الانتخابات الإسرائيلية وتحولات الخريطة الحزبية

تصميم/ الانتخابات الإسرائيلية واحتمالات التحول في الخريطة الحزبية


-انتخابات الكنيست الحالية سماتها وتوازناتها
-الانتخابات القادمة.. التحديات والاحتمالات
-ماذا عن المستقبل؟

تستعد إسرائيل في هذه المرحلة لانتخابات الكنيست الإسرائيلي، التي ستجرى في الأسبوع الثاني من شهر فبراير/شباط القادم، بعد أن أخفقت تسيبي ليفني الزعيمة الجديدة لحزب كاديما (بعد أرييل شارون وإيهود أولمرت) بمساعيها المتعلقة بتشكيل حكومة إسرائيلية، خلفا لحكومة أولمرت.

وتعتبر هذه الانتخابات التي تجرى بشكل مبكّر، أي قبل اختتام الكنيست لولايته الدستورية (أربعة أعوام)، الخامسة من نوعها منذ 12 عاما (من عام 1996) وهي الانتخابات الـ18 في تاريخ انتخابات الكنيست.

معلوم أن ليفني أخفقت بإعادة الحياة للائتلاف الحكومي الحالي (كاديما-العمل-شاس-المتقاعدون) بسبب عدم انصياعها لابتزازات حزب شاس، وهو حزب ديني-اجتماعي لطائفة اليهود الشرقيين، ويتزعمه الحاخام عوفاديا يوسف (83 عاما) بعد أن رفضت مطالبه المتعلقة بزيادة الاعتمادات المالية التي تذهب إلى جمهوره (مخصّصات العائلات كثيرة الأطفال)، وإلى مؤسساته الدينية-التعليمية، وأيضا المتعلقة بعدم التفاوض على القدس مع الفلسطينيين.

"
ضعف الاستقرار الحكومي واضطراب السياسة الإسرائيلية وتنامي الخلافات بين أقطابها، يعني أن إسرائيل باتت تعيش نوعا من الأزمة السياسية المستمرة، التي تجعلها تلجأ مرارا إلى تقريب موعد الانتخابات
"

وجرى حل الكنيست قبل الأخير (أواخر عام 2005)، بعد أن صعب على أرييل شارون -رئيس الحكومة وزعيم الليكود سابقا- إدارة الحكومة في ظل الخلافات والتنافسات التي دبّت في حزبه الليكود كما في الكنيست، حينها، بسبب الخلافات والتداعيات الناجمة عن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.

وقبلها تم حل الكنيست والتوجه لانتخابات مبكرة عام 2001 على خلفية إخفاق إيهود باراك -زعيم حزب العمل- في مفاوضاته مع الفلسطينيين في كامب ديفيد2، واندلاع الانتفاضة عام2000. وقبل ذلك تم التوجه لانتخابات مبكرة بسبب عدم تمكن بنيامين نتنياهو زعيم الليكود حينها بالاستمرار في الحكم، بعد مفاوضات واي ريفر 1998.

ومن متابعة السياسة الإسرائيلية منذ بداية عملية التسوية في مطلع التسعينيات -رغم الإجحافات المتضمنة فيها بالنسبة للفلسطينيين- يمكن ملاحظة ضعف الاستقرار الحكومي، واضطراب السياسة الإسرائيلية وتنامي الخلافات بين أقطابها، ما يعني أن إسرائيل باتت تعيش نوعاً من الأزمة السياسية المستمرة، التي تجعلها تلجأ مراراً إلى تقريب موعد الانتخابات، بسبب ضعف الإجماع على هذه العملية.

ويحاول المحلل الإسرائيلي آري شبيط تلخيص هذا الوضع بقوله: "وعود السلام الفارغة شوشت الحملات الانتخابية في العقدين الأخيرين.. العملية الديمقراطية حسمت لأن مرشحاً واحدا حسب على السلام بينما اعتبر منافسه عائقاً أمام السلام. الاعتقاد بضرورة السلام تسبب في عدم طرح أسئلة صعبة على مرشح–السلام… غابت البرامج واختفت التحقيقات وحتى المناظرات التلفزيونية. سياسة الانتخابات أصبحت سياسة تجريدية تقوم على من لنا ومن علينا. من هو المدافع عن السلام الذي ينتمي لجماعتنا". (هآرتس 30/10/2008).

