"القبقاب" المصري.. رنة تتوارى بصمت

القبقاب" حذاء مصنوع من قطعة مستوية من الخشب تعلوها قطعة من الجلد السميك
القبقاب حذاء مصنوع من قطعة مستوية من الخشب تعلوها قطعة من الجلد السميك (الأناضول)
يطرق الصانع المصري الستيني نور عبد القادر حذاء خشبيا بآخر فيصدر رنة شهيرة داخل ورشته المتهالكة بحي الغورية وسط العاصمة المصرية، صوت في صداه تاريخ صناعة "القبقاب"، الحذاء الأشهر في عصور سابقة قديمة.

و"القبقاب" حذاء مصنوع من قطعة مستوية من الخشب تعلوها قطعة من الجلد السميك يكون أحيانا من إطار السيارات مثبتة من الجانبين بصفيحة معدنية و"مسامير قبقابية".

يرجع تاريخ "القبقاب" في مصر إلى عصر الفاطميين (909-1171)، إذ كان ينتعل بكثرة في المنازل والحمامات الشعبية لمنع الانزلاق، وارتبط "القبقاب" بالثقافة الشعبية المصرية، ففي عصر المماليك (1250-1517) كان سببا في مقتل الملكة شجرة الدر سنة 1257 (حكمت مصر ثمانين يوما)، والتي قيل إنها ماتت ضربا بالقباقيب.

يجلس عبد القادر وسط أكوام من الخشب مختلفة الأحجام والأوزان في ورشته التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن الماضي وبجواره ماكينة لتقطيع "القباقيب" وتفصيله فيحول بأنامله قطع الخشب الخشنة إلى "قباقيب" ناعمة.

 
‪كان‬ القبقاب (الأناضول)
‪كان‬ القبقاب (الأناضول)

وبنبرة حزن شديدة يقول "كنت أحد أهم موردي القبقاب للصعيد (جنوب) وللفلاحين (ينتشرون في القرى) وكل أنحاء مصر، أما الآن فانتظر مجهولا".

ورث عبد القادر مهنة صناعة "القبقاب" من والده تاجر الأخشاب الذي عمل في المهنة من منتصف القرن الماضي إلا أنه فضل في بدايات حياته السفر إلى أوروبا، قبل أن يعود إلى القاهرة ويتعلم المهنة المستمر فيها منذ ما يزيد على عشرين عاما.

وعن مراحل تكوين القبقاب يقول "تبدأ صناعته بإحضار الخشب المطلوب، ونقوم بتقطيعه إلى نصفين متساويين بالمنشار بحسب مقاس القدم على آلة تقطيع حديدية، وبعدها نزيل الزوائد الخارجية من الجانبين ومن الأمام والخلف"، ثم نركب قطعة من إطار السيارات أعلى القطعة الخشبية ونثبتها بقطعة صفيح بمسامير قبقابية".

وعن أنواع الأخشاب المستخدمة، يقول "هناك العديد من الأخشاب يصنع منها، مثل الكافور والجوز والمشمش والصفصاف والزان والمانجو والسيبانس والفيكس، وهي أرخص نسبيا من التوت واللبخ والسرسوع، ونجلبها من الفلاحين".

القبقاب الحذاء الأشهر في عصور سابقة قديمة في مصر (الأناضول)
القبقاب الحذاء الأشهر في عصور سابقة قديمة في مصر (الأناضول)

ويشير عبد القادر إلى أنه يستخدم خشب التوت و"السيبيناس" بسبب انخفاض سعرهما، وهو ما يجعل هناك ربحا على عكس خشب "الموسكي" غالي السعر، في حين أن "الكافور" لا يصلح في ظل الجو لأنه يجعل القبقاب "معوجا".

ويؤكد هجر معظم صانعي القبقاب للمهنة ولجوءهم إلى مهن أخرى بسبب ضعف الإقبال على شرائه، والذي تنافسه حاليا الأحذية المصنوعة من البلاستيك، مشيرا إلى أن عدد أصحاب المهنة في مصر حاليا لا يزيد على خمسة.

وعن مواسم ازدهار بيع القبقاب في مصر يقول "تعتبر المواسم الدينية المتمثلة في شهور رجب وشعبان ورمضان أكثر أوقات بيع القبقاب، إذ يشتري بعض الناس كمية كبيرة تصل إلى مئة قبقاب ويتبرع بها للمساجد".

ويؤكد عبد القادر أن المواطنين لا يقبلون حاليا على شراء القبقاب لاستعماله في المنزل، وأنه أصبح يقتصر على المساجد للوضوء رغم أن الأغنياء كانوا يشترونه من قبل.

الصانع المصري الستيني نور عبد القادر واحد من قلائل ما زالوا يصنعون القبقاب في مصر (الأناضول)
الصانع المصري الستيني نور عبد القادر واحد من قلائل ما زالوا يصنعون القبقاب في مصر (الأناضول)

وعن فوائد "القبقاب" الصحية والطبية، يقول إنه معالج لمرض الروماتيزم (التهاب المفاصل)، وينصح الأطباء الأشخاص الذين لديهم حساسية في القدمين بارتدائه، ولا يتسبب القبقاب في التشققات الجلدية بأصابع القدمين، كما أنه عازل جيد للكهرباء، بحسب نور.

ويلفت صانع "القباقيب" إلى أن سعر الواحد منها يتراوح بين 10 و25 جنيها (نصف إلى 1.5 دولار)، لكن الأعلى سعرا يتم تصنيعه حسب الطلب، إذ يتم تزيينه بالصدف والألوان لتعطي منظرا جميلا.

ولا تعود ذكرى "القبقاب" وأغانيه وأشعاره إلى مصر فقط، بل له تاريخ في بيروت وإسطنبول ودمشق، وكان عادة يرتديه علية القوم في الأسواق والمنازل والمجالس الرسمية بأشكال متنوعة وفريدة.

ويقول الباحث المصري في التراث والحضارة محمد الجزيري إن "القبقاب موجود في مصر منذ العهد الفاطمي، وخصصت أسواق للقبقاب في الوطن العربي، أهمها في دمشق خلف المسجد الأموي، كما انتشرت أسواق أخرى في مصر".

المصدر : وكالة الأناضول