اقتصاد غزة في مواجهة احتمالات الانهيار

تصميم/ اقتصاد غزة في مواجهة احتمالات الانهيار



اقتصاد غزة على وشك الانهيار
الحصار الإسرائيلي وانتشار الفقر
حاجات القطاع وضعف الخيارات
الخسائر المتوقعة وملامح الأزمات الضاغطة
النمو السكاني وأثره على الاقتصاد

لم تتوقف السلطات الإسرائيلية عن سياساتها الاقتصادية الرامية إلى ابتزاز أهالي قطاع غزة لإخضاعهم سياسيا، فإضافة إلى السياسات الإسرائيلية المطبقة في القطاع، تمَّ تشديد الخناق على أهالي قطاع غزة من خلال إغلاق المعابر بشكل تام، الأمر الذي انعكس سلبًا على المجتمع في قطاع غزة.

وفي هذا السياق أشارت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية (غيشا) ووكالة الغوث الإنساني (أوكسفام) إلى أنه منذ إغلاق معبر كارني (الذي يربط بين قطاع غزة وإسرائيل، وتجري عن طريقه التجارة الفلسطينية) توقف عن العمل نحو 75% من مؤسسات الصناعة في غزة.

وتعمل المؤسسات الباقية بإنتاج يصل إلى نسبة حوالي 60%، وتم إغلاق 2900 مصنع ومشغل في غزة من أصل 3900، كما تمت إقالة 66 ألف عامل على الأقل في القطاع الخاص، كل منهم يعيل أسرة متوسط أفرادها سبعة أشخاص.

اقتصاد غزة على وشك الانهيار

"
إسرائيل قامت بفرض حصار مشدد على القطاع مما جعل الاقتصاد الفلسطيني على وشك الانهيار، خاصة القطاع الصناعي الذي يعاني من انعدام المواد الخام اللازمة للصناعة في السوق المحلية
"

تكاد صناعة البناء في الضفة -على سبيل المثال- تنهار بعد توقف إدخال المواد الخام. وبفعل الإجراءات الاقتصادية الإسرائيلية فإن الاقتصاد في قطاع غزة بات في مواجهة خطر الانهيار في قطاعاته الاقتصادية المختلفة.

فقد ألقى تقرير حديث صادر عن مركز المعلومات الوطني الفلسطيني في الهيئة العامة للاستعلامات، الضوء على أثر سياسة الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة في الحصار والإغلاق المستمر، مشيراً إلى أن إسرائيل قامت بفرض حصار مشدد على القطاع، مما جعل الاقتصاد الفلسطيني على وشك الانهيار، خاصة القطاع الصناعي الذي يعاني من انعدام المواد الخام اللازمة للصناعة في السوق المحلية.

وبالنسبة إلى الخسائر المتوقعة مستقبلاً فإن سياسة إغلاق المعابر والمنافذ الحدودية تهدد موسم الزراعات التصديرية وسوف تسبب خسائر فادحة للمزارعين في حال عدم تمكنهم من تصدير منتجاتهم في مواسم التصدير بسبب الإغلاق والحصار المستمر منذ أكثر من شهرين. فعلى سبيل المثال لا الحصر يتوقع أن تصل خسائر مزارعي التوت الأرضي حوالي عشرة ملايين دولار، وخسائر مزارعي الزهور حوالي أربعة ملايين دولار.

كما يوجد حوالي 25 ألف طن من البطاطا الجاهزة للتصدير للسوق الإسرائيلية، إضافة إلى الأصناف الأخرى من خضار الموسم الصيفي المنصرم للعام الحالي 2007، مثل الخيار والبندورة والفاصوليا الخضراء التي أوقفت عمليات تصديرها، وألحقت خسائر فادحة بالمزارعين نتيجة منعها من التصدير وعرضها بالتالي في الأسواق المحلية بأسعار زهيدة.

وأفاد التقرير أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قامت باتخاذ جملة من الإجراءات ضد سكان قطاع غزة بعد شهر يونيو/حزيران من العام الجاري 2007 بفرض حصار اقتصادي مشدد تمثل بإغلاق المعابر والمنافذ، وإلغاء الكود الجمركي الخاص بقطاع غزة ومنع رجال الأعمال الفلسطينيين من التواصل مع نظرائهم في الضفة الغربية أو حتى مع التجار الإسرائيليين، ومنعهم من الخروج إلى العالم الخارجي ومنع دخول المواد الخام اللازمة للصناعة، وتقييد البنوك في استجلاب الشيكل وفرض ضغوط على البنوك في قطاع غزة، وإغلاق المعابر التجارية في وجه الاستيراد والتصدير، مما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية بصفة عامة وقطاع غزة بصفة خاصة. الأمر الذي سيؤدي إلى إغلاق مزيد من مصانع القطاع.

