برافو أسامة!

بقلم: غراهام فولر*

برافو أسامة! فإن كان هدفك من وراء هجماتك على مركز التجارة العالمي والبنتاغون هو تقويض العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب فقد نجحت في تحقيقه بجدارة، إذ أن التوتر بين الجانبين لم يكن أسوأ مما هو عليه الآن خلال العصور الحديثة. وإن كان هدفك هو إحداث مواجهة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة فقد نجحت. إننا لا نعرف حتى الآن مدى نجاحك لأن الأثر البعيد لهجمات 11 سبتمبر ما زال غير واضح سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو الشرق الأوسط أو العالم، لكن الأمور سيئة للغاية وقد تسوء أكثر.

ما زلنا نرصد أصداء هذه الأحداث وهي تقع في العالم. إلا أننا نستطيع أن نتحدث فقط عما حدث في السنة الأولى للهجمات, وبالتالي يمكن القول أنه لا توجد أي نتيجة إيجابية لها حتى الآن بالنسبة لأي جهة كانت, ربما باستثناء أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة.

وإذا كان هدف أسامة بن لادن هو تحطيم الولايات المتحدة كقوة وكمجتمع فقد فشل. وعلى العكس فإن الهجمات زادت من قوة الولايات المتحدة في معظم المجالات القانونية والعسكرية والإستراتيجية. إن الولايات المتحدة اليوم من الناحية العسكرية أكثر قوة مما كانت عليه قبل الهجمات, ولدينا رئيس راغب باستخدام القوة العسكرية الأميركية من أجل تغيير العلاقات الدولية بطريقة يعتقد أنها ضرورية. فالأحداث عززت من سلطة الرئيس بطريقة لم تكن لتحدث لولا تلك الهجمات. أما السياسة الخارجية الأميركية فهي الآن أكثر نشاطا وأكثر تدخلا في شؤون الآخرين مما كانت عليه خلال السنوات العشرين الماضية أو أكثر. وعلى الصعيد العسكري تقوم الولايات المتحدة بتوسيع قواعدها العسكرية في العالم لمواجهة تهديدات جديدة. وأعتقد أن هذا ليس في صالح العالم أو حتى الولايات المتحدة على المدى البعيد لكن هذه هي الحقيقة.

أما بالنسبة لبقية العالم فالنتائج كارثية جدا، لأن الولايات المتحدة تمارس الآن نفوذا قويا وضغطا كبيرا على عدد كبير من دول العالم بطرق لا تحبها هذه الدول. إضافة إلى ذلك فإن المسائل الأمنية تحتل الآن أولوية في العلاقات الدولية عندما يتعلق الأمر بالمساعدات الاقتصادية الخارجية أو الاستثمارات أو التنمية البشرية. فالإرهاب أصبح القضية الأولى على جدول أعمال أي مباحثات دولية مما همش غالبية القضايا الأخرى.

وبالنسبة للمسلمين فإن آثار 11 سبتمبر أسوأ بكثير، إذ مارست الولايات المتحدة ضغوطا دبلوماسية قوية على غالبية الدول الإسلامية وخصوصا العربية لحملها على التعاون في مكافحة الإرهاب. وأطاحت الولايات المتحدة بنظام طالبان وهو ما كان ضربة لمصالح باكستان, على الرغم من أن ذلك جعل الشعب الأفغاني أكثر حرية مما كان عليه منذ عقود طويلة. وربما تهاجم الولايات المتحدة العراق وتطيح بنظام صدام حسين خلال الشهور الستة القادمة. وأعتقد أن هذا سيكون في صالح الشعب العراقي وسيرحبون به. إلا أن غالبية المسلمين يعتبرون التدخل الأميركي في العراق أو في أماكن أخرى من العالم الإسلامي عملا غير مرغوب. كما أن علاقة الولايات المتحدة بالفلسطينيين هي الأسوأ منذ حوالي عشر سنوات، وباسم الحرب على الإرهاب تعمل الولايات المتحدة جنبا إلى جنب مع أكثر الحكومات الإسرائيلية قسوة ويمينية منذ سنوات عديدة. إضافة إلى ذلك استفاد قادة كل من روسيا والهند والصين والفلبين من الحرب على الإرهاب للانقضاض على الأقليات المسلمة في بلدانهم. وأصبحت علاقات روسيا والهند مع واشنطن أقوى الآن مما كانت عليه لعقود طويلة.

