رام الله.. بين اغتيال عرفات وانتقال الرئاسة المصرية

بين اغتيال عرفات وانتقال الرئاسة المصرية



– قواعد تشكيل طرفي الحوار
– رام الله وعرقلة حوار مصر
– في مواجهة القاهرة

هل كان تعليق نشاط مكتب قناة الجزيرة المفاجئ مؤشرًا إلى حجم الاضطراب الكبير الذي تعيشه سلطة رام الله رغم أن الحدث أعلن في مؤتمر صحفي وغطّت القناة كلا الموقفين بمساحة أكبر لخصوم القدومي؟

"
إعلان القدومي استند إلى وثيقة وإلى اتصال بين القدومي وبين عرفات أعطى دلالة مهمة تؤكد المؤكد بأن حركة سيطرة الجهاز الأمني والسياسي الإسرائيلي على هذا القطاع والفريق كانت مبكرة وتمت تهيئتها منذ زمن
"

الجواب هو نعم بكل تأكيد فإعادة كشف الحساب داخليا في حركة فتح في هذا التوقيت الذي تستعد فيه رام الله لإسباغ السيطرة الكاملة على مقدرات الحركة وتاريخها ونسيجها الاجتماعي بدعم مباشر من تل أبيب وواشنطن يُنتظر أن يُعلن في المؤتمر السادس لحركة فتح المُعد توجهه سلفًا لمصلحة من وردت أسماؤهم في المحضر السري.

وهذا ما يبرر الصاعقة التي أحدثها كشف أبي اللطف فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية عن تلقيه نسخة بعث بها الرئيس الراحل ياسر عرفات إليه تتضمن محضرا سريا لاجتماع عقد بين رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق الفاقد للوعي في أحد مشافي تل أبيب وقيادات رئيسية في حركة فتح وبالذات محمود عباس ومحمد دحلان، تضمن تخطيطا مسبقا للقضاء على عرفات والولوج إلى برنامج حرب تصفية لقيادات ومشروع المقاومة بزخمٍ أكبر وهو المهم.

هذه الصاعقة شكَّلت منعطفا إضافيا مهمًّا في فهم مهمة فريق أوسلو في فتح وإعادة تأكيد قضايا عديدة شهدتها الساحة الفلسطينية من صناعة جديدة كلية لحركة فتح بحسب الرؤية الإسرائيلية المباشرة وصولاً إلى أبرز هذه المحطات, وهي الخطة الأمنية التي سبقت الحركة التصحيحية في غزة حين بدأت هذه القوى برنامجًا تنفيذيًّا على الأرض حمل توجهًا واضحًا لإحلال خطة دايتون الأمنية وتنفيذ الفصل الأمني عبرها على غزة وهو ما أوقفته حركة يونيو/حزيران 2007 التي نفذتها كتائب القسام بعد أن تدهورت الأوضاع الأمنية عن طريق فريق دحلان وشركائه.

ومهما بدت بعض المعلومات مكررة من حيث العلاقة الإستراتيجية المباشرة بين سلطة رام الله وأجهزتها الأمنية والبرنامج الإسرائيلي الأمني الذي تعتمده كل تيارات اليمين واليسار الإسرائيلية, باعتبار أن هذا الفريق أصبح في دائرة استعداد دائمة قائمة على الاختراق الشخصي وتسخير المصالح المادية له، وتوظيف مهمته ومستقبله السياسي في إطار هذا الملف الأمني وحسب, فإن الإعلان هذه المرة في شكله ومضمونه أكد هذه الأبعاد بصورة قطعية من داخل البيت الفتحاوي ومن تطابق هذه الوثيقة مع البرنامج الجاري التعامل معه بالفعل على الأرض منذ زمن بعيد، سبق الانتخابات التي جرت في الضفة وغزة وانتصرت فيها حماس واستمرت الخطة بعدها في تفعيل هذا التضامن الأمني التنفيذي بين تل أبيب وسلطة رام الله.

فكون المُعلِن شخصية فتحاوية كبيرة قضية مهمة لها رمزية خاصة وإن نجح فريق رام الله في تدجين معظم قطاعات الحركة أو تهجيرها من الواجهة والعمل السياسي, فرمزية أبي اللطف معروفة والتزامه بالولاء لحركة فتح يتجاوز بمراحل التزام الآخرين إضافة إلى كونه حافظ على استقلاله عن عملية أوسلو مع مركزه التاريخي في المنظمة وحركة فتح وهي انتماءات رئيسية تعطي الإعلان عن هذه الوثيقة والمعلومات المصاحبة من الرئيس عرفات دلالة قوية في هذا الاتجاه التقييمي.

