العدة.. رقصة "حضرمية" بروح عسكرية

انقسام رقصة العدة الحضرمية إلى قسمين ويسمى الشنف ودخول الشاعر لألقى الشعر
انقسام رقصة العدة الحضرمية إلى قسمين ويسمى الشنف ودخول الشاعر ليلقي الشعر (الجزيرة)

راضي صبيح – حضرموت

تعد رقصة "العدة" من أشهر الألعاب والطقوس التراثية في محافظة حضرموت شرق اليمن، وأكثرها حضوراً في المناسبات الاجتماعية، وتعرف بأنها أم الألعاب الشعبية من بين أخواتها "الشبواني" و"الزربادي" و"المساجلات الشعرية"، وتتميز بروح قتالية في شكلها وأدائها.

يقول الكاتب والأكاديمي ب جامعة حضرموت علي با رجاء "تعود جذور رقصة العدة وما يتصل بها من شبواني وشعر إلى القرن العاشر الهجري".

وأشار با رجاء في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه الرقصة جاءت تخليداً للانتصارات التي حققها أبناء مدينة الشحر الساحلية بمعية أبناء حضرموت في مواجهة اجتياحات البرتغاليين المتكررة.

وأضاف "ظهرت رقصة العدة والشبواني كأحد أشكال الابتهاج بالنصر والإشادة به، ليتحول كل ذلك إلى فن من فنون الرقص الشعبي. ولعلّ إطلاق اسم الألعاب الشعبية على هذه الفنون تأثر بالدور الذي أدته المقاومة، وتمثيل ما قامت به في دحر البرتغاليين".

في رقصة العدة يتقابل الصف الأول مع الثاني بإشارة من قائد الطلعة استعداداً لتقارع العصي (الجزيرة)
في رقصة العدة يتقابل الصف الأول مع الثاني بإشارة من قائد الطلعة استعداداً لتقارع العصي (الجزيرة)

إيقاعات متنوعة
تبدأ رقصة "العدة" باصطفاف المشاركين في صفين متقابلين "الشنف"، ثم يرددون لحناً شعبياً "وولا كب وولا كب"، وعندها يظهر في الوسط شاعر يلقي بيتين من الشعر، كل بيت يردده أحد الصفين، وغالباً ما يكون الشعر ذا دلالة مرتبطة بالمناسبة التي تقام من أجلها رقصة العدة، وهنا تنطلق الأصوات من حاملي الطبول "الدفوف والهاجر والمراويس والطويس"، ويتحول الصفان إلى عدة صفوف صغيرة، تردّد الثلاثة الأولى شطر البيت الأول بينما تردد الصفوف الأخرى عجُزه، ويبدأ المسير بإيقاعات وضربات موسيقية متنوعة، ويتغنى الراقصون وهم يتمايلون بأجسامهم يمنة ويسرة ويؤدون حركات أشبه بالعرض العسكري، حتى يصل الموكب إلى ساحة عامة معلناً إنهاء اللعبة.

وتؤدَّى رقصة "العدة" في الغالب بما لا يقل عن ستة صفوف، يتراوح اللاعبون فيها من 8 إلى 12. ويلبس الراقصون عمائم من رداء بنفسجي اللون يسمى "الرمال"، ويحملون العصي التي تؤدي وظائف متعددة تضفي الطابع العسكري على الرقصة، فعندما تتقارع العصي بقوة تعلن ساعة الإطلاق أو التوقف.

حركة واحدة في زمن واحد بين كرّ وفرّ والتحام يؤديها لاعبو رقصة "العدة"، يستمدونها من قائد الطلعة الذي يتوسط الصف الأول، وتتناغم حركته مع أصوات الإيقاعات الصادرة من الطبول.

يسمى فريق الرقصة في كل حي باسم "العدة"، ويترأسه شخص كبير في السن يسمى "المقدم" ويحظى باحترام وتقدير واسعين يؤهلانه لحل الكثير من مشكلات الحي.

