إسرائيل بعد 59 عاما

إسرائيل بعد 59 عاما



موقع إسرائيل في إطار العلاقات الدولية
إسرائيل والتنمية البشرية
كيف تبني إسرائيل علاقاتها مع الدول النامية؟
أهمية البحث العلمي والقوة العسكرية

تؤكد وزارة الخارجية الإسرائيلية من خلال موقعها على شبكة الإنترنت أن إسرائيل التي أصبحت عضوا في الأمم المتحدة عام 1949 باتت تقيم علاقات مع معظم دول العالم, كما حرصت منذ تأسيسها على إشراك المجتمع الدولي في تجربتها في مجال التطوير.

وبناءً على ذلك تم في عام 1958م تأسيس مركز للتعاون الدولي وهو قسم يعمل داخل وزارة الخارجية ويكلف بتخطيط مشروع التعاون الدولي الإسرائيلي وتنفيذه.

وتبعاً لذلك فإنه بعد تسعة وخمسين عاما من إنشائها بات من شبه المؤكد أن إسرائيل تبني علاقات وثيقة مع غالبية دول العالم في الميادين العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

موقع إسرائيل في إطار العلاقات الدولية

"
بالرغم من ضيق المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل وشح الموارد الاقتصادية، فإن الموقع الجغرافي والإطلالة على البحر المتوسط, والعامل السكاني والموارد الاقتصادية وعوامل أخرى ساعدت في التعويض عن ضيق المساحة
"

وللإجابة عن موقع الدولة الإسرائيلية في إطار العلاقات الدولية الراهنة, لابد من الإشارة إلى علم العلاقات الدولية الذي يتناول العلاقات بين الدول والمجتمعات، في حين يهتم علم السياسة بالمجتمع السياسي في ذاته، المعبر عنه بالجماعة البشرية التي تحقق وحدتها بظاهرة السلطة السياسية، التي تحدد خطوات الدبلوماسية والإستراتيجية للدولة كوجهين لفن واحد هو فن السياسة الخارجية، باعتباره فن إدارة التعامل مع الدول الأخرى.

ولتحديد موقع هذه الدولة أو تلك في إطار العلاقات الدولية يجمع علماء وخبراء العلاقات الدولية على عوامل تحدد ذلك أهمها:
أولاً: العامل الجغرافي، ويتحدد بمساحة الدولة وموقعها الجغرافي.

ثانياً: العامل السكاني بحيث تلعب التركيبة السكانية، حسب الفئات العمرية والجنس دوراً في إطار العلاقات الدولية.

ثالثاً: الموارد والأداء الاقتصادي، ومؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية.

وثمة عوامل أخرى تؤثر على موقع أية دولة في إطار العلاقات الدولية، منها القيادة السياسية، والنظام السياسي السائد، والوحدة الوطنية.

وبالنسبة لدولة إسرائيل التي أنشئت في مايو/أيار 1948 في ظروف دولية وإقليمية استثنائية، فإنها بعد تسعة وخمسين عاماً من إنشائها وبروز المؤسسات والهيئات المختلفة فيها، باتت تتبوأ مرتبة متقدمة في إطار العلاقات الدولية الراهنة.

فبالرغم من ضيق المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل (21 ألف كيلومتراً مربعاً) و شح الموارد الاقتصادية، فإن الموقع الجغرافي والإطلالة على البحر المتوسط عبر ساحل يمتد لنحو (224 كلم) من الشمال إلى الجنوب، ساعدا في التعويض عن ضيق المساحة.

وكان للتركيب السكاني (أكثر من 60% من التجمع اليهودي في إسرائيل هم في إطار قوة العمل)، بالغ الأثر في النشاط الاقتصادي العام, خاصة أن من بين المهاجرين اليهود خبرات عملية وأكاديمية عالية، أدت إلى تحسين مستوى الأداء في كافة مراحل تطور الاقتصاد الإسرائيلي منذ عام 1948.