الجانب المهم أن الإعلان استند إلى وثيقة وإلى اتصال بين القدومي وبين عرفات أعطى دلالة مهمة تؤكد المؤكد بأن حركة سيطرة الجهاز الأمني والسياسي الإسرائيلي على هذا القطاع والفريق كانت مبكرة وتمت تهيئتها منذ زمن, وهو يُعيد طرح التصريحات التي انطلقت من بعض هذه القيادات عند أول ضربات تل أبيب في محرقة غزة وما حملته من تقديم غطاء فلسطيني للحرب والحصار وما أعقب العدوان.


"
دفع رام الله باتجاه عدم إنجاز صفقة شاليط يأتي في سياق موقفها الأمني المرتبط بحركة التضييق والحصار على غزة
"

قواعد تشكيل طرفي الحوار
من هنا بات مفهوما أكثر لماذا استمرت سلطة أوسلو في عرقلة حكومة الوحدة والاتفاقات العديدة ولماذا حرضت الجانب العربي والأميركي وتضامنت مع الحملة العسكرية لمحرقة غزة في مسارات متعددة كان الخيار الوحيد الذي تلتزمه رام الله فيها هو البرنامج الأمني الإسرائيلي ورفض أي صيغ للوحدة والمشاركة مع حركة حماس ذات الغالبية الكبرى في الشارع الفلسطيني وفي الوطن العربي.

وعليه فإن هذا البعد الأمني الذي يبرز مجددا يُفسِّر من جديد تنصل هذا الفريق من أي توافق وطني لا يضمن لهم التصفية الكاملة لمشروع المقاومة أو وضعها تحت التصرف الأميركي الإسرائيلي حتى لو كان من ضمن هذا الاتفاق هدنة ترتب فيها أوضاع الوطن داخليا وتبنى علاقة المنظمة وهيكلها من خلال رؤية وطنية إستراتيجية للمشروع الوطني الفلسطيني.

إنما العكس كان هو الهدف الدائم بمعنى تسخير قوة الهيمنة على الشارع الفتحاوي وبعض التوجهات من الرأي العام وإغراقهم بالمشاريع وبالمال السياسي حتى تستمر هذه الهيمنة لخطة تل أبيب دايتون, وتخلق كرديف لها مؤسسات تنظيمية للحركة وللمنظمة ولأجهزة رام الله من خلال هذه البعد الأمني المركزي.

وبرغم أن الطرف الآخر صاحب التوجيه -وهو حكومة تل أبيب- لم يساعد هذا الفريق ببعض القرارات التنفيذية كوقف التهويد أو تحجيم الاستيطان أو التخفيف عن تنقلات أبناء الشعب داخل المنظمة فضلاً عن الأسرى، فإن هذا الفريق استمر في أداء مهمته بكل حماسة لتعزيز سلطة تل أبيب الأمنية والعمل الجاد على تصفية المقاومة كمشروع وثقافة وحراك وهو السمة الأبرز للبرنامج الذي نفذ على الأرض في الضفة مترادفا مع التضييق على عرب الخط الأخضر وتكريس مشروع التصفية ميدانا وسياسة.


رام الله وعرقلة حوار مصر
من هنا بدأت تبرز إشكاليات رئيسية في جولات الحوار في القاهرة وتتجدد بصورة دائمة رغم أن حجم التنازلات التي قدمتها حماس باعترافات ضمنية من القاهرة كان كبيرا لأجل العمل على إيجاد مخرج حقيقي من الوضع القائم، وتسهيل رفع الحصار عن غزة، بما في ذلك تشكيل هيئة أمنية جماعية لإدارة معبر رفح وإدارة الأجهزة الأمنية في غزة علمًا بأن التمثيل الديمقراطي لا يزال يعطي حركة حماس الحق الطبيعي في تشكيل الحكومة.

ولكن هذا الأمر لم يكن مقصودا لديها بقدر ما كانت حماية البرنامج الوطني الفلسطيني ببعده العربي الإسلامي هي المقصودة, وبرزت في هذا السياق إشارة الرئيس مبارك إلى قرب إطلاق الجندي الصهيوني مقابل إطلاق المئات من الأسرى الفلسطينيين وهو ما عرقل بعد أن تنصلت تل أبيب من الصفقة.