الحصار الإسرائيلي وانتشار الفقر
وفي نفس الاتجاه قدر مختصون اقتصاديون في الأراضي الفلسطينية الخسائر اليومية الناجمة عن الإغلاق الإسرائيلي للمعابر في قطاع غزة بأنها تزيد على مليون دولار يوميا, داعين إلى تسليم المعابر لجهات مستقلة.

وتشير الدراسات إلى أن أزمة الاقتصاد الحالية هي أزمة متراكمة وليست بسبب تطورات الأحداث الأخيرة المتعلقة بالحسم العسكري لحماس التي أدت إلى تشديد الحصار والإغلاق الإسرائيلي.

وتبعاً لتفاقم الأزمات الاقتصادية في قطاع غزة تراجع الناتج المحلي للقطاع بنسبة 40%، وبات أكثر من ثلثي المجتمع الفلسطيني في القطاع يعيش تحت خط الفقر.

كما أن عمليات الحصار والإغلاق المستمرة في القطاع أدت إلى تراجع متوسط دخل الفرد إلى أدنى مستوياته منذ عام 2000 حيث كان يبلغ 1800 دولار، لكن الاقتصاد الفلسطيني لم ينهَرْ بشكل كامل بسبب انتشار فكرة التكافل الاجتماعي من خلال لجان الزكاة، ولجان الحي ومؤسسة الأمان الابتكارية وغيرها.

وفي الاتجاه نفسه تضرر القطاع الخاص بسبب سياسة الحصار الإسرائيلية, وازدادت نسبة البطالة فتجاوزت  65%, مما يتطلب مواجهة الأزمة وإعطاءها بعدا عربيا وإسلاميا.

حاجات القطاع وضعف الخيارات

"
احتياجات قطاع غزة للأغذية آخذة في التزايد بسبب النمو السكاني الذي يزيد عن 4% سنويا, حيث يحتاج سكان القطاع يوميا إلى 600 طن من القمح و72 طنا من الأرز و43 طنا من الزيوت و6 أطنان من الشاي و230 طنا من الحليب
"

وبالنسبة إلى احتياجات قطاع غزة للأغذية الآخذة في التزايد بسبب النمو السكاني الذي يزيد عن 4% سنويا, يحتاج سكان القطاع يوميا إلى 600 طن من القمح و72 طنا من الأرز و43 طنا من الزيوت و6 أطنان من الشاي و230 طنا من الحليب.

وقد أدت عمليات الإغلاق والحصار الإسرائيلي المستمرة إلى أزمة في وصول غالبية المواد الغذائية إلى أسواق قطاع غزة وخاصة حليب الأطفال.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن السياسات الإسرائيلية أدت إلى تفكيك الاقتصاد في قطاع غزة وجعله تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي وفي خدمته، حيث إن غالبية التجارة من القطاع وإليه أصبحت مع الاقتصاد الإسرائيلي، والميزان التجاري في قطاع غزة مع إسرائيل في عجز دائم منذ الأعوام الأولى للاحتلال، وهو ما سيتفاقم في ظل استمرار هيمنة إسرائيل على مفاتيح اقتصاد غزة  وبشكل خاص حركة التجارة والعمال.

وتتعامل إسرائيل مع القطاع على أنه منطقة محتلة على الرغم من الانسحاب وذلك عبر سيطرتها على معابره وبحره وجوه.

الخسائر المتوقعة وملامح الأزمات الضاغطة
وتشير الدراسات إلى أن إسرائيل اعتمدت في الفترة الأخيرة على الأردن لاستيراد المنتجات الزراعية بدلا من قطاع غزة، وذلك في الفترة التي تعتمد فيها إسرائيل على ترييح الأرض عاما كاملا بعد كل ست سنوات من الزراعة المتتالية.

