تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003

عرض/إبراهيم غرايبة

يعرض تقرير التنمية الإنسانية العربية رؤية إستراتيجية لإقامة مجتمع المعرفة في البلدان العربية قائمة على حريات الرأي والتعبير والتنظيم وضمانها بالحكم الصالح، ونشر التعليم وتطويره وتوطين العلم وبناء قدرات البحث العلمي، والتحول نحو نمط إنتاج المعرفة وتأسيس نموذج معرفي عربي أصيل.

مسار التنمية الإنسانية العربية

undefined

-اسم الكتاب: تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003
-المؤلف: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي, والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي
عدد الصفحات:202
– الطبعة:الأولى 2003 نيويورك

اكتسب مفهوم التنمية الإنسانية اهتماما كبيرا منذ تبني برنامج الأمم المتحدة للمصطلح عام 1990 عندما بدأ إصدار تقرير التنمية البشرية.

ويقوم المفهوم على أن البشر هم الثروة الحقيقية للأمم، وأن التنمية الإنسانية هي توسيع خيارات البشر، وهذا يعني مركزية الحرية في التنمية الإنسانية، حتى إن بعض الكتابات النظرية تساوي بين التنمية والحرية.

وتقوم عملية التنمية الإنسانية على محورين أساسيين، هما بناء القدرات البشرية التي تمكن من التوصل إلى مستوى راق في الرفاه الإنساني، كالعيش حياة طويلة وصحية واكتساب المعرفة والحرية.

ورغم أن الدول العربية حققت إنجازات كبيرة في التنمية البشرية فإن السمة الغالبة على مشهد الواقع العربي الراهن هي وجود نواقص في البنية المجتمعية العربية تعوق بناء التنمية الإنسانية أجملها تقرير العام 2002 في ثلاثة نواقص، هي الحرية وتمكين المرأة وبناء القدرات الإنسانية وخاصة المعرفة.

وقد حدثت في العامين الماضيين أحداث كبرى أثرت على التنمية الإنسانية في الدول العربية، ومنها أحداث سبتمبر/ أيلول والاحتلال الأميركي للعراق، وكان من تداعيات هذه الأحداث أن الحرب على الإرهاب استخدمت ذريعة لانتهاك الحريات والحقوق العامة، وكان لمواصلة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية أثر واضح في زيادة العبء الاقتصادي على الفلسطينيين والدول العربية.

وكان لبناء المستوطنات والجدار العازل آثار تدميرية على الممتلكات والبنى الأساسية الفلسطينية، وعلى الآمال بقيام اقتصاد فلسطيني قادر على الحياة. وكان للاحتلال الأميركي للعراق آثار مباشرة في انتهاك حقوق الإنسان، وفي دمار مادي بالغ على التراث العراقي والأماكن الدينية والتاريخية، ويتعرض العلماء العراقيون لملاحقة يخشى أن تؤدي إلى وقف البحث العلمي.



مجتمع المعرفة


ضعف منطومة المعرفة وتفشي آليات اجتماعية بديلة لحل المشكلات المجتمعية يؤدي بصناع القرار إلى الانكفاء على ما ألفوه من وسائل وآليات

يقوم مجتمع المعرفة على اكتساب المعرفة وإنتاجها وتوظيفها في خدمة التقدم، وهناك أربعة جوانب مهمة للسياق الاجتماعي لمنظومة اكتساب المعرفة، وهي العلاقة مع النشاط المجتمعي، خاصة في الإنتاج، ودور الدولة والبعد القومي والبيئة العالمية.

