انتفاضة الأقصى وقرن من الصراع

عرض/ إبراهيم غرايبة
يجمع هذا الكتاب أعمال ثلاث حلقات بحثية نظمتها مؤسسة عبد الحميد شومان للثقافة والفنون حول انتفاضة الأقصى والصراع العربي الإسرائيلي، وشارك فيها مجموعة كبيرة من الباحثين والمفكرين. والأعمال المتفرقة التي جمعت في الكتاب لم تجعله وحدة موضوعية متماسكة ومتكاملة, فهي بحوث وأعمال قد يكون بينها تكرار وتداخل, ولكنها في مجملها تقدم رؤية شاملة وتعبر عن تفكير النخبة العربية نحو القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.


undefined-اسم الكتاب: انتفاضة الأقصى وقرن من الصراع
–المؤلف: جورج جبور وآخرون، مراجعة وتقديم: حسن نافعة
-عدد الصفحات: 460
-الطبعة: الأولى 2002
الناشر: مؤسسة عبد الحميد شومان للثقافة والفنون، ودار الشروق، عمان

وامتدت الأعمال المنشورة على مدى عام 2001, وقد تطورت فيه أحداث كثيرة ومهمة جدا مثل أحداث 11 سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة, وتطور الانتفاضة بدءا من نهاية شهر آذار/ مارس عام 2002 لم تحط بها الأعمال المنشورة, فهذا شأن الكتب في القضايا المتغيرة والمتجددة.
وتقع أعمال الكتاب في خمسة محاور هي:

  1. جذور الصراع، ويضم أعمال جورج جبور، وعبد الوهاب المسيري، ومحمد علوان، وسلمان أبو ستة.
  2. أبعاد الصراع، ويضم أعمال إسحق فرحان، ووليد عبد الحي، ومصطفى علوي.
  3. مأزق التسوية السياسية، ويضم أعمال هيثم الكيلاني، ومسعود ضاهر، ومحمد علي الفرا، وعبد الإله بلقزيز.
  4. انتفاضة الأقصى: الأسباب والدلالات والتحديات، ويضم أعمال غسان الخطيب، وإبراهيم الدقاق، وميشال إدة، وتيسير الزبري، وعلي الجرباوي، ومصطفى البرغوثي.
  5. مستقبل الصراع، ويضم أعمال أحمد صدقي الدجاني، وعبد العظيم أنيس.


هزيمة الصهيونية حتمية لأن مصدر تفوقها هو السياسة الدولية ولكنها تبدو خاسرة من خلال المنظورات الأخرى للصراع

جذور الصراع
تعود جذور الصراع العربي الإسرائيلي إلى انطلاق الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وقد نجحت هذه الحركة في إبعاد معظم الشعب الفلسطيني من أرضه وأنكرت عليه حقوقه الأساسية وبخاصة حق العودة إلى أرضه وتقرير مصيره.

ويعالج هنا جورج جبور خصوصية الحركة الصهيونية مقارنة بالتجارب التاريخية الأخرى, من منظور التجربة التاريخية للصراعات القومية: فيرى أن الصراع وإن كان يبدو فلسطينيا إسرائيليا فإنه صراع قومي، ومنظور التجربة التاريخية للاستعمار الاستيطاني: وقد نجحت الصهيونية في قلب المعادلة السكانية لصالحها ولكنها لم تتمكن من حسمها نهائيا، ومنظور التجربة التاريخية للصراعات الدينية: ويرى الباحث أن العمليات الاستشهادية هي تجسيد حي لاستدعاء البعد الديني والذي كان حاضرا على الدوام بقوة، ومنظور العلاقة مع النظام الدولي: وقد نجحت الصهيونية في أن تظل على الدوام جزءا عضويا من نسيج القوى المهيمنة. ويخلص الباحث إلى حتمية هزيمة الصهيونية لأن مصدر تفوقها هو السياسة الدولية ولكنها تبدو خاسرة من خلال المنظورات الأخرى للصراع.

ويناقش المسيري الطبيعة الوظيفية للدولة الصهيونية وهي القتال مقابل المال لأي قوة إستراتيجية تدفع الثمن، ويرى أن بنود الإجماع الصهيوني بدأت تهتز الواحدة تلو الأخرى، ويرى أن مصير إسرائيل سيكون مثل كل الممالك الوظيفية والمستعمرات الاستيطانية وأن نجاحها واستمرارها يعتمد على إبادة السكان الأصليين كما حدث في أميركا وأستراليا.

ويقدم أبو ستة مرافعة قوية تدافع عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض معا، ويناقش مقولات الحركة الصهيونية حول الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية ويفندها، ويقوم خطة واضحة لعودة اللاجئين تقوم على سبع مراحل تبدو منطقية ومعتدلة وقابلة للتطبيق.


