قراءة أولية في انتخابات الرئاسة الموريتانية


undefined
* بقلم/موسي ولد حامد

– خريطة المرشحين
– مصداقية الانتخابات.. مسألة مطروحة
– أزمة سياسية لا دواء لها

أسدل الستار يوم الجمعة الماضي الموافق السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني على الانتخابات الرئاسية في موريتانيا التي تعد الثالثة من نوعها في ظل التعددية السياسية التي عرفتها البلاد منذ سنة 1992، وقد كرست هيمنة معاوية ولد سيد أحمد الطايع الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول 1984 على الساحة السياسية الموريتانية.

خريطة المرشحين
رغم وجود ستة مترشحين للرئاسة، تمكن الرئيس ولد الطايع من حسم المنافسة في دور واحد بنسبة 66.69% وقد بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات 60.83% وهي أعلى نسبة للمشاركة تعرفها استحقاقات رئاسية في البلاد منذ بزوغ العهد الديمقراطي.

أما المترشحون الآخرون فقد حصلوا على النسب التالية:
– محمد خونه ولد هيداله (الرئيس السابق للبلاد ما بين 1980-1984) حصل على نسبة 18.73%.
– أحمد ولد داداه (زعيم حزب تكتل القوى الديمقراطية، الذي يتقدم للمرة الثانية لانتخابات رئاسية في البلاد) حصل على نسبة 6.89%.
– مسعود ولد بلخير (زعيم الحراطين وهم فئة المجتمع التي تأثرت بالرق) حصل على نسبة 5.03%.
– مولاي الحسن ولد أجيد (زعيم حزب سياسي صغير، يتقدم للمرة الثالثة للرئاسيات) حصل على نسبة 1.48%.
– عائشة بنت جدان (أول امرأة تتقدم للانتخابات الرئاسية في البلاد) حصلت على نسبة 0.87%.


الانتخابات كانت بصورة عامة غير مزورة لكنها تفتقر للشفافية من طرف الإدارة التي أشرفت على تنظيمها دون أدنى إشراك للقوى السياسية المعارضة

في ضوء هذه النتائج التي ترفضها المعارضة –بحق أو بغير حق- نشاهد أن الرئيس المنتصر ولد الطايع حصل على الأكثرية في مقاطعات البلاد كلها ما عدا مقاطعة السبخة في نواكشوط العاصمة، وهي مقاطعة يمثل الزنوج معظم سكانها ولم يحصل فيها هذا النظام أبدا على أكثرية خلال الانتخابات الماضية كلها. أما فيما يخص تفسير هذه النسبة العالية التي فاز بها مرشح النظام، فإن جل المراقبين يرجعون هذا النجاح غير المنتظر إلى جملة أسباب أهمها:

– الأصوات القبلية: إذا ما تفحصنا نتائج الانتخابات الموريتانية حسب الولايات نشاهد أن الولايات الجنوبية الشرقية من البلاد (الحوضين والعصابة) التي تمثل أكثر من ثلث الناخبين الموريتانيين قد صوتت للرئيس بأكثر من 80%. ويعود ذلك أساسا إلى أهمية دور القبيلة في هذه الولايات النائية، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار العقلية السائدة التي تدفع القبائل إلى التحالف التلقائي مع النظام القائم أيا كان نوعه. ولا تقتصر هذه العقلية على الولايات الجنوبية الشرقية وإنما تمس الولايات كلها ما عدا المدن الكبرى: نواكشوط وانواذيبو.

– ظهور مبادرات حرة تدعم ولد الطايع وينعشها كبار الموظفين ورجال الأعمال: هذه المبادرات التي لا تندرج في إطار أي حزب سياسي، مكنت أصحابها من العمل بحرية دون أن يكون عليها أن تبرر التركة الثقيلة لأحزاب الأغلبية. إضافة إلى ذلك فإن هذه المبادرات خصصت مبالغ طائلة من المال للحملة الانتخابية، استغلتها كوسيلة للإقناع وللعمل السياسي في بلد يفتقر إلى الوعي السياسي، وبعد سنة من الجفاف أتت على كل شيء وتركت السكان في حاجة ماسة تجعل من السهولة بمكان استجلابهم بالمال مقابل تصويتهم للرئيس ولد الطايع.

– انعدام الوسائل المادية لدى مرشحي المعارضة: إن أي حملة انتخابية تتطلب مبالغ مهمة لتغطية تكاليفها، خاصة في بلد مترامي الأطراف كموريتانيا. وما دام معظم رجال الأعمال والموظفين الكبار يساندون الرئيس ولد الطايع فإن منافسيه لن يجدوا من يتحمل التكاليف المادية لحملاتهم. وعلى ذلك فإن خطاب هؤلاء المرشحين لم يتجاوز المدن الكبرى للوصول إلى القرى والأرياف النائية التي بقيت لمرشح النظام بدون منازع.

