو تزويرها في اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح على أرض دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة.

هكذا فالأغلب أن إسرائيل ستظل تقتصر على وسائلها الحالية ضد لبنان خاصة مع حزب الله، إلا إذا كان ذلك في إطار حملة شاملة يمكن أن تقوم بها ضد كل من سوريا وإيران وربما قطاع غزة وهو أمر ضعيف الاحتمال، ولكنه ليس مستحيلا بناء على الأسس السابقة.

علاقة التحالف بإعادة احتلال إسرائيل لغزة
ما زالت إسرائيل تتردد في إعادة احتلال غزة في ضوء فشلها السابق خلال الحرب نهاية العام 2008 بداية العام 2009، وما تسببه من أضرار معنوية وقانونية على من كانت إسرائيل تعدهم أصدقاء، ولكن الغالب أن التحالف السوري الإيراني ليس له تأثير على احتمال قيام إسرائيل بمحاولة إعادة احتلال غزة، أي أن التحالف غالبا ما سيكتفي بالدعم السياسي والمعنوي، وربما الدعم القانوني، لكن أيا من الدولتين أو حزب الله لن يتدخل في الصراع المسلح، حيث لا تعد غزة من عناصر الحلف من جهة، كما أن تدخلها يمكن أن يستدعي إجراءات إسرائيلية مضادة يصعب تبريرها دوليا.

نتائج التحالف على قيام إسرائيل بأعمال محدودة
الأغلب أن إسرائيل ستجد أن الخيار الوحيد المعقول أمامها بعد قيام التحالف السوري الإيراني ولتجنب نشوب صراع شامل يصعب على إسرائيل تصور نتائجه خاصة مع احتمال طول فترة استمرار الصراع هو القيام بأعمال قتال محدودة بواسطة قوات نظامية أو قوات خاصة ضد أهداف سورية أساسا، وربما أهداف إيرانية إذا وجدت ذلك ممكنا.

أما بالنسبة للبنان فالغالب أن أعمال إسرائيل ستقتصر على مهاجمة أهداف بواسطة قوات خاصة متخفية، أو بواسطة طائرات بدون طيار، باعتبار أن الأعمال المحدودة غالبا لن تتسبب في تحول الصراع إلى صراع شامل تشارك فيه القوات الرئيسة للتحالف.

ويرجع ضعف احتمال مهاجمة أهداف إيرانية إلى صعوبة الوصول إليها نظرا لبعد المسافة، أما الأهداف اللبنانية فإن وجود قوات اليونيفيل بكثافتها الأخيرة يحرج كلا من إسرائيل وقوات الأمم المتحدة والدول التي تنتمي إليها ويجعلها تقتصر على أعمال القوات الخاصة والاستخبارات.

علاقة التحالف باحتمال شن هجوم على إسرائيل
ليس من المتوقع أن يحاول التحالف السوري الإيراني القيام بشن هجوم عام على إسرائيل في المستقبل القريب.

"
التحالف السوري الإيراني يعد عاملا مؤثرا على التوازن الإستراتيجي في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يجعل إسرائيل تضع في اعتبارها أن تدخل عناصر التحالف في الصراع أكثر مما كان قبل إعلان التحالف
"

فرغم حديث الرئيس الإيراني عن زوال إسرائيل من الخريطة أو محوها، فإنه لم يدع أن إيران ستقوم بذلك، وإنما تصور أن هذا مصير إسرائيل على المدى البعيد، لكن من المتوقع أن تساعد إيران سوريا في حال قيامها بأعمال قتال بهدف تحرير الجولان، سواء كان ذلك بأعمال قتال محدودة أو بعملية تستهدف تحرير هضبة الجولان، ولكن الدعم الإيراني لا يصل إلى المشاركة في حرب شاملة ضد إسرائيل.

خلاصة القول أن التحالف السوري الإيراني يعد عاملا مؤثرا على التوازن الإستراتيجي في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يجعل إسرائيل تضع في اعتبارها أن تدخل عناصر التحالف في الصراع أكثر مما كان قبل إعلان التحالف، ويجعلها تجنح أكثر إلى اختيار القيام بأعمال قتال محدودة تستفز الجانب المستهدف، ولكنها لا تضع بقية عناصر التحالف أمام ضرورة الوفاء بالتزاماتهم في التحالف، وتجعل شن الهجمات الشاملة أمرا يجب تجنبه. وتعد سوريا هي الهدف الأكثر مناسبة للأعمال المحدودة المذكورة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.