بنود الإجماع الصهيوني بدأت تهتز الواحد تلو الآخر، ومصير إسرائيل سيكون مثل كل الممالك الوظيفية والمستعمرات الاستيطانية, ونجاحها واستمرارها يعتمد على إبادة السكان الأصليين كما حدث في أميركا وأستراليا

أبعاد الصراع
لم تكن القضية الفلسطينية والتي تشكل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي قضية محلية أو إقليمية فقد ولدت واستمرت دولية الطابع, وأسباب دوليتها تقع في عالمية الحركة الصهيونية وارتباطها بالاستعمار العالمي، ولأنها متعلقة بأرض عربية ومقدسات إسلامية تجعل العرب والمسلمين يعتبرونها قضيتهم الأساسية. ويقدم هنا د. وليد عبد الحي قراءة لمستقبل الصراع على ضوء الأبعاد الدولية ويجيب عن أسئلة أربعة يراها مدخل التفكير المستقبلي في القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي وهي:

  1. هل تغيرت المكانة الإستراتيجية للوطن العربي نتيجة التحولات العميقة في بنية النظام الدولي؟ وهل تغيرت الوظيفة الإستراتيجية لإسرائيل في إطار المنظومة الإستراتيجية الغربية؟
  2. ما مدى التطابق بين المنظور الأوروبي والأميركي في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي؟ وهل المشروعات المتوسطية والشرق أوسطية تعبر عن تباينات في المصالح الإستراتيجية بين أوروبا والولايات المتحدة؟
  3. ماذا يمكن الاستنتاج من العلاقات الإسرائيلية مع الصين واليابان؟ هل هي تكرار لنمط تاريخي صهيوني في التنقل نحو مراكز الثقل المحتملة في النظام الدولي لنسج شبكة من العلاقات مع هذه المراكز واستمرار الوظيفة الإستراتيجية؟
  4. إلى أي مدى كثفت الانتفاضة الفلسطينية الأبعاد الواردة في الأسئلة السابقة؟ وما دلالة المسافة السياسية بين المطلب الفلسطيني بالحماية الدولية ولجنة تقصي الحقائق الأميركية وإرسال مراقبين دوليين طبقا لما اقترحته فرنسا؟ إلى أي مدى يمكن اعتبار بيانات منظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مؤشرا على الضغط الأخلاقي على إسرائيل؟

تعمل إسرائيل على تحقيق الاحتفاظ بدور إستراتيجي يبرر استمرار دعمها، وأن تكون دولة مركزا لإقليم يدفع الدول الكبرى إلى الاعتماد عليها لضمان مصالحها. وهنا يجب ملاحظة أن الولايات المتحدة تدخلت بحزم لإلغاء صفقة إسرائيلية صينية في مجال طائرات التجسس, فهذا يعطي مؤشرا على طبيعة الوظيفة الإسرائيلية في نطاق المنظومة الإستراتيجية الأميركية ومحدودية درجة الاستقلال الإسرائيلي.
ويلاحظ د. وليد عبد الحي تنامي الدور الآسيوي, ويرجح أن تكون كل من الصين واليابان قوة مؤثرة في المستقبل القريب.

ويرى ذلك فرصة للعرب للمشاركة في نظام عالمي متوازن القوى، ويدعو العرب إلى تمتين علاقتهم مع اليابان والصين وألمانيا، فهي دول ليس لها تراث استعماري في المنطقة العربية، ولا توجد نخبة سياسية عربية مرتبطة بها مصلحيا وتاريخيا كما الحال مع النخب الفرنكوفونية والإنجلوفونية، ولا يوجد فيها لوبي صهيوني مؤثر. وتمثل الصين واليابان نموذجا شرقيا منسجما مع التقاليد العربية والقيم الإسلامية والمسيحية، وتقدمان نموذجا بديلا في التنمية قائما على الروابط الأسرية، وتستطيع اليابان وألمانيا توفير تقنية متقدمة في جميع المجالات, وهي دول تحتاج إلى نفط العرب أكثر من أوروبا والولايات المتحدة، وقد تحظى اليابان وألمانيا بمقعد دائم في مجلس الأمن، وتتنامى قوتهما البحرية بوتيرة أسرع من تنامي البحرية الأوروبية.


يستبعد أن يحسم الصراع من خلال المفاوضات والتسوية السياسية وسيبقى الخلاف قائما حول العودة والمياه والسلاح والدور الإقليمي

مأزق التسوية السياسية
جرت محاولة جادة من جانب الدول العربية للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي بدأت في أعقاب حرب 1973, وكما جرت المواجهات العسكرية في غياب إستراتيجية عربية موحدة لإدارة الصراع العسكري مع إسرائيل جرت أيضا محاولات التسوية السياسية في غياب إستراتيجية عربية موحدة لإدارة سلمية عربية للصراع مع إسرائيل، ولذلك فقد سلكت التسوية طرقا متعرجة بدأتها مصر منفردة في أواخر السبعينات قبل أن تنضم إليها بقية الدول العربية عقب حرب الخليج الثانية، وقد أدت عملية التسوية إلى توقيع معاهدتي سلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن واتفاق مرحلي مع منظمة التحرير الفلسطينية راح يتعثر ليدخل مأزقا يبدو أنه لا فكاك منه، وتعثر المساران السوري واللبناني.

