المنتدى الاجتماعي في مواجهة تحديات انطلاقته

المنتدى الاجتماعي بمواجهة تحديات انطلاقته



فكرة المنتدى وأهدافه
قضايا وهموم جوهرية
هل النتائج توازي النفقات؟
شوائب تعترض عمل المنتدى

انعقدت بالعاصمة الكينية نيروبي في الفترة ما بين 20 – 25 يناير/ كانون الثاني 2007 الدورة السابعة للمنتدى الاجتماعي العالمي. افتتح المنتدى بالانطلاق من كيبيرا مدينة الصفيح النيروبية الهائلة التي تضم ثلثي سكان مدينة نيروبي وصولا لحديقة أوهيري.

وتم ذلك على وقع أنغام الأغاني والأهازيج والهتافات التي تعبر عن التضامن مع سكان إفريقيا، القارة الأولى المتضررة من انعكاسات العولمة النيوليبرالية المتوحشة.

يعتبر هذا المنتدى أهم لقاء على المستوى الدولي للمنظمات غير الحكومية والحركات الاجتماعية، يجمع بين مواطنين من دول العالم كافة. منتدى يتباحث في إستراتيجيات عمل من أجل عالم مغاير يرفض التمايز الذي لا يقتصر للأسف على أبناء بلدان الجنوب بمواجهة بلدان الشمال وإنما أيضا تمايز أفقي بين أبناء البلد الواحد.

عالم تسوده حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية والتضامن بين الشعوب.

فكرة المنتدى وأهدافه

"
شكّل المنتدى الاجتماعي العالمي مشروعاً سياسياً يجمع المعارضات المتنوعة للعولمة الليبرالية, ويوفر مساحات للنقاش وتلاقح الأفكار والخبرات ولو لم يكن هناك من ضرورة للاتفاق على بيانات ختامية أو مواقف لها صفة رسمية
"

فكرة تنظيم منتدى اجتماعي سنوي أتت كردّ على المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد أواخر يناير/ كانون الثاني من كل عامّ في مدينة دافوس في سويسرا، ويجمع أسياد العالم الجدد.

وُلدت الفكرة إثر عدة مبادرات لتصورات بديلة للعولمة شملت تأسيس منظمة "أتّاك" في فرنسا، ونجاح تظاهرات سياتل المناهضة لقمّة منظمة التجارة العالمية نهاية القرن العشرين.

وكان الطموح أنه بالإمكان وقف هجمة العولمة الرسمية القائمة على الهيمنة، وترتيب أوضاع العالم بشكل يضمن الأمن للقوي في قوته والبؤس للضعيف في مأساته.

وذلك عبر مواجهة رمز من رموز هيئة أركان السيطرة العالمية المجتمعة سنويا في دافوس بهيكل موازٍ يحمل في رحمه مشاريع أكثر إنسانية وأقل استغلالا وظلما.

من البرازيل ومدينة بورتو أليغري بالتحديد، انطلق عام 2001 المنتدى الاجتماعي العالمي الأول على أساس "الموازنة التشاركية" وتحت شعار "يمكننا بناء عالمٍ آخر".

من هذا الشعار وُلدت عبارة "العولمة المغايرة" وشكّل المنتدى الاجتماعي العالمي مشروعاً سياسياً يجمع المعارضات المتنوعة للعولمة الليبرالية. بتعبير آخر، جمع الممثلين الأصيلين لسكّان الأرض من النساء والرجال الذين يعانون من كوارثها ويعارضونها كونها تفكّك المجتمعات وتخرّب الاقتصاديات الضعيفة وتدمّر البيئة.

منذ دورته الأولى، التي التأمت في يناير/ كانون الثاني 2001 في بورتو أليغري بالبرازيل، سجل المنتدى الاجتماعي العالمي نموا هائلا سواء لجهة عدد الأنشطة أو المشاركين فيه.

لقد تضاعف عدد المشاركين بين المرة الأولى وسنة 2004 عشر مرات، جمعتهم قواسم مشتركة من مثل معارضة النظام الليبرالي الجديد والانفتاح على كل التيارات الفكرية وغياب التجمعات الحزبية.

فالمنتدى الاجتماعي يوفر مساحات للنقاش وتلاقح الأفكار والخبرات، ولو لم يكن هناك من ضرورة للاتفاق على بيانات ختامية أو مواقف لها صفة رسمية.