وبلغة الاقتصاد تعنى إقامة مجتمع المعرفة تأسيس نمط إنتاج المعرفة عوضا عن هيمنة الإنتاج الريعي القائم اليوم في أغلب البلدان العربية، وتتعدد أنماط الطلب على المعرفة من المجتمعات والدولة، وتؤثر فيها القدرة الشرائية.
وقد لعبت الأسر العربية دورا مهما في تقدير التعليم ورفع شأنه، وكان الحصول على مستوى عال من التعليم قضية أساسية لديها لتمكين أبنائها من الحصول على مكانة عالية في المجتمع، غير أن هناك جانبا آخر لقصور السياق المجتمعي في البلدان العربية عن إنشاء طلب فعال على المعرفة.
فمع ضعف منظومة المعرفة وتفشي آليات اجتماعية بديلة وناجعة لحل المشكلات المجتمعية كالمحسوبية والمحاباة، تسود انطباعات عن عدم جدوى المعرفة في حل مشكلات النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، أو صعوبة التوصل لمثل هذه المعرفة، ما يؤدي بصناع القرار إلى الانكفاء على ما ألفوه من وسائل وآليات تصرف.
حال المعرفة
تواجه عمليات نشر المعرفة في البلدان العربية في مختلف مجالاتها في التنشئة والإعلام والترجمة صعوبات عدة من أهمها شح الإمكانيات المتاحة للأفراد والأسر والمؤسسات والتضييق على نشاطها، وكان من نتائج ذلك قصور فعالية هذه المجالات عن تهيئة المناخ المعرفي والمجتمعي اللازمين لإنتاج المعرفة.
وتشير الدراسات إلى أن أكثر أساليب التنشئة انتشارا في الأسرة العربية هي أساليب التسلط والحماية الزائدة، ما يؤثر على نمو الاستقلال والثقة بالنفس والكفاءة الاجتماعية، ومازال الوضع العام للتعليم متواضعا مقارنة بإنجازات دول أخرى حتى في بلدان العالم النامي ومقارنة باحتياجات التنمية الإنسانية.
وما زال التوسع الكمي في التعليم منقوصا بسبب ارتفاع معدلات الأمية، ولكن المشكلة الأخطر في التعليم في البلدان العربية هي تردي نوعيته، وهذا يقوض أحد أهم أهدافه الأساسية، وهو تحسين نوعية الحياة وإغناء قدرة المجتمعات، ويطرح تحديات خطيرة في وجه المكونات الرئيسية للنظام التربوي التي تؤثر في نوعية التربية والتعليم، وهي السياسات التعليمية والمدرسون والمناهج الدراسية.
وتعتبر وسائل الإعلام من أهم آليات نشر المعرفة، ولكن مازال الإعلام العربي ووسائط الوصول إليه وبنيته التحتية ومضمونه يعاني من الضعف والقصور، ما يجعله دون مستوى التحدي في بناء مجتمع المعرفة، فعدد الصحف في البلدان العربية يقل عن 53 لكل 1000 شخص مقارنة مع 258 صحيفة لكل 1000 شخص في البلدان المتقدمة.
والصحافة في أغلب البلدان العربية تحكمها بيئة تتسم بالتقييد الشديد لحرية الصحافة والتعبير عن الرأي، وتكشف الممارسات الفعلية في كثير من البلدان العربية عن انتهاكات مستمرة للحريات الصحفية والتضييق عليها بالعقوبات والتهديد، ومازال نمط ملكية الدولة هو السائد، خاصة في ما يتعلق بالإذاعة والتلفزيون.
وقد شهد العامان الأخيران حركة ملموسة في الحياة الإعلامية العربية، فقد نشأت قنوات فضائية عربية قادرة على منافسة أعتى المؤسسات التلفزيونية العالمية في السبق على الخبر والصورة، وعلى بث روح جديدة في الشاشات العربية ساهمت في جعل قنوات فضائية عربية كثيرة من القنوات الحكومية والرسمية تتجه نحو الحرية والإبداع والمنافسة.
وتعتبر الترجمة من القنوات الهامة لنشر المعرفة والتواصل مع العالم، إلا أن حركة الترجمة العربية مازالت مشوبة بالفوضى والضعف، فكان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون شخص من العرب في السنوات الأولى من الثمانينيات يساوي: 4.4 كتب، أي أقل من كتاب واحد كل سنة، بينما بلغ 519 كتابا في المجر، 920 كتابا في إسبانيا.
وفي حين يمتلك العالم العربي ثروة بشرية مهمة وقادرة على حفز صحوة معرفية فإن الثروة هذه مهددة بفعل سياسة ما أو بيئة مؤسسية غير مؤاتية للبحث العلمي والتطوير التربوي.
ويعاني البحث العلمي من شح الإنتاج، وضعف في مجالات أساسية، وشبه غياب في حقول متقدمة مثل المعلوماتية والبيولوجيا الجزئية، ويعاني البحث العلمي أيضا من انخفاض الإنفاق عليه وغياب الدعم المؤسسي وعدم توافر البيئة العلمية المؤاتية لتنمية العلم وتشجيعه وانخفاض عدد المؤهلين للعمل في مجاله.
ويعاني الإنتاج الأدبي من قلة عدد القراء بسبب الأمية وضعف القوة الشرائية للقارئ العربي، فلا يتجاوز الإنتاج العربي في مجال الكتب 1.1% من الإنتاج العالمي رغم أن العرب يشكلون 5% من عدد سكان العالم.


البنية الاقتصادية



ساهم القمع والتهميش في قتل الرغبة في الإنجاز والسعادة والانتماء، وساد الشعور باللامبالاة والاكتئاب السياسي

يغلب على نمط الإنتاج السائد في البلدان العربية أنه يعتمد على استنضاب المواد الخام، وعلى رأسها النفط، وهو ما يسمى الاقتصاد الريعي، ما يضعف الطلب على اقتصاد المعرفة ويهدر فرص إنتاجها محليا وتوظيفها بفعالية في النشاط الاقتصادي.

وكان لتوزيع السلطة الذي توازى في أحيان مع توزيع الثروة في البلدان العربية آثاره على الأفراد والمجتمعات، مثل استشراء المنفعة، وتقديم الخير الخاص على الخير العام، والفساد الاجتماعي والأخلاقي، وغياب النزاهة والمسؤولية، وأمراض أخرى كثيرة ترتبط ارتباطا مباشرا أو غير مباشر بالتفاوت غير العادل بين الناس.

