إلى العراق من جديد

الى العراق من جديد/ سكوت تايلور

* سكوت تايلور

تحملت خمسة أيام من المعاناة في سبتمبر/ أيلول الماضي بينما كنت رهينة عند مجاهدي أنصار الإسلام في شمال العراق. وقد تعرضت خلال احتجازي للضرب والتعذيب والتهديد بقطع الرأس ست مرات على الأقل.

وخلال هذه المحنة لم أفكر قط في أنني سأموت بل كنت أعرف أنني ميت لا محالة. وفي الساعات التي سبقت إطلاق سراحي المفاجئ صليت ودعوت فقط كي لا أتعرض لجولة جديدة من التعذيب.

ولم أكن أعلم حينها أن الحكومة التركية كانت تعلم أنني محتجز, بل كانت تفاوض بحيوية ونشاط من أجل إطلاق سراحي.

فلقد احتجزت زينب تغريل وهي صحفية تركية معي في مدينة تلعفر وحفز غيابنا الطويل الحكومة التركية على تعبئة كل مصادرها الاستخباراتية في شمال العراق.

"
خلال الأيام الأولى التي تلت إطلاق سراحي لم يكن من السهل علي تقبل حقيقة نجاتي من القتل, وكنت كلما استيقظت حاولت قمع الرعب الذي كان ينتابني بسبب اعتقادي أن عبوري إلى النجاة لم يكن سوى حلم
"

وخلال الأيام الأولى التي تلت إطلاق سراحي لم يكن من السهل علي تقبل حقيقة نجاتي من القتل, وكنت كلما استيقظت حاولت قمع الرعب الذي كان ينتابني بسبب اعتقادي أن عبوري إلى النجاة لم يكن سوى حلم.

وبعد تسرب الخبر إلى الإعلام كان السؤال الذي يتكرر على أفواه جميع الذين قابلتهم هو "هل ستعود إلى العراق؟" وكانت إجابتي آنذاك "لا، أبدا".

لقد تم احتجازي رهينة خلال رحلتي العشرين إلى العراق منذ أغسطس/ آب 2000 وبما أنني قد راسلت من هناك قبل الغزو الأميركي وخلاله وبعده, أدركت أن كل زيارة جديدة يكون الخطر فيها أشد من سابقتها.

ورغم علاقاتي المتعددة في شمال العراق ومعرفتي لمختلف الطوائف, خاصة في الشمال, لم أستطع أن أحول دون احتجازي أنا شخصيا. وبالفعل كان من سلمني أنا وزينب لأنصار الإسلام عند توقفنا عند نقطة تفتيش هم أعضاء الشرطة العراقية التي بنتها الولايات المتحدة بعد غزوها للعراق.

لقد تمكنا خلال احتجازنا من الاطلاع على مدى التعاون الذي يحصل بين الشرطة والمتمردين وأدهشنا انتشار ذلك التعاون وتعدد مظاهره.

وعندما لا يعود الإنسان يميز اللاعبين, عليه -بكل بساطة- أن يغادر المكان.

وخلال الأشهر العشرة التي مضت منذ ذلك الحادث ساء الوضع الأمني في العراق, ورغم الطلبات الحثيثة من محررين ومنتجي أفلام بإعادة النظر في قراري لم أعدل حتى الآن عن رأيي في عدم العودة إلى العراق.

ويوم السادس عشر من يونيو/ حزيران الماضي اتصلت بي زينب تغريل وطلبت مني النظر في الصورة التي ظهرت على الصفحة الأولى لصحيفة الهيرالد تريبيون, والتي كانت لأربعة عراقيين في سيارة أميركية عرفوا أنهم متهمون بالتمرد ألقي القبض عليهم في تلعفر.

تعرفت بسرعة على الشخص الموجود في يسار الصورة, إنه نفس عنصر المجاهدين الذي ضربني خلال احتجازي.

وفي صباح يوم 18 يونيو/ حزيران بينما كنت أبحث عمن يمكنني إشعاره بهذه المعلومة, اتصل بي أحد القادة العسكريين الأميركيين في الوحدة الثالثة المدرعة في تلعفر, يدعوني لزيارة "مدفوعة التكاليف كليا" إلى العراق.

وكان سبب الدعوة أن قائد تلك الفرقة قرأ كتابي "مع الآخرين: لقاءات مع أتراك العراق المنسيين" فأراد أن أقدم بعض المعلومات حسب معرفتي بالمنطقة وأهلها لأعضاء تلك الوحدة العسكرية.

تلعفر منطقة تركية في أقصى الشمال الشرقي للعراق, وحيث لا يعرف الكثير عن العراقيين المتحدثين بالتركية, إلا أن المعلومات المتوفرة عن هذه "المدينة المحرمة" أقل كثيرا من ذلك.

"
رغم انتقادي الشديد للفبركة الكاذبة التي اعتمد عليها الأميركيون لشن الحرب الكارثية على العراق أرى أن رفضي دعوة أحد ضباط الوحدة الثالثة لتثقيف الجنود التابعين له ستتعدى الانتقاد لتصبح دربا من النفاق
"

لقد أصبحت تلعفر في الأسابيع القليلة الماضية مسرحا لمعارك دموية بين الشيعة والسنة من جهة وبين متطرفي أنصار الإسلام والقوات الأميركية وقوات الأمن من جهة أخرى.

وبينما دخلت الحرب عامها الثالث وبينما تتزايد الإصابات بصورة مطردة, تفاجأنا بأن قادة القوات الأميركية في ساحة الحرب قلقون بسبب الصعوبات التي تواجههم في تحديد من يتعاملون معه, ورغم انتقادي الشديد للفبركة الكاذبة التي اعتمد عليها الأميركيون لشن هذه الحرب الكارثية أرى أن رفضي دعوة هذا الضابط لتثقيفي الجنود التابعين له ستتعدى الانتقاد لتصبح دربا من النفاق.

وبعد قبولي لتلك الدعوة شريطة تأمين "حماية تفوق الحماية التي تخصص للرئيس" أخبرتهم أن وحدتهم استطاعت أن تعتقل أحد الذين عذبوني، ورغم معرفتهم بحكاية الاختطاف لم يكونوا يعرفون أن ذلك الرجل الذي عرفتهم عليه من خلال الصورة كان أحد المختطفين.

وقد أكدوا لي أنهم قد عزلوه عن بقية المساجين حتى أعود ويتأكدوا بما لا يدع مجالا للشك أن هذا هو العنصر المشار إليه بالفعل.

وعندما أعود يوم الثلاثاء القادم لن أكون في مواجهة مخاوفي وحسب بل سأجد نفسي وجها لوجه مع أحد خاطفي.

ــــــــــــــــــ
*عسكري كندي سابق ورئيس تحرير مجلة "إسبريت دي كوربس" العسكرية المتخصصة, ومراسل حربي متمرس. زار العراق 20 مرة منذ أغسطس/ آب2000 وهو كاتب رواية "الدق على وتر محور الشر" وهو كتاب يتحدث عن حرب أميركا على العراق, إضافة إلى كتاب "بين الآخرين" الذي يتحدث عن طائفة التركمان المنسية في العراق. في سبتمبر/ أيلول 2004 أسره مقاتلو أنصار الإسلام أثناء معارك تلعفر مع القوات الأميركية وظل في الأسر خمسة أيام, وأطلق سراحه بعد التأكد من أنه لا يشكل خطرا على المقاتلين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.