ويجد عبد الإله بلقزيز أن إسرائيل لا تريد تسوية سياسية للصراع وأن المفاوضات التي جرت في هذا السياق كانت في إطار مموه وعلى مقاس القرار الأميركي، ويقترح دعم الانتفاضة ووقف التطبيع والاستمرار في المقاطعة وإلغاء المعاهدات الموقعة مع إسرائيل. وبالرغم من عدم إيمانه بالتسوية من حيث المبدأ فإنه يطالب بحل سياسي في إطار مؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة، ولكنه يستبعد أن يحسم الصراع من خلال المفاوضات والتسوية السياسية, فسيبقى الخلاف قائما حول العودة والمياه والسلاح والدور الإقليمي.

انتفاضة الأقصى
أكدت الانتفاضة الفلسطينية على أن النظرية الإسرائيلية قائمة على القوة, فقد أدت الانتفاضة إلى انتخاب شارون رئيسا لوزراء إسرائيل، وقد تكون المقاومة الوطنية اللبنانية ألهمت الانتفاضة الفلسطينية ورسمت لها الطريق كما يرى ميشال إدة، وبالرغم من أنها (الانتفاضة) ليست طريق تحرير فلسطين فإنها تمهد له، وقد يكون ثمة خلل في تقدير الانتفاضة، فالبعض يرى أنها ليست أكثر من وسيلة للعودة إلى المفاوضات، والبعض الآخر يرى لها دورا أسطوريا يفوق قدراتها وآفاقها، ولكنها في جميع الأحوال اندلعت في غياب فرصة حقيقية للتسوية السياسية.

ويرصد علي الجرباوي مكامن الخلل في الانتفاضة فيجدها في:

  1. مأزق السلام والاعتراف بإسرائيل قبل تحديد حدودها مما جعل الأراضي الفلسطينية أراضي متنازعا عليها.
  2. مأزق المفاوضات, فقد كان الحد الأدنى للمطالب الفلسطينية -وهو الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 وفق قراري الأمم المتحدة رقم 242 & 338- هو السقف الأعلى للمفاوضات.
  3. مأزق الانتفاضة، فليس ثمة اتفاق عام حول أهدافها ووسائلها.
  4. مأزق الوضع الفلسطيني في غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية.

ويرى مصطفى البرغوثي أن الانتفاضة حققت إنجازات مهمة منها: تجديد الكفاح الفلسطيني، توحيد القوى الوطنية والإسلامية، إحياء دور الجماهير، إعادة القضية الفلسطينية إلى موقع القلب في الاهتمام والرأي العام العربي، الضغط على عناصر الضعف الإسرائيلية.


مساحة الاتفاق بين النخب العربية تصلح أساسا لعمل عام ومنها: طبيعة الحركة الصهيونية، حق العودة للشعب الفلسطيني، فشل التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، الدور الإيجابي للانتفاضة، الثقة بالنصر النهائي للعرب وهزيمة المشروع الصهيوني

مستقبل الصراع
يستند أحمد صدقي الدجاني في رؤيته لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي على أن الأمة العربية لاتزال حية, فقد هزمت الاحتلال الإسرائيلي في لبنان واستعادت الدور المؤسسي للقمة العربية, واندلعت انتفاضة الأقصى مؤكدة على الإرادة العربية والإصرار على هزيمة الاحتلال. ويرى فرصا مستقبلية في تفجير تناقضات المستعمر وتحول إسرائيل إلى عبء إستراتيجي على الغرب، وتطوير النظام العربي وفاعليته.

أما عبد العظيم أنيس فيربط مستقبل القضية الفلسطينية بالنهضة العربية وإطلاق العمل الشعبي والمبادرات الجماهيرية.

ويبدو من دراسات الكتاب المتنوعة والمتعددة أن مساحة الاتفاق بين النخب العربية تصلح أساسا لعمل عام ومنها: طبيعة الحركة الصهيونية، حق العودة للشعب الفلسطيني، فشل التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، الدور الإيجابي للانتفاضة، الثقة بالنصر النهائي للعرب وهزيمة المشروع الصهيوني.

وتختلف وجهات النظر حول الإدارة العربية للصراع مع إسرائيل، والإدارة العربية للعلاقة مع القوى الخارجية، وأداء الانتفاضة وإنجازاتها.

المصدر : غير معروف