قمة عمّان بين الإيجابي والسلبي

بقلم: منير شفيق*


تقويم قمتي القاهرة وعمان يختلف بحسب المعيار المستخدم لذلك، فمن كان معياره حالة انهيار الوضع العربي الرسمي فسيرى القمة خطوة متقدمة، ومن كان معياره طموح الجماهير العربية فسيرى القمتين نكستين

كما اختلفت التحليلات في تقويم قمة القاهرة قبل خمسة أشهر ستختلف في تقويم قمة عمان التي عقدت بين 27 و28 مارس/ آذار 2001، فالتقويم هنا وهناك يتوقف على الزاوية التي ينظر منها المحلل إلى الوضع العربي ويتوقف على المعيار الذي يستخدمه في قياس القرارات والبيانات والمواقف.

فإذا اعتبر الوضع العربي الرسمي في حالة انهيار وتمزق فسيجد في القمتين خطوة متقدمة على واقع الحال العربي. وإذا اعتبر الوضع العربي قوياً مستقلاً قادراً على الفعل المشترك فيجب عليه أن يفجع ويرى القمتين دون مستوى الوضع العربي.

وإذا كان معياره طموح الجماهير العربية فلا بد من أن يرى القمتين دون ذلك الطموح، بل يراهما نكستين إلى الوراء، أما إذا كان معياره هو الحد الأدنى الممكن بالنسبة إلى قمة عربية فسيجد القمتين حققتا شيئاً من ذلك أو اقتربتا منه.

على أن المدهش في تحليل عدد من الذين هاجموا القمتين طولا وعرضاً في وقت يعتبرون فيه الوضع العربي مستسلماً أو مؤمركاً، وهو موقف يرفض النسبية، والأنكى أنه يطلب من وضع مستسلم ومؤمرك أن يرتفع بين عشية وضحاها إلى مستوى طموح الشارع العربي والإسلامي.. فهؤلاء في مقام الذي يطلب من كسيح أن ينهض مهرولاً وراكضاً.

ومن هنا فإن التقدير الصحيح للقمة العربية في عمان يجب أن يكون نسبياً ومتحفظاً فيما يلحظه من إيجابيات، ونسبياً ومتحفظاً فيما يلحظه من سلبيات.


التقدير الصحيح للقمة العربية في عمان يجب أن يكون نسبياً ومتحفظاً فيما يلحظه من إيجابيات، ونسبياً ومتحفظاً فيما يلحظه من سلبيات

إيجابيات القمة
يمكن أن يسجل من الإيجابيات ما يلي:
1- مجرد انعقادها كأول قمة تفتح ما تقرر من انعقاد دوري سنوي للقمم العربية يدخل في الإيجابيات.

2- اتخاذها لقرارات تتعلق بإرساء علاقات تجارية واستثمارية بينية عربية/عربية، وتشكل منطقة التجارة الكبرى العربية، وقرار بعقد القمة الاقتصادية في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام في القاهرة.. تعتبر خطوات إيجابية لا تقل أهمية عن المواقف السياسية في المدى البعيد، بل في المدى القريب في مواجهة تحديات العولمة والكتل الاقتصادية الإقليمية.

3- تحقق إجماع في الموضوع الفلسطيني -وإن كان ضعيفاً بسبب ضعف المطالب الفلسطينية نفسها من القمة، وكانت ستلبي لو طلب أكثر- يجب أن ينظر إليه كخطوة إيجابية بعد طول تصدع في الموقف العربي.

4- حملت خطب الملوك والأمراء والرؤساء اتجاهاً نحو حل الخلافات العربية/العربية. وقد ظهر ذلك من خلال الترحيب بحل المشكل الحدودي القطري البحريني، والقطري السعودي، وترجم هذا الاتجاه بالمصالحة السورية الفلسطينية داخل المؤتمر، وبما حققته المساعي العربية لإيجاد حل للمشكل المعضلة العراقي الكويتي من خطوات وإن لم تصل إلى حد الإنجاز، ولكنها إذا ما توبعت بالروحية نفسها والزخم نفسه فقد تحقق نجاحاً، وإن كانت قد أضاعت فرصة النجاح في المؤتمر، لأن إضاعة تلك الفرصة ستتيح للولايات المتحدة الأميركية ممارسة الضغوط لمنع إنجازها.

