دحلان.. هروب للأمام عبر وسائل الإعلام

دحلان.. هروب للأمام عبر وسائل الإعلام



إبراهيم حمّامي

بدايات الظهور
مراحل الظهور والاختفاء
هل انتهى دور محمد دحلان؟
الدور القادم

مع أول منصب رسمي له شكل محمد دحلان ظاهرة مثيرة للجدل، حيث ارتبط اسمه بأكثر الأجهزة الأمنية تنسيقاً مع المحتل وارتباطاً بضباطه وهو جهاز الأمن الوقائي، ووجهت له اتهامات كثيرة بعد حملات الاعتقال في تسعينيات القرن الماضي من تعذيب وتشكيل فرقة الموت وغيرها من الاتهامات.

وأصبح اسم دحلان ملازماً لمراحل أمنية حاسمة، وبات دوره يرتفع ويهبط مع بورصات الاتفاقات والاغتيالات والانفلات.

بعد كل مرحلة "أمنية" يختفي دحلان لفترة وجيزة، عائداً بعدها من جديد وفي منصب أمني آخر، وفي كل مرة يعتقد المراقبون أن دوره قد انتهى يظهر مجدداً مهدداً ومتوعداً، أو ناصحاً في ثياب المصلح.

لكن الثابت أنه وفي كل مرحلة يبقى اسم دحلان هو المفضّل والمرغوب إسرائيليا وأميركياً، فهو الأكثر حرصاً على تنفيذ ما يطلب منه، وهو الحاضر في كل الاتفاقات الأمنية، من توقيع أوسلو وحتى اتفاقية المعابر وصولاً لخطة دايتون، حتى وإن فشل في مهمته.

بعد الحسم العسكري الأخير في قطاع غزة، وككل مرة اعتقد الكثيرون أن دور محمد دحلان انتهى خاصة بعد تحميله مسؤولية الانهيار السريع والكامل للأجهزة الأمنية في قطاع غزة من قبل قيادات فتحاوية بارزة، إلا أنه عاد مؤخراً مستغلاً وسائل الإعلام، وعبر لقاءات متلفزة على قناتي العربية والنيل للأخبار في ظهور متجدد وإحياء لدوره.

بدايات الظهور

"
بعد كل مرحلة "أمنية" يختفي دحلان لفترة وجيزة عائداً بعدها من جديد وفي منصب أمني آخر، وفي كل مرة يعتقد المراقبون أن دوره قد انتهى يظهر مجدداً مهدداً ومتوعداً، أو ناصحاً في ثياب المصلح
"

بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة فتح من لبنان عام 1982 ركزت قيادة فتح على القطاع الغربي وذلك عبر تنشيط وتنظيم خلايا جديدة لفتح في الداخل.

وأصبحت هذه الخلايا نواة يمكن من خلالها انطلاق مقاومة شعبية ومسلحة، استشعرت أجهزة أمن الاحتلال هذا الخطر فشن جهاز الشاباك حملة أمنية متواصلة للكشف عن هذه الخلايا وآليات اتصالها بالخارج ولم يكن الأمر سهلا بل استغرق عدة سنوات.

شملت هذه الحملة كل مسؤولي فتح الذين كانوا أعلى من دحلان مرتبة في التنظيم، مما أدى إلى عدة فراغات تنظيمية كان يتصادف أن يملأها دحلان، مما أجبر قيادة القطاع الغربي على الاتصال مباشرة به وكشف أسماء ونشاطات الخلايا له فتولى المسؤولية تلو الأخرى، وأصبح جاهزاً لاختراق الصف الأول في حركة فتح حتى حان وقت الإبعاد عام 1988.

أصبح دحلان هو حلقة الوصل بعد تسفيره من قبل سلطات الاحتلال بين خلايا التنظيم في القطاع وقيادة فتح في الخارج واستغل هذه الفرصة من خلال الترويج بأنه هو الوحيد القادر على ضبط الأمور داخل التنظيم بعد اتفاق أوسلو وقبيل عودته لغزة من تونس.

وقعت ثلاث حوادث اغتيال لقادة كبار في فتح في غزة ممن لهم اتصال بقيادة فتح والمنظمة في الخارج عبر خطوط اتصال مباشرة وليست عبر دحلان وهم أسعد الصفطاوي والمحامي محمد أبو شعبان ومحمد كحيل، سهل تصفية هؤلاء المهمة على دحلان وطويت صفحة اغتيالهم ضد مجهول.

في تلك الفترة أيضاً ذكرت تقارير وكتبت قصص لم يتم نفيها عن تجنيد دحلان مع أجهزة مخابرات وغيرها، منها كتاب ليعقوب بيري رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي السابق (شاباك).

مراحل الظهور والاختفاء
• كُلف دحلان عام 1994 بتأسيس جهاز الأمن الوقائي في غزة، وهو الجهاز المتهم بشكل مباشر بممارسة التعذيب ضد معارضي قيادة أوسلو في ذلك الوقت.