وتقدر الدراسات أن إعاقة التصدير من القطاع إلى الخارج أدت إلى خسائر فادحة في المواد الغذائية بلغت 2.5 مليون دولار، في حين قدرت خسائر قطاع النسيج والخياطة في القطاع بنحو 2.6 مليون دولار، وخسائر عدم تصدير فاكهة الفراولة إلى خارج قطاع غزة بنحو ثمانية ملايين دولار. كما أن عدم تصدير ثلاثة ملايين زهرة سيؤدي إلى خسائر كبيرة أيضا.

وتقدر قيمة خسائر قطاع الصناعة والزراعة بشكل عام في قطاع غزة بنحو 28 مليون دولار أميركي.

ولا تقف ملامح الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة عند هذا الحد، بل إن توقف وصول قطع غيار الماكينات والسيارات والمولدات الكهربائية وغيرها ينذر بشلل كثير من القطاعات الخدمية.

فقطاع مياه الشرب والمياه العادمة لعدد من مناطق القطاع عرضة للانهيار، إذا استمر حال المعابر على ما هو عليه.

ويحذر مدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين التي تعنى بمصادر المياه ومعالجتها من وقوع كارثة بيئية مؤكدة بمختلف أحواض الصرف الصحي الموجودة في جميع أنحاء القطاع، ونقص مياه الشرب نتيجة عدم توفر قطع غيار لصيانة الآلات والمعدات اللازمة لآبار المياه ومحطات ضخ مياه الصرف الصحي،. وقد رافق هذه الأزمات في قطاع غزة ارتفاع أسعار كبير للسلع.

فإغلاق المعابر التجارية بالكامل منذ منتصف يونيو/حزيران من العام الحالي 2007، أدى إلى تزايد فقدان السوق المحلية في قطاع غزة للكثير من السلع والبضائع والمواد الخام التي تلزم عمل الكثير من القطاعات التي تعطلت جراء ذلك.

النمو السكاني وأثره على الاقتصاد

"
معدلات البطالة وصلت إلى نحو 60% من قوة العمل وكذلك انتشرت حالات الفقر المدقع بين أكثر من ثلثي سكان القطاع، وهناك دراسات أخرى تشير إلى أن الأوضاع أكثر مأساوية في المخيمات الثمانية نظراً للكثافة السكانية العالية
"

ويقابل تعطش الأسواق في غزة للكثير من البضائع والاحتياجات الضرورية اللازمة لتسهيل سبل حياة السكان، اشتعال أسعار معظم البضائع المستوردة أو تلك التي يتم استيراد المواد الداخلة في تصنيعها من الخارج.

وتشهد أسعار الملابس والأجهزة الكهربائية والهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب وقطع الغيار وغيرها من السلع، ارتفاعاً تدريجيا ملحوظا.

ويعزو تجار اللحوم ارتفاع أسعارها بشكل تدريجي إلى تناقص الماشية من السوق، ومنع الاحتلال من إدخالها إلى القطاع.

وإضافة إلى ما تقدم ثمة عوامل ضاغطة على الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، نظرا لكون مجتمع قطاع غزة فتياً، حيث يشير الجهاز الإحصائي الفلسطيني في رام الله إلى أن نسبة الأطفال تمثل أكثر من 50%  من مجموع سكان القطاع.

ومرد التركيب السكاني هناك للخصوبة العالية عند النساء الغزيات حيث تتعدى ستة مواليد للمرأة طيلة حياتها الإنجابية، وتبعاً لذلك يعاني القطاع من أعباء الإعالة العالية أصلاً، حيث تصل إلى ستة أفراد للشخص العامل، وقد تفاقمت الأوضاع الديمغرافية والاقتصادية نتيجة سياسات الاحتلال الإسرائيلي على مدار فترة الاحتلال.

فوصلت معدلات البطالة إلى نحو 60% من قوة العمل وكذلك انتشرت حالات الفقر المدقع بين أكثر من ثلثي سكان القطاع، وهناك دراسات أخرى تشير إلى أن الأوضاع أكثر مأساوية في المخيمات الثماني نظراً للكثافة السكانية العالية فيها.

وتعتبر وفيات الأطفال الرضع في القطاع من أعلى المعدلات في العالم، ومن المحتمل أن ترتفع مؤشرات البؤس في قطاع غزة بسبب الأوضاع الناشئة بفعل الحصار الإسرائيلي وإغلاق كافة المعابر المؤدية إليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.