أميركا ليست ضد الإسلام

أميركا ليست ضد الإسلام



– الولايات المتحدة والمسلمون
– ليلة رمضانية
– تشارك بالقيم
– أوباما والمسلمون

كعضو في فريق التواصل الإلكتروني التابع لوزارة الخارجية الأميركية، والمكلف بفتح حوار صريح ومستمر مع أعضاء المنتديات والمدونات العربية على شبكة الإنترنت حول كل ما يتعلق بالقيم الأميركية وسياسات الولايات المتحدة ومؤسساتها على مدى ما يقارب العامين, فقد بدا واضحا لي أن هنالك عدة مفاهيم وانطباعات خاطئة عن الولايات المتحدة ونظامها السياسي والتي يكررها وينشرها البعض على كثير من المواقع.

الولايات المتحدة والمسلمون
ولا شك في أن من أبرز المواضيع التي دارت وتدور حولها قراءات ومفاهيم خاطئة وحتى أساطير لا تمت إلى الواقع بصلة، هي علاقة الولايات المتحدة بالمسلمين حول العالم ووضع المسلمين في الولايات المتحدة بالذات.

ومن أخطر النظريات التي مرت علي والتي لا يزال يروجها البعض هي تلك الأسطورة التي تدعي بأن الولايات المتحدة قد شنت حربا على الإسلام.

ليلة رمضانية

"
احترام البشر والتسامح والتعايش السلمي والتعاطف مع المحتاجين، تلك هي القيم التي جمعتنا في مقر الوزارة في تلك الليلة الرمضانية"
"

فقد تأكدت لي حقيقة ثابتة عندما كان لي الشرف في حضور مأدبة إفطار أقامتها وزيرة الخارجية الأميركية في مقر الوزارة في واشنطن قبل بضعة أيام، وهي أن هذا الاتهام باطل تماما وليس له أي صلة بالواقع.

لم تشمل قائمة المدعوين أغلب سفراء الدول الإسلامية لدى واشنطن فحسب وإنما حضر الإفطار عدد من أبرز الأميركيين المسلمين الذين حققوا إنجازات شاخصة في مجالات مختلفة، ومن ضمنهم المندوبة الخاصة للمجتمعات الإسلامية فرح باندث.

وبعد أن أنصت جميع الحاضرين احتراما إلى إمام أميركي وهو يؤذن لصلاة المغرب، أتم المسلمون صيامهم لذلك اليوم بتناول حبات من التمر وشراب قمر الدين.

وعندها تذكرت خطاب الرئيس أوباما في القاهرة والذي أكد فيه أن ما يجمع بين البشر بغض النظر عن العقيدة التي يتبعونها هي إنسانيتهم وأنه في نهاية المطاف يلتزم الجميع بمنظومة متشابهة من القيم مبنية على مثل عليا ومنها احترام البشر والتسامح والتعايش السلمي والتعاطف مع المحتاجين، تلك هي القيم التي جمعتنا في مقر الوزارة في تلك الليلة الرمضانية.

وبعد أن أدى المسلمون صلاتهم وجلس المدعوون إلى طاولات الطعام، تحدثت فرح باندث عن تجربتها كمسلمة أميركية وعن نشأتها في ولاية ماساتشوستس حيث أكدت أنها لم تشعر بحيرة في الموازنة ما بين عقيدتها الإسلامية وقيمها كمواطنة أميركية.

وتحدثت من بعدها الوزيرة هيلاري كلينتون والتي استهلت كلمتها بالتأكيد على معلومة جاءت في حديث باندث حين قالت إنه في عام 1996، وكانت كلينتون آنذاك السيدة الأولى، عقدت حفل إفطار في البيت الأبيض كان هو الثاني بعد أن استضاف توماس جيفرسون والذي كان أول وزير خارجية أميركي وثالث رئيس للولايات المتحدة سفير تونس على مائدة الإفطار منذ ما يقارب المائتي عام.

تشارك بالقيم

"
أنا كمسلم يمكنني أن أؤكد شخصيا على أن المسلمين في الولايات المتحدة يتمتعون بحرية كاملة في تأدية شعائرهم الدينية وطبقا لعقيدتهم ومفهومهم للدين وبدون أي إعاقة أو تدخل من أي أطراف حكومية أو غيرها
"

وعندما كنت أجول بناظريّ في أرجاء صالة بنجامين فرانكلن التي احتضنت حفل الإفطار، تأكدت لي حقيقة سابقة أخرى وهي أن المسلمين حول العالم والأميركيين يتشاركون في قيم أساسية هامة وهي أن كلاهما مجتمعان يتسمان بالتعددية العرقية.

وكما أن المسلمين معروفون بإيمانهم بأركان الإسلام، فإن الأميركيين أيضا يؤمنون بعدة قيم ومبادئ أساسية ولا يعتبرون العرق إلا أمرا ثانويا. وأولئك من الذين يحملون كلتا الهويتين الأميركية والإسلامية يعلمون جيدا أنه ليس من الصعب أبدا أن نكون أميركيين "حقيقيين" ومسلمين "صالحين" في الوقت نفسه.

