خطة غزو العراق

عرض/ إبراهيم غرايبة
يناقش هذا الكتاب الذي نشر قبيل بدء غزو العراق الدعاوى الأميركية والبريطانية في الحرب، ويقدم حقائق تواجه برأيه التشويه والكذب الرسمي الذي يتعرض له شعبا الولايات المتحدة وبريطانيا في سياق حملة علاقات عامة مذهلة وهائلة لتسعير حمى الحرب على العراق.

undefined

-اسم الكتاب: خطة غزو العراق
–المؤلف: ميلان راي
ترجمة: حسن الحسن
-عدد الصفحات: 344
-الطبعة: الأولى 2003
الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت

ويرى المؤلف أن بوش وبلير يستغلان معاناة 11 سبتمبر/ أيلول لتبرير اندفاعهما نحو الحرب. ويثبت من مراحل السجل التاريخي للأعوام الاثني عشر الماضية أن واشنطن أضعفت كلا من المعارضة العراقية ومفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة.

معارضة الحرب في أميركا
في كانون الثاني/ يناير 2002 أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش نيته توسيع حربه على الإرهاب إلى ما يتعدى تدمير شبكة القاعدة إلى كوريا الشمالية وإيران والعراق، وربما أعداء رسميين آخرين للولايات المتحدة. واستبعدت كوريا وإيران في جملة واحدة وركز بوش على العراق، ودلت خطب متوالية لشخصيات بارزة في إدارة بوش على أن واشنطن عازمة على شن هجوم كبير على العراق.

وكشفت التحضيرات للحرب عن هموم عميقة لحلفاء بوش، فقد جاهر قسم كبير من وزارة حرب بوش الأب بمعارضة الحرب على العراق، مثل جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق، وبرنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي الأسبق. وقد فهم من هذه المعارضة أن بوش الأب يعارض الحرب أيضا، فقد كان بيكر وسكوكروفت من أقرب الناس إليه ومازالا كذلك.

والمعروف أن القادة الجمهوريين منقسمون تقليديا بين جناح يدعو إلى ضرورة التزام القانون الدولي والعمل مع الأمم المتحدة ومع الأمم الأخرى والتعاون الاقتصادي الدولي، وبين جناح آخر انعزالي يدعو إلى تدخل عسكري وزيادة القدرات العسكرية والنووية الأميركية.

ولكن كان أيضا ثمة اختلاف بين الجناح الانعزالي المتطرف في الإدارة الحالية لبوش، وإن لم يكن بالعمق والاتساع الذي بين الجناحين الرئيسيين في الحزب الجمهوري، فهو في الحقيقة حول تكاليف الحرب وأعبائها وليس معنيا بالشرعية والعدالة.

أهمية بلير
تبدو مسألة التأييد الدولي مهمة لدى الرأي العام الأميركي الذي وإن كان يؤيد عملا عسكريا ضد العراق فإنه يفضل أن تكون هذه الحرب تحت غطاء دولي. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية في أغسطس/ آب 2002 أن 20% من الأميركيين فقط يؤيدون حربا أميركية منفردة على العراق، في حين أعرب 65% عن اعتقادهم بضرورة الحصول على تأييد من الحلفاء للحرب وتفويض من الأمم المتحدة.

كما أظهر الاستطلاع أن 3% فقط من الأميركيين يجيبون بعفوية إن سئلوا عن الأخطار التي تهدد الولايات المتحدة: العراق أو صدام حسين حين طلب منهم أن يحددوا أكبر مشكلتين أو ثلاث تواجهها البلاد.

ولذلك فقد كان بلير هو حبل النجاة لبوش لتسويق الحرب وإعطائها طابع التحالف الدولي، ولكن بلير كان مكشوفا على نحو خطر فأغلبية حزبه "العمال" تعارض الحرب وحتى من داخل وزارته، بالإضافة إلى أغلبية الرأي العام البريطاني. ولذلك كان يجب أن تسوق الحرب على النواب والرأي العام على أنها حرب خاطفة، لن يكون لها ضحايا كثيرون ولن تستغرق وقتا طويلا.