غير أن كل هذه المعطيات التي تفسر فوز ولد الطايع لم تمنع المعارضة من التشكيك في نتائج الانتخابات وبالتالي في فوز الرئيس ولد الطايع.

مصداقية الانتخابات.. مسألة مطروحة
جرت انتخابات الرئاسة الموريتانية في غياب مراقبين دوليين عكس ما كانت تطالب به المعارضة. وبالرغم من أن الحكومة الموريتانية لم تمنع حضور المراقبين الدوليين فإنها رفضت دعوتهم بصورة رسمية، وهو ما منع الاتحاد الأوروبي من إرسال مراقبين.

وفي غياب هذا الحكم الحيادي، فإن تقويم الفرقاء السياسيين الموريتانيين لمسيرة العملية الانتخابية يبقى متناقضا. فالحكومة تعتبر أن الانتخابات جرت بشفافية تامة، بينما ترفض المعارضة ذلك رفضا تاما، وتصف العملية الانتخابية بأنها تزوير من بدايتها إلى نهايتها. وقد أصدر مرشحو المعارضة الثلاثة بيانا مشتركا يرفضون فيه نتائج الاقتراع الرئاسي ويطالبون بإلغائه وتنظيم انتخابات جديدة تحت رعاية كل الفرقاء السياسيين.

غير أن ما يضعف موقف المعارضة من هذه الانتخابات هو هدوء الشارع الموريتاني مما يمكن تأويله بغياب تعاطفه مع ما تدعيه. فلو كانت المعارضة حصلت فعلا على أكثرية في الرأي العام لانطلقت المظاهرات والاحتجاجات في كل مكان.

ولعل الحقيقة هي أن الانتخابات كانت بصورة عامة غير مزورة، إلا أنها كانت تنقصها الشفافية من طرف الإدارة التي أشرفت على تنظيمها دون أدنى إشراك للقوى السياسية المعارضة التي لم تكن لديها أي ثقة بوزير الداخلية الحالي، وخلافا لسلفه الذي أشرف على تنظيم الانتخابات البلدية والتشريعية عام 2001 التي اعترف الجميع بنتائجها، لم يقبل في أي وقت أن يقابل ممثلي مرشحي المعارضة لتدارس الوضع معهم. موقف وزير الداخلية الرافض لأي تعامل مع المعارضة لم يكن ليسهل الأمور، وكان أحرى به أن يضمن مصداقية لهذه الانتخابات. ونتيجة كل ذلك اندلاع أزمة سياسية كانت البلاد في غنى عنها.

أزمة سياسية لا دواء لها


سيظل المستقبل السياسي في موريتانيا رهنا بتصرف حكومة ولد الطايع ومدى توفيقها في حل معادلة الديمقراطية واستتباب الأمن، وفي حالة عدم نجاحها في ذلك فإن جميع الاحتمالات تبقى مفتوحة

لقد كان الرأي العام الموريتاني يعلق آمالا كبيرة على هذه الانتخابات الرئاسية من حيث أنها ستمكن من فرز وضعية سياسية يقبل بها الجميع وتؤمن البلاد من خطر الانجراف في دوامة العنف والاضطرابات السياسية.

غير أن ما حدث هو عكس ذلك. صحيح أن الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع حصل على نصر انتخابي قد يكون حقيقيا ومستحقا، غير أنه لم يحصل على النصر السياسي الذي كان ينشده.

فالمعارضة الموريتانية التي لم تعترف قط بشرعية نظام ولد الطايع، كانت مستعدة فيما يبدو للاعتراف به رئيسا شرعيا لو أنه بذل مجهودا في طمأنتها عن طريق الالتقاء بها أو تقديم تنازلات شكلية لإرضائها.

كل ذلك لم يحدث. فالرئيس كان مشغولا بالدفاع عن كرسيه أكثر من حرصه على تنقية الأجواء السياسية في البلاد، مما أدى إلى اندلاع أزمة سياسية جديدة حول شرعية النظام ومصداقيته، وقد زاد الطين بلة أن الحكومة وقبل انتهاء الحملة الانتخابية قامت باعتقال المرشح الرئيسي للمعارضة محمد خونا ولد هيداله الذي حصل على 18% من أصوات الناخبين مع سبعة من كبار معاونيه.

هذا التصعيد المفاجئ من طرف الحكومة خلق أزمة سياسية ليس بالإمكان تصور حل لها في المدى القصير، كما أنه سيشكك في جدوى العمل السياسي المعلن في موريتانيا وفي مصداقية الديمقراطية الناشئة.

أما فيما يخص المستقبل السياسي في البلاد فهو رهن بتصرف حكومة ولد الطايع ويتوقف على مدى توفيقها في حل معادلة الديمقراطية واستتباب الأمن، وفي حالة عدم نجاح الحكومة في ذلك فإن جميع الاحتمالات تبقى مفتوحة.
ــــــــــــــــــ
* المدير العام لجريدة القلم الموريتانية

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.