كما أصابت الفورة النفطية عددا من القيم والحوافز الاجتماعية التي كان يمكن أن تؤازر وتسند الإبداع واكتساب ونشر المعرفة، ولكن القيم السالبة التي انتشرت من خلال الفترة الماضية قعدت بالإبداع وأفرغت المعرفة من مضمونها التنموي والإنساني، فقد ضعفت القيمة الاجتماعية العليا للعالم والمتعلم والمثقف، وكادت تنحصر في الثراء والمال بغض النظر عن الوسائل المؤدية إليهما، وحلت الملكية محل المعرفة والعلم، كما فقدت المرحلة الراهنة قيم نمط الوجود الذي يتميز بالاستقلالية والحرية وحضور العقل النقدي والنشاط الإيجابي الفاعل.

وأسهم القمع والتهميش في قتل الرغبة في الإنجاز والسعادة والانتماء، ومن هنا ساد الشعور باللامبالاة والاكتئاب السياسي ومن ثم ابتعاد المواطنين عن المشاركة في إحداث التغيير المنشود.

وقد نجم عن البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الطاردة إضافة إلى عوامل الجذب في الدول الأخرى إلى تنامي ظاهرة هجرة العقول العربية، بما في ذلك من هدر على الدول والمجتمعات وضياع للفرص، ويقدر عدد الجامعيين العرب المهاجرين إلى أوروبا وأميركا عام 1995/1996 بـ75 ألفا، وكان عدد الأطباء العرب المهاجرين بين العامين 1998 و2000 حوالي 15 ألف طبيب.

الحرية والتنمية الإنسانية

تبدو المعوقات السياسية لاكتساب المعرفة أشد وطأة من المعوقات الاجتماعية والاقتصادية، فالسلطة السياسية في البلدان العربية تعمل على تدعيم النمط المعرفي الذي ينسجم مع توجهاتها وأهدافها، وتحارب الأنماط المعرفية المعارضة، وبسبب غياب التنافس السياسي والتداول السلمي للسلطة تخضع المؤسسات العلمية للإستراتيجيات السياسية والصراع على السلطة، وتتقدم مقاييس الولاء في الاختيار للإدارة والترقية بدلا من الكفاءة والمعرفة.

وأدى التقييد على البحث والإبداع العلمي إلى تكبيل العقول وإخماد جذوة المعرفة وقتل حوافز الإبداع. وتقوم السلطات الأمنية متجاوزة المؤسسات الدستورية والقوانين بمصادرة المطبوعات ومنع بعضها من الدخول والتداول والعرض والتسويق.

السياق التنظيمي لاكتساب المعرفة

يتطلب اقتصاد المعرفة تعزيز فعالية السياق التنظيمي لإنتاج المعرفة بما يضمن قيام نسق للابتكار يقوم على الإدارة الفعالة لنقل التقانة من خارج المجتمع، واستيعابها في النسيج المجتمعي، وتنشيط إنتاج المعرفة المؤدي إلى توليد تقانات جديدة بما يحقق غايات الكفاءة الإنتاجية والتنمية الإنسانية.

إن اقتصار سياسات التصنيع العربية على مفهوم اقتناء وسائل الإنتاج وعدم الاهتمام بالسيطرة على التقانات وتوطينها كان معناه أن تقادم التقانات المستخدمة في المشروعات الإنتاجية حولها إلى مؤسسات غير قادرة على المنافسة.


تواجه عملية ترويج نتائج البحث والتطوير صعوبات وعقبات أساسية بسبب ضعف الروابط بين مؤسسات البحث والتطوير وقطاعات المجتمع الإنتاجية

وقد احتفظت الشركات عابرة الحدود التي فتح لها المجال للاستثمار في الدول العربية وغيرها لنفسها بأجزاء عمليات الإنتاج ذات الكثافة المعرفية والمتطلبات العالية في مستوى المهارة البشرية، ولم تسمح بالمشاركة في الإنتاج والتصنيع إلا للمواد والمكونات الأقل تقدما من الناحية التقانية أو التي لا تتطلب مستويات عالية من المهارات.

ويرى بعض الباحثين أن جل عمليات التصنيع والاقتناء التقاني التي قام بها العرب في نصف القرن الماضي لم تؤد إلى الفائدة المرجوة، فقد استثمر العرب بين العام 1980 و1997 أكثر من 2500 بليون دولار في تكوين رأس المال الثابت الإجمالي، لكن متوسط الناتج المحلي للفرد قد انخفض خلال هذه الفترة، وقد انخفضت الإنتاجية الزراعية والصناعية.

وتواجه عملية ترويج نتائج البحث والتطوير صعوبات وعقبات أساسية بسبب ضعف الروابط بين مؤسسات البحث والتطوير وقطاعات المجتمع الإنتاجية وقصور ملحوظ في ممارسة النشاطات الابتكارية، وبقي الجزء الأكبر من الإنجازات البحثية والتطويرية والإبداعية التي تتم في مؤسسات البحث والتطوير العربية غير مكتمل من حيث الوصول إلى حيز الاستثمار.

المصدر : غير معروف