معاداة السامية.. المساومة غير المقبولة

عرض/ كامبردج بوك ريفيوز
لا يزال النقاش محتدما في فرنسا لا سيما في الأوساط اليهودية حول مسألة انتقاد إسرائيل. ويعمل المدافعون بشكل مطلق عن شارون على اتهام كل من ينتقد سياسته أو إسرائيل بمعاداة السامية -بمن فيهم اليهود- بل وحتى تهديدهم بالموت. ويأتي هذا الكتاب من الحجم الصغير الذي شارك فيه مجموعة كتاب ومثقفين يهود (هم فرنسيون وإسرائيلي وأميركية) في خضم هذا الجدل كمحاولة لتصويب الأمور وإظهار مدى عدائية التيار المتشدد في مساندته لإسرائيل للرأي المخالف لرأيه.


undefined-اسم الكتاب: معاداة السامية.. المساومة غير المقبولة، إسرائيل-فلسطين.. شأن فرنسي؟
–المؤلف: مجموعة من المؤلفين
-عدد الصفحات: 134
-الطبعة: الأولى 2003
الناشر: لاديكوفارت – باريس


في مقدمة قصيرة لهذا الكتاب يبدأ هيوغ جالون بالتذكير بتصريح جورج كيوكرمان (رئيس المجلس التمثيلي للهيئات اليهودية الفرنسية) ليومية إسرائيلية، والذي قال فيه "لما جاء شارون إلى فرنسا، قلت له إنه يجب عليه حتما أن ينشئ وزارة للدعاية مثل غوبلز". يعتبر جالون هذا التصريح مخيفا، ويتساءل كيف لمثل هذا المسؤول أن يعلن صراحة إرادته التضليل الإعلامي، ورفضه للحقيقة، وبالتالي دعمه المتحمس لسياسة الحكومة الإسرائيلية؟ أما المثل المأخوذ عن النازية فهو مرعب ومهين.


ويقول إن هذا الكتاب ولد من الذعر أمام المساندة المتنامية للحكومة الإسرائيلية من طرف قسم من الطائفة اليهودية الفرنسية، وممثليها الرسميين الذين أعلنوا أنفسهم كذلك والعديد من المثقفين الفرنسيين اليهود وغير اليهود، واستخدام كل هؤلاء لموضوع "صعود اللاسامية" أو "اليهودوفوبية" قصد رفع أي أهلية عن كل انتقاد للسياسة العسكرية والاستعمارية لحكومة أرييل شارون منذ نهاية 2000.

ويضيف جالون أن المشكلة اليوم هي في هذا السعي الحثيث لاعتبار كل انتقاد لإسرائيل لاسامية جديدة. فالنشطاء اليساريون أساساَ الذين يناضلون من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط يواجهون منطق شبهة ومساومة فظة بمعاداة السامية. ويقول إن هناك تقليدا سائدا في الأوساط اليهودية يكمن في عدم انتقاد إسرائيل من قبل الذين يعيشون خارجها، إلى درجة أن كبار المدافعين عن ذاكرة المحرقة مثل أيلي فيزل يعلق نضاله من أجل حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين حتى لا ينتقد إسرائيل.

و


هناك تقليد سائد في الأوساط اليهودية يكمن في عدم انتقاد إسرائيل من قبل الذين يعيشون خارجها، لدرجة أن كبار المدافعين عن المحرقة يصمتون عندما يتعلق الأمر بحقوق الفلسطينيين

في نص حول معاداة السامية بين الواقع والتلاعب، يقول دوني سيفر إن فرنسا ليست معادية للسامية عكس ما يدعيه المدافعون عن سياسة شارون الذين يستغلون سياسياَ بعض الانحرافات اللاسامية خدمة لمساندتهم اللامشروطة للسياسة الإسرائيلية. ثم يحلل الكاتب بعض الإحصاءات التي تنشرها بانتظام مختلف المنظمات اليهودية الفرنسية، ويبين مدى عبث بعض الأرقام الخاصة بـ"الأعمال اللاسامية" وافتقارها للدقة والموضوعية. حيث يؤسس بعضها على مجرد اتصالات هاتفية مما يفتح المجال للتقييم الذاتي.

بل إن تحليل بعض الأرقام يظهر أن مجرد مشاجرة بين الجيران رفعت إلى مصاف عمل معاد للسامية… ثم ينقل إلى سياسة تخويف وترهيب كل من لا يساند حكومة شارون من اليهود وغيرهم وإلى النقاش اليهودي-اليهودي في فرنسا حول هذا الموضوع. حيث إن المساندين لسياسة شارون على طول الخط يقولون بـ "كره الذات" عندما يتحدثون عن اليهود الذين يرفضون دعم شارون، بل إن بعضهم أتهم بالخيانة (السينمائي كلود لونزمان وصف روني برومان، الرئيس السابق لأطباء بلا حدود، بـ"الخائن")، كما هدد آخرون بالقتل.