كما ساعدت رؤوس الأموال التي انهالت على إسرائيل كتبرعات ومساعدات من الجاليات اليهودية والولايات المتحدة وغيرها من دول العالم، ساعدت في حشد طاقات جديدة في الاقتصاد الإسرائيلي مما أدى إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي لتتعدى معدلات النمو السكاني على الرغم من كثافة الهجرة اليهودية في السنوات الأولى من إنشاء دولة إسرائيل (1948–1960) وكذلك (1991-2006).

وقد حقق الاقتصاد الإسرائيلي ناتجاً تعدى 110 مليارات دولار في العام الواحد خلال الفترة المذكورة، وبذلك أصبح دخل الفرد في إسرائيل أكثر من 18 ألف دولار سنوياً، وهو من أعلى الدخول في العالم بعد الولايات المتحدة وكندا والسويد واليابان وغيرها من الدول المتطورة التي تبوأت مراتب متقدمة في تقارير التنمية البشرية الصادرة خلال الفترة الممتدة من عام 1990 حتى عام 2006.

إسرائيل والتنمية البشرية

"
عزز التطور في أداء الاقتصاد الإسرائيلي من فرص الحكومات المتعاقبة في تخصيص المزيد من الموازنات للإنفاق على الصحة والتعليم والدفاع، مما أدى إلى ارتفاع مؤشرات التنمية البشرية، وبذلك تبوأت إسرائيل مراتب أساسية في تقارير التنمية البشرية
"

لقد عزز التطور في أداء الاقتصاد الإسرائيلي من فرص الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تخصيص المزيد من الموازنات للإنفاق على الصحة والتعليم والدفاع، مما أدى إلى ارتفاع مؤشرات التنمية البشرية حيث وصل العمر المتوقع للفرد في إسرائيل 77 عاما، في حين بلغت معدلات التعليم بين الكبار 95%، وبذلك تبوأت إسرائيل مراتب أساسية في تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خلال الفترة (1990-2006).

وقد كانت شبكة العلاقات التجارية والسياسية بين الدولة العبرية سواء مع القارة الأوروبية، أو مع الولايات المتحدة الأميركية أو مع القارة الأفريقية وآسيا مؤشراً أساسياً على مدى نجاح إسرائيل في تبوّؤ مكانة هامة في إطار العلاقات الدولية السائدة.

وكانت هناك محاولات أميركية حثيثة لتهيئة الظروف لبناء علاقات إسرائيلية تجارية وسياسية وثقافية مع دول مختلفة في العالم، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار جدار برلين وسقوط القطب الآخر.

وقد ساعد في ذلك غياب التكامل العربي في إدارة التعامل وبناء العلاقات مع الدول المختلفة في العالم في إطار العلاقات الدولية لتحقيق المصالح العربية العليا.

كيف تبني إسرائيل علاقاتها مع الدول النامية؟
تعتمد مشاريع مركز التعاون الدولي الإسرائيلي (MASHAV) على نقل المعلومات التكنولوجية وإغناء الموارد البشرية. وتستهدف النشاطات تعزيز القدرات المهنية من خلال الدمج بين البعد النظري والبعد العملي والدمج بين البحث العلمي وتطبيق المشروع على أرض الواقع وتكييف تكنولوجيات جديدة لتلبية أولويات التطوير في الدول المستضيفة، وذلك عبر التعاون مع وزارات مختلفة ومعاهد مهنية وأكاديمية ومراكز بحث في إسرائيل.

ويعمل MASHAV بالشراكة مع دول نامية ودول يمر اقتصادها حاليا بفترة انتقالية نحو مواجهة التحديات التنموية في مجالات مثل الحد من الفقر، وتقديم الخدمات الصحية الأساسية، وضمان الغذاء، والتربية في سنوات الطفولة المبكرة، ومكافحة التصحر، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وإقامة شركات صغيرة ومتوسطة، وتطوير متكامل للمناطق الريفية.

