ستة أيام من الحرب.. حزيران 1967 والشرق الأوسط الجديد

كامبردج بوك ريفيوز
يستفيد الصحفي الإسرائيلي مايكل أورين حول حرب حزيران 1967 من تقليد الثلاثين عاما المتبع في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وإسرائيل الذي يتيح للجمهور الاطلاع على وثائق الدولة بعد 30 سنة من استحداثها، هذه عدا عن استخدامه عددا كبيرا من المقابلات مع مسؤولين عرب أردنيين وسوريين ومصريين ومع إسرائيليين وأمريكيين وبريطانيين وفرنسيين، وجمعه للعديد من المراجع بلغات مختلفة، ليخرج بعد ذلك بكتاب محكم الصياغة يؤرخ بتفصيل غير مسبوق الشمول للحرب، ولعل ما في الكتاب من تفاصيل تصدم الكثير من القراء لا سيما فيما يتعلق بالأداء العربي وهو ما سيجعل الكثيرين يشككون في تفاصيل هذا الكتاب.


undefined-اسم الكتاب: ستة أيام من الحرب.. حزيران 1967 وصنع الشرق الأوسط الجديد
–المؤلف: مايكل أورين
-عدد الصفحات:204
-الطبعة: الأولى 2002
الناشر: Oxford University Press. New York

السمة البارزة في مايو/ آيار 1967 تمثلت في الفوضى داخل المعسكرات المختلفة لا سيما مصر وإسرائيل، على أن الكتاب يقدم صورة تجعل ما جرى في مصر سبباً الحرب، وتحديداً فإن المشير عبد الحكيم عامر، يبدو المسارع الفعلي للحرب، فعامر وضع خطة "القاهر" ومن ثم خطة "الفجر" التي كان من المقرر البدء بها يوم 27 مايو/ آيار أي بعد خمسة أيام من قرار الرئيس جمال عبد الناصر إغلاق مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية ووجه أية ملاحة تحمل البترول أو البضائع من وإلى سرائيل.


وعندما تحفظ ناصر على جاهزية الجيش للحرب أقسم عامر: "برقبتي" الجيش جاهز، وكانت الخطة تقوم على البدء بهجوم الطيران على كل من مفاعل ديمونة والساحل الشمالي المأهول بالسكان في فلسطين لا سيما مصفاة البترول، وحتى هذه البداية تم الاعتراض عليها من قيادات في سلاح الجو المصري وبأنه لا يوجد قدرة على القيام بها، كما كان قادة آخرون في الجيش يؤكدون عدم جاهزية الجيش للمعركة، وعدم وجود التدريب والتمويل المطلوبين.

في إسرائيل كانت الأصوات مختلطة ومتناقضة، فليفي أشكول كان في اجتماعاته مع قادة الجيش يؤكد أن إعلان الإغلاق هو أمر وإعلان الحرب أمرٌ آخر مستبعداً إياها، أما مع السياسيين والدبلوماسيين فكان يؤكد أن الحرب قادمة لا محالة، وإسحق رابين رئيس هيئة الأركان كان يعاني الانقسام وعدم وجود قرار بالحرب أو عدمها في الحكومة وخضوعه لانتقادات لاذعة من جهة وتصاعد شعبيته من جهة، لدرجة أنه عندما برزت أغنية إسرائيلية آنذاك تقول كلماتها "ناصر ينتظر رابين"، علق رابين -كما أوضح بعد سنين- بأنه إذا كان ناصر ينتظر رابين فرابين ينتظر أشكول، وأشكول ينتظر مجلس الوزراء، ومجلس الوزراء ينتظر إيبان (وزير الخارجية)، وإيبان ينتظر الرئيس جونسون"، وقد أدت الضغوط وعدم الوضوح برابين للانهيار العصبي بما جعل الطبيب يلزمه بتناول المهدئات والاستراحة في البيت الأمر الذي اكتشف بعد سنوات في إسرائيل وكان موضع جدل واسع في الرأي العام.