5- حسمت موضوع وصول المساعدات العربية إلى الانتفاضة والسلطة الفلسطينية، ووضعت مسؤولية ذلك بين أيدي أمانة الجامعة العربية. وهذه خطوة متقدمة قياساً لآلية وصول الدعم المالي كما تقرر في مؤتمر قمة القاهرة حيث أثبتت هذه الآلية عقمها وعدم فاعليتها.

6- إذا حافظت الدول العربية على الروحية التي أبدتها في قمة عمان إزاء التعاون العربي وزيادة فاعلية الجامعة العربية فسيكون اختيار عمرو موسى وزير خارجية مصر لمنصب أمين عام الجامعة العربية من إيجابيات قمة عمان. الأمر الذي يسمح ببعض التفاؤل بترجمة توصيات وقرارات القمة العربية إلى عمل ووقائع ملموسة ولو في حد أدنى، عكس ما كان الحال حين كانت قرارات القمم العربية وتوصياتها تبقى في الأدراج أو حبراً على ورق كما يقولون.

سلبيات القمة
أما ما يمكن إدراجه ضمن السلبيات فيتمثل فيما يأتي:
1- عدم اتخاذ خطوات عملية في رفع الحصار عن العراق ما دام الجميع بما في ذلك الكويت قد وافق عليه.

2- عدم أخذ موقف قوي إزاء الحكومة الإسرائيلية الائتلافية وإمعانها في ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، فليس المطلوب أن يكتفى بمطالبة مجلس الأمن بحماية المدنيين كما تطالب السلطة الفلسطينية، وإنما بتجنيد الموقف العربي كله إسلامياً وعالمياً لفضح تلك الجرائم والتنديد بالسكوت عليها.

3- عدم إدانة أميركا بسبب التصريحات المتعلقة بنقل سفارتها إلى القدس، أو بسبب وضع الانتفاضة وجرائم الجيش الإسرائيلي المحتل على قدم المساواة تحت أسماء مثل "دورة العنف" أو "العنف المتبادل".

4- عدم التأكيد الحازم على الرد العربي الجماعي في حالة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، أو اعتبار القدس عاصمة الدولة العبرية، أو تكريس الاستيطان أو المساس بالحرم القدسي الشريف.

5- ولعل من أهم سلبيات قرارات مؤتمر القمة القرار المتعلق ببدأ المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من حيث انتهت علما بأن غالبية الذين أصدروا هذا القرار لا يعرفون يقينا أين انتهت تلك المفاوضات.


المبالغة في الهجوم على قمة عمان تحت دعوى طلب المزيد واعتبارها محبطة أو فاشلة أو خاضعة لأميركا ليس في مكانه وإن لم ترتفع إلى مستوى طموح الجماهير

بين الإيجابي والسلبي
على أن ما جاء في البيان الختامي وإعلان عمان يمكن إدراجه بين الحالتين الإيجابية والسلبية، وإن رجحت الإيجابية نسبياً، فعلى سبيل المثال عندما يظهر المؤتمر استياءه من الفيتو الأميركي ويرفض المبررات الأميركية التي قيلت لتسويغ الفيتو، يجب أن يُرى إيجابياً وإن لم يكن قوياً يرتفع إلى مستوى الإدانه. وإن القرار المتعلق بمساندة المؤتمر للجماهيرية الليبية من ناحية رفع العقوبات واعتبار أن الدول العربية في حل من التقيد بقرارات مجلس الأمن إذا لم ترفع يعتبر من القرارات القوية والتي كان يجب أن يعامل حصار العراق والسودان بالطريقة نفسها.