ويقول إن الاتجاه السائد حاليا لدى المتحمسين لسياسة شارون هو اعتبار كل انتقاد لإسرائيل معاداة للسامية، وذاك من خلال معادلة "شارون = صهيونية = هذا الكتاب يهودية". والخلط لديهم بين الصهيونية وإسرائيل (ووجودها) يعني أن كل من هو ضد الصهيونية فهو مع تدمير إسرائيل.. وعليه ففي مواقف وتحليلات هؤلاء يصبح الدفاع عن حقوق الفلسطينيين عملا معاديا للسامية.

أما سيلفان سيبل فيفكك الخطاب الإعلامي (من خلال تحليل فيلم وثائقي دعائي لصالح إسرائيل لكل من جال تارنيرو وفيليب بن سوسن) للمتحمسين لسياسة شارون في فرنسا، ويوضح كيف يتبنى ذلك الخطاب الأطروحة الإسرائيلية لـ "العرض الكريم" الذي رفضه الفلسطينيون في كامب ديفد وطابا، موضحا مدى خطأ هذه الأطروحة والتضليل الإعلامي الذي يمارسه هؤلاء.

ثم ينتقل إلى سياسة التشهير بالإعلام الفرنسي بدعوى مناوأة إسرائيل. ويظهر الكاتب من خلال أمثلة واقعية أن الإعلام الفرنسي أخطأ في كثير من الأحداث والوقائع وأعطى معلومات خاطئة عنها لم تكن في صالح الفلسطينيين (مثل الأخذ بالرواية الإسرائيلية التي تقدم في بعض الأحيان القتلى الإسرائيليين من العسكريين ورجال الأمن على أنهم مدنيون) دون أن يتهم هذا الإعلام بتشهيره بالفلسطينيين.

ويتوقف هذا الخطاب الإعلامي التضليلي عند المفردات المستخدمة، حيث ينتقد صاحبا هذا الفيلم استخدام مفردات "مستوطنات" و"مستوطنون" و"استيطان". ومن بين وسائل الإعلام الفرنسية الأكثر استهدافا في حرب المفردات هذه وكالة الأنباء الفرنسية المتهمة بانحيازها للفلسطينيين.

في حين يتطرق دانيال لندبارغ إلى صورة الإسلام والعرب لدى "المدافعين عن إسرائيل" التي هي ضحية التضليل المتواصل، موضحا كيف ظهرت أدبيات جديدة تبحث عن "جوهر" بطبيعة الحال (حسب هذه الأدبيات) فاسد أو مضل. وكرس العديد أقلامهم لهذه الحملة انطلاقا من قراءات متسرعة لـ (بيرنارد لويس وغيره) من المنخرطين في نضالات دفاعية وتبريرية.

فقد عمد هؤلاء إلى قراءات تبسيطية وخلع بعض المفردات والمفاهيم كـ (الجهاد) من سياقها التاريخي، ويقول إنه يوجد شعور معاد للعرب لدى قسم من يهود فرنسا مرتبط بالصراع في الشرق الأوسط وعنصرية ضد المغاربة لم يعد يتردد في الإفصاح عنها بحرية وبتزكية من قبل بعض المثقفين.

أما أيريك حازان فيعرض للمضايقات القانونية التي يتعرض لها كل من لا يساند سياسة الحكومة الإسرائيلية، مذكرا بالدعوى القضائية التي رفعت ضد دار النشر (لافابريك) التي يديرها بدعوى التشهير والتحريض على الكراهية العرقية بسبب نشرها كتاب نورمان فينكلشتاين (صناعة المحرقة: تفكير حول استغلال معاناة اليهود).

ويضيف حازان أن عبثية هذه الشكاوى تكمن في كون الناشر والكاتب (أي حازان وفينكلشتاين) يهوديين. وهما طبعا يهوديان متهمان بـ "كراهية الذات".

بل إن والدي الكاتب كانا في أوشفيتز وكل العائلة (من ناحية أبويه) قضى عليها النازيون، كما أنه كتب هذا الكتاب لأنه يولي أهمية بالغة لذاكرة اضطهاد عائلته، وبالتالي متابعته قضائيا بتهمة "التحريض على الكراهية العرقية" لا معنى لها إطلاقا. ثم يوضح حازان كيف تعمل هذه الآلة التشهيرية التي تستخدم العدالة لقمع كل من ينتقد سياسة إسرائيل أو كيف تستخدم سياسيا ذاكرة المحرقة.