أنا كمسلم يمكنني أن أؤكد شخصيا على أن المسلمين في الولايات المتحدة يتمتعون بحرية كاملة في تأدية شعائرهم الدينية وطبقا لعقيدتهم ومفهومهم للدين وبدون أي إعاقة أو تدخل من أي أطراف حكومية أو غيرها. فحرية الدين هي أحدى أهم القيم والحقوق الأميركية التي لا يمكن التفريط بها والتي يحميها الدستور الأميركي.

ولا بد أن أعترف أنه وقبل انضمامي لفريق التواصل لم أكن على دراية بأن الإسلام يعتبر أحد أسرع الديانات نموا في الولايات المتحدة والتي يوجد فيها أكثر من 1200 مسجد بالإضافة إلى عدد كبير من المدارس الإسلامية. وهنالك ملايين المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة حاليا والذين عبروا وبوضوح عن فخرهم بوطنهم وعقيدتهم.

ومن الجدير بالذكر أن بعض الإحصائيات تشير إلى أنه بالإضافة إلى أن المسلمين في الولايات المتحدة مندمجين اندماجا كاملا في المجتمع الأميركي ويعيشون حياة منتجة، فإنهم يتمتعون بمستوى تعليمي ودخل سنوي أعلى من متوسط المعدل الوطني الأميركي.

وأن أي زيارة عابرة إلى متحف أو معرض في الولايات المتحدة يعرض نفائس أو أعمالا فنية إسلامية ستكون خير دليل على أن الأميركيين ليسوا فقط يقدرون ويحترمون الإسلام كعقيدة بل إنهم دائما يرغبون في معرفة المزيد عن الإسلام والمسلمين.

وعلاوة على ما يتمتع به المسلمون الأميركيون في هذا المجتمع يجب ألا نصرف النظر عن حقيقة أخرى وهي أن الولايات تربطها علاقات وطيدة مع الأغلبية العظمى من الدول الإسلامية حول العالم، ومن ضمنها المملكة العربية السعودية والتي تعتبر مهد الإسلام وموطن الحرمين الشريفين.

وهنالك سؤال وجيه أطرحه دائما لكل من يؤمن بالنظرية التي تعتقد أن الولايات المتحدة تعادي الإسلام وهو: إذا كانت الولايات المتحدة بالفعل في حالة حرب مع المسلمين حول العالم فما هو تفسير الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة من أجل توفير الحماية لمسلمي كوسوفو والبوسنة والهرسك في وجه عدوان الصرب؟ ولماذا كانت الولايات المتحدة على رأس قائمة الدول التي سعت لضمان محاكمة مرتكبي جرائم الحرب بحق المسلمين خلال هاتين الحربين؟

وما هو السبب وراء ما قدمناه من معونات لإغاثة ضحايا الكوارث الطبيعية التي حدثت في دول ذات أغلبية سكانية من المسلمين مثل باكستان وضحايا الإعصار في بنغلاديش وإندونيسيا، بالإضافة إلى مساندة ضحايا الزلزال الذي ضرب إيران قبل بعضة أعوام بالرغم من أن علاقاتنا مع إيران بدت متوترة لسنوات طويلة؟

أوباما والمسلمون

"
مثله مثل أسلافه، عبر الرئيس أوباما عن مدى احترامه للإسلام كعقيدة وعن تقديره لما قدمه الأميركيون المسلمون للولايات المتحدة من إنجازات
"

ومن ناحيته، فقد أثبت الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تعزيز علاقات الولايات المتحدة مع المسلمين حول العالم هي من أهم أولوياته.

وقد شدد على هذه الحقيقة عندما منح قناة عربية إخبارية أول مقابلة إعلامية أجرتها هيئة إعلامية معه بعد توليه مهام منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية.

وقد أكد على تلك النقطة مجددا عندما ألقى كلمته التاريخية من القاهرة وكررها مرة أخرى عندما وجه رسالة خاصة للمسلمين في شتى أنحاء العالم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

ومثله مثل أسلافه، عبر الرئيس أوباما عن مدى احترامه للإسلام كعقيدة وعن تقديره لما قدمه الأميركيون المسلمون للولايات المتحدة من إنجازات عندما استضاف حفل إفطار في البيت الأبيض قبل أيام مضت.

المجتمع الأميركي أشبه بفسيفساء تمكنت من دمج العديد من الثقافات بما في ذلك الكثير من الأديان والأعراق والتي اجتمعت لخلق نسيج أميركي فريد من نوعه.

فالأميركيون لم ينسوا قط أن أولئك المهاجرين الذين أسسوا هذا الوطن جاؤوا إليه وهم يحملون مزيجا من الخلفيات الدينية والعرقيات المتعددة. وهذه الحقيقة ما زالت تعتبر إحدى أحجار زاوية الدولة الأميركية إلى يومنا هذا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.