نهاية حكم زرداري دعاية أم حقيقة؟

نهاية حكم زرداري دعاية أم حقيقة

خلافات داخلية
السخط الشعبي المتزايد
فأس القضاء على الرأس
الصور الممكنة للتغيير ودور أميركا

قد يكون الحديث عن سقوط حكومة زرداري سابقا لأوانه لكنه أصبح حديث الشارع. تتبارى الوسائل الإعلامية في تحديد الموعد ونوع التغيير وتؤكد أنه بات واضحا ووشيكا. في حين ينفي قادة الحزب الحاكم أن تكون حكومتهم في خطر، ويتكرر النفي بصورة تثير المزيد من الشكوك، خاصة أن قادة المعارضة يتفننون في التعبير عن اقتراب الموعد. فما حقيقة ذلك وما أسبابه؟

خلافات داخلية
يأتي على رأس ما يشير إلى احتمال السقوط، الأداء الحكومي السيئ بل الأسوأ في تاريخ حزب الشعب وفي تاريخ الحكومات الباكستانية. إذ ليس هناك مظهر أو جانب واحد من جوانب الحياة إلا ويؤكد على الفشل الذريع للحكومة وكأنها لا تجيد إلا إيجاد الأزمات المتتالية.

وأخطر الأمور التي تصعد من تكهنات سقوط حكم زرداري هو ما يظهر بين الحين والآخر من خلافات عميقة داخل صفوف الحكومة. لقد أصبحت هذه الخلافات واضحة للعيان ووصلت إلى أعلى هرم السلطة، أي إلى رئيس الدولة آصف علي زرداري ورئيس الحكومة يوسف رضا جيلاني. حيث أصبحت لكل منهما بطانته الخاصة به ويتنافس كثير من رموز "الفسطاطين" في التصريحات المتضاربة.

على سبيل المثال يصدر وزير الداخلية رحمن ملك، وهو من أقرب المقربين إلى الرئيس زرداري، تصريحات عن فرض عقوبات صارمة ضد من ينتقد الرئيس زرداري في رسائل نصية عبر الهواتف النقالة، فيخرج رئيس الوزراء بنفسه لينفي مثل هذا القرار. أغلق رئيس الوزراء بذلك باب النقاش حول العقوبات لكنه فتح باب النقاش على مصراعيه حول الخلاف بينه وبين رئيس الدولة.

كذلك كانت تصريحات وزير الماء والكهرباء راجه جاويد أشرف وهو بدوره من المقربين إلى الرئيس زرداري. الوزير صرح وكرر تصريحاته بأن أزمة الكهرباء وانقطاع التيار سوف تنتهى بنهاية ديسمبر/كانون الأول القادم، لكن رئيس الوزراء فند هذا التصريح قائلا: أنى لنا أن ندعي مثل هذه الادعاءات وهناك فارق كبير بين الإنتاج والاستهلاك؟

"
أصبحت الخلافات واضحة للعيان ووصلت إلى أعلى هرم السلطة بين رئيس الدولة زرداري ورئيس الحكومة جيلاني, وأصبحت لكل منهما بطانته الخاصة به، ويتنافس كثير من رموز "الفسطاطين" في التصريحات المتضاربة
"

قضية أخرى برزت في الإعلام هي أن الرئيس زرداري أراد بل أمر بتعيين بعض الشخصيات في مناصب مختلفة مثل رؤساء البعثات الدبلوماسية ورؤساء المؤسسات الوطنية الكبيرة، لكن رئاسة الوزراء حالت دون التنفيذ وعينت من كان يريدهم رئيس الوزراء.

في خضم هذه التصريحات والمعاكسات تتنافس الوسائل الإعلامية في نشر ومناقشة نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى تدني شعبية الرئيس زرداري إلى 28% وارتفاع شعبية رئيس الوزراء إلى 69%. طبعا هناك من ينفي مثل هذه النتائج وهذا البون الشاسع لكنه أيضا يعترف بتدني بل بانهيار شعبية زرداري.