يظهر في الوسط قائد الطلعة الذي ينسق مع اللاعبون حركاتهم (الجزيرة)
يظهر في الوسط قائد الطلعة الذي ينسق مع اللاعبون حركاتهم (الجزيرة)

أكثر من مجرد رقصة
ظل سكان حضرموت محافظين على رقصة العدة منذ ذلك اليوم، وحتى اللحظة. ويعود ذلك -بحسب مقدم "عدة" مدينة شبام التاريخية عبيد كرامة با زقامة- إلى "أن المجتمع اتخذ رقصة العدة كنوع من الترويح عن النفس واستبدل العصا بالسيف، كما أن الإيقاعات جعلت منها فلكلورا شعبيا محبوبا في الوسط الاجتماعي، يتناقله الأبناء عن الآباء والأجداد.

ويضيف با زقامة في حديثه للجزيرة نت "أصبحت رقصة العدة تراثا مرتبطاً بحياة الناس، ففيها نرى الشاعر يضع مشكلات المجتمع من تظلمات وجور الحكام بأسلوب التورية، مما جعل المجتمع الحضرمي متعلقا بها، لأنها متنفسهم الذي من خلاله يبثون شكواهم".

وأشار إلى أن رقصة العدة تمثل له الشيء الكثير، إلى جانب أنها من تراثيات حضرموت التي تزخر بالعديد من أنواع الفلكلور الشعبي، فهي مؤثرة في حياة الناس، وقد تصنع قضية رأي عام إذا ما استخدمت بالشكل الصحيح.

وتحضُر رقصة العدة بقوة في ما يسمّى المطالع السنوية للقرى والمناطق، وهي موعد سنوي محدد لكل حي داخل المدن، وتشارك فيه فرق وعِدَد من مختلف المناطق الأخرى، ويبدأ المشهد حينها بعرض عسكري لجيش كبير كل مع فريق، في جو لا يخلو من نقد الواقع الاجتماعي والسياسي للبلاد، والذي يحاول الشعراء إدخاله في أبياتهم الشعرية.

ويستمتع كبار السن والأهالي أثناء حضورهم رقصة "العدة" التراثية، بينما يحاول الشباب المشاركة في مؤخرة الصفوف لتعلّم تفاصيل اللعبة وإجادتها.

 رفع العصا يعني الاستعداد لتأدية الكسرة (الجزيرة)
 رفع العصا يعني الاستعداد لتأدية الكسرة (الجزيرة)

العدة والشبواني
المواطن أحمد مدي يشير إلى أن لرقصة العدة تأثيرا غير طبيعي نظرا لتناغمها الشعبي المعبر عما في واقع الناس ونفوسهم، لافتاً إلى أنه كان يمارس هذه الرقصة ويتفاعل مع إيقاعها دون أن يشعر. أما الشاب أحمد بشير فيقول إنه أحب "العدة" لحثها على التعاون والتآلف، وللحفاظ على تراث الأجداد.

والعدة رقصة شعبية لارتباطها بنظام الحويف (القرى) وأدّاها قديما رجال وشباب الحافة الذين يمثلون القوة الأمنية والدفاعية في أوقات الحرب، والدفاع المدني وقطاع الخدمات في وقت السلم.

ويخطئ الجيل الجديد في حضرموت أحيانا بإطلاق لعبة الشبواني على رقصة العدة، والصحيح أن ثمة فرقا بينهما، فرقصة الشبواني تقام في المدارة (الميادين العامة) بعد أن ينتهي غناء الدان الذي يؤديه مغنون على ألحان مخصوصة، حيث يقف صفان من راقصي العدة فيكسرون ذلك الصوت (أي يرقصون عليه)، ويساعد كسر الصوت على إبعاد الملل من طول الاستماع إلى الغناء، ولتجديد نشاط الراقصين ليتمكنوا من الاستمرار في الشعر إلى وقت متأخر من الليل.

وغالباً ما تقترن رقصتا العدة والشبواني ببعضهما، حيث تأتي الشبواني بعد الانتهاء من رقصة العدة، ثم تتبعها المساجلات الشعرية.

المصدر : الجزيرة