كما أنه يرفض أن تنصّب مجموعات معينة نفسها كقائدة لنظم تفكير تفرضها على من عداها. فالإدارة المشرفة تنتمي لكل القارات وتمثل عشرات الجمعيات غير الحكومية.

يقول فرنسوا أوتار أحد أبرز الوجوه المؤسسة للحركة أن التحدي الكبير للمنتدى هو بناء نشطاء فاعلين على عدة مستويات يمكن الاعتماد عليهم في التغيير المراد إحداثه.

قضايا وهموم جوهرية
طمح المنتدى للتصدي لمواضيع من نوع التنمية المستدامة والديمقراطية، النظام الدولي الديمقراطي والسلم والتسلح، السلطات السياسية والعلاقات مع المجتمعات المدنية والديمقراطية، حقوق الإنسان والتعددية والمساواة، الثقافات وأدوات التواصل والهيمنة، تحرير العالم من الشركات متعددة الجنسيات ورأس المال، تأمين حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية وخاصة الغذاء والصحة والتعليم والمسكن والعمل ومحاربة التمييز.. إلخ.

وفي حين كانت غالبية الحاضرين في السابق من الأميركيتين وأوروبا، كان الحضور الإفريقي هذه المرة هاما سواء عدديا أو في البرنامج.

لقد برز الاهتمام في الورشات العديدة بالقضايا ذات الأولوية بالنسبة للقارة، مثل الإيدز والهجرة والأمن الغذائي ووضع المرأة والنزاعات المسلحة والخصخصة واتفاقات التجارة الحرة والدّين الخارجي والحق في الماء والأرض وحماية البيئة وتجارة عالمية أقل تمييزا وإجحافا ونظام ضرائبي أكثر عدلا.

"
الهموم الأفريقية لم تغيب القضايا الأساسية التي تهز الوضع العالمي اليوم كالقضية الفلسطينية التي شهدت أكبر تظاهرة تضامنية رغم الحضور العربي القليل نسبيا والإعلام العربي الأقل منه والذي كان دون مستوى النشاط والتعريف بالقضايا العربية
"

كما حصلت مظاهرة في مركز المدينة للاحتجاج على اتفاقيات الشراكة التي ستوقع قبل نهاية هذا العام بين أوروبا والدول الأفريقية والتي اعتبرها المجتمعون خطيرة، خاصة على المستوى الزراعي، حيث ستقود إفريقيا لخسارة نفسها.

هذا الواقع سلطت وزيرة الثقافة والسياحة السابقة لمالي أميناتا تراوري الضوء عليه، بالتساؤل عن النظرة التي تحملها إفريقيا عن نفسها وعن تلك التي يراها فيها العالم الغربي المستعمر لها سابقا، قائلة "إن العولمة هي حرب بشكل آخر تضاف لفساد الحكام الذين يطلب منهم خصخصة البلد، تماما كما يفرض على الشرق الاوسط حروبا بسبب نفطه.. لذا نطالب بتغييرات جذرية في العلاقات بين بلدان الشمال والجنوب وإلا دخلنا جميعنا في الحائط".

الهموم الإفريقية لم تغيّب القضايا الأساسية التي تهز الوضع العالمي اليوم، كالقضية الفلسطينية التي شهدت أكبر تظاهرة تضامنية رغم الحضور العربي القليل نسبيا والاعلام العربي الأقل منه والذي كان دون مستوى النشاط والتعريف بالقضايا العربية.

وقد قالت ليلى خالد "إن الوافدين من فلسطين عملوا على رفع الوعي بأن السنة المقبلة ستسجل مرور ستين عاما على النكبة وأربعين على الاحتلال". كذلك كان الاهتمام منصبا على قضية احتلال العراق وعلى نتائج الحروب وبيع الأسلحة على الشعوب، كما بحثت مسائل الديون ومنها المتعلقة بلبنان، ودعي لأسبوع تحركات منتصف أكتوبر/ تشرين الأول المقبل من أجل إلغاء هذه الديون عن بلدان العالم الثالث.

القائمون الأفارقة على المنتدى اعتبروا أنه حقق نجاحا كبيرا بوجود أكثر من 50 بلدا أفريقيا، مما سيعطي ثقة أكبر وقوة دفع للقوى الاجتماعية الأفريقية وشمول بلدان جديدة في المستقبل.