بل إن نائب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق زئيف بويم سبق وأقر بمسؤولية "رجال" دحلان عن قتل أربعين من معارضيه في لقاء سٌجل عام 2004.

ومازالت قصة صعود دحلان إلى رئاسة جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة غير واضحة بالنسبة للكثيرين، فدحلان الذي خلع عليه عرفات رتبة "العقيد" لم يتلق أي تعليم عسكري، كما أنه لم يحمل أي شهادة جامعية، ولم يعرف عنه قدرات عسكرية سواء داخل فلسطين أو خارجها.

"
في كل مرحلة يبقى اسم دحلان هو المفضّل والمرغوب إسرائيليا وأميركياً، فهو الأكثر حرصاً على تنفيذ ما يطلب منه، وهو الحاضر في كل الاتفاقات الأمنية، من توقيع أوسلو وحتى اتفاقية المعابر وصولاً لخطة دايتون، حتى وإن فشل في مهمته
"

• أملاً في الحصول على منصب وزاري في الحكومة المزمع تشكيلها آنذاك استقال دحلان من منصبه في الأمن الوقائي في 05/06/2002، إلا أنه وبدلاً من ذلك عُين بتاريخ 11/07/2002 مستشاراً للأمن القومي وهو ما جرده فعلياً من صلاحياته الأمنية.

لم يعجب ذلك دحلان فاستقال من منصبه الجديد بعد ثلاثة أشهر وبهجوم حاد على قيادة السلطة.

• اختفى دحلان عن الأضواء لشهور وظن البعض أن دوره انتهى، ليعود من جديد في شهر فبراير/شباط 2003 ويكون سبباً مباشراً لخلاف تفجر بين محمود عبّاس المكلف بتشكيل الوزارة وياسر عرفات رئيس السلطة والمعارض لتولي دحلان منصب وزير الداخلية.

• بضغط مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا شٌكلت الحكومة الجديدة في 23/04/2003 وأعطي دحلان منصب وزير دولة للشؤون الأمنية. لم يمض على تشكيل الحكومة أسبوعان حتى سلم عبّاس دحلان وزارة الداخلية ليديرها في خدعة مباشرة لعرفات.

• بعد استقالة عبّاس في 06/09/2003 خرج دحلان من التشكيلة الحكومية لأحمد قريع واختفى مرة أخرى، ليعود صيف عام 2004 في محاولة فاشلة للانقلاب على ياسر عرفات، محركاً عناصره لتثير الفوضى في شوارع قطاع غزة، معلناً أنه يقود حركة إصلاح.

• فشلت حركته وأجهضت، فاختفى مرة أخرى ليعود في 25/02/2005 وزيراً للشؤون المدنية، أي بعد رحيل عرفات، وليبرز اسمه كزعيم لقطاع غزة والوحيد القادر على إدارة أموره بعد الانسحاب الإسرائيلي، وبتزكية مباشرة من القيادات الأمنية للاحتلال.

• بعد انتخابات المجلس التشريعي في شهر يناير/كانون الثاني 2006 تزعم دحلان حملة لإفشال حركة حماس الفائزة بنتائج الانتخابات مهدداً كل من يحاول التعاون معها في سلسلة من اللقاءات والمقابلات والتسجيلات.

• خلال فترات غياب بحجة المرض والعلاج خارج فلسطين، وقعت عمليات اغتيال للعديد من الشخصيات أهمها موسى عرفات، وأبو سمهدانة والقوقا وجاد التايه وغيرهم.

• بعد اتفاق مكة في شهر فبراير/شباط 2007، ورغم الأجواء الإيجابية لم يعد محمد دحلان لقطاع غزة بل قام بسحب أفراد عائلته إلى مصر فيما بدا في حينه أنها خطوة استباقية لما كان يتوقع أو يخطط لحدوثه.

• بعد الحسم العسكري في قطاع غزة في شهر يونيو/حزيران 2007 اختفى دحلان لأسابيع وحملته قيادات فتحاوية بارزة مسؤولية ما جرى، واعتقد البعض مرة أخرى أن دوره انتهى، لكنه عاد من جديد في لقاءات متلفزة مطولة على قناتي العربية والنيل الفضائيتين في بدايات شهر أكتوبر/تشرين الأول ليعيد الكرة من جديد.

"
نظرة سريعة على تاريخ محمد دحلان والتعويل الدائم والمستمر على دوره الأمني التنسيقي مع الاحتلال يرجح أن دوره مرشح لإعادة الإحياء، خاصة بعد صرف الملايين عليه لتأهيله وتجهيزه
"

هل انتهى دور محمد دحلان؟
إن نظرة سريعة على تاريخ محمد دحلان، والتعويل الدائم والمستمر على دوره الأمني التنسيقي مع الاحتلال يرجح أن دوره مرشح لإعادة الإحياء، خاصة بعد صرف الملايين عليه لتأهيله وتجهيزه.