ويقول إن الهدف هو الردع، وقد نجح هؤلاء في مسعاهم إلى حد ما، ذلك أنه بالنسبة للدفاع حتى وإن كان الحكم في صالحه مسبقا، فإن ضياع الوقت والمال مسائل تجعل مدير دار نشر أو صحيفة أو قناة تلفزيونية أو إذاعية يتردد أمام مثل هذا الأمر وينصح معاونيه بتوخي "الحذر".

ويعمل القطب المساند لإسرائيل على متابعة أيا كان قضائيا، ويقوم المثقفون اليهود (الفرنسيون) ذوو الحضور الإعلامي القوي بالمساهمة النشطة في حملات التشهير والمتابعات القضائية.


يرتكب المتشددون في دعم سياسة إسرائيل ثلاث جرائم، أولاها التسبب في معاداة السامية واشتدادها، ثانيتها التقليل الكامل من أهمية معاداة السامية, وثالثتها استخدام معاداة السامية لأغراض دعائية

ويضيف الكاتب أن التشهير القضائي يعد أسلوبا فتاكا ينتهجه المسؤولون الطائفيون (اليهود في فرنسا) الذين يدعمون سياسة إسرائيل بشكل مطلق (مثقفون يساندون ويبررون السياسة الإسرائيلية، ويمين متطرف صهيوني).

يجمع كل هؤلاء كراهية العرب، كما يعتبر هذا التشهير القضائي جزءا من حملة الإجراءات الزاجرة التي تشن خوفا من تحول الرأي العام الفرنسي إلى موقف لصالح قضية الشعب الفلسطيني.

ويلاحظ أنه من المفارقة أن الأصوات الأكثر انتقادا للسياسة الإسرائيلية تأتي من داخل إسرائيل نفسها، فرغم وجود من يقول بالتحويل والتطهير العرقي، فهناك أصوات تندد بالسياسة الإسرائيلية، وتقول إنه ليس لإسرائيل غرف غازية ومحرقة الجثث لكن تقر بوجود عدة أساليب للمحرقة.

أما ميشال فارزكافسكي فيخصص نصه لفضح إستراتيجية المساندين اللامشروطين لإسرائيل، والقائمة على جعل المحتل (الإسرائيلي) ضحية. ويسرد كيف تم تبني موقف إيهود باراك دون أي تحقق من الوقائع والقاضي بأن عرفات رفض السلام.

ثم كيف استفز باراك وشارون (ولوج شارون ساحة المسجد الأقصى) الفلسطينيين الذين انتفضوا، ليقولا فيما بعد إنه الدليل على رفضهم السلام وإرادتهم تدمير إسرائيل. بالتالي فإزاء "عدو" يقال إنه يريد "تدمير إسرائيل" فإن كل شيء مسموح به.

وفق جوهر هذه الإستراتيجية المبنية على قراءة جديدة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقوم على الإدعاء بتدمير إسرائيل ومعاداة السامية عند الفلسطينيين، لم يعد الصراع يظهر كصراع سياسي على قضايا سياسية مثل الاستيطان والاستقلال والسيادة والحدود والموارد الطبيعية، وإنما كصراع عرقي طائفي كجزء من تاريخ كراهية الأمم لليهود.

لهذا التحليل ميزة مزدوجة بالنسبة للدعائيين لصالح إسرائيل؛ جعل الإسرائيليين ضحايا وأعفاهم من فهم الإطار السياسي لصراع الشرق الأوسط ومن إيجاد حل، إن لم يكن العنف المدرك كدفاع ذاتي ضد تهديد الاستئصال.

ويعتبر أن المتشددين في دعم سياسة إسرائيل يقترفون ثلاث جرائم، أولها التسبب في معاداة السامية واشتدادها (لا نتحدث كثيرا عن الأعمال المعادية للمسلمين في فرنسا)، ثانيها التقليل الكامل من أهمية معاداة السامية، حيث يعتبر كل شيء معاديا للسامية بالتوسع الكبير في هذه التهمة الخطيرة لتشمل أعمالا لا يمكن وصفها بمعادية للسامية، ثالثها استخدام معاداة السامية وبالخصوص استعمال محرقة اليهود في أوروبا لأغراض دعائية.

ويدعو في النهاية إلى التعاون مع الذين ينددون دون هوادة بمعاداة السامية في "المعسكر العربي" من أمثال إلياس صنبر، وإدوار سعيد (النص حرر قبل وفاته)، وليلى شهيد، ومحمود درويش وغيرهم.