وقد شارك منذ تأسيس MASHAV ما يقارب 200.000 رجل وامرأة في دورات التأهيل المهنية التي نظمها في إسرائيل وفي الخارج.

كما تم إرسال أكثر من 10.000 خبير إسرائيلي لفترات قصيرة وطويلة للتعاون مع نظرائهم في الدول المشاركة في المشروع.

وقد امتد نشاط MASHAV في مختلف أنحاء العالم ليشمل حوالي 140 دولة نامية. وتنفذ بعض مشاريع MASHAV بالتعاون مع دول مانحة, منها الولايات المتحدة وهولندا ووكالات إغاثة دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO)، ومشروع التطوير التابع للأمم المتحدة (UNDP) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) والبنك الدولي.

أهمية البحث العلمي والقوة العسكرية في إسرائيل
ولتعزيز مكانتها في إطار تلك العلاقات أعطت إسرائيل أولوية لإنشاء مراكز بحث وتطوير القائم منها، وتشير الدراسات المختلفة إلى أن إسرائيل استطاعت إنشاء 100 مركز بحث على صعيد الجامعات والمراكز الخاصة.

وقد ساعدت تلك المراكز في تزويد صاحب القرار في إسرائيل، بالأرقام والمؤشرات والاقتراحات والتوصيات لبناء شبكة متشعبة من العلاقات الدولية، تعود بمردود سياسي واقتصادي كبير على إسرائيل.

"
إسرائيل أعطت أولوية لإنشاء مراكز البحث والتطوير، وقد ساعدت تلك المراكز على تزويد صاحب القرار في إسرائيل بما يحتاجه لبناء شبكة متشعبة من العلاقات الدولية، تعود بمردود سياسي واقتصادي كبير على البلاد
"

كما ساعدت في ترسيخ تلك العلاقات الخبرات الفنية العالية التي تمتلكها إسرائيل في مجال التقنية الزراعية والتصنيع العسكري و الإلكترونيات.

ولتعزيز علاقاتها الدولية تحاول الدولة العبرية امتلاك جيش قوي أصبح قوامه 600 ألف جندي عند النفير العام في كافة صنوف القوى البرية والبحرية والجوية، ناهيك عن الاعتماد على خيار نووي، عبر امتلاك الدولة العبرية لنحو 200 قنبلة نووية.

إذ ترى الدولة العبرية أن قوتها العسكرية المتطورة وامتلاك الخيار النووي ضمان قوي لأمنها من جهة ولاستمرار نفوذها في إطار العلاقات الدولية من جهة أخرى خاصة أن قضية الأمن تعتبر القضية الأهم في إطار الإستراتيجية الإسرائيلية, وأن بناء شبكة علاقات إسرائيلية دولية يجب أن يخدم تلك القضية ويحققها إذ إنها من أهم العوامل الجاذبة للمهاجرين المحتملين من اليهود في العالم إلى دولة إسرائيل والأراضي العربية المحتلة.

و تبقى الإشارة إلى أن إسرائيل لم تعتمد في رسم علاقاتها الدولية على قواها الذاتية بناءً على القواعد الناظمة التقليدية فحسب، بل كان الاعتماد على حليف دولي قوي مدخلاً لترسيخ تلك العلاقات في البيئة السياسية الدولية السائدة.

وبذلك تعتبر إسرائيل نموذجاً خاصاً في إطار تلك العلاقات، وقد انعكس ذلك أيضا على موقع إسرائيل في المنظمة الدولية حيث وصل الأمر إلى شطب قرارات دولية تدين إسرائيل وممارساتها التعسفية تارة، والتلويح تارة باستخدام حق النقض الفيتو من قبل الولايات المتحدة الأميركية لإسقاط أي مشروع قرار يدين الممارسات الإسرائيلية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.