اليوم تحوم الشبهات حول المسلمين أينما ذهبوا، ليس في الولايات المتحدة فقط بل وعلى مستوى العالم أيضا. والمسلمون في الولايات المتحدة والغرب تحت المراقبة الشديدة أكثر مما كان عليه الوضع من قبل. وأصبح حصول المسلمين على تأشيرات إلى الدول الغربية مسألة أكثر صعوبة، كما استفاد حكام الدول الإسلامية من الحرب على الإرهاب لتعزيز قبضتهم وقمعهم لشعوبهم في كثير من هذه الدول, وخصوصا ضد الإسلاميين. وهكذا فقد المسلمون حرياتهم.

وفي الولايات المتحدة تعزز موقف الجماعات المؤيدة لإسرائيل إلى جانب الصهاينة المسيحيين والمحافظين الجدد ذوي الأطماع الإمبريالية، فقد منحهم أسامة بن لادن سلاحا قويا. وزادت الهجمات الفكرية والسياسية ضد الإسلام والمسلمين، بينما لم يعد أشخاص مثلي ممن يحاولون توضيح الموقف العربي والإسلامي للجمهور الأميركي قادرين على الحصول على فرص كبيرة لعرض ذلك الموقف في وسائل الإعلام، إذ أن المجال في تلك الوسائل ممنوح للذين يتعاطفون مع الأفكار المعادية للتربية الإسلامية وتلك التي تلصق صفة الإرهاب بالإسلام. وينظر غالبية الغربيين إلى المدارس الدينية في العالم الإٍسلامي على أنها مدارس لتدريب الإرهابيين. وهكذا فإنه من الصعب أن يجادل أحد لصالح الإسلام، ليس في أميركا وحدها ولكن في أي مكان في الغرب. لقد تضررت صورة الإسلام كثيرا.


المسلمون يعتبرون الحرب الأميركية على الإرهاب حربا على الإسلام والمشاعر المعادية للأميركان أصبحت أقوى مما كانت عليه من قبل

وفي العالم الإسلامي نفسه يموج الناس غضبا من الحرب على الإرهاب لأنهم يرونها حربا على الإسلام. وأصبحت المشاعر المعادية للأميركان أقوى مما كانت عليه من قبل, وأصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي أسوأ مما كانت عليه. وهذا الوضع سيئ بالنسبة للولايات المتحدة لكنه أسوأ بالنسبة للمسلمين. الأميركيون فقدوا بعضا من حرياتهم المدنية في خضم هذه الحرب على الإرهاب، لكنهم قبلوا ذلك راغبين. وإذا قرر الأميركيون أن سياسات بوش خاطئة، فيمكنهم التخلص منه في الانتخابات القادمة عام 2004. أما المسلمون فقد فقدوا كثيرا من الحريات في بلادهم ولم يقبلوا ذلك طائعين ولا يستطيعون التخلص من حكامهم خلال سنتين كما هو حال الأميركان.

ولو كان "تصادم الحضارات" الذي تحدث عنه صموئيل هانتنغتون قبل عشر سنوات أمرا ممكنا، فإن وجهات نظر هانتنغتون أثبتت الآن صحتها للأسف. إن أعداد الأميركيين والمسلمين الذين يؤمنون بـ"صدام الحضارات" تزداد اليوم بشكل أكبر مما كانت عليه عندما طرح هانتنغتون هذه المسألة أول مرة.