وجه عبد الناصر نصيحة صريحة للملك حسين بالانسحاب من الضفة الغربية، ولم يقبل الملك النصيحة إلا بعد تردد وبعد تأكيد عبد الناصر للمشاركة الأمريكية البريطانية في الحرب، هذه المشاركة التي أسماها الأميركان الكذبة الكبرى

أشكول رفض خطة وضعها حاييم وايزمن، قائد سلاح الجو، للهجوم على مصر يوم 26 مايو/ آيار، وطلب خفض تحركات الجيش وإعطاء الدبوماسية الأمريكية فرصتها للنجاح.. ولكن الدبلوماسية الإسرائيلية التي قادها أبا إيبان فشلت في الحصول على بيان أمريكي أو بريطاني أو فرنسي يدعم إسرائيل في حالة الحرب. والإدارة الأمريكية كانت مصرة على أنه لن تقع حرب وأنه إن وقعت فإن إسرائيل ستنتصر، وبعد مناقشات متعددة كان الموقف الأمريكي حذراً في التأكيد أن إسرائيل يجب أن لا تبدأ حربا مع نوع من الوعد غير الصريح بالوقوف لجانب إسرائيل في حالة تعرضها للهجوم، هذا الوعد الذي نقله إيبان في عبارة الرئيس الأمريكي جونسون : "إسرائيل لن تكون وحيدة إلا إذا قررت الذهاب وحيدة".

كبديل حاولت الولايات المتحدة ترويج فكرة سبق لبريطانيا طرحها عام 1957 وتقوم على نشر قوات دولية في البحر الأحمر لحفظ حرية الملاحة، ولكن تحفظ بعض الأطراف الأوروبية والأجهزة التنفيذية في الإدارة الأمريكية على الخطة والتخوف من رد فعل عربي يهدد إمدادات البترول، إضافة لرفض الاتحاد السوفييتي الذي عرقل نقاش الفكرة في مجلس الأمن أوقف الفكرة. أمام هذا الموقف اتفقت القيادة الإسرائيلية على إعطاء الدبلوماسية الأمريكية فرصة لمدة ثلاثة أسابيع لإعادة فتح المضائق.

بالمقابل تغيرت لهجة الاتحاد السوفييتي منذ لحظة قرار ناصر إغلاق القناة ولم ترحب بالقرار، وربما يكون ذلك لأن السوفييت يحاولون تجنب مواجهة مع الولايات المتحدة، والواقع أن اتصالاً وتحذيراً سوفيتيا مع عبدالناصر قبل ساعات من عملية عامر "الفجر" دعته لوقف العملية في الدقائق الأخيرة. وعملياً كان الموقف السوفييتي يتلخص في الضغط على إسرئيل لعدم بدء الحرب، وعرقلة قرار في الأمم المتحدة ضد مصر، وطمأنة الأخيرة أنه "إذا دخلت أمريكا الحرب فسندخل الحرب لجانبكم".

العد العكسي
في الفصل الرابع يتناول المؤلف خمسة أيام ما بين الحادي والثلاثين من آيار والرابع من يونيو/ حزيران عندما اتخذت إسرائيل قرار الحرب النهائي. في الطريق للحرب كان هناك التقارب العربي – العربي الذي شكل جرس إنذار فعليا للإسرائيليين، فالأردن وجد نفسه دون غطاء سياسي أو عسكري، فعدم وجود حماية سوفييتية لا يحمي الأردن من الهجوم الإسرائيلي رغم العلاقات الأدرنية- الأمريكية، كما أنه لم يكن متوقعاً أن تسارع مصر أو سوريا للدفاع عن الأردن في حال الهجوم الإسرائيلي، ولو حدثت حرب مع مصر أو سوريا وانتصرت فيها إسرائيل لتم لوم الأردن على الهزيمة، ولو انتصرت مصر أو سوريا فستهاجم الأردن تالياً، حتى الدعم العسكري العراقي والسعودي كان موجهاً لسوريا لا الأردن، وحاول الأردن الحصول على ضمانات أميركية أو توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر دون جدوى، ورغم أن الأردن كان يرى في قرار إغلاق مضائق تيران خطأ كارثياً لكنه اضطر لمدح القرار، وكان يرى خطأ شن حرب وبالتالي كان يحاول تجنبها أو أن يحصر مشاركته في إطار رمزي وحسب، ولكن مواجهة التيار كانت تعني خطراً داخلياً أكثر خطورة. الملك حسين عبر عن أفكاره بقوله لمساعديه أن "السوريين سيعرفون قريباً من هو الموالي للقضية العربية ومن يخونها".

وبعد محاولات مستميتة وبعد تعهد أردني بمقاومة هجوم إسرائيلي ضد سوريا عبر الأردن، والسماح لقوات عراقية بالتمركز في الضفة الغربية، وإعادة الاعتراف برئيس منظمة التحرير الفلسطينية، أحمد الشقيري" ممثلاً للمنظمة، والالتزام بمقاطعة ألمانيا الغربية، تم ترتيب مقابلة سرية بين الملك والرئيس المصري عبدالناصر في فجر 30 مايو/ آيار. وفي المقابلة تم توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر، وضعت بموجبه القوات الأردنية تحت قيادة مصرية، على أنه عندما رأى الملك أن إسرائيل ستضرب خلال أيام استبعد عبدالناصر ذلك وقال أنه لو حدث هذا ستنتصر الجيوش العربية خلال أيام، وإذا تدخلت الولايات المتحدة سيتدخل الاتحاد السوفييتي.