انتخابات الكنيست الحالية سماتها وتوازناتها
هكذا ومنذ انتخابات الكنيست عام 2006، بدا واضحا أن الانتخابات الإسرائيلية باتت تتميز عن سابقاتها بعدة مميزات:

أولاً: غياب زعامات سياسية تاريخية كبيرة أو "كاريزمية". ذلك أن نجوم السياسة الإسرائيلية باتوا من الصف الثاني أو الثالث، بعد أن انتهت الزعامات المؤسّسة القديمة.

"
منذ انتخابات الكنيست عام 2006 بدا واضحا أن الانتخابات الإسرائيلية باتت تتميز بغياب زعامات سياسية تاريخية كبيرة أو "كاريزمية" بعد أن انتهت الزعامات المؤسِّسة القديمة
"

ثانيا: لم يعد ثمة شعارات أو موضوعات كبيرة وجامعة، وقد انعكس هذا الأمر بواقع وجود ثلاثين قائمة، في انتخابات عام 2006 (فاز منها 12 قائمة) كما تجلّى ذلك بتدنّي نسبة التصويت في هذه الانتخابات (64 %) أكثر بكثير من أي مرّة سابقة.

ثالثا: عدم تمكّن أي من الحزبين التقليديين الكبيرين (العمل والليكود) من تشكيل حكومة إسرائيلية، بسبب صعود حزب كاديما.

رابعا: باتت الانتخابات بمثابة نوع من الاستفتاء على التوجهات الإسرائيلية في الموضوعات الخارجية، على حساب الموضوعات الداخلة.

وكانت انتخابات الكنيست الـ17 عام 2006 تمخّضت عن توازنات جديدة، وفق النتائج التالية: كاديما 29 مقعدا، العمل 19 مقعدا، الليكود 12 مقعدا، شاس 12 مقعدا، إسرائيل بيتنا 11 مقعدا، الاتحاد الوطني تسعة مقاعد، المتقاعدون سبعة مقاعد، يهوديت هاتوراه ستة مقاعد، ميريتس خمسة مقاعد، الأحزاب العربية الثلاثة عشرة مقاعد.

ومن هذه النتائج، يمكن القول بأن هذه الانتخابات أفضت إلى توازنات سياسية جديدة في السياسة الإسرائيلية من نواح عدة، أهمها:

1- حصول انقلاب سياسي جديد في إسرائيل، أسوة بالانقلاب الذي حصل في انتخابات 1977، الذي أطاح بقيادة حزب العمل وجاء بالليكود إلى رئاسة الحكومة، والانقلاب الذي حصل عام 1992، الذي أعاد حزب العمل إلى مركز السياسة الإسرائيلية.

وقد تمثل الانقلاب الجديد بتحوّل ثقل السياسة الإسرائيلية من اليمين نحو الوسط، بوجود حزبي كاديما والعمل (مع 49 مقعدا) في القضايا السياسية المتعلقة بالصراع العربي-الإسرائيلي. وفي حينه بدت هذه التحولات انعكاسا لانزياح المجتمع الإسرائيلي باتجاه الوسط، ونحو تأييد الانفصال عن الفلسطينيين وعقد تسوية معهم، وإنهاء المشروع الاستيطاني التوسعي، بعد أن باتت كلفته المعنوية والبشرية والمادية باهظة وفقا للمعايير الإسرائيلية بالطبع.

2- باتت الأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للتسوية (الليكود-الاتحاد الوطني-إسرائيل بيتنا) أكثر ضعفا، بعد أن تراجعت قوتها في الكنيست من 53 مقعدا في دورته السابقة إلى 32 مقعدا فقط.

وإذا جمعنا هذه الأحزاب مع الأحزاب الدينية (شاس-يهوديت هاتوراه، مع 18 مقعدا في الكنيست) فإنها جميعا تستحوذ على خمسين مقعدا في الكنيست. وثمة ملاحظة استدراكية هنا مفادها أن الأحزاب اليهودية الدينية تميل للتحالف مع القوى الموجودة في الحكم، والتي تقدم لها أفضل عطاءات، وأن هذه الأحزاب ليست متشددة إزاء معارضتها لعملية التسوية.