وقد أشار الرئيس مبارك إلى ذلك إضافة إلى حجم الموقف المحتقن سياسيا من معسكر رام الله ورفضه لأي نجاح تحرزه حماس ولو من خلال إطلاق قدماء الأسرى ورفع معاناتهم ولذا فإن دفع رام الله باتجاه عدم إنجاز الصفقة يأتي في سياق موقفها الأمني المرتبط بحركة التضييق والحصار على غزة.


في مواجهة القاهرة
ومن خلال متابعة جولات الحوار برز عمليًّا اقتناع القاهرة بضرورة إنجاز المصالحة الوطنية وفقا للتوافقات التي أجريت في القاهرة, وتغير موقف القاهرة نسبيا بدعم التوصل لهذا الاتفاق لأسباب داخلية بعد أن نزعت حماس كل المبررات المنحازة أصلا ضدها وأعطت حجما كبيرا من التجاوب.

وقد شعرت القاهرة بالضجر من استمرار مشاركتها في تنفيذ برنامج حصار غزة، ومن حجم ما تستنزفه إعلاميا وسياسيًّا أمام الرأي العام الغربي، من حيث لا تبدي اهتمامًا بالرأي العام العربي، وخاصة فرق الإغاثة الإنسانية المتواصلة من أوروبا التي تشكل ضغطًا مزعجا على القاهرة تسعى للخلاص منه.

"
القاهرة أصبحت تضيق من إفشال رام الله المتكرر للمحادثات، وإدامة الأزمة التي تؤثر عليها داخليا، وخاصة في ملف المستقبل السياسي لأسرة الرئيس والحزب الحاكم
"

أمام هذه العراقيل التي دأبت رام الله على وضعها في وجه القاهرة وإعاقة إنجاز المصالحة، شعرت الرئاسة والحزب الوطني الحاكم في مصر بحاجة داخلية ملحة للتغيير، مع أنباء عن حل مجلس الشعب المصري، بسبب قرار الرئيس مبارك بالتأسيس لنقل الرئاسة المصرية إلى خلفه في حياته، مع تزايد بل وتعاضد المؤشرات على تسمية جمال مبارك أمين السياسات في الحزب الوطني والنجل الأكبر للرئيس لشغل هذا المنصب.

وعليه فان استمرار تعثّر حوار القاهرة أصبح يخلق عنصر حصار وتضييق على مؤسسات الحكم وبرنامجها الداخلي, وبرز اصطدام هذا التوجه مع لجوء محمود عباس مؤخرًا إلى أن يطلب من القاهرة تأجيل جولة الحوار القادم في الرابع والعشرين من يوليو/تموز الجاري التي كانت القاهرة تعد لها لإعلان الاتفاق على المصالحة الوطنية.

إن حديث رام الله وتل أبيب المستمر عن رفض أي اتفاق لا يشمل تسليم حماس الكامل أمنيًّاً بخطة دايتون بما فيها قطاع غزة تعويضًا عن ما فشلت فيه أطراف المحور في عدوان يناير/كانون الثاني 2009، كان السبب المباشر لعرقلة هذا الاتفاق.

وهذا ما بدا أنه يحاصر المُحاصِرين أنفسهم بعد أن فشلت كل الجهود في إثارة الشعب على قيادته في غزة ورغم أن الحصار قد سجّل أرقامًا تاريخية لم تُعهد في سجل الحروب وإرهاب الإنسان.

ومع المعرفة والتسليم بحجم الغبن والضيق الذي عايشه أبناء الشعب في غزة فإن حجم الصمود الأسطوري وتفهم ما بذلته حماس من تنازلات مستمرة لأجل رفع الحصار لا يضاهيه إلا ممانعتها الحاسمة في رفض التخلي عن مبدأ مشروع المقاومة وإخضاع غزة لنقاط تفتيش دايتون تل أبيب، وهو ما فشلت فيه كل الأطراف في إخضاع حماس وشعب غزة.

وبناء على هذه التطورات فإن القاهرة أصبحت تضيق بإفشال رام الله المتكرر للمحادثات، وإدامة الأزمة التي تؤثر عليها داخليا، وخاصة في ملف المستقبل السياسي لأسرة الرئيس والحزب الحاكم.

وهذه الانعكاسات الخطيرة ستؤثر على المشهد وتداعياته راجين أن يكون النصر السياسي الثاني برفع الحصار هو عنوان الفجر والمرحلة القادمة لينتصر الشعب العظيم في تضحياته دون أن تُسقط من يد أطفاله راياته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.