توفيق بن عبد الله أحد منظمي المنتدى أكد على "أهمية العمل على فكرة الوحدة الأفريقية. فالمجتمع الأفريقي انفتح على العالم وسمح بتغيير صورة أفريقيا عند الآخرين من حيث أنها ليست قارة الفقر والحروب بل إن شعبها يتحلى بخصائص كباقي البشر".

هل النتائج توازي النفقات؟
لكن السؤال المطروح هو إن كانت هذه النتائج توازي المال المصروف، فهل تحققت الأهداف من عقد هذا الملتقى؟ يقال إن ما تم صرفه على هذا المنتدى يتعدى نصف مليار دولار أتى معظمه من وكالات وجمعيات وحكومات غربية وبقي بضعة آلاف تنتظر سدادها.

فهل أثرت هذه المبالغ الطائلة على الشعب الكيني وحسنت من أوضاعه أم أنها طالت بعض الشرائح القليلة التي استفادت من الفرصة برفع أسعار الفنادق والتاكسيات والطعام أو استقبلت في بيوتها بعض المشاركين؟ ماذا عن الأموال التي صرفت ولم نر أثرها عند الحاجة لها؟

منتدى نيروبي حمل بعض الشوائب، كي لا نقول شوائب كثيرة يمكن أن تترك أثرها على المنتديات اللاحقة. بداية، كانت التوقعات أكبر من حجم المشاركات الفعلية.

"
تأكدت التخوفات من إشكاليات في التنظيم لانعدام الخبرة في مثل هذه التظاهرات وعدم توفر الإمكانات المالية الكافية لمواجهتها وعدم تقديم الحكومة الكينية للمساعدة المفترضة بعكس ما حصل في باماكو (مالي) السنة الفائتة
"

وفي حين أتى المشاركون من أنحاء العالم وخاصة من أفريقيا (ثلثا الحاضرين بعد أن كانوا عدة عشرات في منتدى بورتو أليغري) غاب الكينيون عن فعاليات المنتدى، كما تأكدت التخوفات من إشكاليات في التنظيم لانعدام الخبرة في تنظيم مثل هذه التظاهرات وعدم توفر الإمكانات المالية الكافية لمواجهتها وعدم تقديم الحكومة الكينية للمساعدة المفترضة بعكس ما حصل في باماكو (مالي) السنة الفائتة.

من ناحية أخرى وتماشيا مع الروحية التي بني عليها المنتدى، كان يفترض أن يفتح منتدى نيروبي أبوابه لأبناء الفقراء والعشوائيات، لكن المنظمين لم يرتأوا ذلك في البداية. إلى أن أجبروا على النزول في اليوم الثاني عند رغبة المشاركين وسكان العشوائيات الذين قدموا بقوة ليجبروا المنظمين على فتح الأبواب وإتاحة الدخول لهم من دون دفع ثمن البطاقة التي كلفتها 500 شيلنغ.

كذلك تمت مهاجمة خيمة للطعام للاحتجاج على غلاء الوجبات المعروضة للبيع والذي تضاعف سعرها حتى أربع مرات عن المعتاد. ففي حين أن أغلبية سكان كينيا يعيشون بأقل من دولارين يوميا وصل سعر وجبة الغداء بين خمسة وسبعة دولارات، (من بين المشاركين في بيع هذه الوجبات وزير الأمن الداخلي الكيني).

شوائب تعترض عمل المنتدى
لقد شاب المنتدى العديد من المشاكل التي أبانها التنظيم غير المضبوط والتقريبي لفعالياته من تأخر نصب الخيام وغياب الترجمة بسبب تأخر وصول الأجهزة المتوقفة في الجمارك، مما عقّد عملية النقاشات كما خلق أجواء توتر بين المنظمين والمشاركين المتحمسين.

وقد كان لانقطاع الكهرباء والإنارة في الصالات مع حلول الظلام وعدم توفر الإنترنت وانعدام نظافة مياه الصرف الصحي، مما يذكر الحضور بالأوضاع الحقيقية لدول الجنوب بدون رتوش. الفوضى كثيرة والوقت الذي صرف للبحث عن القاعات مع عدم توفر خرائط للمكان كان كبيرا جدا في وقت صيفي حار.

كان المنظمون قد أطلقوا دعوة للشبيبة الكينية للتطوع من أجل المساعدة على تنظيم المنتدى، وللحركات الاجتماعية في الجهة الشرقية لأفريقيا من عمال ونساء وفنانين وغيره للانضمام لفعالياته.