ولذلك ينبغي أن يفرح أسامة بن لادن في الذكرى الأولى لهجمات 11 سبتمبر. وقد لا يكون على قيد الحياة وربما عانى تنظيم القاعدة كثيرا من الضرر والخسائر البشرية والبنية التحتية والتمويل وقدرته على الحركة، وقد يستطيع مهاجمة الولايات المتحدة ثانية ومن المحتمل أن يفعل ذلك، لكن القوة الأميركية تعززت أكثر على المستوى الدولي بسبب تلك الهجمات، بينما ضعف العالم الإسلامي وأصبح هو الضحية الرئيسية للهجمات.

إننا في أميركا بحاجة للتفكير في كيفية منع وقوع مزيد من الضرر في العلاقات مع العالم الإسلامي. نحن بحاجة إلى التفكير في الثغرات الموجودة في سياساتنا المتعلقة بالعالم الإسلامي. وآمل ألا تقدم الولايات المتحدة على اتخاذ إجراء عسكري من جانب واحد كرد فعل على مشكلة الإرهاب لقناعتي بعدم جدواها وفاعليتها على المدى الطويل.

ولكن ماذا عن المسلمين أنفسهم؟ لابد أن يعرفوا حجم الضرر الذي سببه بن لادن لهم سواء كانوا راضين عن الوجود العسكري الأميركي في السعودية أم غير راضين. يجب أن يعترف المسلمون بأن بن لادن وغيره في تنظيم القاعدة -وغالبيتهم من العرب- هم الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر، لأن إنكار أنها من فعل بن لادن أو المسلمين هو إنكار للحقيقة. ولا يوجد أي دليل آخر مقنع حول أي تفسير آخر لما جرى في ذلك اليوم سوى تلك التفسيرات التي يقولها مجانين. إنني أعارض السياسات الإسرائيلية معارضة شديدة, ولكن لا يوجد أي شخص عاقل في أميركا أو أوروبا يعتقد أن بن لادن كان يتصرف لمصلحة جهات أخرى كإسرائيل أو واشنطن. كما أن على المسلمين أن يفكروا بالمخاطر التي تنتج عن قناعتهم بأن الفكر الجهادي هو أسلوب التعامل مع الغرب أو مع أي شخص آخر. والواقع أن المسلمين لهم الحق –أو هو التزام وفرض عليهم- بأن يقرروا ما يقوله الإسلام وما لا يقوله. ولكن الطريقة التي يفسرون بها تعاليم الإسلام والطريقة التي يتم فيها تعليم الإسلام وممارسته لها أكبر الأثر على مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب. فهل هو تفسير قاس للإسلام يشجع على العداوة أم هو تفسير مفتوح يتماشى مع العالم المتحضر؟

لقد أمضيت كثيرا من حياتي أعمل مع مسلمين وأجادل من أجل قضيتهم، لأنني أعتقد بالحاجة للتعاون القوي بين العالم الإسلامي والغرب. وأعتقد أن الغرب ارتكب أخطاء كثيرة في سياساته الشرق أوسطية، لكن بن لادن ليس هو الرد على تلك الأخطاء. ولكن إن كان الهدف هو تخريب العلاقة بين الإسلام والغرب وزيادة التوتر بينهما فإن عملياته حققت ناجحا منقطع النظير في هذا المجال. ومن الواضح أن عملياته هذه كان لها وقع الصدمة على الولايات المتحدة، وأثبت بن لادن أن أميركا ضعيفة أمام الهجمات. لكن العالم الإسلامي لا يمكنه تحقيق الكثير من هذه النجاحات التي حدثت في 11 سبتمبر, لأن المسلمين حتى الآن هم أكبر خاسر من عواقب تلك الهجمات خلال العام الذي مضى. دعونا نأمل أن تسود الحكمة والحذر الجانبين خلال العام القادم بطريقة أكثر مما هي عليه اليوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.