"
فكرة "إسرائيل الكبرى" باتت من الماضي  بحكم صمود الشعب الفلسطيني وبسبب مخاوف إسرائيل مما يسمى "الخطر الديمغرافي" ومحاولة إسرائيل تحسين صورتها الخارجية، وأخيرا التجاوب مع الإستراتيجية الأميركية في المنطقة
"

يذكر أن أحزاب اليمين واليمين المتطرف والأحزاب الدينية (الليكود، الاتحاد الوطني، إسرائيل بيتنا، شاس، يهوديت هاتوراه) حازت مجتمعة في الانتخابات السابقة عام 2003 على 69 مقعدا من مجموع 120، لكنها في انتخابات عام 2006هبطت إلى خمسين مقعدا، كما قدمنا.

3- من جهة أخرى فإن الأحزاب المؤيدة للتسوية، وفقا لمنظور كل منها (العمل-المتقاعدون-ميريتس-الأحزاب العربية) بات لديها مجتمعة 41 مقعدا في الكنيست (32 من دون الأحزاب العربية). وهذه بدورها لا تستطيع توجيه دفة السياسة وحدها، حتى لو حسمت أمرها وهذا ما بينته التجربة.

4- أدت التوازنات الناجمة عن توزع مقاعد الكنيست إلى تحكّم حزب كاديما بقواعد اللعبة السياسية في إسرائيل، وقد سهل عليه ذلك بسبب التحالف مع حزب العمل، حيث أصبح لديهما 48 مقعدا، إضافة إلى أن هذا التحالف حظي على تغطية أيضا من المتقاعدين وميريتس، ما دفع حزب شاس للانخراط في الائتلاف الحكومي القائم، وهذا ما يفسر الشلل السياسي في عمل هذه الحكومة.

5- بيّنت مؤشّرات التصويت في انتخابات الكنيست السابقة أن المجتمع الإسرائيلي منقسم على ذاته في عدد من الأمور، ليس إلى اتجاهين اثنين فحسب، وإنما إلى اتجاهات عدّة، وهذا ما برز واضحا بتراجع استقطاب الحزبين الرئيسيين (العمل والليكود) لصالح اتجاهات وأحزاب أخرى مثل كاديما، وإسرائيل بيتنا، وشاس، والاتحاد الوطني، والمتقاعدون.

6- على الصعيد السياسي يمكن الاستنتاج بأن إسرائيل انتهت تماماً من سياستها التوسّعية، وأن فكرة "إسرائيل الكبرى" باتت من الماضي، أولاً بحكم صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته ومقاومته للاحتلال، وثانيا بسبب مخاوف إسرائيل من ما يسمى "الخطر الديمغرافي" وحرصها على الحفاظ على طابعها دولة يهودية، درءاً لمخاطر قيام دولة "ثنائية القومية" وثالثاً في محاولة من إسرائيل لتحسين صورتها الخارجية، بعد أن باتت تظهر على شكل دولة عنصرية استعمارية تسيطر على شعب آخر بوسائل القوة، ورابعاً في محاولة من إسرائيل للتجاوب مع الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، خصوصاً بعد أن بات الوضع في العراق يثقل على الولايات المتحدة.

الانتخابات القادمة.. التحديات والاحتمالات
في هذه المرة أيضا، تستعد الأحزاب الإسرائيلية لخوض المعركة الانتخابية بدون قيادات كاريزمية. لذلك فإن هذه الانتخابات ستكون على غاية الأهمية بشأن تحديد الخريطة السياسية، والتوازنات الحزبية الجديدة في إسرائيل، لا سيما بالنسبة لمصير ثلاث قوى أساسية، هي كاديما والعمل والليكود.

بالنسبة لكاديما فإن فهذه الانتخابات ستحدد ليس فقط مصير زعامة تسيبي ليفني، وإنما ستحدد مصير حزبها كاديما، وما إذا كان هذا الحزب يستحق الحياة والاستمرار كحزب وسط في السياسة الإسرائيلية بعد انبثاقه أساسا من رحم حزب الليكود، وانضمام عدد من قادة حزب العمل إليه.

"
الانتخابات القادمة ستكون في غاية الأهمية بشأن تحديد الخريطة السياسية والتوازنات الحزبية الجديدة في إسرائيل، لا سيما بالنسبة لمصير ثلاث قوى أساسية هي كاديما والعمل والليكود
"

أيضا فإن هذه الانتخابات ستقرر مصير حزب العمل، الذي تحكم طويلا بالسياسة الإسرائيلية. وتقدر استطلاعات الرأي أن هذا الحزب سيتراجع كثيرا أمام حزبي كاديما والليكود، خاصة أنه بات يفتقد لهويته الأيديولوجية والاجتماعية، وباتت مكانته تتآكل في المجتمع الإسرائيلي.