المتطوعون الذين كانوا يتقاضون 200 شيلنغ في اليوم (أي ما يعادل 2 يورو) لم يتم تدريبهم بشكل كافٍ للرد على مختلف المواضيع بحيث بقيت جهوزيتهم غير كافية ومشاركتهم غير فعالة.

أما المنظمات الكينية التي دعيت للمشاركة، فلم تدخل في قلب الحدث ولم تسنح لها الفرصة للمساهمة، بل أدير أمر التنظيم كشركة خاصة بفعل الطريقة البيروقراطية التي تتسم بها أفريقيا الشرقية.

البنية التحتية ضعيفة والبنية السياسية أضعف بحيث لم يلق المنظمون الدعم الكافي من قبل السلطات بدءا من الاستقبال في المطار.

فالسلطات المحلية غالبا ما تلعب الدور الكبير في التنظيم والنقل وتعريف المشاركين بالخدمات والتسهيلات المقدمة. لم يكن هناك من توزيع أدوار وإدارة ذاتية، وإنما منظمون تصرفوا بشكل بيروقراطي وغير شفاف.

غالبية الشعب لم تعرف بوجود المنتدى وحتى الجرائد لم يلاحظ أنها أسهبت أو حتى تعرضت أحيانا للخبر. الفروق الاجتماعية الكبيرة بين أقلية ثرية وباقي الشعب الذي يعاني من الفقر والحرمان كانت جلية.

ويمكن أن نفهم في ظرف كهذا أن تجري عملية نهب من أطراف لم تستوعب أهمية الحدث وأهدافه، وكان الهاجس التجاري والربحي هو الأهم لديها.

"
تأشيرات الدخول للأفارقة لم تمنح لهم في المطار وإنما طلب الحصول عليها من بلدانهم، في حين أن الأوروبي أو الإسرائيلي حصل عليها بلمح البصر عند دخوله مطار نيروبي!
"

مسألة أخرى استرعت الانتباه وهي أن تأشيرات الدخول للأفارقة لم تمنح لهم في المطار وإنما طلب الحصول عليها من بلدانهم، في حين أن الأوروبي أو الإسرائيلي حصل عليها بلمح البصر عند دخوله مطار نيروبي!

من المعلوم أن الموساد الإسرائيلي يتعاون مع الأجهزة الأمنية الكينية ومن داخل القاعدة العسكرية الأميركية الموجودة على أراضيها، كما في إثيوبيا والبلدان الناطقة بالإنجليزية.

عند تسجيل المشاركين كان الجواز يصوّر منه نسخة بحيث تتوفر معلومات كافية عن المشاركين الذين يمثلون المعارضة الفاعلة للنظام العالمي الحالي.

بما يبدو للبعض أن هذه التظاهرات تبقى تحت السيطرة طالما المعلومات متوفرة عنها لدى القوى التي هي في مرمى سهامها. كما يمكن قدر الإمكان تجنب دعوة معارضات وأطراف كحماس وحزب الله والمقاومة العراقية أو رصد أي نهج أكثر تشددا او راديكالية.

هذا الانتقاد لا يعني البتة التقليل من أهمية هذه التحركات والتظاهرات، وإنما يعيد الذاكرة للهاجس الأصلي الدائم للروح النقدية لهذا المشروع التي ترفض القوى الحية فيه أن يتكلس أو يتبقرط أو يستسلم لخطر تشكيل نومنكلاتورا (أمراء وأعيان) ! تخلص المنتدى من شوائبه ضرورة ليكون في تنظيمه وعلاقاته وطموحاته أمثولة بديلة في الممارسة والأطروحات.

التجمع المقبل لن يحصل إلا بعد سنتين وخلالها ستجرى لقاءات حول مواضيع محددة بحسب البلدان والأوليات. فهل ستستمر خلال هذا الوقت الفجوة بالاتساع بين الأقل ثروة والأكثر غنى؟ ماذا ينتظر سكان المعمورة من شرور الطغمة المهيمنة سياسيا واقتصاديا؟ كيف يمكن تقويم الأخطاء للاقتراب أكثر من هذه الجموع الغفيرة من حماة الديمقراطية والتحرر في العالم؟

أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبة عليها عند كل من احتفظ بحصته من الحلم بعالم مغاير يحمل البدائل الممكنة لمجتمع كوني، الديمقراطية فيه تعني أيضا المشاركة والتضامن والمساواة بين الشعوب والثقافات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.