أبو أيوب الأنصاري.. رمزية الحكم العثماني

لافتة للإرشاد إلى بوابة مغادرة مقام الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري
مسجد أبو أيوب الأنصاري في إسطنبول يستقطب أعدادا كبيرة من الأتراك والسياح (الجزيرة)

خليل مبروك – إسطنبول

يقبل الأتراك بشغف كبير على زيارة ضريح الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري، الذي أعيد افتتاحه في الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك عام 2015 بعد ثلاث سنوات من إغلاقه لأعمال الترميم.

ويشهد المسجد كعادته زحاما شديدا، فلا يكاد الزائر يجد موطيء قدم بين الجموع خاصة إذا تزامن حضوره مع النداء للصلاة في مسجد أيوب المقام بجوار الضريح والذي يطلق عليه الأتراك اسم "أيوب سلطان جامع" في الشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول.

وإلى جانب مكانته الدينية وارتباط الأتراك به تعبيرا عن محبتهم للصحابي الجليل الذي يردون لقبره كثيرا من الفضل في إصرار أجدادهم على فتح إسطنبول عام 1453 الميلادي، يمتلك المكان جاذبية خاصة كعنوان للهوية الإسلامية في بلد حارب حكامه الدين باسم "الجمهورية العلمانية" لأكثر من ثمانين عاما.

وخلال حكم الجمهوريين العلمانيين لتركيا، خضع جامع أيوب لما خضعت له مساجدها من قرارات وأحكام، فنودي للصلاة فيه بالأعجمية وعانت كنوزه الأثرية من التلف والإهمال لكنه لم يغب عن مكانته في قلوب الأتراك.

قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري (الجزيرة)
قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري (الجزيرة)

وتقول المراجع التاريخية التركية إن جامع أيوب اكتسب مكانته في عهد الدولة العثمانية أيضاً من كونه الأول الذي يشيد في إسطنبول بعد فتحها، وقد تم بناؤه عام 1458 في عهد السلطان محمد الفاتح أي بعد خمس سنوات على فتح المدينة.

ووفقا لعمر ترونجان، أستاذ التاريخ في مدارس إمام وخطيب، فإن الأتراك لجؤوا إلى معالم دينهم للاحتماء من غزو العلمانية في عهدها الأول، فأصبحت المساجد والأوقاف ملاذات يحافظون عبر زيارتها على ارتباطهم بالإسلام الذي بقي غريبا في دولة خلافته الأخيرة طوال القرن العشرين.

وقال ترونجان -في اتصال هاتفي مع مجلة الجزيرة- إن جامع أيوب "كان كالمساجد الكبرى الأخرى يمنح الأتراك شعاعا روحيا خلال الفترة الجمهورية ربما حافظوا عبره على تدينهم، لكن لم يكن للمساجد في تلك الحقبة أي دور في السياسة أو الفكر أو المجتمع".

وتابع بالتأكيد أن مدرسة التدين في تركيا هي مدرسة صوفية بامتياز، وقد استفادت من عزوفها عن السياسة في الوقت الذي لم تكن فيه ظروف البلاد تسمح بظهور غير العلمانيين في واقعها، وهو أمر أتاح للأمة التركية (وفق تعبيره) أن تحافظ على هويتها باللجوء إلى المحاضن الدينية العريقة مثل جامع أيوب والسليمانية وبايزيد وغيرها.

شبان وفتيات يقرأون الفاتحة أمام ضريح الصحابي أبي أيوب الأنصاري (الجزيرة)
شبان وفتيات يقرأون الفاتحة أمام ضريح الصحابي أبي أيوب الأنصاري (الجزيرة)

وفي الـ11 من أغسطس/آب 2014 افتتح رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان فترة حكمه بعد انتخابه من الجولة الأولى بأداء الصلاة في الجامع، وبعد أقل من شهر سلك خليفته أحمد داود أوغلو ذات الطريق مستهلا أول أيامه في رئاسة الوزراء بصلاة الفجر مع والي إسطنبول حسين عوني موتلو ورئيس بلدية المدينة قدير توباش وعدد من المسؤولين في ذات المكان.

ولم تكن زيارة زعماء تركيا الحديثة للجامع من بدع التاريخ التركي، إذ كان سلاطين العثمانيين يتولون الحكم بعد تقلد سيوف الخلافة في هذا الجامع وكأنهم يعلنون أنهم يستمدون سلطتهم من التمسك بتراث هذا الصحابي الجليل.

وفي جوار المسجد تنتشر قبور السلاطين وكبار رجال الدولة العثمانية ونسائهم الذين كانوا يوصون قبل مماتهم بدفنهم بجوار المقام، كما تنتشر أسماء الصالحين على شواهد قبورهم في المقابر القريبة من الجامع.

ويحظى الضريح بمكانة بالغة الأهمية لدى الأتراك الذين يصطفون في طوابير طويلة أمامه يقرأون الفاتحة ويتوجهون بالدعاء في مشهد يثير انتقاد بعض العلماء، الذين يعتبرون زيارته والتبرك به من البدع التي لم تنص عليها الشريعة الإسلامية.

وقال أحد زوار المقام ويدعى محمد، بعد أن فرغ من تلاوة سورة الفاتحة قرب الضريح، إن تلاوة القرآن على أرواح أموات المسلمين والدعاء لهم عمل يثاب عليه المؤمن ويؤجر به، مضيفا أن الرسول صلى الله عليه وسلم استحب للناس زيارة قبور موتاهم.

الأتراك يتوافدون بالآلاف على ضريح الصحابي أبي أيوب الأنصاري (الجزيرة)
الأتراك يتوافدون بالآلاف على ضريح الصحابي أبي أيوب الأنصاري (الجزيرة)

وأضاف الشاب العشريني لمجلة الجزيرة أن المكانة الكبيرة للصحابي الأنصاري بين الأتراك هي ذات مكانة بقية الصحابة بين عموم المسلمين، مشيرا إلى أن للصحابي فضلا كبيرا على أمة الإسلام باعتباره من المسلمين الأوائل الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه.

بدوره رد الشيخ أريدين، وهو أحد سكان المنطقة المجاورة للضريح، حب الأتراك للصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري إلى مكانته وسبقه في الإسلام قائلا "إن أحدا من المسلمين لا ينسى له استضافته رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته يوم الهجرة".

وذكر لمجلة الجزيرة أن إغلاق المقام لأعمال الترميم لا يحول دون توافد الزوار الذين يقفون أمام نافذة زجاجية صغيرة لتلاوة القرآن الكريم والتوجه إلى الله بالدعاء من جوار الضريح.

وتنتشر في محيط المقام لوحات إرشادية تتضمن توجيهات من سلطة الشؤون الدينية للزوار، ومن ضمنها أن الإسلام بريء من أي بدع أو أعمال تخرج عن أصول الشريعة خلال زيارة المقام، في وقت يؤكد كثير من المواطنين أن الجهل يدفع البعض إلى التوجه للضريح لطلب الحاجة خاصة في مسائل تأخر الزواج والإنجاب وانحباس الرزق وغيرها.

المصدر : الجزيرة