التحركات الإسرائيلية لم تخل من التخبط أيضاً لا سيما مع عدم وجود قرار سياسي بالحرب، على أن ضغط الجيش والضغط الشعبي كان باتجاه الحرب وبالفعل تم تعيين موشيه دايان وزيراً للدفاع مما أعطى مؤشراً إضافياً للاقتراب من الحرب.

وكان فشل الدبلوماسية الأمريكية في إعادة فتح المضائق وتنامي نوع من التقبل الأمريكي غير الرسمي وغير المعلن لتحرك إسرائيل عسكرياً عاملاً إضافياً يخدم دعاة الحرب في إسرائيل، وبينما كان الإسرائيليون يريدون التنسيق مع الأمريكيين لا سيما للحصول على الدعم السياسي للحفاظ على المكاسب السياسية لمرحلة ما بعد الحرب، كان الأمريكيون حريصين على أن يكون واضحاً أن أي تحرك إسرائيلي هو تحرك منفرد لأن ذلك يساعد على عدم تدخل الاتحاد السوفييتي.

على أن هدف الحرب كان لا يزال موضع جدل داخل إسرائيل فهناك جنرالات كانوا يريدون احتلال الضفة الغربية والجولان فيما أشكول ودايان يرفضان، مع يوم 3 يونيو/ حزيران بدأت القيادة والدبلوماسية الإسرائيلية تقترب من قبول رغبة الجنرالات بالحرب، فمبعوثي إسرئيل لأميركا عادوا بتصور بفشل خطة أميركا لسفن دولية في تيران. أشكول حسم أمره في 4 يونيو/ حزيران وقال في اجتماع مع الحكومة "أنا مقتنع أننا يجب أن نعطي اليوم الأوامر لجيش الدفاع الإسرائيلي لاختيار الوقت والطريقة للعمل". وفي التصويت وافق 12 وزيرا على قرار الحرب مع معارضة عضوين.

على الجبهة الأردنية كانت القيادة المصرية للجيش التي وصلت للأردن في الأول من يونيو/ حزيران قد أدركت المعنى السياسي الفادح لخسارة أي قرية فلسطينية في الضفة الغربية سواء للنظام الأردني أو العرب عموماً، لذا وضعت خطة دفاعية لحين قدوم الجيوش العربية للمساندة، ووضعت خطة هجومية سميت خطة طارق بن زياد تركزت على الهجوم على منطقة القدس، وعلى قتل من فيها بما في ذلك المدنيين.

أما سورياً فقد بدا كما لو أنها الجهة الأكثر تصميماً على الحرب، فرغم أن الدبابات السورية أحدث كانت تفتقد للصيانة اللازمة، وكان 45% فقط من الطيارين يصنفون بدرجة "جيد"، و32% مقبول والباقي دون المستوى، رغم كل هذا كان قادة الجيش السوري يقولون إن سوريا والجمهورية العربية المتحدة ستدمران إسرائيل خلال أربعة أيام.

عملياً مع الرابع من يونيو/ حزيران كانت الحرب متوقعة في أغلب العواصم، دون معرفة التفاصيل المتوقعة، أو الخطط وعملياً فإن موشي دايان وبعد حصوله على القرار السياسي وضع الخطة بحيث "يتم احتلال سيناء حتى العريش وجبل لبني، وفتح محور أبو عجيلة- رفح العريش، وتحطيم الجيش المصري في هذا القطاع، مع اندفاع الجيش الإسرائيلي دون توقف. تم استثناء شرم الشيخ من الهدف لبعدها، على أن يتم كل ذلك بعد تدمير سلاح الجو المصري في هجوم يبدأ الساعة 7.45 صباحاً وتم التركيز على عدم الهجوم أو احتلال أي أرض على الجبهة الأردنية وحتى السورية في حالة بقيت سوريا خارج الحرب. كان هناك ارتياح للخطط العسكرية وقلق سياسي لعدم التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ستة أيام حرب
يفرد الكاتب فصلاً خاصاُ لكل يوم من أيام الحرب، ويسجل بحق تسجيلاً بالغ التفصيل والشمول لما كان يجري في أثناء الحرب، مشكلاً ما يشبه لوحة الفسيفساء للعديد من الروايات التي سجلت تلك اللحظات.