لعل تأكيد المؤتمر على الالتزام بدورية انعقاد القمم العربية والتشديد على أهمية التضامن العربي وتحقيق التكامل الاقتصادي وانتهاج أسلوب العمل التراكمي التدريجي يدخل ضمن الإيجابيات المحفوفة بمخاطر نسيانها عند أول منعطف وعدم السعي الحثيث لترجمتها عملياً، فإذا كان النقد قد انصب في الماضي على ما سمي بالوحدات المتعجلة أو المرتجلة، فإن الحديث عن العمل التراكمي والتدريجي شكل فيما مضى وسيلة للتهرب من التكامل الاقتصادي والعمل التراكمي التدريجي، فبدا كالحق الذي يراد به باطل، الأمر الذي يفرض على أمانة الجامعة العربية في عهدها الجديد أن تبذل الكثير لاستعادة الصدقية أو المصداقية لقرار القمم العربية وتوصياتها، ليس تلك المتعلقة بقضية فلسطين فحسب، وليس تلك المتعلقة بالعلاقات التضامنية العربية فحسب، وإنما أيضاً في كل ما له علاقة بالتجارة والاقتصاد والتعاون والتكامل والمشاريع المشتركة.

أما الإشارة في إحدى التوصيات إلى دعم التواصل بين المواطنين العرب في مختلف الأقطار وتعزيز العلاقات فيما بينهم فيحتاج إلى جهد جهيد لإعطائه بعض المصداقية بعد أن علت الأسوار على الحدود العربية في وجه التواصل بين المواطنين والانتقال -حتى السياحي- من بلد إلى آخر.

بين قمة القاهرة وقمة عمّان
لو قارنا بين لهجة بيان قمة عمان وإعلانها وبيان قمة القاهرة وتوصياتها -لاسيما من ناحية دعم الانتفاضة والتنديد بالسياسات الإسرائيلية وارتفاع النبرة هنا وهناك- فسنجد قمة عمان مالت إلى التهدئة من دون أن تتخلى عن المحتوى عموماً. وقد أول البعض ذلك ممن اعتبروها قمة "محبطة" بسبب مراعاة الموقف الأميركي الذي حمله كولن باول للدول التي زارها. ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أميركا غير سعيدة أصلاً بانعقاد قمة عربية ولن تكون سعيدة بأي تنديد عربي بالسياسات الإسرائيلية وبأي دعم عربي للانتفاضة مهما كان مخففاً ومتواضعاً، ولن تكون مسرورة أمام ما أنجز من مصالحات عربية/عربية، أو إزاء ما جرى من تقريب للمواقف فيما سمي بالحالة بين العراق والكويت ولو لم يصل إلى النجاح الكامل.. إذا أخذنا بالاعتبار أن العودة إلى التضامن العربي واتخاذ خطوات على طريق السوق العربية المشتركة والتعاون والتكامل وتحول القمم العربية إلى دورية فإن المبالغة في الهجوم على قمة عمان تحت دعوى طلب المزيد واعتبارها محبطة أو فاشلة أو خاضعة لأميركا ليس في مكانه، وإن لم ترتفع إلى مستوى طموح الجماهير أو حتى لم ترتفع من بعض الأوجه إلى مستوى القمة الإسلامية التي عقدت في الدوحة، أو هبطت بنبرتها الاستنكارية للسياسات الإسرائيلية عن بيان قمة القاهرة.

إن كل من يتذكر الحال العربي في النصف الأول من العقد الماضي ويقارنه بما ظهر منه في قمة عمان لا بد له من أن يجد تحسناً في صحته وإن لم يبرأ تماماً. ولكي نعمل على أن يبرأ ويتعافى ينبغي أن نلتقط كل إيجابية فيه مهما تواضعت لنبني عليها ونتقدم إلى الأمام، وهو ما تحتاج إليه الانتفاضة في دعمها وشد أزرها. ومن هنا يجب أن نميل إلى الإيجابية التي لا تعمي عن وجود سلبيات.
____________________
(*) كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.