أما جوديت بوتلر فتعرض للاتهام بمعاداة السامية، اليهود وإسرائيل من منظور أميركي، محللة الموقف الذي اتخذه رئيس جامعة هارفارد لورنس سومرس في سبتمبر/ أيلول 2002 لما اعتبر انتقاد إسرائيل والدعوة إلى المقاطعة الجامعية لها "أعمالا معادية للسامية في آثارها حتى وإن لم تكن كذلك في نيتها".

وبالتالي فهو بهذه التهمة أثر على الحرية الجامعية جراء الآثار التخويفية لتصريحاته، كل من يجرؤ على انتقاد إسرائيل في الظروف الراهنة يعرض نفسه للتهمة بمعاداة السامية. وتقول المؤلفة إنه في هذه الحقبة التاريخية لم يعد ممكنا لنا نحن اليهود أن نعتبر أنفسنا بالضرورة الضحايا.

لا توجد أي أخلاقية سياسية يمكنها أن تنطلق من "فرضية أن اليهود يحتكرون وضع الضحية". ثم تتحدث عن الأصوات الجديدة في الأوساط اليهودية الأميركية مثل منظمة ريت تزادك الجديدة التي تسعى لطرح بديل عن الإيباك لدى يهود أميركا.

تضيف أنه بدفاعها كيهودية عن إمكانية التفريق بين إسرائيل واليهود لا تطالب فقط بفضاء نقد وإمكانية عدم الاتفاق بالنسبة لليهود الذين يبدون معارضة لإسرائيل، ولكن تناضل ضد المماثلة بين معاداة السامية واليهودية ومصالح إسرائيل وحدها.

وتختتم بالقول إن التهمة بمعاداة السامية تعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها التهمة بـ "الخيانة" أو "المتعاطف مع الإرهاب" التي توجه لأي كان يعارض الحروب الأميركية الأخيرة.

"يتعلق الأمر هنا بتهديدات ثقيلة وعميقة العواقب النفسية، فهي تهدف إلى التحكم في السلوك السياسي للمواطنين على مستوى الفرد، التهديد بتهمة معادية السامية يسعى للتحكم في القدرة على التعبير بصوت عال، وعلى مستوى المجتمع عموما، ويهدف إلى الحيلولة دون انتشار (الرأي) الذي قد يعبر عنه بصوت عال في الفضاء العمومي".


يعد هذا الكتاب من أهم النصوص التفكيكية للخطاب الإعلامي السياسي للمتشددين من اليهود وغيرهم في دعم السياسة الإسرائيلية، خاصة أنه بأقلام تتمتع بثقل في أوساط الكتاب والإعلاميين

يعتبر هذا الكتاب من أبرز ما نشر من طرف أنصار السلام من مثقفين وكتاب يهود في فرنسا، فهو يعد من أهم النصوص التفكيكية للخطاب الإعلامي السياسي للمتشددين من اليهود وغيرهم (في فرنسا) في دعم السياسة الإسرائيلية، خاصة أنه جاء بأقلام تتمتع بثقل في أوساط الكتاب، والجامعيين والإعلاميين ويعرف أصحابها بدفاعهم عن السلام.

كما يشكل أبرز رد فعل كتابي من قبل نشطاء اليسار في سبيل السلام بالشرق الأوسط على هجمات اليمين واليمين المتشدد الذي يمثله المساندون لسياسة إسرائيل بشكل مطلق والذين يمنعون كل صوت مخالف لصوتهم ويتهمونه مباشرة باللاسامية.

من خلال هذا الكتاب جاء هجوم معاكس للتأكيد على التنديد بالأعمال اللاسامية في فرنسا، للدفاع عن السلام بالشرق الأوسط وللتأكيد من جديد على الحق في انتقاد إسرائيل. طبعا ما يعطي هذا الكتاب ثقلا وصدى كبيرين هو كونه من تحرير يهود فرنسيين (أساسا)، وإسرائيليين وأميركيين.

من مصلحة الطرف العربي لاسيما في فرنسا مد جسور النقاش والتبادل لإرساء أسس حوار مع هؤلاء وتشكيل جبهة مشتركة لمواجهة مساندي إسرائيل المتشددين، لأن الدعم العربي الإسلامي يزيد من تماسك الفريق الأول ومن قوة حججه في مواجهة الفريق الثاني.

فليس من المبالغة القول إن بعض من شاركوا في هذا الكتاب اتخذوا مواقف دفاع عن الفلسطينيين تفوق في فعاليتها وفي شجاعتها الآلاف من الخطابات العربية.

المصدر : غير معروف