هناك الكثير من المعلومات والروايات التي تعاكس روايات شائعة عن الحرب، فمثلاُ على سبيل المثال لا تتفق رواية الكاتب لبداية الحرب مع روايات حول ضرب المطارات المصرية بينما الطيارون نيام، ولكن الكاتب يشير إلى أن إسرائيل كانت تعلم بواسطة النشاط التجسسي مواقع الطائرات التي لم يجتهد المصريين في إخفائها، أما مكان الطيارين ساعة الضربة فكان مائدة الإفطار بعد أن أدوا بالفعل طلعات تدريبية، ويروي الكتاب كيف أن الرادارات الأردنية هي التي كشفت الطيران الإسرائيلي لا المصرية، وكيف أن المصريين كانوا قد غيروا شيفرة الاتصال قبل يوم واحد دون إعلام الأردن والقيادة المصرية للجيش في الأردن مما أدى لعدم استلام رسائل عمان. بل إن الكاتب يروي أن الاستخبارات العسكرية الجوية المصرية وجهت تحذيرات حول هجوم إسرائيلي لكن الضباط في قيادة الجيش المصري الموالين لعامر أهملوا تحذيرات سلاح الجو الموالي لناصر.

الكتاب مليء بتفاصيل ردود الفعل المصرية والسورية والأردنية وردود فعل كل زعيم، وتفاصيل الادعاءات العربية لا سيما المصرية في اليوم الأول للحرب حول تدمير الطائرات الإسرائيلية وأن موعد دخول تل أبيب قد اقترب، عبدالناصر نفسه بدأ يشك فيما يخبره به عامر عندما وصل رقم الطائرات المدعى تدميرها لـ 161 طاشرة ولكنه ولساعات لم يجد من يعطه الصورة الحقيقية للمعركة.

رغم المقاومة في بعض المناطق لا سيما على الجبهة الأردنية وخصوصاُ حول القدس فإن السقوط السريع غير المتوقع من قبل الجيوش العربية هو الذي جعل إسرائيل تتجاوز مخاوفها من ردة الفعل السوفييتية ومن احتمال وقوع خسائر كبيرة للتوسع المتدرج في هدف الحرب من فتح مضائق تيران واحتلال سيناء لاحتلال العريش وشرم الشيخ والضفة الغربية والقدس، بل إن الاعتقاد الإسرائيلي في اليوم الخامس كان أن الحرب انتهت ورغم أن الإسرائيليين كانوا يرغبون في معاقبة سوريا إلا أنهم قرروا عدم الهجوم في حال توقف الجيش السوري عن الحرب، ولكن فجأة كشفت المعلومات الاستخبارية أن القوات السورية تترك مواقعها في الجولان، ثم جاء الحصول على نص برقية من عبدالناصر للرئيس السوري الأتاسي يبلغه أن الهجوم الإسرائيلي سيتحول الآن للتركز على سوريا وأنه لا بد من قبول فوري لوقف إطلاق النار للحفاظ على الجيش السوري للمستقبل، هذا الموقف الضعيف أدى بالقيادة الإسرائيلية للعودة للهجوم.


أبلغ عبد الناصر الرئيس السوري في برقية أن الهجوم الإسرائيلي سيتحول للتركز على سوريا وأنه لا بد من قبول فوري لوقف إطلاق النار للحفاظ على الجيش السوري للمستقبل، وهذا الموقف الضعيف أدى بالقيادة الإسرائيلية للعودة للهجوم

تحذير مشابه كان قد وصل من عبدالناصر مع نصيحة صريحة للملك حسين بالانسحاب من الضفة الغربية، ولم يقبل الملك النصيحة إلا بعد تردد وبعد تأكيد عبدالناصر للمشاركة الأمريكية البريطانية في الحرب، هذه المشاركة التي أسماها الأمريكان الكذبة الكبرى.

عموماً الكتاب بكثرة تفاصيله وتطرقه لمختلف التطورات والتفاعلات السياسية والعسكرية والنفسية في أثناء الحرب سواء أكان ذلك في ميدان المعارك أم في العواصم السياسية المختلفة اقترب من كونه عملاً موسوعياً.

ولعل أحد المعلقيين الغربيين على الكتاب كان صادقا بقوله إنه في ظل غياب الرواية العربية الموثقة للحرب، فإن كتاب أورين سيفرض نفسه على الباحثين كمرجع هام، ولعل هذا الكاتب أراد القول إن التفاصيل الغريبة، لا سيمال للأداء العربي في أثناء الحرب، قد تدفع الباحث للتفكير في حيادية الكتاب على أنه دون أن يكون هناك رواية مقابلة منطقية وموثقة سيسلم كثيرون بما في هذا الكتاب.

المصدر : غير معروف