حرب أميركية
يلاحظ المؤلف أن الحرب الأميركية على أفغانستان والعراق وربما غيرهما في المستقبل مطلب ملح للإدارة الأميركية التي تسعى وتخطط لتحقيقه وتهيئ الظروف المواتية لإشعالها، فقد كان يمكن على سبيل المثال تسلم أسامة بن لادن قبل عام 1998، وأبدت قيادة طالبان في أفغانستان استعدادها لتسليمه إلى السعودية، وكان ثمة مفاوضات قطعت شوطا مهما مع تركي الفيصل المدير السابق للمخابرات السعودية، ولكن قصف أفغانستان والسودان قوض المشروع، بل إنه حتى بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول كان ثمة فرصة لتسليم أسامة بن لادن لباكستان ومحاكمته هناك. وكان من المحتمل أن تفضي هذه المحاكمة إلى تسليمه للولايات المتحدة أو يطبق عليه حكم لن يقل عما يفترض أن تسعى إليه الولايات المتحدة، وبخاصة أن باكستان دولة حليفة لأميركا، ولكن بريطانيا والولايات المتحدة تجاهلتا الاتفاق وعملتا على هدمه.

القضاء على التفتيش
لم تكن السياسة الأميركية والبريطانية معنية بالتهديد الناشئ عن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، فقد فعلت الولايات المتحدة الكثير لإتلاف نظام التفتيش وإفشاله، إذ أنشأ قرار الأمم المتحدة 687 وكالة التفتيش الخاصة بالعراق "أونسكوم". وقد أنشئت هذه الوكالة لمراقبة نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية والتثبت من ذلك.

وبعد سبعة أعوام من أعمال التفتيش والمفاوضات والمراقبة والمواجهة حققت أونسكوم الكثير في بداية عام 1998، ورفضت بريطانيا والولايات المتحدة مناقشة إنهاء العقوبات على العراق إذا قررت أونسكوم أن العراق التزم بقرارات مجلس الأمن، وبدا واضحا أن العقوبات ستبقى مفروضة على العراق في جميع الأحوال والاحتمالات.

ودفعت العلاقة بين العراق وأونسكوم للانهيار بالإصرار على تفتيش مواقع حساسة لا صلة مباشرة لها بصناعة أسلحة الدمار الشامل ويعتبرها العراقيون حساسة من زاوية أمنهم القومي وكرامتهم وسيادتهم الوطنية، مثل مرافق الحرس الجمهوري ومكاتب الاستخبارات والأمن والقصور الرئاسية.

ورغم كل التعجيز الذي وضع في وجه تعاون العراق مع أونسكوم فإن رئيس اللجنة قال في تقريره إن الجزء الأكبر من عمليات التفتيش قد نفذ، ومن بين 300 عملية تفتيش كانت هناك خمس حوادث فقط اعتبرها تقرير بتلر مخالفة لقرار التفتيش.

وكان المسمار الأخير في نعش أونسكوم انكشاف سلسلة من الأسرار تتعلق باختراق الاستخبارات الأميركية للوكالة، وهذا ما اعترف به رئيس الوكالة رولف إيكيوس في تموز/ يوليو 2002 وسكوت ريتر الرئيس التالي، وتبين أن فريق التفتيش يضم على الأقل تسعة عملاء سريين شبه عسكريين تابعين لوكالة الاستخبارات الأميركية.

واستخدمت المخابرات الأمريكية وكالة أونسكوم في التجسس واختراق الشيفرة والاتصالات العسكرية والأمنية العراقية، وقال ريتر إنه زار إسرائيل مرات عدة واجتمع بقائد الاستخبارات الجنرال أيالون، وقدمت له إسرائيل آلات تسجيل وتصوير رقمية لتسجيل المكالمات المشفرة والمرسلة من أعمق مصادر القوة الأمنية والعسكرية العراقية.

وأشار المحلل العسكري وليام أركين أن عملية ثعلب الصحراء استهدفت في الأساس الجهاز الأمني الداخلي في العراق اعتمادا على المعلومات التي جمعت من خلال أونسكوم، وكان اغتيال الرئيس العراقي أهم بالنسبة للولايات المتحدة من تأمين نزع أسلحة العراق.

لقد كان بتلر يقدر ستة إلى ثمانية أسابيع لانتهاء مهمة أونسكوم، وبدلا من ذلك خربت الولايات المتحدة وكالة التفتيش وأعاقت عمل لجنة أنموفيك.