من سوء حظ الرئيس زرداري أنه يحصد دائما معظم مساوئ السياسات الحكومية. أما إذا كان هناك شيء من الإيجابيات أو خيّل إلى الناس كذلك فيذهب إلى الآخرين. العملية العسكرية في وادي سوات مثلا، كانت كارثية بمعنى الكلمة. إذ شن الجيش الباكستاني حربا شعواء أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. فاضطر أكثر من 4.2 ملايين من سكان المنطقة إلى النزوح وتجرع حياة المخيمات المرة العصيبة وظلت باكستان كلها تشهد غليانا شعبيا أثناء العملية وبعدها.

استمرت هذه الحرب حوالي شهرين من الزمن وعندما وضعت أوزارها بصورة جزئية ومؤقتة، ادعت الحكومة أنها قصمت ظهر الإرهاب وأنقذت باكستان من خطر محدق، ولعبت الوسائل الإعلامية والحملات الحكومية المدفوعة الأجر دورها في إقناع الشعب بأن هذه الحرب ليست حرب أميركا بل هي مكسب للبلد وهزيمة للإرهاب. وقد أشارت الاستطلاعات إلى أن الآراء المؤيدة للحرب تصب في صالح المؤسسة العسكرية دون الحكومة السياسية، وأن الآراء المعارضة تنتقد حكومة زرداري دون المؤسسة العسكرية.

في هذه المرحلة السياسية العصيبة بدأت الأحزاب الصغيرة المتحالفة مع الحكومة مثل حركة "أم.كيو.أم" (MQM) الطائفية وجمعية علماء الإسلام (بزعامة الشيخ فضل الرحمن) تطلق تهديدات الانفصال عن منظومة التحالف إذا لم تستجب الحكومة لمطالبها. وعندما تَسأل عن المطالب تقول هذه الأحزاب كلاما عاما مائعا لا يمكن التقاط خيوطه. فالشيخ فضل الرحمن مثلا هدد وقال إنه سينهي تحالفه مع الحكومة في شهر سبتمبر/أيلول القادم إذا لم تتخذ خطوات جادة نحو أسلمة البلاد. ويفسر المحللون مثل هذه المطالب بأنها إما أن هناك مطالب ظاهرة وأخرى خفية أو أن الحلفاء يريدون أن يوجدوا لهم مخرجا من الحكومة الآيلة للسقوط.

السخط الشعبي المتزايد
أهم ما فجر موجة من السخط الشعبي العام في الأشهر الماضية وأدى إلى عديد من الاحتجاجات العنيفة كان قضية انقطاع التيار الكهربائي. فقد انقطع الكهرباء حوالي عشر ساعات في المدن وثماني عشرة ساعة في القرى والأرياف.

عاشت باكستان مثل عديد من دول المنطقة في تلك الفترة طقسا شديد الحرارة. بلغت درجة الحرارة في معظم أنحاء البلاد ما بين 40 و50 درجة مئوية، صاحبتها رطوبة شديدة كانت تحتم تشغيل المراوح على الأقل، ذلك أن المكيفات غالية السعر وفواتير الكهرباء مرتفعة. لكن انقطاع الكهرباء بحجة تخفيف الضغط حوّل الحياة إلى جحيم لا يطاق. وألقى هذا الانقطاع بظلاله الكئيبة على التجارة والصناعة، حيث اضطرت كثير من المصانع لأن تسرح عمالها لأن المصانع لا تشتغل، فيما افتقدت المحلات التجارية الزبائن في جو يصعب فيه حتى التنفس.

قبل أسابيع من الآن نفد صبر الجماهير وخرجت إلى الشوارع ملبية دعوة نقابات التجار المدعومة من أحزاب المعارضة، فكان الإضراب شاملا شارك فيه حتى سكان الأرياف، وتخللته مواجهات دامية بين المتظاهرين وقوى الأمن. وصفت هذه الأحداث بأنها رد فعل شعبي تلقائي وأنها قد تتكرر إذا لم تشهد قضية الكهرباء تطورا إيجابيا. وهنا كان تصريح وزير الكهرباء والماء آنف الذكر ونفي رئيس الوزراء له.