وهو الأمر المعلن غير السري عبر سلسلة تصريحات لقيادات أمنية إسرائيلية وأميركية، ويكفي أن نوثق لآخر تلك التجهيزات المعروفة بخطة دايتون، والتي كلفت عشرات الملايين:

• ففي 17/04/2007 نشرت تفاصيل خطة دايتون (نسبة للمستشار الأمني لوزارة الخارجية الأميركية كيث دايتون) التي اعتبرت خطوة مباشرة في إعادة دعم القدرة الأمنية والعسكرية لعباس ودحلان.

وصرح نائب وزير الدفاع في حكومة الاحتلال والمنسق مع دايتون إفرايم سنيه "أن خطة دعم قوات عبّاس بالأسلحة والذخيرة لا تشكل خطراً على أمن إسرائيل لأن الهدف من تسليح هذه القوات هو تعزيز التيار المعتدل في الساحة الفلسطينية مقابل تعاظم قوة حماس والجهاد الإسلامي".

• صحيفة هآرتس العبرية قالت "إن الخطة ستعمل على تحسين القدرة التنفيذية لأمن الرئاسة وتدريب الجنود وتحصين المقرات وتزويدها بالسلاح غير القاتل" (مثل اللباس وأجهزة الاتصال).

• وحسب الخطة التي طرحها الجنرال الأميركي كيت دايتون فإن على الحكومة الأميركية المساعدة على إقامة مكتب جديد للمستشار الأمني للرئيس عباس، إن مكتب دحلان سوف يعنى بإدخال الإصلاحات الأمنية والإشراف على إدارة الأمن الموالية للرئيس.

• ومن ضمن الخطة أيضاً موافقة مصر والأردن على تدريب ألف وخمسمئة من أفراد الحرس الرئاسي مع تمويل خليجي إضافي، لأن الخطة لن تتوقف على مبلغ الـ59.36 مليون دولار التي وافق عليها الكونغرس الأميركي.

•وفي 18/04/2007 تم الكشف عن خطة جديدة وسريعة يقودها محمد دحلان لتسريح قوات الأمن الوطني وتوزيع عناصرها على باقي الأجهزة الأمنية، وبحسب الإذاعة العبرية الرئيسية فإن دحلان تعهد بتنفيذ الخطة في غضون أسابيع قليلة.

• بعد يومين من نشر تفاصيل خطة دايتون ذكرت صحيفة الحياة اللندنية أن أميركا ستزود "فتح" بمبلغ 132 مليون دولار لتعزيز قوتها وتسليحها للمواجهة المقبلة مع حماس.

فهل يعقل أن تتخلى سلطات الاحتلال والإدارة الأميركية عن محمد دحلان الذي قال عنه الرئيس الأميركي جورج بوش "إني أحب هذا الفتى"، وبعد صرف كل تلك الملايين؟

الدور القادم

"
من أجل تلميع دحلان من جديد ستكون هناك حملة علاقات عامة منها الظهور على الفضائيات كما فعل قبل أيام، ومنها سرد روايته الخاصة عن أحداث غزة، وبالتأكيد وضع خطة جديدة وبإخراج جديد لإعادة إحيائه
"

لن يختلف دور دحلان القادم عن دوره السابق، أي الدور الأمني الخاص بتطبيق ما يتفق عليه، ولكن هذا يحتاج لتلميع من نوع خاص بعد أحداث غزة الأخيرة.

ولهذه الغاية ستكون هناك حملة علاقات عامة منها الظهور على الفضائيات كما فعل قبل أيام، ومنها سرد روايته الخاصة عن أحداث غزة، وبالتأكيد وضع خطة جديدة وبإخراج جديد لإعادة إحيائه.

وأيضاً محاولة تكميم الأفواه المعارضة بشتى الوسائل من تشويه وقلب للحقائق وكذلك اللجوء للقضاء، ويكفي أن نذكر أن دحلان هدد حتى الآن ثماني صحف وشخصيات فلسطينية وعربية بالقضاء والمحاكم، أسفرت فعلياً عن قضيتين في محاكم مصر وبريطانيا.

مع صعود وهبوط أسهم دحلان في البورصة الأمنية الإقليمية، ومع تمسك الاحتلال الإسرائيلي ومعه الإدارة الأميركية، يشكل دحلان ظاهرة أمنية فريدة ومن نوع مختلف.

كما أن الدور الذي يقوم به هو أبعد ما يكون عن الشخصي، بل يكاد يكون تيارا يسير بتخطيط وتمويل وإعداد، لا يختفي وينتهي بشكل كامل ونهائي، لكنه يعاود الكرّة المرة تلو المرة. فهل ينجح دحلان هذه المرة فيما سبق وإن فشل فيه مرات؟
ـــــــــــــ
كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.