أسباب رفض الحرب
يورد المؤلف بعد عرضه للسياسات والخطط الأميركية تجاه العراق عشرة أسباب لرفض الحرب الأميركية، فالعراق لم يطور أو يمتلك أسلحة دمار شامل بحسب المعلومات وعمليات التفتيش والمراقبة التي أجريت، ولا يوجد رابط بين العراق وهجمات 11 سبتمبر/ أيلول، وهذه الحرب ليست من أجل الديمقراطية، بل ولا تستهدف تغيير سوى شخص الرئيس العراقي صدام حسين، ويمكن أن تؤدي إلى كارثة إنسانية وتدمر كردستان العراق، وهي حرب غير مشروعة ولا تغطيها الأمم المتحدة، وستعرض جيران العراق للخطر وهم يعارضونها. كما يعارض الحرب معظم القادة العسكريين في الولايات المتحدة، ويعارضها أغلب الناس في بريطانيا، ومن شأنها أن تسبب ركودا عالميا.

مسار أزمة العراق
يقدم المؤلف جدولا زمنيا بأهم الأحداث التي وقعت في المسألة العراقية منذ عام 1990، وأهمها قرار مجلس الأمن رقم 661 الذي يقضي بفرض عقوبات اقتصادية، والحرب الأميركية مع حلفائها عام 1991 على العراق، وانسحاب العراق من الكويت، وإلزام العراق بتفكيك أسلحة الدمار الشامل والصواريخ بعيدة المدى، وتنظيم ما يسمى منطقة حظر الطيران في شمال العراق وجنوبه، ومواصلة ضرب العراق بالصواريخ ومراقبة أرضه وأجوائه، ثم إطلاق برنامج "النفط مقابل الغذاء" تحت إشراف الأمم المتحدة عام 1996، وقد استقال منسق الشؤون الإنسانية دينس هاليداي الذي كلف من الأمم المتحدة بالإشراف على البرنامج، ثم برر استقالته بعد سنة أو أقل من العمل بالقول: إننا في مسار تدمير مجتمع بكامله.

وفي عام 1998 أوقف العراق تعاونه مع أونسكوم بعدما رفض مجلس الأمن تأكيد أن العقوبات الاقتصادية سترفع في حال التثبت من نزع الأسلحة العراقية، وبعدها قصفت القوات الأميركية والبريطانية العراق على مدى أربعة أيام "عملية ثعلب الصحراء" من دون استشارة الأمم المتحدة أو إخطارها. وفي عام 1999 كشفت معاينات أجرتها اليونيسيف في جنوب العراق ووسطه أن معدل وفيات الأطفال تضاعف من 56 حالة وفاة لكل ألف ولادة عام 1989 إلى 131 حالة وفاة لكل ألف ولادة. وفي عام 2000 استقال منسق الشؤون الإنسانية هانز فون سبونيك احتجاجا على العقوبات الاقتصادية، وواصلت أميركا وبريطانيا قصفهما لمواقع عراقية ومحطات رادار بحجة خطورتها على الطيارين الأميركان والبريطانيين. وفي عام 2002 وضعت قائمة طويلة خاصة بالسلع المزدوجة الاستخدام التي لا يسمح للعراق باستيرادها، وقد جعلت هذه القائمة التي سميت "العقوبات الذكية" الوضع الإنساني في العراق أسوأ من قبل.

ماذا تريد أميركا؟
تبدو كل الأهداف المعلنة للولايات المتحدة في العراق غير متفقة مع الحرب، بل وتبدو الولايات المتحدة وكأنها تسير بالفعل إلى غير ما تريدنا أن نقتنع بأنها تفعله، فالحرب لن تغير من النظام وستكون خسائرها كبيرة، ولن تحمي الأكراد العراقيين وقد تضعهم تحت حكم وسطوة تركيا، وهو أمر سيئ لا يريده الأكراد. ولا يبدو أن الولايات المتحدة تتعاون بجدية مع المعارضة العراقية، ومن ثم فإن مستقبل العراق سيكون إن نجحت واشنطن في حربها غير مرتبط بهذه المعارضة، ولعله على الأرجح احتلال عسكري يواصل عمليا حكم حزب البعث تحت لافتة جديدة.

وقد رفضت الولايات المتحدة الاقتراح البريطاني بإسناد دور للأمم المتحدة في مستقبل العراق، وهي ماضية في حربها دون مشورة أو تنسيق مع أحد حتى مع أقرب حلفائها بريطانيا. بل إن القوات البريطانية تعرضت مرارا لعمليات عسكرية أميركية استهدفتها بالخطأ أو بسبب رعونة راعي البقر الكاوبوي الأميركي كما قال الجنود البريطانيون.

المصدر : الجزيرة