المشهد يعيد نفسه في موضوع الأسعار. الطبقات الشعبية الفقيرة والمتوسطة وحتى الميسورة منها وقعت في حيرة من أمرها. طبقة الموظفين تفشل في إبقاء ولو جزء يسير من رواتبها بعد منتصف الشهر، وطبقة التجار وأصحاب المصانع قد ذكرنا وضعها، وسوق العقارات والحصص يشهد كسادا حيّر أصحابها.

"
يتزايد الضغط الشعبي في المدن الباكستانية المختلفة بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة في درجة حرارة عالية, وارتفاع الأسعار وفرض مزيد من الضرائب على البضائع, وانتشار التفجيرات وزيادة جرائم القتل والنهب والسرقات
"

وما يزيد الطين بلة أن الحكومة تفرض على البضائع مزيدا من الضرائب حتى تدخلت المحكمة العليا وأمرت بإلغاء بعض الضرائب. وهنا تأتي التبعات السياسية الثقيلة لمثل هذه القرارات. فقد قررت الحكومة فرض ضريبة على المحروقات النفطية باسم ضريبة الكربون، فتدخلت المحكمة العليا وألغت الضريبة لأنها غير مبررة وتؤدي إلى ارتفاع جميع الأسعار. ومن غباء الحكومة أنها أعادت الضريبة باسم جديد وبقرار رئاسي مباشر. ولا شك أنه يعني توجيه اللوم والمسؤولية وسهام السخط الشعبي إلى شخص الرئيس زرداري دون غيره.

أما الوضع الأمني فحدث ولا حرج. لا أشير هنا إلى التفجيرات الدامية أو العمليات الانتحارية بل إلى جرائم القتل والنهب والسرقات. ففي مدينة كراتشي فقط سقط أكثر من مائتي قتيل في أقل من أسبوعين دون أن يعتقل قاتل واحد. كل ما قيل في هذا الصدد هو إنه قتْل منظم يستهدف الناشطين في أحزاب ومجموعات سياسية مختلفة.

كراتشي هي أكبر المدن الباكستانية، يطلق عليها "باكستان المصغرة" وتحتضن معظم ألوان الطيف الباكستاني. يتجاوز عدد سكانها 17 مليون نسمة، وهي الميناء الرئيسي للبلاد وعاصمة لولاية السند مسقط رأس زرداري وبوتو، يحكمها تحالف سياسي مكون من حزب الشعب وحركة "أم.كيو.أم" (MQM) الطائفية. رغم كل هذا كان معظم القتلى من حزب الشعب، وطبعا دون أن يتمكن الحزب من إيقاف عجلة القتل هذه أو حتى من إلقاء اللوم على شريكه السياسي الذي يشير إليه القاصي والداني بأن له اليد الطولى في كل ما يحدث في كراتشي.

في خضم عمليات القتل هذه يأتي قتل أحد الزعماء الدينيين وهو ما قد يضفي على الأوضاع الأمنية المنهارة صبغة المواجهات الطائفية بين الشيعة والسنة, فالشيخ علي شير حيدري المقتول كان أحد زعماء منظمة سباه صحابة (السنية)، التي واجهت أكثر من مرة منظمة جيش محمد (الشيعية) في التسعينيات.

فأس القضاء على الرأس
في هذه الأثناء اتخذت المحكمة العليا العديد من القرارات البعيدة التأثير منها ما يضيق الخناق على برويز مشرف ومنها ما يسل السيوف على أقطاب وأعيان الحكومة على رأسهم زرداري. في الأيام الأخيرة من حكم برويز مشرف كان الأخير قد وقع على اتفاقية مع بينظير بوتو سميت اتفاقية إعادة الوفاق الوطني.

وبموجب هذه الاتفاقية أسقطت جميع التهم والقضايا عن القادة السياسيين. وكانت بينظير وزوجها زرداري على رأس المستفيدين من الاتفاقية، فعلى إثرها استطاعت العودة إلى البلاد وخاضت العملية الانتخابية، وأصبح البلايين من الروبيات من الخزينة الوطنية والتي اتهمت هي وأمثالها باختلاسها حلالا سائغا لهم.