ومعلوم أن هذا الحزب كان يستند إلى قاعدة اجتماعية-اقتصادية ناشئة عن القطاع العام، حيث كان يسيطر على مؤسسات مثل الهستدروت والكيبوتزات. ولكن التحولات الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل قلصت من قاعدة هذا الحزب، وأدت تحولات الخصخصة ومسارات العولمة إلى ضمور مؤسساته.

من ناحية أخرى فإن الانتخابات القادمة ستحدد مصير بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود، وستقرر ما إذا كان هذا الحزب سيتمكن من استعادة مكانته كحزب أول أو ثان في السياسة الإسرائيلية، خصوصا أن هذا الحزب خسر كثيرا في الانتخابات السابقة بعد أن قام شارون، مع عدد من قادة الحزب بالانشقاق عنه وتشكيل حزب جديد هو كاديما.

طبعا ثمة أحزاب أخرى مثل شاس للمتدينين الشرقيين، وإسرائيل بيتنا لليهود الروس، والأحزاب العربية، لكن هذه القوى لا تواجه تحديا جديا لاستناد كل منها لطائفة أو لجماعة معينة.

أما على الصعيد السياسي فمن المعلوم أن إسرائيل تواجه في هذه المرحلة مشكلات أمنية وسياسية كبيرة على خلفية إخفاق حربها ضد لبنان في يوليو/تموز 2006، وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وتعثر الترتيبات الأميركية في العراق، والخطر الذي باتت تمثله إيران بالنسبة لها، هذا إضافة إلى مشكلات ومتطلبات التسوية مع الفلسطينيين والسوريين.

كما أن إسرائيل تواجه على الصعيد الداخلي مخاطر ما تسميه القنبلة الديمغرافية، ومشكلات الهوية، والتحول إلى دولة ثنائية القومية، هذا فضلا عن المشكلات الاقتصادية التي باتت تضرب العالم.

"
إذا استمرت المعطيات الدولية والإقليمية على حالها فسوف تتسم المرحلة القادمة من السياسة الإسرائيلية بالجمود، أي أنها لن تشهد جديدا أو تقدما جديا في عملية التسوية، حتى لو عاد تحالف كاديما والعمل لقيادة إسرائيل
"

ماذا عن المستقبل؟
على الأرجح فإن الانتخابات الإسرائيلية القادمة لن تتيح لأي اتجاه أن يتحكم بدفة السياسة الإسرائيلية في جميع المواضيع السياسية والاجتماعية.

فإذا كان عهد سيطرة أحد الأحزاب على السياسة في إسرائيل انتهى تماما، فإن الأمر لم يعد يقتصر على ذلك، إذ إن الأمر بات يشمل عدم تمكن اتجاه معين ولو كان يتألف من حزبين، من السيطرة على السياسة الإسرائيلية.

هكذا فإن اتجاه الوسط الذي بات يمثل حزبا كاديما والعمل لن يستطيع الحكم بدون الليكود أو شاس، وكذا الأمر بالنسبة لليكود فهو لن يستطيع الحكم حتى لو تحالف معه شاس، بدون التحالف مع كاديما والعمل.

معنى ذلك أن السياسة الإسرائيلية -إذا ظلت تعمل بالطريقة الحالية، وهي طريقة الانتخابات النسبية، التي تتيح لعدد كبير من الأحزاب التمثل في الكنيست- ستبقى محكومة بعدم الحسم في المواضيع الرئيسية، لا سيما بالنسبة لموضوعين على غاية في الأهمية، مسألة علاقة الدين بالدولة، وهذا موضوع داخلي، ومسألة التسوية، وهذا موضوع خارجي-داخلي في آن واحد، خصوصا ما يتعلق بالتسوية مع الفلسطينيين.

على ذلك، وهذا ما يهمنا هنا، فإن المرحلة القادمة من السياسة الإسرائيلية -إذا استمرت المعطيات الدولية والإقليمية على حالها- ستبقى مرحلة تتسم بالجمود، بمعنى أنها لن تشهد جديدا، أو تقدما جديا في عملية التسوية حتى لو عاد تحالف كاديما والعمل لقيادة إسرائيل.

لذا فإن الانشغال بأوضاعنا أجدى بكثير من انتظار الذي يأتي أو لا يأتي من الانتخابات الإسرائيلية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.