نظرت المحكمة إلى الطعون المقدمة بشأن الاتفاقية المشئومة ومنحتها صفة قرار حكومي صادر بتاريخ النطق بقرار المحكمة وعلى الحكومة أن تحصل على مصادقة البرلمان عليه. بذلك أصبحت الحكومة أمام خيارين أحلاهما مرّ، فهي إما أن تصادق على القرار المشبوه وبذلك تنال مزيدا من الانتقادات الشعبية وكذلك تواجه خطر الاستئناف في المحكمة التي قد تلغي القرار, أو أن تلتزم الصمت وتنتهي المدة اللازمة للمصادقة ومن ثم يعتبر القرار لاغيا ويصبح الرئيس زرداري وكثير من أعوانه مطلوبين في كبريات قضايا الفساد.

الصور الممكنة للتغيير ودور أميركا
مع ارتفاع وتيرة أصوات وتكهنات التغيير هذه يرتفع صوت النقاش حول كيفية وماهية التغيير. على رأس هذه الأصوات كانت ما تناولته الوسائل الإعلامية في الأيام الأخيرة معادلة "ناقص واحد"، أي أن الحكومة والبرلمانات تبقى كما هي باستثناء الشخص الواحد. والشخص الواحد هنا هو طبعا الرئيس زرداري. صدى معادلة "ناقص واحد" أصبح مدويا وعدد من الوزراء وأصدقاء الرئيس يرفضون المعادلة وينفون احتمال وقوعها.

الخيار الثاني أمام قوى التغيير هو الانقلاب العسكري المباشر لكن المؤسسة العسكرية غير مستعدة لأن تصبح عرضة للانتقادات الشعبية من جديد، رغم أنها غير مرتاحة بل مستاءة من الأداء الحكومي. من هنا يأتي الاحتمال الثالث وهو تكوين حكومة غير عسكرية ولكن بدعم عسكري مطلوب.

ومع ارتفاع وتيرة النقاش حول الصور الممكنة للتغيير أصبح النفي الحكومي غير كاف، لذلك قام المبعوث الخاص للرئيس الأميركي بزيارة مطولة لباكستان التقى خلالها مع جميع أركان الحكومة والجيش وكذلك مع معظم قادة الأحزاب السياسية، وأصدر أكثر من تصريح حول ضرورة إبقاء الحكومة المنتخبة وإكمال دورتها لمدة خمس سنوات.

"
يؤكد التاريخ الباكستاني أن السند الأميركي في أوقات الأزمات هو بمثابة بيت العنكبوت، يأسر الصيد موهما إياه بأنه يوفر له ستائر حريرية غير أنه لم يبق له من الوجود إلا الذكر
"

هذا التصريح الأميركي مهم وربما هو السند السياسي الوحيد الذي تعتمد عليه الحكومة في استعادة حلمها في الاستمرار في السلطة. لكن من سوء حظ الحكومة أن التصريحات الأميركية جاءت في وقت كان السخط الشعبي ضدها في أعلى درجاته. فالتصريحات كانت مصاحبة مع تقارير أكدت أن الإدارة الأميركية تبني في إسلام آباد أكبر سفارة لها بعد سفارتها في العراق.

وأن الحكومة الباكستانية منحت لها قطعة أرض مساحتها 18 فدانا، وأن منشآت السفارة تشمل مئات من المساكن لقوات المارينز، وأن 400 من الجنود يعتبرون ضمن أعضاء السفارة البالغ عددهم حوالي 1800 شخص.

كما تأتي مئات من العربات الأميركية العسكرية المدرعة داخل العاصمة "لحماية السفارة". هذا يعني إنشاء قاعدة عسكرية على بعد حوالي أربعين كيلومترا فقط من المفاعل النووي الباكستاني والاحتلال المباشر للعاصمة بعد شن الحرب على المناطق الحدودية. في مثل هذا الجو صدرت التصريحات الأميركية الداعمة لحكومة زرداري.

ويؤكد التاريخ الباكستاني أن السند الأميركي في مثل هذا الجو هو بمثابة بيت العنكبوت، يأسر الصيد موهما إياه بأنه يوفر له ستائر حريرية غير أنه لم يبق له من الوجود إلا الذكر. إننا أمام موعد حاسم لسلطة زرداري وعلى مسافة أشهر فقط وليس سنوات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.